بندقية للإيجار: ماذا يحدث للإخوان بعد التضييق عليهم من قبل النظام التركي؟

صدمة شديدة تعيشها عناصر جماعة الإخوان في تركيا وأقاربهم في الداخل، خاصة بعد قيام النظام التركي وفقا لما نشرته بعض وسائل الإعلام بتجمد تسليم جوازات سفر لعناصر إخوانية، وإلغائه لإقامات مصريين ينتمون لتنظيمات محظورة. فوفقاً للمراقبين، فإن حالة إرباك شديدة بدأت تسيطر على عناصر جماعة الإخوان في تركيا بعد أن رفع النظام التركي يده عن دعمهم، وإصداره تعليمات بإيقاف البرامج السياسية التي تستهدف الدولة المصرية.

ففي التوقيت الذي يرفع النظام التركي يده عن تلك العناصر الإرهابية الهاربة من مصر منذ ثورة 30 يونيو 2013، تلاحظ سيطرة مرحلة اللاوعي على عناصر الجماعة، فوفقا لبعض وسائل الإعلام تأكد قيام بعض قيادات الجماعة في تركيا باتخاذ قرارات بنقل أموالها إلى دول قريبة، بل وسعى بعضهم للمغادرة من تركيا إلى دول أخرى أهمهم لندن وماليزيا.

تأسيسا على ما سبق، وفي ظل بحث الجماعة الإرهابية عن مأوى بديل لتهريب قادتها، بعد أن تواردت أنباء عن وضع بعض أعضائها، قيد الإقامة الجبرية- يبقى السؤال: ماذا يحدث للإخوان في تركيا؟، وما مستقبل أعضاء التنظيم الهاربين في هذا البلد، وهل سيسلم النظام التركي عناصر الإخوان الذين يعيشون على أراضي دولته؟، وما هو وضع الإخوان الذين حصلوا على الجنسية التركية فى الأيام الأخيرة، والقنوات التابعة للتنظيم؟، وهل سيجد التنظيم نافذة بديلة لبث سمومه ضد الدولة المصرية أم أن التنظيم سيغير من خطابه مستهدفاً الأقليات المسلمة؟.

مسارات محتملة:

يبحث قيادات الجماعة الإرهابية الهاربين في تركيا عن بديل آمن في حالة أن قرر النظام التركي تسليم عناصرهم، المحكوم عليهم من القضاء المصري في قضايا عنف. فقد طلبت بعض عناصر التنظيم، وفقاً لما نشرته بعض وسائل الإعلام- اللجوء إلى بعض الدول مثل كندا وكوريا الجنوبية وانجلترا، حيث تعد انجلترا، وفقا لتصريحات بعض عناصر الجماعة بمثابة الملاذ الآمن لهم. المسح الشامل لتصريحات عناصر التنظيم منذ هروبهم من مصر، يشير إلى أنه من المحتمل أن يفكر التنظيم في ثلاث أنواع من الدول، باعتباره يمكنه الاستفادة من الطبيعة القانونية والسياسية لهم، يمكن تحديدهم كالتالي:

(*) الأولى:  هي الدول، التي لا تنص قوانينها على عقوبة الإعدام، مثل (ألبانيا، الأرجنتين، أندورا، كندا، أستراليا، بلجيكا، وغيرهم)، ويبلغ عدد هذه الدول التي لا تعترف بعقوبة الإعدام 106 دولة تقريبا. وبالتالي، من المحتمل أن تكون هذه الدول، بمثابة المقصد الأول لعناصر الجماعة، خاصة الصادر ضدهم أحكام بالإعدام من القضاء المصرى، مثل الإرهابى “وجدى غنيم” وغيره، فقد يكون من الصعوبة على النظام التركي تسليمهم لتنفيذ حكم الإعدام الهارب من تنفيذه من القضاء المصري.

(*) الثانية: وهي الدول، التي تسمح بدخولها أرضيها دون تأشيرة، لحاملى الجنسية التركية، مثل(البانيا، الأرجنتين، البرازيل، جنوب إفريقيا، إيران، اليابان) وغيرهم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه النوعية من الدول قد تكون مفضلة لكثير من عناصر الجماعة الهاربين، خاصة الذين حصلوا على الجنسية التركية فى الفترة الأخيرة. الجدير بالذكر؛ أن تركيا طلبت من بعض القيادات، التابعة للتنظيم الإرهابى، تغيير اسمائهم لحمايتهم من أجراءات التوقيف، التى ربما يتعرضوا لها فى المطارات أو الموانى الأجنبية، وهذه الإجراءات تم التخطيط لها منذ فترة طويلة، وذلك لحماية بعض عناصر هذه الجماعة تحسبا لهذه اللحظة. كما أن بعض هذه الدول تشترك في ميزاتين هامتين، بالنسبة لأعضاء التنظيم الإرهابي، المطلوبين لتنفيذ أحكام قضائية، فبعضها تسمح بدخول أراضيها لحاملى الجنسية التركية دون تأشيرة، وفي نفس الوقت لا تعترف قوانينها بعقوبة الإعدام مثل (ألبانيا والأرجنتين).

 (*) الثالثة: هي الدول، التي لا توجد معاهدة تسليم مجرمين بينها وبين مصر. وفى هذه الحالة، يمكن القول أن هذا الموقف ذا شقين الأول قانوني، والأخر سياسي، فهذه الدول ستتوقف احتمالية تسليمها للهاربين على إرادتها السياسية، ومدى حرص أي من هذه الدول على علاقتها الجيدة مع مصر، ومدى اهتمامها بمحاربة الإرهاب. كما تتوقف هذه الحالة على مبدأ المعاملة بالمثل السائد العمل به فى العلاقات الدولية، فالأجراء المتبع فور صدور حكم قضائي ضد أحد الهاربيين، هو إرسال كافة البيانات عن المطلوب وعن القضية أو القضايا المحكوم عليه فيها والأحكام القضائية الصادرة ضده لمقر الإنتربول الدولي، مع إرفاق نشرة حمراء بتوقيفه فى المطارات والموانى، واستعادته لتنفيذ الأحكام الصادرة ضده، فيعيد الإنتربول الدولي إرسال هذه البيانات إلى كافة فروعه.

الموقف التركي من تسليم العناصر الإرهابية:

بقراءة المعطيات على الأرض، فإن تركيا قد تضطر، أن تسلم بعض من أعضاء التنظيم الإرهابى إلى مصر، كقربان لإظهار حسن النوايا، والتأكيد على الرغبة الجادة للتصالح مع مصر. لكن رغم من الخطوات التركية السريعة للتجاوب من المطالب المصرية، إلا أن هناك احتمالات تشير إلى أن  من حصلوا على الجنسية التركية، من أعضاء الجماعة الإرهابية، قد ينجوا من التسليم للقضاء المصري، خاصة وأن تردد أنه تم منح الجنسية التركية لهذه العناصر منذ فترة سبقت القرارات التركية بوقف البرامج السياسية التي تتدخل في الشأن الداخلي المصري، وهو ما يعنى أنه من المستبعد بقاء عناصر الإخوان في تركيا، وأنهم  قد يهربوا إلى دولة أخرى، من الدول التي سبق ذكرها حتى لا يتعرضوا للتوقيف في أي من المطارات أو المواني الأجنبية، أويتم أن تسليمهم وهم داخل الدولة عن طريق الإنتربول الدولى.

أما عناصر التنظيم الإرهابي، الذين لم يتمكنوا من الحصول على الجنسية التركية، رغم سعيهم المستميت إلى ذلك فى الفترة الأخيرة، وهم من القيادات الوسطى والصغرى في التنظيم، فقد يتم التضحية بهم، إذا وافقت تركيا على تسليم عناصر مطلوبة من أعضاء تلك الجماعة الإرهابية، خاصة من من عليهم أحكام قضائية، فهؤلاء وفقاً للمسح الشامل لصفحاتهم يعيشون في حالة من الرعب والتخبط.

واقع قانوني واتجاه محتمل:

أما فيما يتعلق بمصير الأحكام القضائية التي صدرت ضد أعضاء التنظيم، الذين حصلوا على الجنسية التركية، فإنه يجب التأكيد هنا على صحتها وقانونيتها، وذلك وفقا لأحكام قواعد تنازع القوانين المصرية. وبالتالي، يمكن التأكيد على صحة الأحكام وأحقية الضبط والملاحقة الأمنية لتنفيذ أي حكم قضائي صدر ضد عناصر التنظيم الإرهابي الهاربين حتى بعد حصولهم على الجنسية التركية.

فوفقا للمادة (25 –2) من قواعد تنازع القوانين المصرية: فإن “الأشخاص الذين تثبت لهم فى وقت واحد بالنسبة إلى مصر الجنسية المصرية، وبالنسبة إلى دولة أجنبية أو عدة دول أجنبية جنسية تلك الدولة، فالقانون المصري، هو الذي يجب تطبيقه”. إذن فإن أحكام القضاء المصري في حق هؤلاء الإرهابيين،  صدرت صحيحة وفقا للقانون، بل وواجبة النفاذ، سواء صدرت قبل حصولهم على الجنسية التركية أو بعدها.

في النهاية، يمكن القول إنه من المحتمل بعد إصدار تعليمات إلى القنوات التابعة للتنظيم الإرهابى(الشرق، مكملين، وطن)، من قبل النظام التركى بالتوقف عن مهاجمة مصر- أن تتوقف البرامج السياسية فى هذه القنوات بالكلية، أو تتجه إلى بث سمومها ضد دول أخرى، لتخدم أهداف الجماعة فى دول أخرى. وبالتالي قد تظل جماعة الإخوان بندقية للإيجار تحتاج من يوظفها من جديد، خاصة في حالة فقدان تلك المحطات لتمويلها بعد احتمالية المنع التام عن التحريض السام والهدام تجاه مصر.

وهذا يعنى أنه من المرجح أن تلجأ عناصر التنظيم الإرهابي إلى مواقع التواصل الاجتماعي لاستكمال عملية توظيفها ولو من طرف جديد للتحريض ضد الدولة المصرية، كما يفعل (عبدالله الشريف، وجو شو) وغيرهم، خاصة فى ظل عدم وجود معايير واضحة، يخضع له المحتوى على مواقع التواصل الإجتماعى، تضمن عدم بث ما يدعو إلى العنف أو يحض على الكراهية، فهذه المواقع لا يعنيها فى المجمل سوى الإعلانات، فضلا عن تبنى بعض وسائل التواصل الإجتماعى، توجهات مريبة تدعم الجماعات المتطرفة.

 

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى