البنك المركزى وأوراق النقد الجديدة

عبدالفتاح الجبالي
يتزامن الحوار والجدل الدائران فى المجتمع حول شكل العملات الجديدة التى طرحها البنك المركزى، من فئتى العشرة والعشرين جنيها، مع تصاعد الحديث حول حدود استقلالية البنوك المركزية فى إصدار النقد وصنع السياسة النقدية، داخل العديد من البلدان.ففى تونس طالب الرئيس قيس سعيد خلال لقائه محافظ البنك المركزى بضرورة خفض الفائدة حتى يتم إقالة الإقتصاد من عثرته ويخرج من حالة الركود التى يمر بها منذ فترة، وهو مالم يلتفت إليه البنك وحافظ على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية. وكذلك اصطدام المجتمع اللبنانى، بموانع قانونية تحول دون عزل محافظ مصرف لبنان المركزى والذى يتم تحميله المسئولية الكاملة عن الإنهيار المصرفى والنقدى بالبلاد، بل وعلى النقيض من ذلك يرى البعض أن السبب يعود لتساهل السياسة النقدية فى وضع الحدود الفاصلة بين وظائفها وسياسات الحكومات المتعاقبة. كما دخل البنك المركزى اليمنى فى صراع شديد عندما قام بالعديد من الإجراءات لمنع تدهور العملة ومحاولة توحيد السوق المصرفية المنقسمة حاليا. وكلها أمور تدعو للتساؤل عن كيفية مساءلة البنوك المركزية عن نتائج السياسات النقدية، فى ظل الإستقلالية التى يتمتعون بها؟ وبعبارة أخرى فإنه وعلى الرغم من أهمية استقلال البنوك المركزية بإعتباره عاملا مهما للإستقرار المالى والنقدى واستقرار الأسعار، فإنها لاتعمل فى فراغ بل هى مؤسسات عامة.
وتبرز هذه المسألة على عدة محاور يأتى على رأسها الحق فى نسب الغطاء الذهبى للإصدار النقدى. حيث كان البنك الأهلى، الذى كان بمثابة البنك المركزى، هو صاحب تحديد نسب الغطاء الذهبى للإصدار النقدى، حتى عام 1948 حين صدر القانون رقم 119 لسنة 1948 والذى رخص لوزير المالية إصدار أذون على الخزانة لتغطية أية زيادة فى الإصدار النقدى، مما أوقف إيداع اذون الخزانة البريطانية فى غطاء الإصدار كبديل للذهب. ويمثل هذا القانون بداية التداخل بين الخزانة العامة ووزارة المالية ومسئولية البنك المركزى، حيث أصبح لوزير المالية الحق فى تحديد غطاء الإصدار، بما يعنى ضمنيا أحقيته فى تحديد حجم الإصدار بما يتناسب مع الاحتياجات التمويلية للخزانة العامة. وهو ماسلب البنك المركزى الإستقلالية التى يتمتع بها فى زيادة المعروض النقدى. وجاء القانون رقم 57 لسنة 1951 بإنشاء بنك مركرى للدولة من خلال البنك الاهلى ونص على أن يتكون غطاء الإصدار من ذهب وصكوك أجنبية وسندات وأذون الخزانة المصرية دون تحديد لنسب كل منها فى الغطاء.
وهو ما تم تعديله بالقانون رقم 59 لسنة 1993 الخاص بالنظام الأساسى للبنك المركزى ليجعل تحديد مقدار الذهب اللازم بغطاء الإصدار بقرار من رئيس الجمهورية، وتحدد أنواع ونسب الاصول الاخرى بقرار من وزير المالية، بعد أخذ رأى البنك المركزى.وعلى النقيض من ذلك لم يحدد القانون رقم 88 لسنة 2003 سلطة تحديد مقدار الذهب ولا نسب الأصول الأخرى فى الغطاء، رغم أنه ألغى القانون رقم 163 لسنة 1957، لذلك صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 64 لسنة 2004 بالنظام الأساسى للبنك المركزى ونص فى المادة (9) على أن يحدد مجلس إدارة البنك بقرار منه، نسب الأصول المملوكة لغطاء إصدار اوراق النقد. وقد حسم قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى رقم 194 لسنة 2020 هذه المسألة حيث نصت المادة 58 على أن للبنك المركزى دون غيره حق إصدار النقد والغائه، ويحدد مجلس الإدارة فئات النقد ومواصفاته، وضوابط وإجراءات إصداره أو الغائه. ومن المعروف أن النقد المصدر الجديد يتم بناء علي متغيرات إقتصادية أهمها الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية وكذلك مواجهة الطلب علي النقد من الجهاز المصرفي أو الحكومة مقابل حساباتهم لدي البنك المركزي (أي حجم الطلب المتوقع علي النقود)
وهنا تبرز مشكلة عجز الموازنة والتى تؤدى إلي زيادة الطلب علي النقد المتداول، الأمر الذي يحدث أثرا توسعيا علي السيولة المحلية ويصاحبه زيادة في مطلوبات البنك المركزي من الحكومة وزيادة الدين المحلى وهو ما يؤثر بدوره فى سوقي المال والنقد، الأمر الذى يؤدى لرفع أسعار الفائدة ويؤثر فى الإتجاهات الإستثمارية.وهكذا تنعكس هذه العلاقة، فى النهاية على صافى الإقتراض الحكومي من الجهاز المصرفي الذى يؤثر فى السيولة المحلية، وبالتالي يعد المحصلة النهائية لأثر السياسات المالية على معدلات التوسع النقدي. وهو ما حاولت المادة 47 تنظيمه عن طريق وضع حد أقصى للتمويل الحكومى لتغطية العجز الموسمى فى الموازنة لا يتجاوز 10% من متوسط إيرادات الموازنة فى السنوات الثلاث السابقة وتكون مدة هذا التمويل ثلاثة أشهر قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة ويجب أن يسدد بالكامل خلال 12 شهرا على الأكثر من تاريخ تقديمه.
نقلاً عن الأهرام.