علاقات خطرة: إلى أين وصل مستوى العلاقات بين الإخوان وإيران؟
عمرو فاروق
تبدو العلاقة بين جماعة الإخوان، والنظام الملالي الصفوي، ممتدة ولم تتوقف، حيث حافظت عليها حالة من التشابك والترابط، بل والرغبة في تحقيق مشاريع الهيمنة والسيطرة الدينية على المجتمعات والشعوب، ومحاولة إخضاعهم لما يسمى بـ”الخلافة” الرمزية، التي جعلها الطرفين ركنًا من أركان الدين ومن ثوابت العقيدة والشريعة الإسلامية فضلًا عن الإيمان بمفهوم “الإسلام الأُمامي”.
وإذا كانت علاقة الطرفين لم تتوقف ومرت بعديد من المحطات التاريخية، إذ التقى حسن البنا، بمصطفى الموسوي الخميني في المقر العام لجماعة الإخوان، عام 1938، الذي أصبح فيما بعد الإمام آية الله الخميني، ووفقا للخبراء تأثر بأفكار حسن البنا وسيد قطب، الذي يمثل مرجعية سياسية لقادة النظام الملالي الصفوي- يبقى السؤال: إلى أين وصلت العلاقات بين إيران والإخوان، وما هي حدود العلاقة، وأهم محطاتها، ومخاطرها؟.
تحالف قديم يتجدد:
في الذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، بضربة أمريكية، اعترفت وكالة “تسنيم” التابعة للحرس الإيراني، عن تفاصيل مخطط توسعي تحدث عنه سليماني عام 2011 ، حول التحالف مع جماعة قيادات الإخوان بهدف التوغل الإيراني في مصر.
وأشارت الوكالة الثورية الإيرانية، إلى أنها تنفرد بتفاصيل خاصة لم تنشر من قبل، أدلى بها سليماني خلال اجتماع مع قادة الحرس الثوري، مؤكدًا أن طهران دعمت وصول الإخوان للسلطة، وأن ثورة 25 يناير 2011، مهدت الطريق بشكل كامل للوجود الإيراني في مصر، عبر جماعة الإخوان الحليف الاستراتيجى للنظام الإيراني.
وأفادت الوكالة الإيرانية، بأن سليماني قال خلال لقائه مع قيادات الحرس الثوري، وعن إمكانية توغل إيران بمصر بشكل رسمي، وأن مؤسسي الإخوان يحظون بقداسة لدى النظام الإيراني، وأن حسن البنا وسيد قطب، من أكثر الشخصيات احتراما بين علماء الدين لدى إيران، وأن حركة حماس الحليف الاستراتيجى لإيران، هي أحد الفروع الرئيسية لجماعة الإخوان، وأن الأصدقاء الرئيسيون للثورة الإيرانية، مثل أردوغان في تركيا، وأحمد شاه مسعود ورباني في أفغانستان، ومهاتير محمد في ماليزيا، هم شخصيات رئيسية في جماعة الإخوان.
كان قاسم سليماني زار مصر سرًا عام 2013، منتحلا صفة سائح إيراني وبجواز سفر مزور، والتقى بقيادات الإخوان في عدة أماكن، وأجرى مباحثات مع عصام الحداد، مستشار محمد مرسي للشؤون الخارجية ومسؤولين من جماعة الإخوان، منهم خيرت الشاطر، وأن اللقاءات تمت في مدينة نصر ومنطقة التجمع شرق القاهرة، والأقصر بصعيد مصر، بغية تكوين جهازَيْن أمني واستخباري خاصَّيْن بالإخوان، يكونان منفصلَيْن عن أجهزة الدولة في مصر، وفقًا لما كشفته صحيفة “التايمز” البريطانية.
اعترافات وكالة “تسنيم” التابعة للحرس الإيراني، من دعم طهران لجماعة الإخوان، لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقها، تصريحات رسمية كشفها أمير حسين عبد اللهيان، المساعد الخاص لرئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية، في فبراير 2020، خلال مؤتمر تحت عنوان “دور سليماني في أمن واستقرار المنطقة والعالم”: عن لقاءات أجراها مع وفد أرسله الرئيس الإخواني، محمد مرسي، إلى طهران، لفتح العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية، فضلًا عن الاستعانة بالحرس الثوري في تشكيل كيان أمني إخواني يدين بالولاء للتنظيم لتعزيز قبضته على السلطة.
الصفقة المشروطة:
حالة التطبيع الديني والسياسي مع طهران كانت واضحة خلال تصدر الإخوان للمشهد السياسي في مصر، فقد كشف الدكتور عبد الله النفيسي، القيادي السابق بجماعة الإخوان، أن وزير خارجية إيران على أكبر صالحي، عرض صفقة على قيادات مكتب الإرشاد، تضمنت دفع إيران 30 مليار دولار، في حال فتح سفارة للقاهرة في طهران، مقابل فتح سفارة لإيران في القاهرة، إضافة لـ 5 مليون سائح إيراني بهدف انعاش السياحة المصرية، إضافة لتطوير المصانع المصرية المتوقفة بيد خبراء فنيين مُتخصصين تابعين للحرس الثوري، وإعادة تشغيلها مرة أخرى حتى تعبُر مصر أزمتها الاقتصادية.
وأوضح النفيسي، أن الصفقة تضمنت شرطًا أخر تمثل في تسليم جميع المساجد التي بناها الفاطميون في مصر في العهد الفاطمي، للدولة الإيرانية، لترميمها وإدارتها بشكل مستقل، والموافقة على إصدار صحيفتين، يتم تمويلهما ليُصبِحا ناطقتين باسم النظام الملالي في القاهرة ، والموافقة على الحاق 200 ألف طالب مصري للدراسة في طهران سنويا وبصفة دورية.
كانت إيران الملاذ الأول لجماعة الإخوان في تأسيس كيان أمني يحمي مشروعها، ويدين لها بالولاء، ليكون بديلًا عن الأجهزة الأمنية التي فشلت في تطويعها لأهدافها الخاصة التي لا تعترف بضروريات الأمن القومي المصري، إذ أكد المستشار عزت خميس، رئيس لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان، في 24 يناير من العام 2016 ، أن إيران وبموافقة الإخوان حاولت التقارب مع مصر عن طريق ضخ نحو 10 مليارات دولار إلى البنك المركزي المصري كوديعة، وإمداد القاهرة بالمواد البترولية، كما عثر على مستندات بمقر جماعة الإخوان تفيد بإنشاء جهاز أمني إخواني غير معلن هويته الحقيقية تابع لرئاسة الجمهورية وبمساعدة إيرانية.
تواصل ما بعد السقوط:
ومما يترجم حالة التشابك والتواصل المتسمر بين جماعة الإخوان والنظام الملالي الصفوي، ما رصدته الأجهزة الأمنية المصرية فعليا في يونيو 2012، من دور للحرس الثوري الإيراني، وحركة حماس، من نشر عناصر مدربة إلى الأراضي المصرية عبر الأنفاق غير المشروعة، حيث قاموا بتحديد ومعاينة الأماكن والمنشآت الهامة والأمنية بشمال سيناء والعودة عقب ذلك إلى قطاع غزة عبر الأنفاق، حيث تم تدعيمهم بالسلاح والمعدات اللازمة.
اتفقت تلك المعلومات مع التحريات التي أجراها المقدم محمد مبروك بجهاز الأمن الوطني بالقاهرة، في تقريره الأمني، حول حجم التنسيق التنظيم الدولي للإخوان والحرس الثوري الإيراني، وحماس وحزب الله اللبناني خلال أحداث 25 يناير2011، ما بعدها.
تقرير محمد مبروك، أكد أنه في الفترة ما بين 2006 إلى 2010، كانت هناك لقاءات متصلة ومستمرة بين الحرس الثوري الإيراني، وقيادات إخوانية في مقدمتهم محمد البلتاجي، ومحمد سعد الكتاتني، وصلاح الدين عبد المقصود، وحسين محمد إبراهيم ، وحازم فاروق، فضلا عن قيادات من حركة حماس، وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي، خالد مشعل، المسئول الحمساوي في لبنان، وأبو هاشم، وقيادات في حزب الله وعلى رأسهم زعيمه حسن نصر الله.
يضاف إلى ذلك ما كشفته هيئة محكمة جنايات القاهرة، في 17 يونيو 2019، أثناء محاكمة محمد مرسي في القضية المعروفة إعلاميا بـ”التخابر مع حماس”، وتحديدًا خلال الجلسة التي توفي فيها محمد مرسي عقب إصابته بهبوط حاد في الدورة الدموية، يؤكد بما يدع مجالا لشك عن حالة التقارب والتعاون بين جماعة الإخوان والحرس الثوري الإيراني، للتعزيز سيطرة الإخوان على الدولة المصرية، إذ أمرت هيئة المحكمة محمد مرسي، بإحضار وتشغيل (C D)، كان من ضمن أحراز القضية التي قدمتها نيابة أمن الدولة العليا، مسجل عليه المكالمة التي دارت بين خالد مشعل ومحمد مرسي، وتضمنت اتفاقًا بينهما في أوائل عام 2013، حول إرسال 3000 عنصر مسلح ومدرب على فنون القتال، من حماس والحرس الثوري الإيراني، ليكونوا بمثابة نواة لجيش بديل يحمي مشروع الإخوان داخل مصر.
دعم إيران للإخوان لم يتوقف عقب سقوطهم سياسيًا وشعبيًا، والإطاحة بهم من السلطة في 30 يونيو2013، حيث تلقت الجماعة دعمًا مسلحًا من النظام الإيراني، وذلك وفقًا لبيان الداخلية المصرية التي أعلنت في رسميًا عن ضبط خلية إرهابية إخوانية، وعدد من مخازن السلاح والمتفجرات بمزرعتين بالبحيرة والإسكندرية؛ وكان لافتًا أن الأسلحة مكتوبة عليها صنع في إيران
كان موقع “The Intercep”الأمريكي، قد كشف في نوفمبر 2019، أن وثائق سرية مسربة للاستخبارات الإيرانية تضمنت معلومات عن استضافة تركيا لاجتماع بين الحرس الثوري الإيراني وجماعة الإخوان عام 2014، وأن الاجتماع حضره وفد من كبار مسئولي فيلق القدس، برئاسة أحد نواب سليماني، وهو باسم أبو حسين، وأن وفد الإخوان ضمَّ 3 من أبرز قيادييه المصريين في المنفى، وهم: إبراهيم منير مصطفى ومحمود الإبياري ويوسف ندا.
في إطار محاولات التطبيع السياسي والثقافي، دعمت طهران الزيارات المتبادلة من خلال وفود إعلامية وسياسية وشعبية تحت رعاية جماعة الإخوان، فضلًا عن أنه لا يمكن تجاهل زيارة مرسي لطهران عام 2012 للمشاركة في مؤتمر “دول عدم الانحياز” كأول رئيس مصري يزورها بعد 34 عامًا، وزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد،للقاهرة، وإلقائه خطبة من داخل الأزهر الشريف.