استراتيجية تجديد النخبة وتطوير أداء النواب في فكر “الألفي”

منذ عام تقريبًا، بالتحديد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية بثلاثين يومًا، التقيت بالسيد أحمد الألفي، الأمين العام المساعد لشؤون التنظيم والعضوية “أمين التنظيم المركزي” بحزب الشعب الجمهوري، في جلسة عصف ذهني حول “الحياة الحزبية ومستقبل العمل السياسي في مصر”. ما آثار انتباهي وأنا أتبادل الحديث مع  السيد الألفي، أنه كان يتحدث في عمق العمل الحزبي، وهذا لم أجده في مسئول حزبي قبله، خاصة وأنني من الباحثين المختصين في هذا الشأن -بحكم دراستي الأكاديمية-، حيث حاصل على ماجستير ودكتوراه في دراسة النظم السياسية، والتقيت وأنا أُعد رسالة الدكتوراه التي حملت عنوان” تأثير الثورات العربية على أداء برلمانات دول مصر وتونس والجزائر منذ عام 2011″ بالعديد من نواب البرلمان، الحزبيين منهم والمستقلين، من يسكنون في أعلى المناصب الحزبية في أحزاب تقدر وفقًا لمؤسسيها وعدد أعضائها بالمؤثرة، ومن يحملون العضوية التقليدية في هذه الأحزاب.

لم يكن يكتفي “الألفي” مثل بعض القيادات الحزبية المصرية، بما دار خلال الجلسة النقاشية النظرية، بل بعد اللقاء بيومين، قرر مقابلتي في مكتبه، بحضور كادر حزبي نشط من شباب الشعب الجمهور، هو المهندس أحمد إسلام، طارحًا سؤال، هو: كيف نطور من أداء نواب الحزب، وبالتوازي نجدد النخبة البرلمانية في الشعب الجمهورية مع استمرار القيادات المؤثرة؟، بالطبع إجابة السؤال لم تكن صعبة، لكن ما آثار دهشتي هو المصلحات التي طرحها “أمين التنظيم المركزي” في سؤاله، وهي “تطوير الأداء البرلماني” و” تجديد النخبة”، وهذا ما جعلني أتريث وأدقق إجابتي عن السؤال المطروح.

انطلاقًا من أن الأحزاب السياسية تمثل واحدة من أهم قنوات اختيار النخبة التي تتولى المناصب السياسية؛ يمكن القول إن أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسة التشريعية في رسم السياسة العامة، يتحدد وفقًا لطبيعة العلاقة بين النخبة وأعضاء الأحزاب الممثلة في البرلمان. فقد ذهب “هاري إيكشتاين” عالم السياسة الأمريكي في كتابه “التماسك والانقسام في الديمقراطية” إلى أن الخبرات السياسية المتعلقة بالسلطة التي يكتسبها الفرد من الجماعات التي يقضي فيها معظم حياته –ومنها الحزب– تؤثر بشكل مباشر على طبيعة النظام السياسي، ومؤسساته ومنها البرلمان.

وعليه، اتفقت و” الألفي” على أن يسعى “الشعب الجمهوري” كأحد الأحزاب السياسية الممثلة في المؤسسة التشريعية، عبر نخبه التشريعية –باعتبارها ممثلة للشعب– إلى أن يكون فاعلاً رئيسيًّا في صنع السياسة العامة، انطلاقًا من الصلاحيات المخولة لها دستوريًّا والمحددة لوظائف البرلمان في المجالات التشريعي والرقابي والمالي. واتفقنا معًا أنا والسيد الألفي، على أن ذلك لا يتحقق لها لمجرد كونها من اختصاصاتها الدستورية، وإنما يتطلب ممارستها فعليًّا من خلال ما تؤديه نخبها التشريعية داخل أجهزة البرلمان. وهذا الدور أو الأداء يتوقف على مستوى النخب التعليمي والثقافي، وتنوعها من حيث التمثيل المواكِب لكافة فئات المجتمع، والذي يسهم في إثراء القضايا التي يناقشها البرلمان.

كما اتفقنا على أن الاستشارات الحزبية والتدريب الدائم لأعضائها يعززان قدرة النخب التشريعية الممثلة لتلك الأحزاب في البرلمان على التعامل من أهم القضايا السياسية، ويؤهلهم لأن يكونوا قادرين على التفاعل مع متطلبات العملية التشريعية، وهذا ما نفذه الحزب عمليًا بعد اللقاء بعشرة أيام، وهي استراتيجة وضعها “الألفي” منذ ثماني أشهر، طور من خلال أداء نواب الحزب تحت قبة البرلمان. ومن ثم، ونحن نراقب أداء الأحزاب السياسية في “مرصد أداء النواب” الصادر عن برنامج الدراسات البرلمانية، بمركز رع للدراسات الاستراتيجية، تلاحظ خلال الـ5 أشهر الأخيرة، وجود دورًا فعالاً للنخب الحزبية في الشعب الجمهوري، الممثلة في البرلمان، لم تقتصر على المشاركة النشطة في كل ما يطرح من مشروعات قوانين، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه وفقًا لمرصد أداء النواب الصادر عن “رع”، شارك حزب الشعب الجمهوري على سبيل المثال في مناقشات قانوني الإجراءات الجنائية والعمل، بعدد كلمات بلغت 67 كلمة تقريبا، موزعة على عدد كبير من نواب الحزب. وبالتالي ومن قراءة وتحليل مضمون استراتيجية “الألفي” في تطوير أداء نواب حزب الشعب الجمهوري، وهي استراتيجية استنبطت ما تحمله في لقائين منفصلين معه، أنها تسعى إلى تحقيق دور فعال للحزب في صنع وتنفيذ السياسة العامة، وأن يصبح “الشعب الجمهوري” فاعل أساسي في وضع السياسة العامة، باعتبارها برامجه للمشاركة في الحياة السياسية المصرية، وخياراته للتنمية، وصوره لحل المشاكل المطروحة والمتوقعة.

 لم تقتصر استراتيجية “الألفي” في تطوير أداء النخبة البرلمانية في حزب الشعب الجمهوري على تنشيط دورهم التشريعي، بل تُعد هذه الاستراتيجية واعدة في لعب دورًا هامًّا في الرقابة المستمرة على أداء وتوجهات السلطة الحكومة؛ ما يجعله يؤثر بطريقة مباشرة على تشكيل السياسة العامة، وهذا ما أكده “مرصد أداء النواب” الصادر عن مركز رع للدراسات الاستراتيجية في عدد طلبات الإحاطة المقدمة من نواب الحزب في مجلس النواب، كذلك عدد طلبات المناقشة المقدمة من بعض نواب مجلس الشيوخ. بقراءة اشتباك وتفاعل نواب الشعب الجمهوري مع جدول مجلس النواب خلال الفترة الأخيرة، يمكن التأكيد على أن استراتيجية “الألفي” في تطوير أداء نواب حزب الشعب الجمهوري، كانت فاعلة ومؤثرة، حيث سمحت باستخدام بعض نواب الحزب لكافة الوسائل التي يخولها لها القانون، في الاعتراض على إقرار القوانين من طرف الهيئة التشريعية، إذا رأت أن مضامينها وانعكاساتها لا تتلاءم مع توجهاتها ولا تخدم مصالح الدولة المصرية وما ينادي به الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وطالما أن الأداء البرلماني، يُعرَّف بأنه قيام البرلمان بوظائفه وفقًا للصلاحيات المخولة له بموجب القواعد الدستورية، وما ينبثق عنها من تشريعات. ويُعرَّف تقييم الأداء بأنه تقييم دوري يبين مستوى أداء الفرد ونوع سلوكه مقارنةً بالمهمات والواجبات الوظيفة المنوطة به. وتتحدد فاعلية الأداء البرلماني، بمدى قدرة أعضاء البرلمان –بصفتهم ممثلين للشعب– على القيام بالدورين التشريعي والرقابي للبرلمان بما يحقق مصالح الشعب. وعليه، ومن خلال ما تضمنه “مرصد أداء النواب” الصادر عن مركز رع للدراسات، يمكن التأكيد على سمات وخصائص النخبة التشريعية لحزب الشعب الجمهوري، وأهم التغييرات والتأثيرات التي طرأت على طبيعة الأدوار التي تؤديها النخب التشريعية داخل البرلمان في الفترة الأخيرة، ستكون فاعلا مؤثرة في عملية “دوران النخبة التشريعية” للحزب في برلمان 2025″.

فإذا كنا تحدثنا في السابق، عن جانب تطوير الأداء البرلماني لنواب الشعب الجمهوري في “استراتيجية الألفي”، فإن هناك جانب أخر في هذه الاستراتيجية، نحاول أن نسلط الضوء عليه، وهو أنه بالتوازي مع تطوير نواب الشعب الجمهوري في الفترة الأخيرة، حرص “الألفي” على استقطاب نخبة حزبية شبابية جديدة، طُعم بها قائمة شئون العضوية، ليست في جانبها المركزي، بل هناك كتلة واسعة انضمت في بعض المحافظات لقائمة أعضاء الحزب الجدد. فقد عرَّف عالم الاجتماع الفرنسي فريتز باريتو عملية دوران النخب، بأنها حراك يحدث في بنية مجموعة من الأفراد يرتقي بموجبه من القاعدة إلى القمة بناء على أولويات مرتبطة بتحول في أنماط إنتاج النخب وحدودها الاجتماعية. ويشير “باريتو” إلى نوعين من الدوران أو الإحلال: الأول هو استبدال نخبة بأخرى وهو ما يحدث طبيعيًّا. أما الثاني فهو تعرض مجموعة لعملية تقليل في عددها وضخ دماء جديدة بها لإعطاء الفرص من الطبقات الأخرى كي تلتحق بطبقة النخبة. وبالتطبيق على نتائج “استراتيجية الألفي” في حزب الشعب الجمهوري، تلاحظ اتباع ” الألفي” للنوع الثاني من رؤية “باريتو” عن الدوران أو تجديد النخب. فمن خلال رصد ما ينشر على الصفحة الرسمية لحزب الشعب الجمهوري، يتأكد لنا أن النخبة في الشعب الجمهوري تُطعم وتجدد في نفس الوقت بكوادر شبابية واعدة وذلك بما يتماشى مع ما تشهده الحالة لحزبية في مصر والتنافس المحتمل خلال الأشهر القادمة، وهذا أيضا يعد في تقديري تلبيةً لاحتياجات التطور في مسيرة المجتمعات وأنظمته، سواء السياسية أو غيرها، وبفعل عوامل موضوعية ذاتية، قادرة على إحداث التغيير وتلبية الاحتياجات الجديدة للمجتمع.

د.أبو الفضل الاسناوي

المدير الأكاديمي لمركز رع للدراسات الاستراتيجية -حاصل على دكتوراه في النظم السياسية من جامعة القاهرة في موضوع الأداء البرلماني في دول الشمال الأفريقي. -حاصل على ماجستير في النظم السياسية عن موضوع النظام السياسي والحركات الإسلامية في الجزائر. -مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام. - مدير وحدة الدراسات بقطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية. - أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والإدارة ونظم المعلومات بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا. -كاتب في العديد من المجلات العلمية وخبير مشارك في العديد من مراكز الدرسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى