"رع" يناقش.. مستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية

كتبتها سارة أمين- وحررها ضياء نوح- وصورها ونسقها أحمد خالد
نظم مركز “رع للدراسات الاستراتيجية” بالقاهرة، يوم الأربعاء الموافق 27 سبتمبر 2023، حلقة نقاشية بعنوان ” إلى أين يتجه مسار العلاقات الخليجية الإيرانية؟” للباحثة سارة أمين، رئيس برنامج دراسات الخليج العربي، وأدار النقاش المدير الأكاديمي للمركز د. أبو الفضل الإسناوي، وذلك بمشاركة المنسق الأكاديمي للمركز ضياء نوح و رئيس وحدة الدراسات الدولية بالمركز د.حسام البقيعي وبحضور عدد من باحثي ومتدربي المركز.
استهدفت الحلقة النقاشية الحديث حول مسار العلاقات الخليجية الإيرانية بعد مرور ما يقرب من سبعة أشهر علي المصالحة السعودية الإيرانية برعاية الصين وما ترتب عليها من تحولات في المنطقة، انطلاقًا من تحليل جذور ومسار العلاقات الخليجية الإيرانية وتقييم نتائج اتفاق مارس 2023 بين الرياض وطهران في ضوء بعض العراقيل والملفات الخلافية بين الجانبين الخليجي والإيراني، والآفاق المستقبلية لمسار المصالحة.
مما لاشك أن المصالحة السعودية الإيرانية هي أبرز المشاهد على الساحة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا في الخليج العربي، نظرًا للثقل الإقليمي لطرفي المصالحة، والتي ترتب عليها عودة العلاقات بين الجانبين بعد انقطاعها منذ عام 2016.
ويمتد النزاع الخليجي الإيراني، منذ خمسينيات القرن الماضي، ومن أهم أسبابه قديمًا الخلافات حول ترسيم الحدود خاصة النفطية المشتركة، ولكنه ظل غير عابر لحدود الجانبين، واحتدم الصراع بينهما بعد بسبب سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الإيرانية وتبني القيادة الجديدة مبدأ تصدير الثورة، مما تسبب في تصاعد التوتر عبر الخليج، ولاسيما السعودية في ظل التنافس بين الجانبين على زعامة الإقليم.
وجاء الاتفاق بين البلدين ليخفض حدة ذلك الصراع وما ترتب عليه من خلافات وقضايا معلقة في الإقليم، وتجعل إيران ودول الجوار الخليجي في الاتجاه بشكل مقبول نحو سياسة تصفير المشكلات، ولكن هنالك تحديات وعراقيل ربما تحول دون جعل هذه المصالحة سبب في الاستقرار السياسي طويل الأمد في المنطقة، وهو ما يمكن تناوله في العرض التالي.
جذور الخلاف بين المملكة العربية السعودية وإيران جذور ممتدة من حيث السياسة والثقافة والمذهب، وازدادت حدة التوتر والتصعيد بين الجانبين بعد الثورة في إيران وما ترتب عليها من قضايا سياسية وأمنية وحدودية شهدتها منطقة الخليج العربي.
فبعد انتصار الثورة، اعتبر الإيرانيون أن الخميني بطل ثوري وأراد تصديرها لدول الجوار، مما شكل تهديدًا واضحًا لدول الخليج، لذلك قررت ست دول خليجية الاتحاد للدفاع عن أمنها بإنشاء مجلس التعاون الخليجي
الخلافات الخليجية الإيرانية:
تتنوع الملفات الخلافية بين ضفتي الخليج وفي أولها؛ الخلاف بين السعودية والكويت من جهة وإيران من جهة أخري حول حقل الدرة الغازي والذي تدعي إيران بأن الحقل ملكية مشتركة ولها حقوق كبيرة فيه.
ويأتي ثانيًا؛ الخلاف الإماراتي الإيراني حول الجزر الثلاث في الخليج والتي احتلتها إيران وهي (طنب الكبري وطنب الصغري وأبوموسي)، وكانت الإمارات ولا تزال تطالب بإنهاء الاحتلال الإيراني لتلك الجزر وأنها ملكية إماراتية خالصة.
كما يمثل الخلاف بين إيران والبحرين وإدعاءات السيادة منذ عهد الشاه وصولًا للتصريحات الصادرة عن مجلس الشورى الإيراني في عدة مناسبات.
ومؤخرًا في العقد الماضي ظهور دعم إيراني للاضطرابات التي وقعت بالمنطقة العربية إجمالًا منذ عام ٢٠١١ واعتبرتها تحركات مستلهمة من “ثورتها الإسلامية” إلى جانب أنها اتخذتها ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية لبعض الدول الخليجية والعربية كما حدث في البحرين واليمن تحديدًا، مما يعني التهديد المباشر لأمن الخليج عمومًا وأمن السعودية على وجه الخصوص.
كما أنه لإيران أذرع ممتدة مسلحة في المنطقة مثل اليمن، العراق، لبنان، سوريا، مما أدى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الإقليم، ثم جاء الانقطاع التام في العلاقات بعد إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر في عام ٢٠١٦، نظرًا لاتهامه بالإرهاب والتحريض ضد الدولة، وعلى إثر ذلك تمت مهاجمه مقر السفارة السعودية في طهران وحرقها مما أدى إلى انقطاع العلاقات بشكل تام، واتخذت بعض الدول الخليجية نفس المسار بقطع العلاقات مع إيران موآزرة للسعودية.
وفي مطلع مارس الماضي لهذا العام ٢٠٢٣م، تمت المصالحة بين السعودية وإيران برعاية الصين وعلي أراضيها ، تلك المصالحة جاءت بعد بذل جهودًا حثيثة لأطراف وسيطة كبري ومؤثرة عالميًا وإقليميًا، وكذلك الدبلوماسية النشطة التي انتهجتها مؤخرًا غالبية دول المنطقة، ورغبة الجانبين السعودي والإيراني في السعي نحو تحقيق الهدوء والاستقرار السياسي النسبي والنمو الاقتصادي المستدام، وما ترتب عليها من تهدئة خليجية إيرانية بوجه عام، ولا يمكن إنكار مدى تأثيرها الإيجابي وإن كان محدودًا في بعض الملفات الخلافية المعقدة والعالقة منذ مدة طويلة وتهدئة الأوضاع المتعلقة بها.
لكن علي ما يبدو أن المنطقة ستظل بعيدة عن الاستقرار طويل الأمد المرجو تحقيقه من تلك المصالحة السعودية الإيرانية، ما دامت لم تعالج الدوافع الكامنة وراء الصراعات المعقدة والملفات والقضايا الشائكة، بشكل جذري، إلى جانب دخول فواعل دولية أخري إلى الساحة السياسية الشرق أوسطية بشكل قوي ومنافس للولايات المتحدة الأمريكية صاحبة النفوذ الأكبر في المنطقة، ما من شأنه أن يؤدي إلى وجود سياسات وتدابير لعرقلة مخططات التواجد لأية فواعل أخرى ولأية مصالحات أو تحلفات تمس مصالح واشنطن وتل أبيب بالسلب ويدخل علي نفس الخط الأذرع الإيرانية المسلحة في المنطقة.
تحديات التوافق:
ويواجه هذا المسار التوافقي السعودي الإيراني عدة تحديات أبرزها عودة الملفات الخلافية إلى الساحة مرة أخرى بعد المصالحة على النحو التالي:
(*) الخلافات الحدودية: تجدد الخلاف السعودي الكويتي مع إيران حول حقل الدرة الغازي، مع تهديدات إيران ببدء التنقيب فيه، مما جعل مجلس التعاون الخليجي يصدر بيانًا شديد الصرامة يؤكد فيه أن الحقل ملكية ثنائية مشتركة بين السعودية والكويت ولا وجود لأطراف أخرى فيه.
كما تجدد الخلاف الاماراتي الإيراني حول الجزر الخليجية الثلاث (طنب الكبري وطنب الصغري وأبوموسي)، وذلك بعد مطالبة وزيرة الدولة الامارات لشئون التعاون الدولي ريم الهاشمي، الأسبوع الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق بلادها القانوني في تلك الجزر وأنها ملكية إماراتية فقط وعلى إيران إنهاء احتلالها لتلك الجزر.
كذلك التخوف من المطالبة الايرانية للحكومة العراقية بتسليم المعارضة الكردية المسلحة في العراق وضرورة طردها من الأراضي العراقية كاملة وليس إقليم كردستان فقط وذلك خلال مدة زمنية قصيرة جدا.
(*) الأذرع المسلحة: ويأتي تاليًا، تحدي الأذرع المسلحة ويقصد بها الميليشيات المسلحة الموالية لإيران في المنطقة في عدة دول، والتي تحظي بدعم إيراني عسكري ومادي كبير في ساحات النفوذ، لذا لم يكن لها أي ردة فعل تجاه المصالحة بين السعودية وطهران، نظرًا لامتعاضها الشديد، كونها في حال التزام إيران بالاتفاق، ستؤثر على الدعم المقدم لها، كذلك انخفاض الحاجة الوظيفية إليها.
وفي ملف اليمن علي سبيل المثال فنجد أن جماعة الحوثي لم تلتزم بالاتفاقات مع الجانب السعودي بشكل ملحوظ رغم دخولها الرياض لأول مرة خلال الأيام الماضية وحدوث مفاوضات بينهما وصفت بالإيجابية، إلا أن الجماعة لم تلتزم بها وهاجمت الجنوب السعودي بمسيرات منذ ثلاثة أيام مما تسبب في مقتل ثلاثة عسكريين بحرينيين تابعين لقوات التحالف العربي.
(*) الموقف الأمريكي: التحركات الامريكية في مساعي تدشين علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل تجري علي قدم وساق، حتي يتسنى لإدارة الرئيس بايدن أن تعيد الحشد حولها مرة أخرى، خاصة أنه كان هنالك تخوفات من أن التقارب السعودي الإيراني سيؤثر على التقارب السعودي الإسرائيلي، لذا ليس من مصلحة أمريكا وإسرائيل، نجاح المصالحة بين الرياض وطهران.
ومن المعروف أن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة نفوذ وهيمنة أمريكية بالمقام الأول، ولكن بعد انخراط امريكا في دعم أوكرانيا ومواجهة صعود الصين، تراجع هذا النفوذ قليلًا، وهنا جاء دور الصين في رعاية تلك المصالحة، مما عدته الادارة الامريكية اختراق لدبلوماسيتها في هذه المنطقة، إلي جانب كسر احتكار واشنطن المنفرد لطرح ملف الوساطات
السيناريوهات المحتملة للتقارب الخليجي الإيراني:
تناول رئيس برنامج دراسات الخليج العربي مستقبل العلاقات بين الجانبين في إطار السناريوهين التاليين:
(&) مصالحة قصيرة الأمد: نظرًا لأن التحديات متشعبة ومتجذرة والمتضررين منها كُثر، إلى جانب أن الطرف الإيراني كما عُرف عنه لا يلتزم بما اتفق عليه في أحيان كثيرة، وتلك النقطة تحديدًا استغلتها الصحافة الأمريكية والإسرائيلية للتشكيك في الاتفاق
(&) التطبيع الكامل للعلاقات الخليجية الإيرانية: ويفترض استمرار المصالحة على المدى البعيد لاسيما وأن الطرف السعودي هو مكسب كبير لإيران، وهو ما يتوقف على تقديم الجانب الإيراني تحديدًا أفعال وتنازلات من أجل إثبات حسن النوايا تجاه دول الخليج عمومًا وتجاه المصالحة خصوصًا، وأبرزها في ملف الميليشيات المسلحة في المنطقة وملف الخلافات الحدودية النفطية المشتركة
وفي ظل أن الاستراتيجية التي من المفترض أن تتبع من قبل طهران في هذا الصدد غير واضحة المعالم، رجحت الباحثة السيناريو الأول.
تعليقات المشاركين:
وفي إطار التعليقات لفت مدير الجلسة والمدير الأكاديمي لمركز رع د. أبو الفضل الإسناوي إلى أهمية تتبع مستقبل الإرهاب في المنطقة، فمن المحتمل أن يتفاعل مع تقارب العلاقات والمصالحات الجارية بالمنطقة.
بينما أشارت أ. رضوي محمد رئيس برنامج دراسات السياسات العامة، إلى أن توسيع تكتل البريكس يدعم التقارب الخليجي الإيراني، فإيران مستفيدة منه بشكل كبير ولذا من الأفضل استمرارها في ذلك التقارب كونه ذو مردود اقتصادي هائل. كما أنه من المعلوم أن صادرات إيران لتكتل البريكس بلغت ٩,١ مليارات دولار أمريكي. وأضافت د. رضوي أن النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وإن كان تراجع إلا أنه سيظل باق في المنطقة بشكل كبير
فيما تناول د. حسام البقيعي رئيس وحدة الدراسات الدولية تحديات التقارب في عدة نقاط هامة، أولها الثقافة الإيرانية نفسها ومنذ قديم الأزل تنظر باستعلاء تجاه العرب، وهو ما في إطلاق مصطلح “الخليج الفارسي” بدلًا من “الخليج العربي”، لذا فالمشكلة ذات جذور ثقافة تجاه العرب.
إلي جانب أن إيران تعاني من عزلة جغرافية لذا تنظر طهران للأذرع المسلحة الموالية لها في المنطقة كاستثمار قوي لحل مشكلة العزلة ومن الصعب الاستغناء عن هذا الاستثمار بسهولة. وهو ما لفتت إليه كذلك أ. عبير مجدي رئيس برنامج الدراسات الأفريقية مؤكدة أن حل ملف الأذرع المسلحة قد يكون خطوة تثبت بها إيران حسن نواياها تجاه الخليج.
ورجحت أ. ريهام الباحث المساعد بالمركز أن السيناريو المرجح في وجهة نظرها هو استمرار قصير المدي لهذه المصالحة، بسبب أن التحديات بالفعل متجذرة ولا يمكن احتوائها بسهولة.
من جانبه اختتم المنسق الأكاديمي أ. ضياء نوح مناقشات الباحثين بالإشارة إلى أن المنطقة بشكل أو بآخر قد ارهقت من الصراعات والصدامات خاصة بين دول الجوار، لذا من مصلحة الأطراف جميعًا الالتزام بسياسة تصفير المشكلات واحتواء الخلافات بين الدول والوصول لأكبر مساحة توافق ممكن حتى لو كان هنالك بعض التضارب في المصالح.