السنة المالية والسنة الميلادية

عبدالفتـــــــــاح الجبــــالــى
ونحن على أعتاب عام ميلادى جديد طرح البعض التساؤل عن أسباب عدم اعتبار السنة الميلادية هى نفسها السنة المالية، وهل هناك إمكان لتغيير النظام المعمول به حاليا لتحقيق هذا الهدف؟ وهذا تساؤل مشروع فى ظل الوضع الراهن فى مصر إذ أن بعض القوانين كقانون البنك المركزى والجهاز المصرفى وقانون الشركات يعتبر السنة المالية هى نفسها السنة الميلادية، فتبدأ معها وتنتهى معها، بينما قانون المالية الموحد ومن قبله قانون الموازنة العامة للدولة وقانون الرياضة وغيرها يعتبر السنة المالية من أول يوليو إلى نهاية يونيو. وقد أدى هذا الوضع إلى العديد من المشكلات أولاها يتعلق بالوحدات المملوكة للدولة والتى تحول الفائض لديها للخزانة العامة، خاصة البنوك والشركات العامة، وأيضا التى يشارك فيها المال العام وغيرها، حيث أن انتهاء السنة المالية فى نهاية العام الميلادى يؤدى الى صعوبة وضع الموازنة الجديدة. ونفس الوضع ينطبق على الإحصاءات الدولية التى تصدر على أساس سنة ميلادية وليس مالية مما يجعل الأرقام تتضارب مع بعضها البعض ويصعب متابعتها.. إلخ. وجدير بالذكر أن سنوية الموازنة هو أحد المبادئ الأساسية التى يجب مراعاتها عند إعداد الموازنة العامة للدولة والتى تعد عن فترة قادمة، هى عام مالى، مع الأخذ بالحسبان انه يمكن عمل مخطط لمدى زمنى أبعد يتراوح بين ثلاث سنوات إلى خمس. وتختلف الدول فيما بينها وبعضها من حيث السنة المالية، فالبعض يحددها مع السنة الميلادية (أى يناير – ديسمبر) والبعض الآخر يختار سنة مالية مختلفة، ويرجع السبب فى ذلك إلى طبيعة الأنشطة الإقتصادية والأوضاع الإجتماعية السائدة. وكانت الميزانية توضع فى مصر وفقا للتقويم القبطى، نظرا لارتباطه بالزراعة بشكل أساسي. إلى أن تم إلغاء العمل به ابتداء من 11 سبتمبر 1875 وتم استبداله بالسنة الميلادية بعد أن عرفت الدولة المصرية الميزانية السنوية المنتظمة عام 1880، فى عهد الخديو توفيق، والتى تعتبر باكورة الميزانيات المصرية الصحيحة، رغم أن محمد على هو الذى وضع الأساس لهذه الميزانية، فإنها عدلت بعد ذلك إلى أن تم الإستقرار على الشكل القانونى والمالى والنظامى عام 1880 وهو العام الذى نشرت فيه الحكومة المصرية أول حساب ختامى وأطلق عليه الحساب العمومى ولم يستخدم لفظ الحساب الختامى إلا عام 1924/1925. ونظرا لأن هذه الميزانية لم تكن كاملة، لذلك حلت محلها ميزانية عام 1882 والتى انقسمت إلى ميزانيتين منفصلتين الأولى ميزانية الإيرادات المخصصة لخدمة الدين، والثانية ميزانية الإيرادات غير المخصصة. وكان باب المصروفات فى الأولى يشمل خدمة الدين الممتاز والدين الموحد والمصروفات الإدارية للمديريات والمصالح المخصص إيراداتها لخدمة الدين، وفى الثانية يشمل الجزية، والمصروفات الإدارية للمصالح الأخرى، والإلتزامات العمومية.وكانت توجد عدة ميزانيات ملحقة وأخرى مستقلة، والثانية كانت منفصلة عن الميزانية العمومية ولاتعتبر ملحقة بها ولها إيراداتها الخاصة، وقد تتلقى أحيانا إعانات من ميزانية الدولة وتصدر فى وثيقة خاصة، وقد تعرض على البرلمان للإعتماد أو لاتعرض وتعتمد بمرسوم، تبعا للأحوال وذلك بخلاف الميزانيات الملحقة وهى ميزانيتا جامعة فؤاد الأول، وجامعة فاروق الأول. أما الميزانيات المستقلة فكانت ميزانية وزارة الأوقاف (منذ سنة 1897) وميزانية الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية. وقد استمرت تلك الحالة حتى عقد الإتفاق الإنجليزى الفرنسى سنة 1904 ووُضعت ميزانية 1905 على اساسه بالقانون رقم 17 لسنة 1904 وضمت الأموال الإحتياطية المختلفة والمال الناتج عن وفرات الدين. وقسم باب المصروفات إلى قسمين المصروفات العادية والمصروفات الخصوصية، حيث شملت الأولى المصروفات الجارية للإدارة، والتى تتجدد سنويا كرواتب الموظفين، أما المصروفات الخصوصية، فتشمل المصروفات الإستثنائية وغير المتجددة كمصروفات المباني. وتم تعديل ذلك مرة أخرى عام 1913 وجعل بدء السنة المالية منذ عام 1914 فى أول أبريل بدلا من أول يناير، مما سمح بتحضير الميزانية بعد معرفة نتائج محصول القطن والذى كان المحصول الرئيسى للحكومة.وفى سنة 1926 صدر القانون رقم 12 لسنة 1926 معدلا بدء السنة المالية إلى أول مايو بدلا من أبريل حتى يتمكن البرلمان من المناقشة، ثم صدر قانون رقم 129 لسنة 1946 ليعتبر بدء السنة المالية أول مارس بدلا من أول مايو. ثم عدلت لتصبح السنة المالية هى نفسها السنة الميلادية، وأخيرا أصبح الوضع الحالى السنة المالية تبدأ أول يوليو وتنتهى نهاية يونيو.مع ملاحظة أن استخدام مصطلح موازنة بدلا من الميزانية العامة لم يتم إلا اعتبارا من العام المالى 1968/1969. وقد اختلف مضمون وشكل الموازنة باختلاف التطور الإقتصادى، فقبل ثورة 1952 كانت الموازنة تتكون من الميزانية العادية للدولة وعدد من الميزانيات الملحقة.وبعد ثورة يوليو 1952 أصبحت تضم ميزانيات المشروعات الإنتاجية والخدمات العامة حتى عام1962. ثم قسمت بعد ذلك عام 1962/1963 إلى جزءين ميزانية، الخدمات العامة التى شملت الجهاز الإدارى للدولة، والثانية ميزانية الأعمال وهى ميزانية المؤسسات والهيئات العامة ذات الطبيعة الإقتصادية، ثم بدءا من عام 1967 حتى 1975، أصبحت مقسمة إلى سبعة أجزاء تقسم بين موازنة جارية وأخرى استثمارية، وبدءا من عام 1976 حتى عام 1980 أصبحت مقسمة إلى موازنة الخدمات وتشمل موازنة الحكومة والحكم المحلى والهيئات الخدمية. وموازنة الأعمال وتشمل الهيئات الإقتصادية وموازنة صندوق استثمار الودائع والتأمينات. وموازنة الطوارئ وموازنة الخزانة العامة، وظل هذا الوضع إلى أن جاء به التعديل الذى أدخله القانون رقم 87 لسنة 2005 والمعمول به حتى الآن. وهكذا اختلفت السنة المالية مع التغير فى مضمون وشكل الموازنة، ومع التطورات الحديثة يصبح من الضرورى العمل على إعادة النظر فى السنة المالية لتصبح هى نفسها السنة الميلادية.