دوافع الانخراط.. لماذا انضمت تركيا لمفاوضات شرم الشيخ؟

انضمت تركيا يوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025، من خلال رئيس الاستخبارات إبراهيم قالن، إلى المفاوضات التي عُقدت بشرم الشيخ بين حركة حماس ودولة الاحتلال، إلى جانب الوسيطين المصري والقطري في ضوء البنود التي حددتها الإدارة الأمريكية لإنهاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وما يصاحبه من إفراج عن المُحتجزين من قبل الحركة في أولى مراحل الاتفاق. وتأتي المشاركة التركية في ظل تصاعد التوتر بين الأخيرة والحكومة الإسرائيلية نتيجة للخلاف حول عدم احترام حكومة نتنياهو لسيادة الدول واستقلالها مثلما هو الحال بالدولة السورية التي تعاني من انتهاكات شبه يومية لسيادتها تعرقل توحيدها تحت إدارة أحمد الشرع.

يأتي ملف القضية الفلسطينية على سلم أولويات الإدارة التركية، والذي بدوره أثر على علاقات أنقرة بحماس من خلال دعمها والاستفادة منها، نتيجة لحاجة حكومة أردوغان لورقة الضغط على الحركة في أي تسوية ثنائية أو إقليمية قد تكون الإدارة التركية جزء منها.

حضور مبكر

يمكن ملاحظة بروز الدور التركي بقيادة الرئيس أردوغان في الملف الفلسطيني، والذي صاحبه تنسيق واضح بين أنقرة وواشنطن في الفترة الأخيرة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

(-) تواجد دائم: دائمًا ما تتوجه الدولة التركية في عهد أردوغان لاستغلال علاقاتها الوطيدة مع حماس بهدف لعب دور محوري في مسار التفاوض، سواء من خلال الضغط على الحركة أو استخدامها لتعزيز موقف الإدارة التركية على المستويين الإقليمي والدولي. وبالعودة إلى الوراء قليلًا، يمكن ملاحظة كيفية اعتماد أنقرة على تلك العلاقة المتقاربة في التوسط بين حركة حماس ودولة الاحتلال حول صفقة تبادل الأسرى عام 2006، والتوسط بين الطرفين أيضًا خلال عملية الرصاص المصبوب في 27 ديسمبر 2008، ويناير 2009.

ومن خلال النظر في ردود فعل الإدارة التركية بعد أحداث السابع من أكتوبر، نجد أنها توجهت بشكل مباشر نحو دعم القضية الفلسطينية مع الإشارة لحماس باعتبارها حركة تحرر وطني وليست كجماعة إرهابية على غرار كثير من الدول الأخرى. وأتى التوصيف التركي المختلف للحركة في ضوء وجود درجة عالية من التنسيق الثنائي بين الطرفين، والذي ظهر من خلال إعلان أردوغان أمام البرلمان في 2024 استعداده لاستضافة “زعيم القضية الفلسطينية إسماعيل هنية”، إضافة إلى حدوث لقاءات متعددة بين إدارة أنقرة وأعضاء حركة حماس أبرزها زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حينها إسماعيل هنية إلى إسطنبول واجتماعه مع رجب طيب أردوغان في أبريل 2024، ولذلك أدركت أنقرة ضرورة عرض خدماتها كوسيط فاعل بين طرفي الأزمة منذ بداية الحرب، والذي قُوبل برفض غير مباشر من الإدارة الإسرائيلية ردًا على كافة المحاولات التركية مثل عرض الوساطة في أكتوبر 2023، والمشاركة في الوساطة إلى جانب دول أخرى في أبريل 2024، وأغسطس 2025.

(-) دعم أمريكي: أتى اللقاء بين ترامب وأردوغان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في ظل تصاعد التوترات وحاجة الولايات المتحدة إلى تعزيز الدور التركي باعتبار الأخيرة قادرة على دعم جهود التفاوض لحلحلة الأزمة الحالية. وبالنظر إلى حفاوة الترحيب بالإدارة التركية بواشنطن على هامش حضور أردوغان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن إدراك رغبة الولايات المتحدة في إعطاء أنقرة دور وظيفي أكبر مما هو معتاد، لا سيما بعد الضربة الإسرائيلية على قطر المُستضيفة لقيادة حركة حماس المسؤولة عن التفاوض. ومن المُفترض أن ذلك التوافق يأتي في ظل حاجة الطرفين للتعاون إقليميًا، حيث تنظر تركيا إلى الولايات المتحدة باعتبارها أكثر الفاعلين قدرة على إقناع “قسد” بالاندماج في الدولة السورية، بينما تدرك واشنطن قدرة أنقرة في الضغط على حماس لقبول المقترح الأمريكي المُكون من 20 نقطة، نتيجة لمتانة العلاقات بين أنقرة والحركة.

روابط أنقرة بحماس

تتمتع العلاقات بين الإدارة التركية وقادة حماس بمتانه كبيرة في ظل عدم رؤية أنقرة لها كتنظيم إرهابي وإنما حركة مقاومة لها شعبية بالداخل التركي نتيجة لوجود جالية فلسطينية تؤثر بشكل مباشر على الرأي العام بالدولة، وهو ما سيتم تفصيله في السطور التالية.

(&) علاقات وطيدة: في إطار المسار التركي الداعم للفصائل الفلسطينية باعتبارها رمز المقاومة، امتلكت تركيا دور هام باستقبال الفلسطينيين المُبعدين، والذي تُوج بمجموعة الأسرى المُحررين في إطار صفقة التبادل مع الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط بعام 2011، التي نتج عنها الإفراج عن أسماء بارزة بحركة حماس. ولم يتوقف الدور التركي الخاص باستقبال قادة الحركة عند هذا الحد وإنما امتد حتى شمل لقاءات مباشرة على مدار فترات زمنية مختلفة بين القادة في إسطنبول وأبناء الحركة مثل لقاء 2014 بين الرئيس أردوغان ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس حينها خالد مشعل، إلى جانب اللقاءات الأخرى التي عٌقدت بعد السابع من أكتوبر مثل اجتماع وفد حماس مع رئيس الاستخبارات التركية في سبتمبر 2024. ونتيجة لعدم قدرة أبناء الحركة على الاستمرار بشكل دائم في دولة محددة، يؤدي ذلك بشكل كبير إلى التنقل بين أكثر من دولة، خاصة قطر وإيران وتركيا لتحجيم محاولات الاغتيال الإسرائيلية التي حاولت الإدارة التركية إغلاق الباب أمامها من خلال نفيها وجود رغبة في استضافة قادة الحركة ونقل المكتب السياسي لها بدلًا من قطر بعد الضربات الأخيرة التي نالت من سيادة الدوحة.

(&) الجالية الفلسطينية: تُعد الدولة التركية أحد الأماكن التي اتجه الفلسطينيون إليها بعد أحداث نكبة 1948، حيث يُقدر عددهم في الفترة الحالية بحوالي 30 ألف فلسطيني مُوزعين على مناطق مختلفة، إضافة إلى وجود حوالي 3000 فلسطيني توجهوا إلى الأراضي التركية بعد اشتعال الأزمة السورية بعام 2011. ويتمتع الفلسطينيون الموجودون بأنقرة بقدرة على المشاركة بكافة الفعاليات الخاصة بالتعبير عن حقوق الشعب الفلسطيني سواء كان ذلك من خلال المؤتمرات والمظاهرات والمؤسسات الإعلامية والمجتمعية وحركات التضامن مثل قافلة الصمود التي استهدفت كسر الحصار عن أهالي القطاع.

دوافع الانخراط  

يأتي الدخول التركي كوسيط على خط التفاوض بين الطرفين نظرًا لتأثير ذلك على الشارع التركي، إضافة إلى المكتسبات الإقليمية التي تسعى أنقرة تحقيقها، وهو ما سيتم النظر إليه في السطور التالية:

(*) دعم الشرعية: من خلال قراءة رد فعل الشارع التركي على ما يدور من عدوان إسرائيل على قطاع غزة، إضافة إلى محاولة تصفية مقاتلي الحركة ونزع سلاحها، نجد أن التوجه الأكثر وضوحًا وهو الدعم غير المحدود للقضية الفلسطينية ولحركة حماس باعتبارها حركة مقاومة ضد سلطات الاحتلال، والذي يظهر بشكل لا ريب فيه من خلال المظاهرات المختلفة التي انطلقت بمختلف شوارع البلاد للتنديد بانتهاكات الاحتلال مع دعم المقاومة الفلسطينية بكافة حركاتها، إضافة إلى خلق حملات إلكترونية ضخمة تؤكد على حق الشعب الفلسطيني الأصيل في أرضه من خلال “هاشتجات” مؤيدة للقضية الفلسطينية.

ويُعد التوجه الأبرز بالداخل التركي هو اعتبار إسرائيل دولة مارقة لا تحترم السيادة الإقليمية لأي من دول المنطقة، والمُنعكس بدوره على أنقرة نتيجة للتدخل الإسرائيلي المباشر بالأراضي السورية وما ساهم فيه من زعزعة الاستقرار وتعطيل مسار وحدة الدولة، والذي ينعكس دائمًا على إدراك المواطن بشكل واضح لأهمية اتخاذ موقف تركي حازم من الانتهاكات الإسرائيلية سواء من خلال تصعيد التحركات الإقليمية على غرار المطالبة بإرسال فرقاطة تركية بصحبة أسطول الصمود الذي كان يحمل مواطنين أتراك.

(*) تعزيز الدور: توجهت أنقرة للمشاركة في المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس ودولة الاحتلال نتيجة لرغبة الإدارة التركية في الحفاظ على دورها كوسيط دولي فاعل في مختلف النزاعات الإقليمية والدولية، على غرار الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات الإثيوبية الصومالية، علاوة على رغبة الحكومة التركية في استغلال التوترات الجارية لتعزيز تقارب العلاقات بينها وبين دول المنطقة، وهو ما يظهر من خلال ارتفاع درجة التوافق الناتج عن مواجهة مخاطر متشابهة مثلما هو الحال بالتوافق المصري التركي في الآونة الأخيرة. ومن جانب آخر، تدرك أنقرة ضرورة العمل على تعزيز دورها في الفترة الحالية بملف وقف الحرب على قطاع غزة لضمان دور أساسي لها فيما بعد كجزء من قوة الاستقرار الدولية داخل القطاع في إطار خطة ترامب وهو ما ترسخ بحضور أردوغان جنبًا إلى جنب مع الرئيس الأمريكي خلال القمة المصغرة مع عدد من قادة وممثلي الدول العربية والإسلامية حول خطة غزة نهاية سبتمبر الماضي.

وختامًا، يأتي التدخل التركي المباشر في مسار المفاوضات بين إسرائيل وحماس، نتيجة لرؤية الإدارة التركية ضرورة العمل على تعزيز دورها في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما القضية الفلسطينية لما لها من شعبية بالداخل التركي الذي يعاني من اضطراب سياسي وتحديات اقتصادية في الفترة الحالية. وعلى الرغم من بروز الدور التركي الداعم والحاضن لحركة حماس، إلا أنها تعمل وفقًا للمحددات الأمريكية المُتفق عليها سلفًا، لمنع أي تصادم بين الإدارتين مع الحفاظ على الحركة كورقة رابحة قد تحاول أنقرة استغلالها متى احتاجت لذلك، لا سيما في ظل التطلعات الإقليمية غير المحدودة للأخيرة، والتي تتلاقى مع الأغلبية المؤيدة لمشروع الرئيس أردوغان.

عبدالرحمن سعدالدين

عبدالرحمن سعد الدين، باحث في وحدة دراسات العالم. الباحث حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة الإسكندرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى