هل تتجدد مطالب “أنقرة” بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟

إسراء قاسم- باحثة بوحدة العلاقات الدولية
في منتصف سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ردا على تقرير اعتمده البرلمان الأوروبي في نفس الشهر، تضمن أن “عملية الانضمام لا يمكن استئنافها في ظل الظروف الحالية”،- قائلًا إن تركيا قد تفترق عن الاتحاد الأوروبي. وعليه، يطرح هذا التحليل، ثمة تساؤلات، أهمها: لماذا عاد أردوغان يطرق باب الاتحاد الأوروبي؟، وما هي أهم محاولات أنقرة المستمرة بإقناع دول أوروبا؟، وما هي معوقات قبول أنقرة، رغم محاولاتها المستميتة؟
يذكر أنه خلال الـ 50 عامًا الماضية لم تفلح محاولات تركيا، بإقناع الغرب في الوصول إلى قرار صريح من قبل دول الاتحاد بالموافقة لانضمامها كعضو دائم، بالرغم من أن أنقرة تُعد من أوائل الدول التي تقدمت للاتحاد, وأصبحت عضو منتسب فيه, ومنضمة إلى الاتحاد الجمركي، – إلا أن المفاوضات مازالت مستمرة بخصوص العضوية الكاملة.
محاولات مستمرة:
في يوليو الماضي، أعاد أردوغان، فتح ملف انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، بعد فترة انقطاع عن السعي، كان أخرها في عام 2016, ففي يوليو عام 2023،- قبل يوم واحد على عقد قمة “الناتو” في فيلنيوس، العاصمة الليتونية، حيث تواصل “أردوغان” مع جو بايدن، مطالبا إياه تمهيد الطريق لفتح ملف الانضمام مرة أخرى، وأدلى بتصريحات تخص طلب انضمام السويد إلى الحلف, وطرح مقايضة أمام العالم بأن موافقة أنقرة على انضمام السويد، يجب أن تكون مقابل فتح ملح الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي.
وعلى ما سبق، يبقى السؤال، وهو: ماذا ينتظر أردوغان من دول الاتحاد الأوروبي، وهو يعلم أن هذه المقايضة لم تحلحل الموقف الأوروبي من انضمام دولته والوصول إلى حل شامل في شأن عضوية أنقرة للتكتل، في ظل تلاحظ تقدم واضح فى العلاقات الروسية التركية، خاصة أن المقايضة التى وضعها أردوغان على الطاولة بشان الموافقة على انضمام السويد لحلف الناتو، باءت بالفشل بعد أن أعلنت الأخيرة دعمها لأنقرة في ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي.
قراءة وتحليل الموقف الأوروبي من مطالبة تركيا المستمرة للانضمام للاتحاد، تشير إلى أن تركيا، لم تحصل على الفرصة المؤثرة، التي يمكن أن تساعدها في فتح مجالًا جديدًا لمناورة الموافقة، خاصة في ظل اعتماد البرلمان الأوروبي في يوليو الماضي، قرارًا تضمن أن “عملية الانضمام لا يمكن استئنافها في ظل الظروف الحالية”.
تحديات قائمة:
ثمة أسباب تبرر عدم انضمام تركيا لصفوف دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل الإجراءات الصارمة التي وضعها الاتحاد، لاستقبال الجدد الدول، يمكن رصد أهمها كالتالي:
(*) تحديات التقارير الدولية والأمريكية: فقد كشفت تقارير دولية عن عدم التزام تركيا بالشق الحقوقي، وهنا عرضت التقارير أوضاع سلبية في هذا الشأن منذ الانقلاب الفاشل في عام 2016. تجدر الإشارة إلى أن تركيا تنفى ما تتضمنه التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان، وتوصي “واشنطن” بأن تدرك أن تركيا كانت تخوض حربًا ضد الإرهاب.
(*) تأثير العوامل الاقتصادية: فى السياق ذاته أيضا تنص معايير (كوبنهاجن) على أن تكون الدولة المرشحة للانضمام لديها سوق اقتصادي فعال، ولديها قوى تنافسية تمكنها من الانضمام إلى دول ( اليورو), ولكن هذا لا ينطبق على الاقتصاد التركي، الذي يواجه تراجع كبير وتضخم في العديد من القطاعات, خاصة بعد جائحة كورونا.
(*) الالتزامات السياسية: تنص معايير كوبنهاجن على الالتزام بالأهداف السياسية، بالتالي قد تكون علاقتها المتوترة باليونان بسبب النزاع على جزر بحر إيجة وأيضا اكتشاف احتياطات النفط الكبيرة، أحد موانع القبول التركي في الاتحاد الأوروبي. على صعيد أخر يجب الإشارة إلى أن تركيا أكبر من أى دولة أوروبية من حيث المساحة، بالإضافة إلى أنها تتضمن الأغلبية المسلمة, وهو ما ترفضه دول أوروبا بشكل قاطع.
أية مستقبل؟:
رغم استمرار نقاط الخلاف الواضحة بين الطرفين، كذلك تأثير الأسباب الموضحة سابقا، التي تصعب من موافقة دول أوروبا على انضمام تركيا للاتحاد، إلا أن أوروبا حريصة على الحليف التركي، في ظل محاولات روسيا توطيد علاقاتها مع تركيا، وهو ما يعتبر تحدى لدول أوروبا، لذلك سوف تبحث الدول الأوروبية عن بدائل جديدة للاسترضاء تركيا، التي تعتبر بمثابة الوسيط بين دول حلف الناتو وروسيا.
وعلى صعيد أخر، يمكن القول إن مقايضة أردوغان التى وضعها على طاولة الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن “الموافقة على انضمام السويد للناتو”، تظل طريقًا لفتح مسار التفاوض على العديد من الملفات المعلقة بين الطرفين. فتركيا، التى لديها خلافات واسعة مع بعض دول أوروبا على رأسهم فرنسا واليونان، والتي لديها علاقات قوية مع روسيا لا يمكن أن تكون عضو دائم فى الإتحاد الأوروبي، لكن يمكن أن تكون شريك اقتصادي وتجارى مؤثر, ويمكن أن تكون شريك سياسي وازن فى منطقة الشرق الأوسط, خاصة وان هناك نقاط خلاف جوهرية, فعلى سبيل المثال لا يمكن لتركيا أن تغير قانون تجريم (المثلية) لان ذلك سوف يفقد مصداقية الحزب الحاكم ذو الطابع الإسلامي.
في النهاية، يمكن القول إن دور الوساطة الذي لعبته تركيا فى الحرب الروسية الأوكرانية, حيث احتوت الموقف وقامت بدور الزعامة على أكمل وجه، سيجعلها لاعب رئيسي في معادلة العلاقات الغربية الروسية، بل يجعلها قوة وازنة في الأزمات التي تتعرض لها دول أوروبا المتعلقة بسلاسل أمداد الغاز والغذاء.