العلاقة بين الأديان في السينما وفكر الشرفاء.. مقاربة في المعالجة

كنت أشاهد ليلة أمس، على إحدى القنوات الفضائية المصرية، فيلم “حسن ومرقص”، للمخرج رامي إمام، الذي قدم معالجة ساخرة لفكرة الوحدة الوطنية والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، من خلال قصة صديقين تجمعهما الصدفة وسط ظروف متوترة.

فإذا كان فيلم “حسن ومرقص” قدم مجموعة من الرسائل تساعد على نبذ التعصب الديني والتأكيد على أن الهوية الوطنية أوسع من الانتماء الطائفي، كذلك ضرورة التعايش والتسامح بين أبناء الوطن،- إلا أن المعالجة كانت ضعيفة وغير واقعية، خاصة وأن الطرح جاء مبنيًا على ثنائية تبادلية، تتضمن مسلم يتظاهر بالمسيحية، ومسيحي يتظاهر بالإسلام، ليثبتا في النهاية أن الجوهر الإنساني واحد. في تقديرنا أن هذا التبسيط قد ينجح في الكوميديا، لكنه لا يقترب بعمق من الأسباب الجذرية للتوتر الطائفي خلال الفترات السابقة تأثير الخطاب الديني الذي كانت تبثه الجماعات التي تنسب نفسها للإسلام في ذلك الوقت.

بعد أن توقفت عن مشاهدة “حسن ومرقص”، انتهيت إلى أن معالجته لأسباب التوتر الطائفي الذي شهدته مصر في فترات ماضية، كانت غير قوية وتبحث في قشور دون عمق ديني، وهذا جعلني أبحث عن الأفلام التي انتجتها السينما المصرية والعربية منذ عام  1952، التي اشتبكت فيها السّينما مع الدّين في المجتمع العربيّ، وتطرق إلى مكوّنات المجتمع الواحد من الأديان المختلفة، التي أهمها العلاقة بين المسلم والمسيحيّ.

قرأت ثم شاهدت بعض المقاطع القديمة من أفلام التي انتجتها السينما منذ التاريخ المذكور سابقًا، التي تناولت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في المجتمع المصري، مثل فيلم “الشّيخ حسن” للمخرج حسين صدقي، أو التي تناولت مفهوم الوحدة الوطنيّة وتطبيقاته بين مكوّنات المجتمع، مثل فيلمي “شفيقه القبطية” للمخرج حسن إمام، وفيلم “الناصر صلاح الدين” للمخرج يوسف شاهين، أو التي تناولت صورة الأسرة المسيحية، مثل فيلم “بحب السيما” للمخرج أسامه فوزي، أو التي تناولت قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين، مثل فيلم “واحد صفر” للمخرجة كاملة أبو ذكري، أو قضايا جدلية مثل التي تناولها فيلم “لا مؤاخذه”؛ للمخرج عمرو سلامه.

 في المجمل، تلاحظ أن تناول السينما للعلاقة بين المسيحيين والمسلمين ودعوتها لتعزيز التعايش والوحدة الوطنية جاءت من منظور وطني- اجتماعي أكثر منه منظور ديني نصّي، كما أن السينما اعتمدت على الرمزية والصورة البصرية أكثر من النصوص الدينية، وهذا جاء مختلفا وأكثر ضعفا بالمقارنة لمعالجة المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي لإشكالية العلاقة بين المسلمين والمسيحيين والدور القذر الذي لعبته التنظيمات المتطرفة في تأجيج هذه العلاقة في الماضي.

لقد عالج الشرفاء، العلاقة بين أطراف المجتمع، كذلك تعزيز الوحدة الوطنية،- من مدخل تشريعي قرآني، حيث بنى الشرفاء رؤيته على نصوص قرآنية صريحة تدعو للتعاون، السلام، الحرية الدينية، ونبذ الكراهية، مؤكدًا أن كل الناس إخوة في الخلق، وأن حرية اختيار الدين حق إلهي مصون، كما أن رؤية الشرفاء ومعالجته تظل مستقلة عن الظرف السياسي، فدعوته ليست رد فعل على حدث طائفي محدد، بل رؤية ثابتة قائمة على مبدأ أن الإسلام رسالة سلام عالمية. هذا بالإضافة إلى أن الشرفاء يرفض في رؤيته أي تشريع بشري يحرم التهنئة أو التواصل بين الأديان، ويصفه بالافتراء على الله. فخطاب الشرفاء لمعالجة هذه القضايا، كان مباشرًا وصريح، حيث واجه الفتاوى التي تحرم تهنئة المسيحيين أو التعامل الودي معهم، ويعتبرها مخالفة للتشريع الإلهي، كما أنه يخاطب الناس جميعًا، وليس جمهورًا وطنيًا أو عرقيًا محددًا. فالشرفاء على عكس السينما، سعى إلى تأسيس وعي ديني جديد قائم على إزالة الحواجز بين الناس على أساس الدين، بهدف تحقيق الأمن والسلام عبر قيم التراحم والبر والتقوى.

فالمقاربة الدقيقة بين ما تناولته السينما عن العلاقة بين الأديان وفكر الشرفاء في ذات القضية، تشير إلى أن السينما المصرية والعربية تناولت الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين من منظور وطني اجتماعي، باستخدام السرد الفني كرد فعل لوقائع أو توترات، بينما علي الشرفاء يقدمها من منظور ديني عالمي تشريعي ثابت، يستند إلى القرآن كمصدر وحيد، ويرى أن السلام والتسامح قيم إلهية غير قابلة للتقييد، مع رفض أي سلطة دينية أو اجتماعية تمنع مظاهر الود بين الأديان.

فالشرفاء، يرى أن الله لم يمنح أي إنسان حق التشريع في جميع الأديان بل دعوة الله للناس جميعاً أن يعيشوا في الحياة الدنيا في أمن وسلام ومحبة وتعاون على البر والتقوى، ونهى الله سبحانه عن التعاون على الإثم والعدوان. ويعتبر أن كل الموروث والتقاليد البالية لدى المسلمين لا تمت بصلة لرسالة رب العالمين، رسالة الرحمة والتسامح والمحبة والتسابق في الخيرات ومحاربة الكراهية والأحقاد والكبرياء والتعالي على الناس، فكل الناس سواسية أمام الله وأمام القانون، فلا ميزة لقوم على غيرهم، والله بواسطة رسوله عليه السلام بين لهم أنهم جميعاً إخوة في الخلق، كما وضحه فى الكتاب المبين قول الله سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)- النساء “1”. ويبرر الشرفاء رؤيته مؤكدًا على أن الجميع أشقاء في الخلق، وأن الله أمر الجميع بنشر السلام والتعاون فيما بين الناس جميعاً في أمره سبحانه للناس جميعاً بقوله (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ) المائدة  (٢). وجاءت رؤية الشرفاء عن أسس العلاقة بين الناس، من منطلق أن الله دعا كل الناس للدخول في السلم كافة فى تشريعاته بقوله سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) البقرة (٢٠٨). مشيرًا إلى أن التشريع والأمر الإلهي للناس جميعاً، يحذر الناس أن كل من يدعو للكراهية من الناس جميعاً لقد اتبع خطوات الشيطان، وقد كلف الله رسوله عليه السلام بإبلاغ الناس بأمره سبحانه (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) الاسراء (٥٣) . كما أمر الله سبحانه الناس جميعاً بإفشاء السلام في قوله بما نطق عنه رسول الله (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) النساء (٨٦).

وينتهي الشرفاء إلى أن الله سبحانه لم يمنح الرسل والأنبياء صلاحية التشريع فى التحليل والتحريم في كل ما يتعلق بالرسالات التى أرسلها الله سبحانه للناس من نوح إلى محمد خاتم الانبياء والمرسلين، وأن الله سبحانه حذر كل الناس بعدم التدخل في تشريعاته بقوله (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) النحل (١١٦).

معتبرًا “الشرفاء” أن الذين يحرمون التهنئة للإخوة المسيحيين في أعيادهم المختلفة، إنهم يخالفون التشريع الالهي الذى يدعو الناس جميعاً لنشر السلام والتسامح والتراحم فيما بينهم والتعاون لما يحقق مصلحة الناس فى مجتمعاتهم ليحقق لهم الأمن والسلام والحياة الطيبة، لقد وصف الله سبحانه أولئك الذين تجرؤا على أن يشرعوا كذباً ويفترون على الله حين يفتون فتاوى شيطانية بالتحريم تسبب الفتن والقلاقل والصدام في المجتمعات الإنسانية، موصيًا بضرورة فهم رسالة الإسلام أنها رسالة سلام لكل الناس يعلوها أحد أسماء الله الحسنى ( السلام ) ولذلك فإن كنا مسلمين حقاً علينا التمسك بكتاب الله وآياته التي تدعوا الناس جميعاً لكي يعيشوا حياتهم في أمن وسلام.

د.أبو الفضل الاسناوي

المدير الأكاديمي لمركز رع للدراسات الاستراتيجية -حاصل على دكتوراه في النظم السياسية من جامعة القاهرة في موضوع الأداء البرلماني في دول الشمال الأفريقي. -حاصل على ماجستير في النظم السياسية عن موضوع النظام السياسي والحركات الإسلامية في الجزائر. -مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام. - مدير وحدة الدراسات بقطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية. - أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والإدارة ونظم المعلومات بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا. -كاتب في العديد من المجلات العلمية وخبير مشارك في العديد من مراكز الدرسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى