بعد 11 سبتمبر 2021.. من ينتصر في أفغانستان “داعش” أم “طالبان”؟

في الـ 3 شهور الأخيرة من العام الجاري، شهدت الساحة الأفغانية تصاعداً مقلقاً لوتيرة أعمال العنف، وذلك تزامنا مع بدء تنفيذ خطة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، حيث سجلت التقديرات وقوع 60 هجوم، في مختلف أقاليم أفغانستان في الربع الأول من العام الجاري، وهذا المعدل يفوق نسبة الهجمات التي تعرضت لها البلاد، منذ تأسيس “ولاية خرسان” فرع تنظيم “داعش” في أفغانستان عام 2015، مما يشير إلى احتمال سيطرة الجماعات المسلحة على الأوضاع في البلاد، عقب إتمام عملية انسحاب القوات الأمريكية المحتملة في 11 سبتمبر العام الجاري.

 فمن المرجح أن ترك فراغ أمني محتمل على أثر انسحاب القوات الأمريكية من تلك الدولة، سيؤدى إلى رغبة كل الأطراف المتصارعة إثبات القوة والسيطرة على مساحات أوسع من الأراضي الأفغانية، وبالتالي يكون السؤال الذي يحتاج إلى إجابة في هذا التوقيت، وهو: من سيرسم ملامح خارطة سيطرة الجماعات المسلحة داخل أفغانستان في المرحلة المقبلة؟، وما قدرة تنظيم “داعش” على القيام بعمليات عنف وكسب مساحات جديدة في الداخل الأفغانستاني؟، وما هى حدود سيطرة حركة طالبان على الساحة الأفغانية؟.

واقع ” طالبان”:

مع بدء انسحاب القوات الأمريكية، والاتفاق مع ” طالبان” بوقف أعمال العنف مقابل الانسحاب، بدأت الحركة تستعرض قدراتها على القيام بأعمال عنف مؤثرة خلال شهر مايو 2021، ساعية إلى تحقيق مكاسب ميدانية، خاصة وأنها تسيطر فعليا على أكثر من 50% من مساحة الأراضي الأفغانية بالفعل، مما يعطى مؤشرات بأن “طالبان” ستكون رمانة الميزان، في رسم خارطة الأوضاع السياسية، وتشكيل موازين القوى داخل الأراضي الأفغانية في الفترة القادمة، ويدعم هذه الاحتمالات، الأسباب التالية:

(*) عقدت حركة طالبان أتفاق سلام مع الإدارة الأمريكية السابقة، بموجبه فوضت الإدارة الأمريكية الحركة بمكافحة التنظيمات الإرهابية، مما يعكس الثقل السياسي والدولي الذي تحظى به الحركة باعتراف أكبر قوى دولية، وهذا ينبأ أن الحركة ستشكل أهم مؤثر على مسارات الأحداث داخل الساحة الأفغانية في الفترة المقبلة.

(*) عجز الحكومة الأفغانية عن السيطرة على الأوضاع في البلاد، مما أدى إلى تمدد دور الجماعات المسلحة، وعلى رأسهم حركة طالبان، لتحل محل الدولة في سد احتياجات المواطنين، خاصة مع تفشى معدلات البطالة وبلوغها معدلات غير مسبوقة، أدت إلى سهولة تجنيد الكثيرين في صفوف الحركة، باعتبارها البديل في ظل وضع الدولة الذي تشهده أفغانستان.

(*) دعم وتعاون القبائل المحلية في أفغانستان للحركة، الذي أصبح قوة إضافية داعمة للحركة، بما سمح للسيطرة على الأوضاع وكسب مساحات جديدة من الأراضي الأفغانية، وشكل مركز ثقل للاعتراف بالحركة إقليميا ودوليا، في ظل تراجع دور الدولة وفشلها في السيطرة على الأوضاع في البلاد.

(*) تفويض الإدارة الأمريكية للحركة بمحاربة الإرهاب، سيكون بمثابة ضوء أخضر للتمدد والسيطرة على مساحات أوسع من الأرض، ومحاولة القضاء على التنظيمات الإرهابية الأخرى، مما سيؤدى بدوره إلى ارتفاع أعمال العنف، ليس فقط ضد الأفغان أو الحكومة الأفغانية، ولكن أيضا ضد “ولاية خرسان” التابعة لتنظيم داعش، وتنظيم القاعدة داخل البلاد، ومحاولة كل تنظيم فرض القوة لكسب مساحات جديدة على الأرض، واستقطاب عناصر جديدة تقاتل في صفوفه.

(*) تاريخ نشأة حركة طالبان منذ عام 1994، وسيطرتها على العاصمة كابول عام 1996، وتفاعلها ومدى تأثيرها مع المشكلات في البلاد، جعل منها قوة مؤثرة دوليا، بحيث لا يتصور عقد اتفاقات سواء دولية أو محلية بمعزل عنها، بالإضافة إلى تأييد بعض الاتجاهات داخل أفغانستان لها منذ نشأتها، بداية من طلبة المعاهد الدينية، وصولا إلى قادة القبائل الأفغانية، مما يعطى للحركة ثقل شعبي، فضلا عن الثقل الدولي الذي تتمتع به.

(*) تفضيل بعض السكان المحليين لحركة طالبان، بالمقارنة بالتنظيمات الإرهابية الآخرى، نظرا لتبنى طالبان أهداف قومية محلية تسعى لإنهاء الاحتلال، وإعادة السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة العناصر المتحالفة مع الولايات المتحدة، مما يتصادم مع مشروع تنظيمات آخري كداعش، الذي يسعى إلى كسر الحدود وإقامة الخلافة، تنفيذا لمشروع جهادي دولى، مما أدى إلى تفضيل السكان المحليين إلى الحركة على أي تنظيم مسلح آخر.

قدرات “داعش” و” طالبان” على الأرض”:

بعد استعراض قوة ” طالبان” على الأراضي الأفغانية، وحصولها على دعم وتعاون القبائل المحلية في الداخل الأفغانستاني كما سبق القول، هذا بالإضافة إلى تمكنها من ملء الفراغ في بعض الأقاليم نتيجة ضعف دور الدولة وقيامها بدور اجتماعي تمثلت أهم ملامحه في سد احتياجات بعض المواطنين- يمكن التأكيد إلى أنه في حالة صدام محتمل بين الجماعات الإرهابية وعلى رأسها ” داعش” وطالبان” بعد استكمال عملية الانسحاب الأمريكي، ستكون الغلبة لـ “طالبان”، وذلك وفقاُ للمؤشرات التي تم ذكرها في السابق.

 إن ما يشير إلى احتمالات صدام بين التنظيمات المتواجدة على الأراضي الأفغانية خلال الفترة المقبلة، هو ما شهدت أفغانستان من تصاعد لأعمال عنف من قبل تنظيم “داعش” خلال مايو الجاري، وذلك تزامنا مع بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، لمحاولة إعلان القوة وفرض السيطرة، تراوحت بين تفجير مسجد، وإحداث تفجير داخل مدرسة للبنات، وتفجير محطات كهرباء، وهو ما يعكس قدرة التنظيم على القيام بأعمال عنف وسيطرة على مساحات داخل أفغانستان. والجدير بالذكر هنا هو أن التنظيم-داعش- قد أعلن قيام ولاية خرسان التابعة له في 26 يناير 2015، وتمكن منذ ذلك التاريخ من تنفيذا هجمات مؤثرة في العاصمة كابُل، فضلا عن قدرته على إصابة معاقل تابعة لطالبان، وقدرة على تنفيذا هجمات ضد قوات الأمن الأفغانية، فضلا عن إصابة مدنيين، مما يعكس قدرة التنظيم ومدى تأثيره على الأرض.

نتيجة لما سبق؛ سيسعى تنظيم داعش إلى استعراض القوة خلال المرحلة المقبلة، في محاولة منه للسيطرة على مناطق جديدة، لإعادة أمجاد ولايته التي هدمت ومزقت في العراق والشام، والتي يحاول إقامتها في أفغانستان، تمسكا بحلم إقامة دولة الخلافة، ورغبة في عدم انشقاق أتباعه. لكن يؤشر إلى أن هذا الحلم سيصطدم بعدة عقبات، من جانب؛ لن تسمح حركة طالبان بأى أنشطة جهادية تحت راية غير رايتها، في نفس الوقت تحالف داعش مع حركة طالبان مستبعد، حيث أعلن تنظيم داعش الحرب على طالبان منذ فترة، ونفذ عدة إعدامات ضد منتمين لحركة طالبان، أدت إلى تبادل أعمال العنف بين الجانبين، هذا بالإضافة إلى رغبة كل طرف في السيطرة على مساحات أوسع من الأرض، كما أن الخلافات الأيديولوجية قد تدفع كلا الجانبين لتعميق العداء للآخر، فحركة طالبان- حسب تصريحات تنظيم داعش- تتبنى المذهب الأشعرى، في حين يتبنى تنظيم داعش الفكر الوهابى السلفى الجهادى، مما يعكس اختلاف المفاهيم حول المسائل المحورية كالبيعة والتعامل مع الشيعة.

من جانب آخر، لن تسمح الولايات الأمريكية لتنظيم داعش التمدد داخل أفغانستان، حيث اتفق الجانب الأمريكي وحركة طالبان، كشرط لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، قضاء حركة طالبان على التنظيمات الإرهابية على رأسها داعش، لذلك ستقدم أمريكا كل الدعم لحركة طالبان، لمساعدتها على التمدد والقضاء على داعش، على الرغم من قيام الحركة(طالبان) بأعمال عنف في كافة أنحاء البلاد.

تأسيسا على ما تقدم؛ وبقراءة المعطيات على الأرض، فمن المتوقع أن تشهد الساحة الأفغانية، أحداث عنف لم يسبق لها مثيل في الشدة والكثافة، كنتيجة حتمية لتراخى قبضة الدولة الأفغانية، وفشلها في السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد، و انعكاسا للفراغ الأمني الذى ستخلفه القوات الأمريكية، عقب إتمام خطة انسحابها في تاريخ 11 سبتمبر 2021، مما قد يودى إلى حرب أهلية واقتتال داخلى من قبل كل الأطراف والفصائل، على أثره ستشهد أفغانستان تردى في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يسهل تجنيد الشباب في التنظيمات الإرهابية نتيجة لهذه الأوضاع، ويتكرر نموذج سوريا كبؤرة للصراع قبل القضاء على دولة داعش فيها.

أسماء دياب

د. أسماء دياب، المدير التنفيذي للمركز، ورئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب، دكتوراه في القانون الدولي- كلية الحقوق جامعة عين شمس، حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. وحاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة، خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى