د. حسن حماد يكتب.. ملاذ البائسين

تابعت بلا اكتراث هذه الهجمة الشرسة التي قادها بعض المثقفين وشيوخ الأزهر والسلفية على مجاذيب ومريدي السيد البدوي، وراعني كمّ التنمّر والسخرية التي انطوت عليها بعض الكتابات الناقدة.

ورغم أنني أعاني حالة من فقدان الشغف بالكتابة منذ فترة ليست بالقصيرة، نظرًا لما أراه حولي من أحداث لا تثير في النفس سوى الضجر والسأم وربما اليأس، إلا أنني قررت اليوم أن أتحرر من هذا الإحساس السلبي والانهزامي، وأخرج عليكم بهذا المقال.

ولست بحاجة لأن أقول لكم – وأنتم تعلمون – إنني من أكبر المناهضين للظواهر الخرافية واللاعقلانية والغيبية، ولكن في لحظة صدق مع النفس شعرت بتعاطف شديد مع هؤلاء المساكين الذين حرمهم مجتمع قاسٍ من كل لحظات المتعة والفرح والسعادة، فراحوا يفتشون عن لحظة غياب يمارسون فيها شيئًا من الجنون والمجون الروحي الذي يُخرجهم بعيدًا عن أسوار واقعٍ رديءٍ افترس كل أحلامهم وآمالهم واغتال أفراحهم، ولم يترك لهم سوى اليأس والبؤس والحرمان بكافة صنوفه وألوانه وأنواعه.

لماذا تستكثرون على هؤلاء البؤساء أن يمارسوا شيئًا من اللهو والكرنفالية بطريقتهم العجائبية الخاصة؟

أليس من حقهم أن يعيشوا هذه اللحظات الخيالية الوجدانية التي تمنحهم شيئًا من العزاء بعد أن تذوّقوا كل أنواع العذاب؟

أليس من حق هؤلاء الفقراء أن يقيموا حفلاتهم الغرائبية بطريقتهم الخاصة، مثلما يفعل سادتهم من الأثرياء في الجونة والساحل؟

هل يختلف المسخ “حمو بيكا” أو غيره من مسوخ المهرجانات عن هؤلاء المجاذيب المساكين الذين ضاعت من أقدامهم معالم الطريق، وحرمهم مجتمعهم الظالم من كل سبل العيش الكريم، ولم يتبقَّ لهم سوى العيش عند حدود الحد الأدنى من الحياة، عند حدود غريزة حفظ البقاء، عند مستوى الكائنات الدنيا كالصراصير والهاموش؟!

ماذا تنتظرون، أيها السادة، من أناس يعيشون بلا حلم أو أمل أو متعة؟

ماذا تنتظرون من أناس يحيون في ثقافة يتسيّدها رجال دين ليس لديهم سوى إرعاب وإرهاب الجموع بالجحيم الأخروي وعذاب القبر والثعبان الأقرع، والتذكير الدائم بتفاهة الإنسان وعجز العقل وسوء المنقلب والتنفير من الحياة؟

ماذا تنتظرون من ثقافة تحتقر العقل وتزدري المثقف، ووزير تعليمها يحرّم تدريس الفلسفة والمنطق والأحياء واللغة الفرنسية، لأنّها – وكافة العلوم – من المحدثات والبدع التي لا ينبغي على المسلم أن يتعاطاها أو يقتني كتبها؟

ماذا تنتظرون من أناس يحيون تحت حدّ الفقر، وتحت حدّ الحياة، وتحت حدّ الجهل، وتحت حدّ المرض، وتحت حدّ الإنسانية؟

ماذا تنتظرون من أناس يحيون تحت حدّ هامش الوجود، يحيون موتى وهم أحياء؟

إن هذه الوجوه التي تشبه روّاد إحدى حفلات المجون التنكرية هي دليل إدانة ضد مجتمع منحط، ونظام كوني وسياسي فاشل يفتقد لكل شرعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى