أرقام تقديرية.. ما هو حجم التكلفة المالية لتهجير الفلسطينيين؟

منذ 27 يومًا أعادت القناة 12 الإسرائيلية، القريبة من الحكومة، طرح قضية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة من خلال تقرير كشفت فيه عن اتصالات تجريها تل أبيب مع أربع دول هي ليبيا، أوغندا، جنوب السودان، وإندونيسيا، إضافة إلى إقليم أرض الصومال. وأشارت القناة إلى أن بعض هذه الأطراف أبدت انفتاحاً على مناقشة الفكرة.

هذا الطرح، يتكرر بين الحين والأخر، ومن المُحتمل أن يتجدد خلال الأيام المقبلة، خاصة في ظل الواقع الميداني المعقد في غزة، وخارجها بعد استهداف إسرائيل لبعض قيادات حماس بالعاصمة القطرية. لكن المؤكد أنه رغم تعقيد الموقف، إلا أن الدولة المصرية مُتمسكة بموقفها ومصرة على رفض تهجير الفلسطينيين سواء إلى سيناء أو إلى خارج المنطقة.

وعليه، يطرح عودة الحديث عن التهجير في هذا التوقيت،- سؤال افتراضي، هو: من يتحمل تكلفة هذا التهجير إذا مررت خطته في ظل وجود دوافع إسرائيلية متجددة لإحياء هذه الفكرة رغم المعارضة الصريحة لها، وما هي انعكاساته؟

تكلفة تقديرية:

تتعدد محاور تكلفة تهجير نحو 1.9 مليون فلسطيني، وفق النقاط التالية:

(-) تكاليف إنسانية عاجلة (تشغيلية): تُعد التكاليف الإنسانية من أهم بنود التكاليف في قضية تهجير الفلسطينيين، إذ تتضمن هذه التكاليف غذاء ومياه، ومأوى، ودمج في الخدمات الأساسية، خاصة الصحة والتعليم، فوفقاً للجدول (1)، تصل تكلفة الدمج الصحي إلى حوالي 377 دولار لكل فرد، بينما تصل التكلفة الإجمالية لتهجير 1.9 مليون فلسطيني نحو 716.3 مليون دولار في العام الواحد، وفي التعليم تُقدر  تكلفة الفرد نحو 162 دولاراً، ويصل الإجمالي إلى 309 مليون دولار.

الجدول(1) يوضح تكاليف دمج اللاجئين الفلسطينين

 (-) تكاليف رأسمالية: تتضمن التكاليف الرأسمالية العديد من البنود، والتي من بينها تكاليف الإيواء والسكن التي تشتمل على بناء مخيمات جديدة أو مساكن جاهزة، هذا فضلاً عن تكاليف الأراضي والكرفانات، هذا فضلاً عن البنية التحتية الأساسية التي تتضمن شبكات المياه والصرف الصحي، والكهرباء والطاقة، وشبكات النقل؛ لربط المخيمات بالمدن، بالإضافة إلى المرافق الصحية من بناء مستشفيات ميدانية و مراكز صحية جديدة، وتجهيزها بالمعدات من أجهزة أشعة ومختبرات وسيارات إسعاف.

وفي هذا النطاق، تشتمل التكاليف الرأسمالية على المرافق التعليمية من إنشاء مدارس طوارئ أو بناء فصول إضافية مع تجهيزها بالمقاعد، الكتب، الوسائل التعليمية، وهذا بالإضافة إلى مرافق عامة وخدمات، من مراكز توزيع غذاء ومخازن لوجيستية.

ومن الجدول (2) يتضح أن التكاليف الرأسمالية لتهجير الفلسطينين تُقدر بنحو  10500 دولار للفلسطيني الواحد، ولكن يصل الإجمالي العام إلى نحو 19.95 مليار دولار، وهو الأمر الذي يفوق طاقة اقتصاديات الدول المُستقبلة.

الجدول (2) يوضح التكاليف الرأسمالية التقديرية لتهجير الفلسطينين

عبء التكلفة:

تدور التساؤلات حول من سيتحمل تكلفة التهجير  للفلسطينيين إن حدث، وهو ما سيُذكر في النقاط التالية:

(-) الإطار القانوني الحاكم : يُعتبر القانون الدولي الإنساني هو المرجع الأساسي لمن سيتحمل تكلفة التهجير، إذ ينص بأن على قوة الاحتلال إلى أقصى حد من الإمكانات المتاحة ضمان الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية للسكان الواقعيين تحت الاحتلال، مما يرسخ مبدأ مسؤلية الطرف المسيطر على كلفة الإمداد الأساسي، وفي ظل التعدي الاسرائيلي على كل القوانين الدولية في حربها في غزة، فهذا لن يُطبق في حال التعنت الإسرئيلي الأمريكي وتهجير الفلسطينيين.

وفي هذا الإطار يُشير الميثاق العالمي بشأن اللاجئين أن العبء المالي يتقاسمه الدول المضيفة و الجهات المانحة المختلفة، لكن دون التزام تمويلي تلقائي، فالتمويل يُجمع سنوياً وغالباً لا يُغطي الاحتياجات بالكامل.

(-) أليات تمويلية: بالرغم من التوضيح السابق للإطار القانوني، لكنه يُمكن القول إنه على المدى القصير ستتحمل المجتمعات المستضيفة والوكالات الإنسانية العبء الأكبر أمام فجوة التمويل الدولية، وفي ظل أن الوكالات مثل أونروا وأوتشا تواجه عجزاً وتمويل غير كاف؛ لتغطية الاحتياجات الطارئة، وهو الأمر الذي سيجعل التمويل يتم من خلال صناديق تعويض أو آليات قضائية.

هذا فضلاً عن إمكانية وجود أدوات تمويل مبتكرة، مثل أليات ضمان مالي للمجتمعات المضيفة، وقنوات ائتمان مُيسرة.

الانعكاسات المُحتملة:

ينتُج عن تهجير الفلسطينين من أرضهم العديد من الانعكاسات المحورية، التي تتمثل في الآتي:

 (-) تصفية القضية الفلسطينية: إن التهجير يُعتبر تفريغ للقضية الفلسطينية من مضمونها، فبالتهجير يتحول الصراع من كونه قضية أرض وحقوق شعب إلى مجرد قضية لاجئين بحاجة إلى مساعدات، والتركيز الدولي قد ينحصر في إدارة الأزمة الانسانية بدلاً من السعي إلى حل سياسي عادل.

(-) تهديد الأمن القومي للدول: إن تهجير الفلسطينيين يُعد تهديداً خطيراً للأمن القومي للدول المُستقبلة، إذ أنه يفتح الفرص أمام إسرائيل للتدخل في هذه الدول، بذريعة حماية أمنها من فصائل المقاومة، وهو ما يُعتبر تعدي على سيادة الدول.

(-) تحديات اقتصادية: أن تهجير الفلسطينيين بجانب أنه يُمثل أزمة إنسانية عابرة، فإنه يُشكل أيضاً تحدياً اقتصادياً واجتماعيا وأمنياً متشابك الأبعاد للدول المستضيفة، فالتكاليف المباشرة سواء الجارية أو الرأسمالية تفرض ضغوطاً هائلة على الموازنات العامة للدول المُضيفة، من إسكان وصحة وتعليم وبنية تحتية، فالشكل(1) يوضح أن ليبيا تعاني من عجز فعلي قدره 7.5%، بينما تعاني جنوب السودان من عجز قدره 3.2%، وهو ما يوضح أنه مع استضافة الفلسطينيين سترتفع الإعباء على هذه الدول.

 كما أن الاستضافة تُدخل هذه الدول في معادلات سياسية معقدة، تزيد من اعتمادها على المساعدات الدولية وتفتح الباب أمام الضغوط الخارجية، فالدول لا تستطيع تحمل هذه الأعباء بدون تمويل خارجي، الذي عادةً ما تكون شروطه غير عادلة.

الشكل (1) يوضح عجز موازنات الدول الموجود في خطة التهجير

المصدر: البنوك المركزية للدول

ومن هنا يتضح من تحليل أبعاد التهجير الفلسطيني، أن تكلفة هذا العبء لا يُمكن أن تتحمله جهة واحدة، بل تتوزع بين الدول المضيفة التي تتحمل الضغوط المباشرة على موازناتها وبنيتها التحتية، والمجتمع الدولي الذي يضطر لتقديم المساعدات الطارئة والدعم المالي عبر منظمات مثل الأونروا ووكالات الأمم المتحدة، إضافة إلى المجتمعات المحلية التي تشارك بمواردها وفرص عملها. وفي حين أن العبء المالي المباشر يظهر في شكل إنفاق حكومي متزايد على الإسكان والصحة والتعليم والخدمات، فإن العبء غير المباشر يتمثل في التضخم، البطالة، وتآكل الاستقرار الاجتماعي.

وعليه، فإن الكلفة الحقيقية للتهجير الفلسطيني هي كلفة مشتركة، تتحمل الدول المضيفة الجزء الأكبر منها على المدى القصير، بينما تتحمل الأطراف الدولية المسؤولية في المدى الطويل عبر التمويل وإعادة توزيع الأعباء. غير أن استمرار التهجير دون حل سياسي شامل يجعل هذه الكلفة متراكمة ومتنامية، مما يحولها من مجرد عبء إنساني إلى مشكلة اقتصادية – سياسية بنيوية تمس استقرار المنطقة بأكملها.

رضوى محمد سعيد

رئيس وحدة الدراسات المصرية، ومدير برنامج الدراسات المصرفية بالمركز. الباحثة حاصلة على بكالوريوس اقتصاد، كلية اقتصاد وعلوم سياسية- جامعة القاهرة، الباحثة مهتمة بتحليل القضايا الاقتصادية الكلية، عملت كباحثة متخصصة في تحليل السياسات العامة المصرية بالعديد من الشركات المتخصصة ومراكز الفكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى