د. أبوالفضل الإسناوي يكتب.. كيف التقت الدراما بفكر “الشرفاء” في كشف تهديد الإخوان للدولة المصرية (١)

وأنت تقرأ بعناية وتحلل المقالات التي كتبها المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي، عن جماعة الإخوان الإرهابية، وتتصفح الكتب التي تناولت أفكاره عنها التي أهمها كتابي “مفاهيم الدم عند الإخوان” و”مناظرات فكرية”،- تجده كمفكر كان أكثر عمقا في فهم آلاعيب هذا التنظيم، بل إن استخدامه لمفرداته عن هذه الجماعة كان أكثر دقة، فقد وصفها الشرفاء الحمادي، بإخوان الشيطان، ومرة قال عنها “ثعابين الزمن”، وفي أخرى اعتبرهم من أهم مهددات الدول المستقرة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن فكر “الشرفاء” عن هذه الجماعة خرج من صفحات مقالاته وكتبه إلى صورة تفاعلية ترجمتها الدراما المصرية بطريقتها، فقد التقت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في كثير من أعمالها برؤية ” الشرفاء الحمادي” عن جماعة الإخوان، حتى أنها في أخر أعمالها الدرامية “مسلسل معاوية” وصفتهم بالخوارج- أي خوارج العصر، وهنا كانت الشركة أكثر قربا من كتابات الشرفاء عن هذا التنظيم، الذي اعتبره أهم مهددات الدولة المصرية، مطالبا بقطعه من جذوره.

بالعودة إلى “العمل الدرامى” المقصود، تلاحظ أنه في منتصف عدد حلقاته تعرض لدور الخوارج في إثارة الفتنة والتحريض، مرورًا بدورهم في تأجيج الصراع بين المسلمين خلال أحداث الفتنة، ثم تناول دورهم في رفض التحكيم، وصولًا للتآمر والتخطيط لقتل رموز الدولة.

لقد ترجمت الدراما المصرية أفكار الشرفاء عن تنظيم الإخوان، بل أحيت من خلال مسلسل (معاوية) أحداث فترة تاريخية مهمة، وما يُثير الاهتمام منها في سياق هذا التحليل؛ هو الإجابة عن هذا السؤال: كيف شكل الخوارج بداية تكوين فرق ضالة ما يطلق عليه بمصطلحات العصر الجماعات الإسلامية المتطرفة؟.

وعليه، وفي هذا السياق؛ يسعى هذا المقال إلى توضيح أوجه الشبه بين الخوارج وجماعة الإخوان المسلمين التي كشفتها كتابات الشرفاء الحمادي عن الإخوان، وترجمتها الدراما المصرية، وبيان ما هيه المفاهيم التي تأسست منذ زمن الخوارج واستمرت ضمن أيديولوجية الإخوان حتى عصرنا. كما يحاول هذا المقال الإجابة عن سؤال فسره المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي، وهو: ما هى أسس سياسة الاغتيالات النفسية والدموية التي تفعلها جماعة الإخوان، وغيرها من الجماعات المتطرفة القريبة منذ نشأتها حتى وقتنا هذا.

مقاربة بين فكرة “الشرفاء” ورؤية “الدراما”:

ترجمة الصورة وتحليل تفاصيل الحكاية التي عرضتها بعض دراما المتحدة للخدمات الإعلامية عن جماعة الإخوان وخروجهم عن الحاكم، بالمقارنة لما احتوته كتابات الشرفاء الحمادي عن جماعة الإخوان ومحاولات ارتكاب العنف وسفك الدماء،- يشير إلى التقاء فكري بين الشرفاء وإنتاج الشركة المتحدة في تاصيل مفهوم الخوارج، فقد حملت راية الخوارج وفقًا للاثنين (الشرفاء-الدراما) عبارة “لا حكم إلا لله” وهي نفس سياسة استخدام الشعارات الدينية الذي تستخدمه الجماعات المتطرفة على رأسها الإخوان المسلمين حتى وقتنا هذا. حيث برر الخوارج قتل المسلم المخالف معهم في الفكر واقاموا الحجج على شرعية أفعالهم الإجرامية، من الوقائع الشهيرة الشاهدة على ذلك في التاريخ الإسلامي، هو قتل شخص يدعى عبد الله بن خباب، حيث عندما سألوه عن رأيه في علي بن ابي طالب، وعندما مدحه على خلاف رغبتهم، قاموا بقتله وشق بطن زوجته الحامل، مدعين أنهم يتقربون إلى الله بهذا الفعل الإجرامي، وهو ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين. وأنت تتصفح كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” الذى رصد أفكار الشرفاء الحمادي عن الإخوان، تجد فيه أن المرشد السادس لجماعة الإخوان “مأمون الهضيبي”، أكد نصًا وفقا للشرفاء الحمادي، “نحن نتقرب إلى الله بعمليات التنظيم السري”.

بدأت نشأة الخوارج في سياق فتنة مقتل عثمان، وكان لهم الدور الأبرز في تأجيج الصراعات واحتدام حدة الفتن والتحريض في زمن عثمان، ثم استمرت خططهم على التحريض لخلق الفتنة في زمن على، وهذا برفضهم التحكيم واستخدام الآية الكريمة: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، ورد عليهم الإمام على بن أبي طالب بقوله: “القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق، وإنما يتكلم به الرجال”. بذلك أعلنوا الخروج علي الإمام علي، بزعم أنه خالف كتاب الله، وساروا بين الناس بتكفيره ومن معه، والدعوة إلى قتاله. فمن وقائع التاريخ التي تعرض لها المسلسل مناظرة الخوارج وإقامة الحجة عليهم، لكنهم أصروا على بغيهم بالخروج على الإمام وتكفير المسلمين واستباحة دمائهم، وهو نفس المسار الذي اتبعته جماعة الإخوان وأخواتها حتى الآن.

مفاهيم  فكرية استخدمها ” الشرفاء” و”دراما المتحدة”:

أخبر النبي عن الخوارج وأوصى بطريقة التعامل معهم فقال (ص): سيخرج في أخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية.. يقتلون أهل الإسلام.. قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم فسيقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة (لئن أدركتهم لأقتنلهم قتل عاد)”.

مما سبق يتضح؛ أن الخوارج، وفقًا لرؤية الشرفاء ودراما المتحدة يحملون عقيدة تشتمل على تكفير المسلمين والخروج على الحاكم، تلك العقيدة تشمل عدة مفاهيم فكرية باطلة رسخ لها الخوارج، وامتدت أثارها في عقيدة الجماعات التكفيرية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان حتى حينه، وتتمثل أهم تلك المفاهيم التي تشاطرها الإخوان مع الخوارج، والتي ذكرها الشرفاء الحمادي في كتابي “مفاهيم الدم عند الإخوان” و”مناظرات فكرية” فيما يلي:

(*)مفهوم التكفير،– يعد الخوارج أول من أسسوا لمفهوم التكفير في التاريخ الإسلامي، حيث اعتمدوا مبدأ تكفير المسلمين بالذنب، وتكفير كل من يخالفهم الرأي، فقد تناولت كتابات الشرفاء الحمادي هذا المبدأ عند الإخوان وغيرهم من الجماعات المتطرفة، كذلك تعرض المسلسل لهذه القضية بتجسيد من أشخاص خرجوا وكفروا على ومعاوية لقبول التحكيم، وعارضوا وقف القتال وحقن دماء المسلمين. وهو وفقًا “للشرفاء” ما تفعله جماعة الإخوان الإرهابية في الوقت الراهن ومنذ نشأتها بتكفير الحكام العرب، ومن يعاونهم والشعوب العربية والدعوة لقتالهم. فقد أسس حسن البنا للتكفير بشكل مباشر وغير مباشر في عدة رسائل منها: “نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج (منهج الجماعة) ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له من الإسلام”. وأكد على عقيدة التكفير سيد قطب من بعده بقوله: “ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد لا إله إلا الله.. إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله ولا المجتمع الإسلامي”.

(*) الحاكمية،- أسس الخوارج لمفهوم الحاكمية باستخدام الآية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وقد رد عليهم الإمام علي بن ابي طالب كما أشارنا سابقًا، وهي نفس الآية التي استخدمتها جماعة الإخوان، وكل الجماعات المتطرفة، كحجة على مفهوم الحاكمية وفق رؤيتهم. ووفقاً لدراما الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وما تضمنه رؤية الشرفاء في كتاب مفاهيم الدم عند الإخوان، فإن البنا أصل لمفهوم الحاكمية في رسائله بقوله: “مهمتنا تفصيلًا: هي أن يكون في مصر بحكم أنها في المقدمة.. نظام داخلي يتحقق به قول الله تبارك وتعالى: “وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذروهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله”. ثم رسخ قطب لمفهوم الحاكمية بقوله: “والذين لا يفردون الله بالحاكمية في أي زمان وفي أي مكان هم مشركون، لا يخرجهم من هذا الشرك أن يكون اعتقادهم أن لا إله إلا الله مجرد اعتقاد، ولا أن يقدموا الشعائر لله وحده”.

(*) الخروج على الحاكم،- فإذا كان وفقًا لدراما المتحدة أن الخوارج، هم أول من دعوا للخروج على الحاكم والجهاد ضده، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وسعوا لإثارة الفوضى بين المسلمين، وبث الفتن والشائعات وتقليب الناس، هو ما دفع الإمام علي لقتالهم في معركة “النهروان”. فإنه وفقًا للشرفاء الحمادي، تلك الأحداث التاريخية تتشابه مع ما تقوم به بعض الدول العربية على رأسها جمهورية مصر العربية في مواجهة عناصر جماعة الإخوان، التي قامت بإحداث المخططات لوقوع الفتن والقلائل وارتكاب أعمال عنف. وقد أصل البنا لهذا المفهوم وفقًا لرؤية الشرفاء في كتاب “مناظرات فكرية” في رسالة التعاليم ضمن أركان البيعة (الركن الرابع): “الجهاد… بقول كلمة حق في وجه سلطان جائر أو الجهاد الفعلي أي القتال في سبيل الله”. ورسخ قطب لهذا المفهوم في قوله: “إن الحركة هي قوام هذا الدين، ومن ثم لا يفهمه إلا الذين يتحركون به ويجاهدون لتقريره في واقع الناس وتغليبه على الجاهلية بالحركة العملية.. لا تقوم الأمة الإسلامية إلا من خلال تجمع عصبة مؤمنة.. تقوم مقام الطليعة التي تقود المجتمع نحو الدولة ثم الأمة الإسلامية التي تقود البشرية”.

(*) التقية،– بالمقارنة بين الشرفاء الحمادي والإنتاج الدرامي للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تلاحظ وفقًا للثانية أن بعض الخوارج، أباحوا استخدام مبدأ التقية مع المسلمين الذين يحكمون عليهم بالردة لمخالفتهم، وبعضهم رفض المبدأ من الأصل، وهو وفقًا لكتابات الشرفاء الحمادي، ما تبقى عليه جماعة الإخوان الإرهابية، وغيرها من الجماعات المتطرفة في الوقت الراهن، حيث يجيزها البعض ويرفضها البعض الأخر. فقد أسس حسن البنا، وفقًا لرؤية “الشرفاء” في كتاب مناظرات فكرية لمفهوم التقية في عدة رسائل منها: “إيثار الناحية العملية: ما كان يخشاه الإخوان من معالجة الدعوة بخصومة حادة أو صداقة ضارة ينتج عنهما تعويق في السير أو تعطيل عن الغاية”، حيث دعا البنا في رسائله اتباعه للتعامل وفق مبدأين أحدهم ظاهر والأخر باطن كنوع من الخداع. على الجانب الأخر رفض قطب العمل بصفه شخصية بمفهوم التقية وقال: “لا يجوز أن يعمل القائد بالرخصة” واباح جواز أن يعمل بها الاتباع. يجدر الإشارة إلى تلازم مفهوم التقية مع مفهوم التكفير، بحيث يدورا معًا وجودًا وعدمًا، فإباحة الجماعات التكفيرية للتقية نتيجة لتكفير المجتمعات المسلمة.

في النهاية، وتأسيسًا على ما سبق، ووفقًا لدراما المتحدة للخدمات الإعلامية وكتابات الشرفاء الجمادي، يمكن التأكيد على أن الخوارج، وفقًا لدراما المتحدة هم من بدأوا اعتماد سياسة اغتيال الحكام والمعارضين، فقد قاموا بعدة اغتيالات منذ أحداث الفتنة الاولي وأحداث الفتنة الثانية، وصولًا إلى اغتيالات حدثت بتخطيطهم وبأيديهم في عهد الدولة العباسية. كمان أنه وفقًا لكتابات الشرفاء الحمادي تعتبر سياسة الاغتيال التي تبررها وتؤصل لها جماعة الإخوان وأخواتها، ما هي إلا امتداد وصدا لما بدأه الخوارج عبر التاريخ الإسلامي. فقد شهد التاريخ على مئات حوادث الاغتيال لسياسيين ومعارضين حتى طالت الاغتيالات عناصر إخوانية، حاولت معارضة الجماعة في فترات تاريخية. وعليه فإذا كانت دراما المتحدة تقاوم الإخوان من خلاص الصورة، فإن الشرفاء الحمادي حتى منذ ساعات قليلة يقاوم هذه الجماعة الإرهابية بالفكرة،  محذرا عبر مشروعة القومي من استمرار هذا التنظيم، وداعيا الشباب بالابتعاد عن أفكاره، وعدم تصديق الشائعات التي يروجها ضد الدولة المصرية في هذه الأيام.

د.أبو الفضل الاسناوي

المدير الأكاديمي لمركز رع للدراسات الاستراتيجية -حاصل على دكتوراه في النظم السياسية من جامعة القاهرة في موضوع الأداء البرلماني في دول الشمال الأفريقي. -حاصل على ماجستير في النظم السياسية عن موضوع النظام السياسي والحركات الإسلامية في الجزائر. -مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام. - مدير وحدة الدراسات بقطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية. - أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والإدارة ونظم المعلومات بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا. -كاتب في العديد من المجلات العلمية وخبير مشارك في العديد من مراكز الدرسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى