انتخابات الكاميرون: تداعيات فوز الرئيس بول بيا بولاية ثامنة

د. محمود صلاح
أعلن المجلس الدستوري في الكاميرون، يوم الإثنين 27 أكتوبر 2025، فوز الرئيس بول بيا، البالغ من العمر 92 عامًا، في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 أكتوبر2025، بعد حصوله على 53.66% من الأصوات، وبذلك يواصل بول بيا توليه السلطة لولاية جديدة تمتد لسبع سنوات حتى 2032، وذلك بعد تعديل دستوري في عام 2008 ألغى الحد الأقصى للفترات الرئاسية، مما سمح لبول بيا بالترشح مجددًا، في انتخابات وُصفت بأنها محورية شارك فيها 8 ملايين ناخب كاميروني.
خريطة المتنافسين
خاضت الكاميرون استحقاقها الرئاسي، بقائمة ضمت ثلاثة عشر مرشحًا، أقرّتهم الهيئة الانتخابية للتنافس على منصب الرئاسة في مواجهة الرئيس بول بيا.
وفي 26 يوليو 2025، أعلنت الهيئة الانتخابية في الكاميرون، موافقتها على 13 مرشحًا من أصل 84 مرشحًا، يأتي في مقدمتهم الرئيس الحالي بول بيا، البالغ من العمر (92 عامًا)، والذي تولى السلطة منذ 6 نوفمبر 1982، مرشحًا عن (حزب الحركة الديمقراطية الشعبية). أما المرشح الثاني فهو كابرال ليبي، البالغ من العمر (45عامًا)، صحفي وأستاذ قانون ونائب في البرلمان منذ فبراير 2020، مرشحًا عن (الحركة من أجل نهضة الكاميرون). كما ترشح جوشوا أوسي، البالغ من العمر (57عامًا)، وهو رجل أعمال ونائب برلماني، مرشحًا عن (الجبهة الديمقراطية الاجتماعية). كذلك ترشح أكيري مونا، البالغ من العمر (72عامًا)، وهو محامٍ دولي وناشط في مكافحة الفساد، كمرشح مستقل. كما ترشح الوزير السابق عيسى تشيروما باكاري، وهو حليف سابق للرئيس بيا، مرشحًا عن (الجبهة الوطنية للخلاص في الكاميرون). وخاض الانتخابات كذلك وزير السياحة بيلو بوبا مايغاري، البالغ من العمر (78عامًا)، وهو لا يزال ضمن الحكومة المنتهية ولايتها، مرشحًا عن (الحزب الوطني من أجل الديمقراطية والتقدم). كما ترشحت هيرمين باتريسيا تومينو ندام نجوا، البالغة من العمر (56عامًا)، عمدة وعضوة في المجلس الإقليمي، وهي السيدة الوحيدة في قائمة المرشحين، مرشحة عن (الاتحاد الديمقراطي الكاميروني).
ملامح المشهد السياسي في الكاميرون 2025:
الانتخابات الرئاسية في الكاميرون لعام 2025 تبدو وكأنها امتداد للنظام السياسي المتبع منذ تولي الرئيس بول بيا السلطة عام 1982، وعلى الرغم من تدهور حالته الصحية إلا أنه رشح نفسه لفترة رئاسية ثامنة، بعد التعديل الدستوري في عام 2008 والذي ألغى تحديد عدد الولايات الرئاسية، مما سمح له بالبقاء في السلطة.
كما أقدمت الحكومة على تأجيل الانتخابات التشريعية إلى عام 2026، في إجراء اعتبر تدعيمًا لسيطرة الحزب الحاكم على المشهد السياسي.
تأتي الانتخابات الرئاسية في الكاميرون، وسط حالة من الجمود السياسي وتفاقم أزمة المعيشة، إلى جانب اضطرابات اجتماعية متزايدة، ووسط ظروف أمنية وسياسية بالغة التعقيد، حيث تتواجد الأزمة الانفصالية التي تضرب الولايات الناطقة بالإنجليزية في غرب البلاد، وكذلك تواجه البلاد اعتداءات متفرقة من تنظيم “ولاية وسط إفريقيا” التابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي في المناطق الشمالية، وتُعد هذه التحديات الأمنية منبع قلق للحكومة، لما لها من تأثير مباشر على استقرار العملية الانتخابية، وعلى نسبة مشاركة الناخبين، خصوصاً في المناطق المتضررة من النزاعات.
كما شهد المشهد السياسي في الكاميرون، تفكك التحالف الانتخابي التقليدي للرئيس بول بيا، فقد أعلن عيسى تشيروما باكاري، المعارض البارز القادم من شمال البلاد، وبيلو بوبا مايغاري، الوزير السابق، انسحابهما من الائتلاف الحاكم، وذلك لعجز السلطة الحاكمة عن التصدي للأزمات الاقتصادية والأمنية المتفاقمة.
وقبل المنافسة الرئاسية، تم إقصاء عدد من الشخصيات المُعارضة البارزة، وعلى رأسهم موريس كامتو، في خطوة أثارت لغزًا واسعًا حول سلامة الإجراءات الانتخابية.
نتائج الانتخابات الرئاسية
أعلن المجلس الدستوري، وهو الجهة المختصة بإعلان نتائج الانتخابات في الكاميرون، فوز الرئيس بول بيا في الانتخابات الرئاسية بنسبة 53.66% من الأصوات، متقدمًا على منافسه الرئيسي عيسى تشيروما باكاري الذي حصل على 35.19% من الأصوات، في حين حصل كابرال ليبي على 3.41%، وحصل بيلو بوبا مايكاري على 2.45%، ثم جاءت هيرمين باتريسيا ندام نجويا خامسًا بنسبة 1.66%، وجوشوا أوسيه بنسبة 1.21% من الأصوات، أما بقية المرشحين الآخرين، فلم يتمكن أي منهم من تجاوز حاجز 1% من الأصوات.
على الرغم من فوز بول بيا، فإن النسبة التي حصل عليها، تشكل تراجعًا مقارنة بنتائج انتخاباته السابقة، فقد حصل عام 2011 على 77% من الأصوات، وعام 2018 على 71%. هذا التراجع يظهر أن النظام الحاكم أخفق في تقدير تطلعات الشعب الكاميروني نحو التغيير.
على صعيد المعارضة، هناك مجموعة من العقبات التي تجعل من مهمة إزاحة الرئيس بول بيا عن السلطة أمرًا شديد الصعوبة، إذ يسيطر حزب الحركة الديمقراطية الشعبية الحاكم على مفاصل الدولة منذ عقود، مما يمنحه قدرة واسعة على التأثير في مجريات العملية الانتخابية، كما تم استبعاد المرشح المعارض البارز موريس كامتو من المشاركة في الانتخابات لأسباب تقنية، بالإضافة إلى رفض ترشيحات حوالي 70 مرشحًا معارضًا آخرين.
كما تعاني الأحزاب المنافسة، من ضعف في الموارد المالية واللوجستية، ما يحد من طاقتها على تنظيم حملات انتخابية فعالة، كذلك غياب التنسيق بين قوى المعارضة، وعدم قدرتها على تأسيس تحالف انتخابي موحد، بسبب الاختلافات الأيديولوجية بين التيارات السياسية، والشكوك المتبادلة فيما بينهم، وكذلك التنافسات الجهوية، التي تعكس الانقسامات العرقية والمناطقية، كل ذلك يؤدي إلى تشتت الأصوات بين عدد من المرشحين، ويمنح الرئيس الحالي بول بيا، أفضلية في السباق الرئاسي، كما أصدرت الحكومة قرارًا بحظر التحالفات الكبرى للمعارضة، معتبرة أنها غير قانونية.
التداعيات
(*) موقف الحكومة: اعتبر حزب الحركة الديمقراطية الشعبية، بقيادة الرئيس بول بيا، أن نتائج الانتخابات تعكس تجديداً للثقة الشعبية في قيادته للبلاد، وفي بيان رسمي، عبّر بول بيا عن امتنانه لدعم المواطنين، وأبدى أسفه لسقوط ضحايا خلال الاضطرابات التي تلت العملية الانتخابية، ومن جانبها، نفت الحكومة بشدة الاتهامات المتعلقة بالتزوير، مؤكدة أن العملية الانتخابية جرت في أجواء هادئة، ودعت الشعب إلى تقبل النتائج بروح المسؤولية.
(*) رفض المعارضة: وفي أول رد فعل على نتائج الانتخابات وفوز بول بيا بولاية ثامنة، رفضت قوى المعارضة النتائج، ووصفت العملية الانتخابية بأنها مزورة وغير شرعية. ورفض تشيروما الاعتراف بهذه النتائج، مؤكدًا عبر صفحته على فيسبوك، أنه الفائز الحقيقي بنسبة 54.8% من الأصوات، مقابل 31.3% من الأصوات فقط للرئيس بيا، حسب قوله، مستندًا إلى محاضر من 18 إقليمًا تمثل 80% من الكتلة الناخبة.
وفي أول ظهور علني له عقب إعلان المجلس الدستوري فوز الرئيس بول بيا بولاية ثامنة، صرّح عيسى تشيروما قائلاً، نتائج الاقتراع واضحة، لقد حققنا فوزًا كاسحًا في هذه الانتخابات، وهذا الانتصار ليس لي وحدي، بل هو انتصار للشعب الكاميروني، مضيفًا “لن نستسلم للخوف، سنظل صفًا واحدًا ونواصل المقاومة حتى نبلغ النصر”.
من جانبه، أقر المرشح كابرال ليبي، الذي جاء في المركز الثالث بنسبة 3.41% بنتائج الانتخابات، قائلاً، أعترف بهذه النتائج، وأقدّم التهنئة للمرشح الذي أُعلن فوزه.
(*) الموقف الشعبي: عقب إعلان المجلس الدستوري نتائج الانتخابات الرئاسية، اندلعت موجة من الاحتجاجات العنيفة في عدد من المدن، أبرزها مدينتا دوالا (جنوبي غرب) وغاروا (شمال)، حيث وقعت اشتباكات بين قوات الأمن ومحتجين على ما وصفه المتظاهرون بتزوير العملية الانتخابية، وأسفرت هذه المواجهات، بحسب وسائل إعلام محلية، عن مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، بعد خروج المئات إلى الشوارع رفضًا لما اعتبروه تلاعبًا بإرادة الناخبين، كما شهدت العاصمة ياوندي، مظاهرة محدودة سرعان ما قامت قوات الأمن بتفريقها، مما ترتب عليها من إغلاق العديد من المتاجر ومحطات الوقود أبوابها تحسبًا لاندلاع اضطرابات.
وفي ضوء تصاعد الاحتجاجات، فرضت السلطات حظرًا للتجوال ونشرت قوات عسكرية في محاولة لاستعادة السيطرة على الأوضاع الميدانية. وفي تصعيد سياسي، اتهم وزير الإدارة الإقليمية المعارضة بالتحريض على التمرد، مهددًا بملاحقة عيسى تشيروما باكاري قضائيًا. كما نفّذت الأجهزة الأمنية اعتقالات استباقية طالت شخصيات بارزة من المعارضة قبيل إعلان النتائج، وذلك لاحتواء أي رد فعل سياسي محتمل. وواجهت السلطات في الكاميرون، اندلاع احتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية بفرض قيود على الإنترنت ما أدى إلى انقطاعات للشبكة في البلاد.
(*) موقف الكنيسة :برزت الكنيسة الكاثوليكية في الكاميرون كأحد أبرز الأصوات المناهضة للنظام، خاصة في ظل تصاعد القمع السياسي وتزايد الغضب الشعبي بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2025، فقد عبّر عدد من الأساقفة، عن رفضهم لاستمرار الرئيس بول بيا في الحكم، ووجّهوا انتقادات للنظام، وصلت إلى حد تفضيل “الشيطان” عليه، في تعبير رمزي عن حجم الاستياء، لكن هذا الموقف لم يكن موحدًا داخل المؤسسة الكنسية، فبينما تبنّى بعض رجال الدين خطابًا صريحًا في معارضته، فضّل آخرون الدعوة إلى التهدئة والحفاظ على الاستقرار، خشية تفاقم العنف.
(*) المواقف الإقليمية والدولية: استقبلت الجهات الإقليمية والدولية، الانتخابات الرئاسية في الكاميرون بشئ من التحفظ وعدم الاهتمام؛ حيث هنأ رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف، الرئيس بول بيا بفوزه بولاية ثامنة، ودعا إلى حوار وطني في جمهورية الكاميرون. وفي السياق ذاته، أبدى يوسف قلقه الكبير إزاء التقارير التي تنقل وقوع اضطرابات وقمع واحتجازات طالت متظاهرين ونشطاء سياسيين عقب إعلان النتائج.
وحث كافة الأطراف السياسية والمؤسسية في الكاميرون على التزام الروية والسعي للحفاظ على الترابط الشعبي والوفاق والاستقرار في البلاد، كما، شجع الجهات في الكاميرون على إيلاء أهمية قصوى للمناقشة الوطنية الجامعة والتشاور مع كل المكونات السياسية بهدف بلوغ توافق يدعم الوحدة الوطنية والهدوء والطمأنينة المشتركة. واختتم رئيس المفوضية بالتأكيد على التزام الاتحاد الأفريقي بمواصلة دعم شعب الكاميرون في طريقه نحو ترسيخ الحكم الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وسلطة القانون.
لم تُعلَن حتى الآن مواقف رسمية من المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (ECCAS) بخصوص نتائج الانتخابات الرئاسية أو التطورات التي تبعتها. وقد يُفهَم الامتناع عن موقف واضح من (ECCAS) في سياق أزمة الشرعية والانسجام الداخلي التي تواجهها المنظمة، لا سيما مع اختلاف اهتمامات الدول الأعضاء.
الأمين العام للأمم المتحدة دعا كافة الأطراف إلى التهدئة وتفادي التصعيد، منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنيستي استنكرت الإفراط في استعمال القوة، وطالبت بتحقيق مستقل في مقتل المدنيين.
اعترف الاتحاد الأوروبي بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلنها المجلس الدستوري، مؤكدًا أن صلته مع الكاميرون تستند إلى اتفاق ساموا الذي يدعم أسس الحكم الرشيد والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويؤكد على أهمية احترام حرية التأسيس والاجتماع والتعبير، التي يكفلها الدستور الكاميروني. وعبر الاتحاد عن انزعاجه الشديد إزاء القمع الشديد للمظاهرات يومي 26 و27 أكتوبر2025، ومبديًا أسفه لوقوع قتلى من المواطنين، وطالب بضمان أمان وسلامة كافة الأطراف السياسية خلال الفترة الراهنة، والتحقيق في الاستعمال المفرط للقوة ومساءلة المتورطين، والإفراج العاجل عن الموقوفين بطريقة تعسفية عقب الانتخابات، ويحث كافة الجهات على تجنب التصعيد، ويدعو إلى محادثات تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار والتكاتف الوطني وتدعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ختامًا؛ أسفرت نتائج الانتخابات عن تفاقم أزمة الشرعية، تحديدًا بين فئة الشباب المُعارضين لاستمرار حكم بول بيا، وقد واجهت السلطات هذا الاعتراض بتصعيد أمني تمثل في حملات اعتقال واسعة، وحظر التجمعات، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية. في الوقت ذاته، ما زال الصراع الانفصالي في المقاطعات المُتحدثة بالإنجليزية مُتواصلًا، وقد ساهمت النتائج الرسمية في تلك المناطق في تعميق مشاعر التهميش والعزلة. وعلى خلفية هذا المشهد، تزداد المخاوف من مُعضلة وراثة مُحتملة، في ظل تكهنات حول تسليم الحكم بوسيلة غير ديمقراطية لولده فرانك بيا. أما على الصعيد القاري والعالمي، فيبدو أن التوجه العام يميل إلى الحفاظ على الاستقرار عبر الإبقاء على حضور بول بيا في إدارة البلاد، عن التغيير.