القرضاوي ذو الوجهين

شكلت ثورات الربيع العربي منذ عام 2011، حداً فاصلاً بين فكرين ليوسف القرضاوي، شهدت المرحلة الأولى نشره للوسطية، أما الثانية فكانت انحرافاً وضحًا نحو التحريض على العنف وحمل السلاح. فخلال الـ 93 عاماً و17 يوما، فترة بقاء “القرضاوي” على قيد الحياة، منذ مولده في الـ9 من سبتمبر 1926 حتى وفاته في الـ 26 من سبتمبر 2022- ترسم ملامح لشخصين مختلفين تماماً في أفكارهما، الأول: أعد مؤلفات تناهض العنف وتحذر من سفك الدماء، أما الثاني: أصدر فتاوى تحرض القتل والاغتيالات للجيوش النظامية والأفراد المدنين.

الألغام في فكر القرضاوي:

في نوفمبر من عام 2021، وبأحد المواقع الإخوانية الداعشية أطل علينا يوسف القرضاوي مجددا، داعيا لعودة الإخوان الدواعش لحكم مصر وسوريا وليبيا بعد طول غياب بحكم السن أو انتهاء الدور والوظيفة التي كان مطلوبا منه بعد ما سمي الربيع العربي القيام بها، وهي زرع ونشر فتن الفرقة وزعزعة الاستقرار، ونشر الفوضى، والتمهيد لداعش وحكم الإخوان.

لم يوفق الله، القرضاوي وهزم مشروعه، ومشروع من وظفه إقليميا ودوليا، وبعد عشرة سنوات كاملة، جاء يدعو-القرضاوي- إلى العودة لهذا المشروع الدموي، لقد نسي الرجل أنه بالوثائق كان بعد 2011 أكبر مكفراتى، وأكبر مفتى بسفك الدماء، ومنها دم الشعب الليبي والسوري المصري (جيشًا وشعبًا وشرطة)، والسبب لذلك أنهم لم يخدموا المشروع الإخوانى الداعشي، الذى كان يعمل فيه هذا الشيخ. لقد عمل القرضاوي في هذا المشروع الإخواني، مجرد خادم للسلطان- أي سلطان قوي الشر التي كان يريد عودتها إلي حكم مصر ولو بالفوضى والدم.

 تناقضات واضحة:

وعلى ما سبق، وتأسيساً عليه، يكون من الضروري أن نبرز أمام القارئ تناقضاته التاريخية، فهو بعد 2011 وحتى اليوم (2021) كان داعيا لحكم الداعشين ( إخوانا أو تكفيريين)، بل سبق له أن هاجمهم قبل 2011، بالتالي تتضح تناقضات الشيخ خلال مرحلتين في عمره، تمثلت أهم ملامح الأولى، في رده على التكفيريين قبل الربيع الزائف، وذلك على النحو التالي:

 (*) فى كتابه (الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف-وهو كتاب نشر عام 2000م)؛ يرى القرضاوى أن التطرف بلغ غايته حين يُسقط عصمة الآخرين، ويستبيح دمائهم وأموالهم، ولا يرى لهم حرمة ولا ذمة، وذلك إنما يكون حين يخوض لجّة التكفير، واتهام جمهور الناس بالخروج من الإسلام، أو عدم الدخول فيه أصلًا، كما هى دعوى بعضهم، وهذا يمثل قمة التطرف الذى يجعل صاحبه فى وادٍ، وسائر الأمة فى وادٍ آخر.

 (*) هذا كما كان يقول الشيخ القرضاوى (الذي يناقض حاله بعد 2011، وأضحى يقول عكس ما كان يعتقده قبل ثورات الربيع الإخوانية-الداعشية !!)، ما وقع فيه الخوارج فى فجر الإسلام، والذين كانوا من أشد الناس تمسكًا بالشعائر التعبدية، صيامًا وقيامًا وتلاوة قرآن، ولكنهم أتوا من فساد الفكر، لا من فساد الضمير.

زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنًا، وضل سعيهم فى الحياة الدنيا، وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ومن ثم وصفهم النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وقيامه إلى قيامهم، وقراءته إلى قراءتهم ومع هذا قال عنهم: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ووصف صلتهم بالقرآن فقال: يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم وذكر علامتهم المميزة بأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان. هذه العلامة الأخيرة، هى التى جعلت أحد العلماء، حين وقع مرّة فى يد بعض الخوارج، فسألوه عن هويته، فقال: مشرك مستجير، يريد أن يسمع كلام الله. وهنا قالوا له: حق علينا أن نجيرك، ونبلغك مأمنك، وتلوا قول الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة: من الآية6)، بهذه الكلمات نجا مشرك مستجير، ولو قال لهم: مسلم لقطعوا رأسه! وما وقع لطائفة الخوارج قديمًا، وقع لأخلاقهم حديثًا.

(*) وهم كما يقول الشيخ ذو الوجين، يوسف القرضاوى، يكفرون كل من ارتكب معصية وأصر عليها، ولم يتب منها. وهم يكفرون الحكام، لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله. ويكفرون المحكومين، لأنهم رضوا بهم، وتابعوهم على الحكم بغير ما أنزل الله. وهم يكفرون علماء الدين وغيرهم، لأنهم لم يكفروا الحكام والمحكومين، ومن لم يكفر الكافر فهو كافر. وهم يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم، فلم يقبله، ولم يدخل فيما دخلوا فيه. ويكفرون كل من قبل فكرهم، ولم يدخل فى جماعتهم ويبايع إمامهم. ومن بايع إمامهم ودخل فى جماعتهم، ثم تراءى له – لسبب أو لآخر – أن يتركها، فهو مرتد حلال الدم. وكل الجماعات الإسلامية الأخرى إذا بلغتها دعوتهم ولم تحلّ نفسها لتبايع إمامهم فهى كافرة مارقة. وكل من أخذ بأقوال الأئمة، أو بالإجماع أو القياس أو المصلحة المرسلة أو الاستحسان ونحوها، فهو مشرك كافر.

والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجرى، كلها عصور كفر وجاهلية، لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون وهكذا أسرف هؤلاء فى التكفير، فكفروا الناس أحياءً وأمواتًا بالجملة، هذا مع أن تكفير المسلم أمر خطير، يترتب عليه حل دمه وماله، والتفريق بينه وبين زوجه وولده، وقطع ما بينه وبين المسلمين، فلا يرث ولا يورث ولا يوالى، وإذا مات لا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن فى مقابر المسلمين.

ونسأل (الشيخ !!) يوسف القرضاوى سؤالًا بسيطًا ومباشرًا أليس هذا التكفير الذى كنت تعيبه على التكفيريين قبل ثورات الربيع العربى المزعومة، هو عينه التكفير الذى أفتيت أنت وجماعات الإخوان الدواعش والسلفيين التكفيريين فى مصر وسوريا وليبيا به باسم الثورات ؟؟!!، فلماذا تناقض نفسك؟ وهل من أخلاق المسلم ناهيك عن كونه شيخ ويفهم فى الفقه والدين مثلك أن يكفر ويفتى بسفك الدماء كما فعلت أنت تحديدًا فى فتاويك بشأن ليبيا وسوريا والجيش المصرى؟

ختاماً، وعلى أية حال وفى نهاية الفتاوى المتناقضة يؤكد الشيخ ذو الوجهين: القرضاوى “أن الشبهات التى استند إليها الغلاة فى التكفير، مردودة بالمحكمات البينات من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهو فكر فرغت منه الأمة منذ قرون، فجاء هؤلاء، يجددونه، وهيهات…”. ترى ما رأى يوسف القرضاوى وجماعته فى هذه الأقوال مقارنة بأقواله وفتاويه التكفيرية ضد جيش مصر وشرطتها وإعلامها وناسها العاديين الذين خرجوا بعد 30/6/2013 يرفضون حكم الإخوان وسياساتهم التى كانت تأخذ مصر إلى المسار والمصير الليبى أو السوري؟ هل مثل هؤلاء يؤخذ منهم فتوى وهل مثل هؤلاء يؤتمنوا علي دين وقيم ؟ سؤال أحسبه لم يعد يحتاج إلي إجابة!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى