انعكاسات الحرب السودانية على أسعار الذهب في مصر

ألقى اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من شهر أبريل الجاري بظلاله علي الوضع الاقتصادي في الدول المجاورة خاصة مصر، حيث أن تدهور النشاط الاقتصادي بشكل كبير داخل السودان سوف يكون له العديد من الآثار السلبية، فالعلاقة بين مصر والسودان هي علاقة متجذرة وضاربة في عمق الدولتين، مما يتسبب في تأثر مصر بالأزمات التي تحدث في السودان ، فقد شهد سوق الذهب في مصر عدم استقرار شديد بعد بداية هذه الحرب، والذي يرجع لعديد من العوامل ، فالمواطنين لديهم إيمان راسخ بأن الذهب هو الملاذ الأمن في الأزمات خاصة الأزمات الخارجية التي تؤثر علي الاقتصاد.

في ضوء ما سبق، يهدف هذا التحليل إلي إلقاء نظرة عامة علي وضع سوق الذهب في مصر وتوضيح المحددات الأساسية التي تسببت في ارتفاع الأسعار في هذا السوق بشكل كبير، وحدود تأثير الحرب في السودان علي سوق الذهب.

دلائل هامة:

(*) شهد سوق الذهب في مصر ارتفاعًا قياسيا خلال الأيام الماضية، وخاصة بعد بداية حرب السودان، وباستخدام تحليل السلاسل الزمنية سنحاول التوصل إلى سمة  التطور في أسعار سوق الذهب خلال الفترة الأخيرة في مصر، فإن الشكل رقم (1) يوضح مدى التطور فى أسعار الذهب في مصر،  حيث  أن من خلال رصد أسعار الذهب شهرياً من 19/1/2022 إلى 25/4/2023 يُلاحظ مدى الارتفاع والتذبذب فى أسعار الذهب بمصر، فقد ارتفعت أسعار الذهب عيار 24، حيث يعتبر الأكثر جودة من 909 جنيه فى شهر 19/1\2022 إلى 2857 جنيهًا فى 25/4\2023، كما ارتفع أسعار الذهب عيار 21 من 796 إلى 2330 في 19\4\2023 وارتفع إلي 2425 جنيها في اليوم التالي وقد وصل إلي مستوي تاريخي في 25\4\2023 حيث سجل عيار 21 (2510 جنيهًا )، وتعتبر هذه قمة ارتفاعه، حيث يدل علي مدي تأثر سوق الذهب بحرب السودان حيث أن بداية الحرب في 15\4 \2023 كانت أسعار عيار 21(2265 جنيهًا)  وقد زادت زيادة كبيرة في غضون أيام قليلة من الحرب فقد وصلت إلي 2510 في 25\4\2023 ويعتبر هذا أول ارتفاع تاريخي لعيار 21، مما يتضح لنا مدى تأثر سوق الذهب فى مصر بالأحداث المحيطة، ويدل علي العلاقة القوية بين وضع سوق الذهب في مصر والأزمة في السودان.

(*) ويُلاحظ من الشكل رقم (2) أن أسعار الذهب عالميًا لم ترتفع بشكل كبير خلال الربع الأول من عام 2023، مما يدل علي أن ارتفاع أسعار الذهب في مصر جاءت نتيجة لإقبال المواطنين علي شراء الذهب بسبب تحسبهم للأزمات الخارجية وللتحوط لانخفاض أسعار الصرف في مصر، فعلى الرغم من تراجع أسعار الأونصة عالمياً تحت المستوى 2000 دولار للأونصة خلال الربع الأول من 2023، إلا أن السعر المحلي مستمر في الارتفاع وتسجيل مستويات قياسية بسبب تزايد الطلب الكبير

الشكل رقم (2) يوضح تطور أسعار الذهب العالمي خلال الفترة ( 1978-2022)

المصدر: مجلس الذهب العالمي 2023

محددات جوهرية:

(-) العرض والطلب المحلى: إن زيادة الطلب على شراء الذهب في أوقات انخفاض سعره مع محدودية العرض تساهم فى ارتفاع سعره، فإن ارتفاع الطلب  بفارق كبير عن حجم المعروض تسبب فى التذبذب الشديد فى أسعار الذهب فى السوق المصري، فوجود تراجع فى الاستيراد تسبب فى قلة المعروض من الذهب مما ساهم في ارتفاع أسعار الذهب فى مصر رغم انخفاض السعر العالمي للذهب، ويعتبر الفجوة بين العرض والطلب المحلى من الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار الذهب فى مصر رغم الاستقرار النسبي فى سعر الأوقية عالمياُ، فإن الإقبال المرتفع من المواطنين لشراء السبائك والجنيهات الذهب للاستثمار فيها يأتي  للحفاظ على قيمة مدخراتهم في وقت الأزمات الداخلية و الخارجية، وتحقيق عوائد مرتفعة مقارنةً بالأوعية الادخارية الأخرى، سواء الشهادات البنكية أو أوعية أخرى، فالنظرة المستقبلية للمواطنين تأتي مرتقبة لتأثير الحرب في السودان علي الاقتصاد المصري، فتحوطًا للآثار السلبية تهافت المواطنين علي شراء  السبائك الذهبية، مما تسبب في رفع الأسعار بشكل كبير مما تسبب في اتجاه بعض البائعين إلي  وقف البيع.

 (-) التأثير الطارئ والشديد: نتيجة المعارك الدائرة في السودان تأثرت الصادرات السودانية من الذهب تـأثر شديد، حيث أن صادرات السودان من الذهب تشكل 50% من إجمالي الصادرات، فقد نتج عن تعطل مطار الخرطوم تعطل حركة الصادرات من الذهب لأنها تتم عن طريق الطيران، و يذكر أن قيمة صادرات السودان من الذهب بلغت خلال العام الماضي 1.6 مليار دولار، وهو ما يمثل 44% من إجمالي صادرات البلاد التي بلغت 3.6 مليار دولار، فإن هذا سيضع ضغوطًا كبيرة علي أسعار الذهب العالمي مما سيؤثر علي أسعاره في السوق المصري.

(-) الصراع وتأثير الأزمة على الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بسوق الذهب: يواجه التبادل التجاري بين مصر والسودان أزمة كبيرة، لا سيَّما بعد نشوب صراع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالعاصمة الخرطوم، وما تبع ذلك من توقف معظم الأنشطة الاقتصادية بالبلاد، وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فقد سجّلت قيمة التجارة بين مصر والسودان ارتفاعًا بنسبة 18.2 بالمئة خلال عام 2022، لتبلغ 1.434 مليار دولار في مقابل 1.212 مليار دولار خلال عام 2021، ويستحوذ السودان، على 13.2بالمئة من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الإفريقية، حيث بلغت صادرات مصر للسودان نحو 929 مليون دولار خلال العام الماضي، بينما وصلت صادرات السودان لمصر في 2022، لنحو 504.5 مليون دولار،فمن هذا نستدل علي العلاقة الاقتصادية القوية بين مصر والسودان ، فحدوث الحرب سوف يعمل علي تأثر التبادل التجاري تأثرًا سلبيًا بين البلدين ، فكل هذه العوامل تعمل علي تصدير أزمة للاقتصاد المصري متمثلة في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض أسعار الصرف، وتُرجم التعامل مع هذه الأزمة  في زيادة الطلب المحلي علي الذهب باعتباره أمان للمستقبل .

(-) التأثير المحتمل للتضخم الناتج عن الحرب واحتمالات استمراره: إن التضخم المحتمل أن تصدره الحرب في السودان الناتج عن تباطؤ التبادل التجاري بين مصر والسودان سوف يكون له أثار كبيرة علي سعر الصرف في مصر وانخفاض قيمة الجنيه ،حيث أن أسعار صرف الجنية مقابل الدولار محدد أساسي من محددات أسعار الذهب في مصر ،فكلما زاد سعر الدولار فى سوق الصرف المحلى، كلما زاد سعر الذهب في مصر لأن التعامل في الذهب يكون بالدولار

 ختامًا، يتضح مما سبق أن سوق الذهب في مصر شهد تذبذبًا شديداً فى الشهور القريبة الماضية وخاصة في الأيام التي تابعت الحرب في السودان، حيث أن السمة الغالبة التي سادت في سوق الذهب هو ارتفاع أسعاره بشكل كبير، فقد جاءت حرب السودان بتأثير كبير علي سوق الذهب المصري مسببة ارتفاع قياسي في الأسعار، مما يتضح مدي تأثر سوق الذهب في مصر بالأزمات الخارجية، حيث أن هذه الحرب سيكون لها تأثير كبير علي السوق المصري مما يتطلب تحوط كبير لهذه الحرب لتقليل أثارها علي الاقتصاد.