تباعد مبرر: انعكاسات القرار الأممي بشأن الصحراء على العلاقات المغربية الجزائرية

إسراء محمود-باحثة مساعدة
في 31 أكتوبر 2025 أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا اعتُبر نقطة تحول جيوسياسي في قضية الصحراء الغربية. القرار، الذي بادرَت به الإدارة الأمريكية بناءًا على خطة الحكم الذاتي المغربية حظي بتأييد 11 دولة (وامتنعت روسيا والصين وباكستان)، أكد أن «الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية قد يشكل الحلّ الأكثر جدوى» للنزاع الممتدّ لخمسة عقود. يمثل هذا القرار أقوى دعم دولي حتى الآن لخطة الرباط المقدمة عام 2007 لمنح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت السيادة المغربية.​[1]

من جانبها رفضت الجزائر المشاركة في التصويت ذاته، وأصدرت بيانًا احتجاجيًا قويًا من خلال سفيرها الدائم في الأمم المتحدة، عمار بن جامع، الذي أكد أن القرار “لا يعكس بأمانة عقيدة الأمم المتحدة في إلغاء الاستعمار”. هذه الخطوة تشير إلى تصعيد في الأزمة الدبلوماسية بين البلدين المغاربيين.[2]

كما رفضت جبهة “البوليساريو” القرار برفع مستوى التصعيد. وأعلنت الجبهة في بيان رسمي أنها “لن تكون طرفًا في أي عملية سياسية أو مفاوضات تستند إلى اقتراحات، بغض النظر عن مصدرها، والتي تهدف إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال المغربي غير القانوني للصحراء الغربية”، وفق تعبيرها. ويعكس هذا الموقف رؤية البوليساريو بأن القرار يمثل تطوراً معاكساً لمسار الحل، وأنها تحتفظ بموقفها الأساسي بشأن حق التقرير المصير كحل وحيد مقبول لها.[3]

وفي ضوء هذا الإطار، لا يمنح القانون الدولي أيّ طرف أحقيّة سيادية نهائية على الإقليم في الوقت الراهن، إذ تبقى السيادة معلّقة إلى حين استكمال مسار تقرير المصير وفق ما تحدده الأمم المتحدة. وهذا يعكس طبيعة الحالة القانونية الراهنة التي تُعرف في الأدبيات الدولية بـ غياب تحديد المركز النهائي للإقليم (Undetermined Final Status).

رغم أن قرار مجلس الأمن مثّل تحوّلًا دبلوماسيًا لصالح مقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة المغربية، إلا أنه لا يُعدّ اعترافًا قانونيًا نهائيًا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، بل يضع هذا الخيار كمرجعية تفاوضية حول الوضع النهائي للإقليم.

ماذا يعني القرار بالنسبة للمغرب؟

شكّل اعتماد مجلس الأمن خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية نقطة تحوّل استراتيجي في الملف، عبر تكريس الشرعية الدولية لخطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها “الحل الواقعي الوحيد”، بما يعني نهاية مرحلة الجدل الأممي حول الحل الأمثل، وترسيخ الموقف المغربي داخل الأمم المتحدة كموقف متوافق عليه من قبل أغلبية الدول الفاعلة على الساحة الدولية في المقام الأول. ويمنح القرار الرباط شرعية جديدة للتحرك دبلوماسيًا واقتصاديًا في منطقة الصحراء، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام المشاريع الاستثمارية والاتفاقيات الثنائية دون قيود قانونية أممية.​[4]

كما يمنح القرار الحكومة المغربية تفويضًا واضحًا لطرح تصورات التنمية السياسية والاجتماعية في الإقليم، في ظل انحسار خيار الاستفتاء نهائيًا من الأجندة الأممية. ويشير هذا إلى تحول جذري في طريقة معالجة القضية على المستوى الدولي، من نهج قانوني-إجرائي (استفتاء) إلى نهج واقعي-سياسي (حكم ذاتي).[5]

الانعكاسات على العلاقات المغربية الجزائرية

قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أعقاب اعتماد القرار إن “حل قضية الصحراء اليوم أقرب من أي وقت مضى” شريطة توافر الإرادة السياسية من جانب الجزائر، مؤكدًا أن المغرب يفضل الحوار المباشر دون وسطاء خارجيين. ووصف بوريطة القرار الأممي بـ”التاريخي” ويستند إلى مبدأ “لا غالب ولا مغلوب”، مشددًا على ضرورة تجنب استغلال الظروف أو تصعيد الخطاب بين المغرب والجزائر. ويعكس هذا الموقف رؤية المغرب بأن القرار وفر فرصة لبدء حوار جديد، لكن بشرط توفر الإرادة السياسية من جميع الأطراف”.[6]

وتربط المملكة المغربية تحقيق هذا الحل بتوافر “الإرادة السياسية من جانب الجزائر”، وهو ما ينقل مسؤولية الجمود الحالي إلى الطرف الجزائري، ويُظهر الرباط في موقع الطرف المستعد للحوار المباشر وتقليص دور الأطراف الدولية والإقليمية والحفاظ على التحكم في إطار النقاش وشروطه بين البلدين.
كما يعكس الخطاب رغبة الرباط في تجنّب الخطاب التصعيدي ويُبقي الباب مفتوحًا أمام التفاوض، لكنه في الوقت نفسه يعكس شعورًا ضمنيًا بالانتصار السياسي، إذ ترى المغرب في القرار الأممي خطوة نحو تثبيت رؤيتها للحل القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وبذلك يمكن القول إن الخطاب المغربي جاء متزنًا في الشكل، لكنه يؤكد في المضمون على أن الرباط اكتسبت أرضية جديدة في المعركة الدبلوماسية.

وفي المقابل امتنعت الجزائر عن التصويت على القرار، وأعلنت عبر مندوبها الدائم عمار بن جامع أن “النص لا يعكس بدقة عقيدة الأمم المتحدة في مسألة تصفية الاستعمار”. كما وصفت الجزائر القرار بأنه “يمنح أولوية لطرف على حساب الآخر”، مؤكدة أن هذا يحد من المرونة اللازمة للمفاوضات المستقبلية. وأعادت الجزائر التأكيد على التزامها بمبدأ “تقرير المصير” كأساس لأي تسوية مستقبلية. يعكس هذا الموقف رؤية الجزائر بأن القرار يميل نحو طرف واحد، الأمر الذي قد يؤثر على ديناميكيات المفاوضات المقبلة “.[7]

أما امتناع الجزائر عن التصويت يعكس رفضًا ضمنيًا دون مواجهة مباشرة، ويشير إلى رغبتها في تجنّب الظهور كطرف معرقل للعمل الأممي. وفي تعليقه على القرار، أعاد مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة تأطير القضية –وفق رؤية بلاده- في سياقها التاريخي المرتبط بمبدأ “تقرير المصير”، وهو الثابت المركزي في الخطاب الجزائري منذ بداية النزاع.
ويكشف هذا الخطاب عن رؤية جزائرية تعتبر القرار خطوة قد تُضعف حياد العملية التفاوضية وتؤثر في توازن المفاوضات المستقبلية. وبذلك، يمكن القول إن الجزائر اعتمدت خطابًا دفاعيًا عقلانيًا، يسعى للحفاظ على ثوابتها المبدئية دون الانخراط في تصعيد مباشر، في محاولة لإبقاء مبدأ تقرير المصير في صلب النقاش الدولي حول قضية الصحراء.

السيناريو الأول: تصعيد دبلوماسي متبادل

يشير محللون إلى احتمالية تصعيد خطاب إعلامي ودعائي متبادل؛ وقد تعكس الجزائر موقفها من خلال إجراءات عملية مثل تعديل سياسات التأشيرات أو إجراءات اقتصادية محتملة. كما قد تحاول تعزيز مواقفها الدبلوماسية تجاه الملف، بينما قد تحاول المغرب تثبيت مكاسبه الدبلوماسية الأخيرة.”[8]

السيناريو الثاني: استمرار الجمود

قد يستمر الجمود الدبلوماسي والسياسي الراهن بحيث تحافظ الجزائر على موقفها من دعم البوليساريو، بينما تصر المغرب على خطتها للحكم الذاتي كأساس للتفاوض، وقد يؤدي هذا الجمود إلى توتر مستمر وتكاليف اقتصادية وأمنية على المنطقة بأكملها.

السيناريو الثالث: التغيير الجذري

رغم أن الاتجاهات الحالية توحي باستمرار الوضع القائم أو تطور تدريجي محدود، تبقى احتمالات التحولات الجذرية قائمة، خصوصًا إذا ما حدثت تغييرات داخلية كبرى في أحد البلدين. كما يمكن لتحولات جيوسياسية واسعة – كتعاظم الدور الصيني أو الروسي في شمال إفريقيا أو حجم الانخراط الأمريكي– أن تعيد صياغة الاصطفافات الإقليمية بالكامل.

وقد يدفع ظهور تهديدات أمنية كبرى، مثل اتساع نشاط الجماعات الإرهابية في الساحل أو اضطراب أمني يتصل بالصراع في الشرق الأوسط، إلى فرض التعاون الأمني بين المغرب والجزائر حتى مع استمرار الخلافات السياسية. هذا السيناريو، وإن كان بعيد المنال، يظل أحد أكثر السيناريوهات قدرة على تغيير بنية النزاع على المديين المتوسط والطويل.

السيناريو الرابع: التدخل الإقليمي

قد يحدث دور إقليمي متزايد لدول الجوار، خاصة موريتانيا. قد تلعب موريتانيا دورًا وسيطًا محدودًا في ملفات معزولة عن النزاع الأساسي، مثل التعاون الأمني والاقتصادي. هذا التدخل الإقليمي قد يساهم في تخفيف التوتر في قضايا محددة، دون التطرق للملف الأساسي للنزاع. كما قد تسعى دول إقليمية أخرى مثل السنغال لتوسيع تحالفاتها الإقليمية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية عبر جهود الوساطة أو المساعي الحميدة للتقريب بين المغرب والجزائر.

ويبقى السيناريو الأرجح في المدى القريب هو استمرار الجمود الدبلوماسي والسياسي الراهن، مع احتمالية استمرار التوتر الخطابي والإعلامي. ولا توجد مؤشرات على انفجار الوضع إلى حرب مباشرة وشيكة بين الجانبين. وفي هذا السيناريو، تميل المغرب إلى الحفاظ على مكاسبها الدبلوماسية الأخيرة، بينما تسعى الجزائر إلى الدفاع عن موقفها الدبلوماسي وتحديد خطواتها المقبلة في ضوء التطورات الأممية.

وإجمالًا؛ يتجاوز قرار الأمم المتحدة في أكتوبر 2025 بشأن الصحراء الغربية، كونه قرارًا تقنيًا عن تمديد ولاية البعثة لمدة عام. فقد عكس تطورًا جيوسياسيًا معقدًا يعكس تباين المواقف الدولية حول ملف الصحراء مع ترجيح كفة مقترح الحكم الذاتي المغربي، حيث أسفر القرار عن تدعيم موقف المغرب دوليًا، بينما وجدت الجزائر نفسها في موقف يتطلب إعادة تقييم استراتيجيتها.

من الملاحظ أن القرار لم يحسم الملف أو يقربه من حل نهائي متفق عليه. فقد احتفظت الجزائر بموقفها القائم على مبدأ “تقرير المصير”، بينما حقق خطوة دولية مهمة للمغرب. قد تؤدي هذه التطورات إلى سيناريوهات متعددة: إما تقارب تدريجي أو استمرار التوتر. وفي كلا الحالتين، ستؤثر التداعيات الاقتصادية والأمنية والسياسية على كلا الدولتين وعلى  المنطقة بأكملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى