دلالات التوقيت.. لماذا تتصاعد الاشتباكات بين “داعش” وإيران؟
في الـ 16 من يناير الجاري، أعلن الحرس الثوري الإيراني، إطلاقه صواريخ باليستية على قواعد الجماعات الإرهابية المناهضة لإيران في الأراضي السورية، وقبل هذا التاريخ وبالتحديد في الـ ٣ من الشهر نفسه، شهدت محافظة كرمان جنوبي إيران وقوع انفجاريين داميين، بالقرب من قبر القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني”، تزامنا مع إحياء الذكري الثانوية الرابعة لمقتله، والذي اُغتيل في العاصمة العراقية بغداد، جراء العملية العسكرية الجوية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية حينئذ.
وفي ظل تصاعد الاشتباكات بين تنظيم داعش وإيران بطريقة مباشرة أو عبر أذرعها الصلبة في المنطقة، يبقى السؤال، وهو: لماذا تستهدف داعش إيران في هذا التوقيت، وما هو تأثير رد الفعل الإيراني المتمثل في الضربات العسكرية القوية على واقع التنظيم في مربعاته القديمة؟
يذكر أنه قُتل في تفجيرات كرمان هذه أكثر من مائة شخص وأُصيب العشرات. وقد أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عن هذه التفجيرات، والتي تعد العملية الثانية داخل الجمهورية الإيرانية، من قبل داعش، منذ تولي “أبي حفص الهاشمي القرشي” مسئولية قيادة التنظيم في أغسطس 2023.وخلال الأشهر الثلاثة الماضية تنامي نشاط تنظيم داعش في أغلب دول ارتكازه، وصولا إلي تفجيرات كرمان الدامية مطلع العام الجديد، والتي تلاها أيضا من تنفيذ التنظيم ما يزيد عن 30 عملية تفجيرية امتدادا من العراق وسوريا، إلى الكونغو ومالي ونيجيرياوموزمبيق والفلبين وأفغانستان، ومن المرجح أن تشهد دول أخرى المزيد من الهجمات الإرهابية الداعشية خلال الفترة المقبلة.
داعش في 2024:
بالتزامن مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الرابع، علي ما يبدو أن للتنظيم العديد من الأهداف والرسائل التي يحاول توجيهها وتحقيقها الآن ومستقبلا، في ظل احتمالية توسيع نطاق نشاط تنظيم داعش العملياتي.
يبدو أن تنظيم داعش أراد الترحيب بالعام الجديد علي طريقته الخاصة، مع الأخذ في الحسبان أنه كان هنالك تراجعا في عدد ومستوي العمليات الإرهابية التي يقوم بها خلال عامي 2022 و 2023، وها قد جاءت عملية تفجيرات كرمان في إيران بالتزامن مع سلسلة من العمليات الإرهابية التي قام التنظيم بتنفيذها في أغلب مناطق ارتكازه، بداية من شرق آسيا وصولا إلى غرب ووسط إفريقيا، حيث وصل عدد العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم خلال يومي 3 و4 يناير الجاري 2024، حوالي 33 عملية إرهابية، في تسعة دول تقريبا من دول الارتكاز.
أما الحديث عن التفجيرات الذي وقعت في مدينة كرمان الإيرانية، فله بُعدا خاصا، سيما أنه في توقيت إحياء ذكري مقتل القائد الإيراني سليماني، الذي قد صرح بعض المسئولين الإيرانيين في الأيام القليلة الماضية، عن ارتباط اغتياله بما يحدث في قطاع غزة وعملية طوفان الأقصي التي وقعت في السابع من أكتوبر 2023. وعقب العملية التفجيرية في كرمان مباشرة وقبل إعلان تنظيم داعش مسئوليته عنها، ثارت التساؤلات والتكهنات حول المسئول عن هذه العملية. وكيف سيكون رد الفعل الإيراني إذا كان المسئول عنها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لذا دارات بالفعل سجالات واتهامات بين طهران وبين تل أبيب وواشنطن بشأن التفجيرات، واتهامها لهما بالوقوف خلف هذه العملية، كونها تأتي في خضم تصعيد الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط في ظل العدوان الإسرائيلي علي غزة، والشد والجذب بين إيران وأذرعها من جهة، وإسرائيل وأمريكا من جهة أخري، لكن قبل مرور 24 ساعة علي عملية تفجيرات كرمان، أصدرت مؤسسة الفرقان (الذرع الإعلامي لتنظيم داعش) بيانا أعلنت فيه عن مسئولية التنظيم عن التفجيرين. وعلي الرغم من ذلك، إلا أن وكالة الأنباء الإيرانية (تسنيم) اتهمت إسرائيل بأنها هي التي أمرت تنظيم داعش بتحمل المسئولية عن التفجيرات.
دلالات تفجيري كرمان:
يُعرف عن تنظيم داعش أنه عدوا لإيران، وتبنيه مسئولية هذه العملية التي تمثل ضربة قوية للنظام الإيراني، واختراق للمنظومة الأمنية الإيرانية الداخلية، له أبعاد غاية في الخطورة، لاسيما في ظل التوترات التي تشهدها الساحة الإقليمية، ومحاولة طهران في الوقت ذاته النأي بنفسها عن الانجرار في حرب واسعة، والعمل علي حفظ الأمن الداخلي. وفكرة ظهور تنظيم داعش بهذه الصورة وتنفيذه لهذه العملية زمانيا ومكانيا، تعطي انطباعا ذهنيا أوليا عن محاولات إعادة الإحياء أو السيطرة فيالمنطقة من خلال عدة دلالات وأهداف هامة وهي:
(-) أولا، الدلالات: هنالك العديد من الدلالات المرتبطة بهذ العملية، يعد من أبرزها:
(*) التوقيت: فمن حيث الزمان، وهو ذكري إحياء مقتل “قاسم سليماني”، قائد فيلق القدس السابق والذي لعب دورا رئيسيا في هزيمة داعش في كل من سوريا والعراق في العقد الماضي. ومن حيث المكان فقد تم اختيار القرب من قبر سليماني نظرا لوجود العديد من الأشخاص وبالتالي ضمان الإيقاع بأكبر عدد ممكن من القتلي أو المصابين، من خلال تنفيذ تفجيرين متتاليين في وقت قصير، وهذا النوع من العمليات التفجيرية يسمي لدي تنظيم داعش ب (تكتيك الهجوم المزدوج).
(*) المضمون: إرسال رسالة ردع قوية إلى طهران وحلفائها خاصة أذرعها الممتدة في منطقة الشرق الأوسط، من خلال اختراق منظومة الأمن الإيراني وإحداث تفجيرات بهذه القوة وهذا التأثير وفي هذه الحدث الذي يجتمع فيه العديد من قيادات الحرس الثوري الإيراني مع المواطنين، في ظل أنه من المفترض في مثل هذه المناسبات الهامة أن تشهد البلاد حالة كبيرة من الاستنفار الأمني وهو ما تم إثبات فشله في الداخل الإيراني علي يد تنظيم داعش. كما يحاول التنظيم أيضا إثبات وجودنشاطه الجهادي علي الساحة مرة أخري في ضوء التوترات الإقليمية والدولية القائمة. خاصة بعد موجة تراجع نشاطه الملحوظة تحديدا في العام الماضي 2023، بعد استهداف العديد من قياداته وموارده في سوريا والعراق.
(*) الجذب الإعلامي: جاءت تفجيرات كرمان الإيرانية بالتزامن مع دخول العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة شهر الرابع دون هوادة والذي صاحبه مؤخرا عمليات اغتيال لقيادات إيرانية و قيادات في محور المقاومة، وكذلك التفاف القوي الكبري حول إسرائيل بالدعم المطلق ماديا ومعنويا. لذا من المرجح أن تنظيم داعش أراد توظيف هذه العملية في ظل الوضع الراهنمن أجل الجذب الإعلامي نحوه وأن يتردد اسمه في الأوساط مرة أخري بقوة، فقد لاقت التفجيرات بالفعل أصداء واسعة علي الصعيدين الإقليمي والدوليوهو ما قد يمثل مكاسب قوية للتنظيم، منها استقطاب المزيد من العناصر الجهاديةللانضمام إليه والسعي نحو إعادة التموضع مرة أخري، وهذه النقطة سنشير إليها لاحقا في الأهداف.
(-) أهداف عملية كرمان، تتمثل أبرز أهداف تنظيم داعش من خلال هذه العملية، كالتالي:
(*) استقطاب عناصر القاعدة: بعد انفصال تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة في عام 2014، بسبب عدة خلافات أبرزها “الخلافات الفكرية”، ومع انخفاض النشاط العملياتي لتنظيم داعش خاصة خلال العامين الماضيين، لذا تميل أراء الخبراء في هذا الصدد إلي أنه ربما أرادت قيادة التنظيم الحالية بتنفيذ مثل هذه العملية الآن، محاولة جذب واستقطاب لعناصر القاعدة، خاصة المتواجدين في سوريا واليمن، بعد خلافات طويلة وحالة من الانفصال بين الجانبين، وتراجع نسب الانضمام إلي صفوف التنظيم بشكل عام.
(*) استغلال تراجع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب: ففي ظل انشغال المجتمع الدولي بالحروب والأزمات الراهنة، تراجعت جهود مكافحة الإرهاب من قبل التحالف الدولي لمكافحة داعش في سوريا والعراق، واستغل تنظيم داعش هذا الانشغال، وعاد إلي نشاطه العملياتي مرة أخري، محاولا إحياء أماكن سيطرته خاصة في سوريا، التي تشهد فراغا قويا في جهود مكافحة الإرهاب، وهذا الفراغ بدوره دفع التنظيم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إلي إعادة إحياء “الخلافة المكانية” في سوريا.
(*) محاولة إحياء الخلافة المكانية: بعد الهزيمة التي تعرض لها تنظيم داعش في عام 2019، في الباغوز في سوريا، فقد علي إثرها التنظيم جزءا جغرافيا هاما يعرف ب “الخلافة المكانية”. لذا فهو يسعي الآن لإعادة الهيمنة والسيطرة الجغرافية مرة أخري في سوريا، وهذا ما حدث بالفعل من خلال العمليات التي قام بها في الأسابيع القليلة الماضية، خاصة بعد تولي “أبي حفص الهاشمي القرشي” قيادة التنظيم، حيث تمكن من السيطرة علي بعض مناطق البادية وإعادة نشاطه في غرب وشرق نهر الفرات.
(*) زعزعة التقارب بين إيران وأفغانستان: ثمة معلومات استخباراتية أمريكية تشير إلى أن الفرع المرتكز في أفغانستان التابع لتنظيم داعش هو المسئول عن تفجيرات كرمان الأخيرة في إيران، خاصة أن هذا الفرع يحتفظ بخلايا قوية في المناطق الحدودية مع إيران وباكستان ولديه خبرة قتالية وهجومية عالية ويعتمد علي تكتيك (الذئاب المنفردة) في مثل هذه العمليات، حتي يصعب التنبؤ بها وتعقب منفذيها أمنيا. ويمكن تفسير هذه المعلومات طبقا للخبراء والمحللين علي أنها قد تكون رغبة التنظيم في زعزعة محاولات التفاهم والتقارب الأخيرة بين حكومتي طهران وكابول في ملف مكافحة الإرهاب.
ختاما، يمكن القول أنه من المؤكد أن التفجيرات التي نفذها تنظيم داعش في إيران وما تلاها من عمليات تفجيرية أخري،تخًدم علي مصالح هذا التنظيم بشكل أو بآخر، وتنم عن تنامي توسع نطاق نشاطه العملياتي في الفترة المقبلة،من خلال أفرعه المنتشرة في مناطق الارتكاز حول العالم، ما يمثل تهديدا حقيقا لتلك المناطق. ومن المتوقع أن يشهد عام 2024 زيادة في حجم المخاطر الأمنية المرتبطة بتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى، في ظل تراجع آليات مكافحة الإرهاب الدولية، مع استمرار العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة و الحرب الروسية الأوكرانية وغيرهما من أماكن التوتر الصراعات حول العالم.