الشرفاء: يكتب في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية.. كيف ندعم الفئات الأشد ضعفًا؟

في نوفمبر 2007، قررت الجمعية العامة، الاحتفال سنويا بيوم 20 فبراير بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية. واعتبرت الأمم المتحدة، أن اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، يوم للتذكرة للوصول لهدف أسمي متمثل في بلوغ التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية، وأن يعم السلام والأمن، ويشيع احترام جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. واعتبرت الأمم المتحدة أن العولمة والترابط يتيحان فرصًا جديدة، عبر التجارة والاستثمار وتدفق رؤوس الأموال وأوجه التقدم التكنولوجي.
وفي ظل وجود تحديات مؤثرة على تحسين مستويات المعيشة في العالم، منها الأزمات المالية الحادة وغياب الأمن وزيادة الفقر والاستبعاد والتفاوت في داخل المجتمعات وفيما بينها، والعقبات الكأداء التي تحول دون زيادة اندماج البلدان النامية، وكذلك مرور بعض البلدان بظروف اقتصادية صعبة،- ندعو جميع القادرين في دول العالم في هذا اليوم الـ 20 من فبراير (اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية) إلى مساعدة غير القادرين ونشر نموذج التكافل الاجتماعي الاسلامي الذي ينادي بدعم غير القادرين.
إن دعوة الأمم المتحدة إلى نشر العدالة الاجتماعية بمفهومها الواسع في هذا اليوم، يجعلنا نتطرق إلى مفهوم التكافل الاجتماعي في الإسلام وفلسفته، الذي يعتبر أن الزكاة تحمل بين طياتها سرًا من أسرار هذا الدين القيم، وذلك حين تكون الزكاة عاملًا هامًا وأداة محورية في تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمعات، بل تزكي النفس البشرية وتطهر المال، وتجمعها مطواعة للخير، بعيدة عن الشر، بفعلها ينصلح حال المجتمعات، فتصبح متماسكة قوية كالبنيان المرصوص.
فالزكاة التي تقر مبدأ التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، تُعد ركنًا وفرضًا حالها حال الصلاة والصيام وحج بيت الله الحرام، مصدقًا لقول الله تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (110سورة البقرة)،- وعليه، فإننا نترجم دعوة الأمم المتحدة في يوم العدالة الاجتماعية من منظور ديننا الدين الإسلامي، ونطالب كل مسلم رزقه الله بمال وثروة، أن يطبق مبدأ التكافل الاجتماعي ويلتزم بمفهوم العدالة الاجتماعية في شقه التكافلي، ويؤدي ما عليه من فرض الزكاة وفق ما حدده الله سبحانه في تشريعه نسبة خُمس الربح الصافي؛ فمن اختار طريق اليُسر وابتغاء وجه ربه الأعلى فلسوف يرضى، وعده الله بمضاعفة رزقه في الدنيا وجنة النعيم في الآخرة. وأما من لم يصدق بالحسنى ويبخل واستغنى فسيصلى نارًا، خسر الدنيا والآخرة.
فمكاسب تأدية الزكاة والالتزام بالتكافل الاجتماعي، كثيرة يمكن تأكيدها في قول الله تعالى: “فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى.
وبالتالي، يمكن القول إن “قاعدة التكافل الاجتماعي” تظل مبدأ وقيمة، وهنا نتفق كليًا مع دعوة الأمم المتحدة، التي تنادي في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية بدعم الدول الغنية للفقيرة، والدول المستقرة للدول التي تشهد صراعات وعدم استقرار، خاصة وأن التكافل مبدأ محوري في تحقيق السلام المجتمعي، باعتبار أن الإنفاق من المال في سبيل الله هو نوع من الجهاد، فالدول والأفراد الذين يسعوا للتكافل فيما بينهم، يُعد جهادًا في الله وسعيًا إلى مرضاته، من يقول الله تعالى: ” مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”. ( البقرة 261).
إن الفلسفة التي تقوم عليها الزكاة، باعتبارها ضمانة وحامية لروح التكافل الاجتماعي داخل الأوطان، وأنها فرضًا وعبادة يأثم تاركها إن كان قادرًا على البذل في حين أنه سبحانه وتعالى قد أعفى الفقير من العطاء،- تشير إلى أن مضمون العدالة الاجتماعية التي تحدثت عليها الأمم المتحدة وحددت يوم عالمي للاحتفال بها، هي في سياقها جزء وليس كل مما تضمنه ركن الزكاة في الإسلام. فركن الزكاة في جزء منه، هو التقاء بين الأغنياء والفقراء، وفيه يعطي من منحه الله المال لمن هو في أشد الحاجة إليه، وذلك باعتبار أن المال هو مال الله، وقد جعل الله الأغنياء وسائط ووسائل لتوصيلة لمستحقيه، حيث يُعتبر الزكاة في الخطاب الإلهي من هذا المدخل تكون طوقًا للنجاة من الفقر، حين يعطي من معه لمن ليس عنده ما تقوم به حياته وتستقر.
فالزكاة، لم تكن حصرية لرسالة الإسلام فحسب، بل أنها كانت فريضة رئيسية أيضًا فيما قبل رسالة الإسلام، كونها الضمانة الهامة والمحورية في بقاء الأمم سالمة آمنة متعافية من داء الفقر والعوز والضعف، حيث تأتي الزكاة لتزكية مال الغني المقتدر وتطهره فيبارك الله له فيه ويضاعف له ما انفق من صافي أرباحه حسب النسبة المقررة في التشريع الإلهي وهي 20% بحسب قول الله تعالى: “وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، (سورة الأنفال41).
وبالتالي، نذكر المسلمين في اليوم العالمي للعدالة الإنسانية، أن هناك وجه شامل تعكسه فلسفة الزكاة، هو أنها الجسر الذي يعبر بالمسلم من دنس عبودية المال وكنزه إلى العطاء والبذل ومن ثم تطهير النفس كي لا يكون المال هو كل همه وفي لب فؤاده، وأنها تأتي لتجعل المال مكانه في غير القلب والأعماق؛ فيسهل على المرء بذله في سخاء وكرم كي لا يصاب المسلم بأخطر داء قد حذرنا منه الله – سبحانه وتعالى- وإنه داء الشح وهو أشد داء وأكثر ما يصيب هؤلاء الأغنياء أولئك الذين حذرهم الله من خطورة داء الشح بقوله تعالى: “وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (9سورة الحشر).
فالتكافل الاجتماعي، الذي هو جزء من العدالة الاجتماعية التي تنادي بها الأمم المتحدة في هذا اليوم، والذي يمثل المحور الرئيسي في ركن الزكاة، يخلق السعادة للطرفين مقدمه ومستقبله. وعليه، يمكن القول إن التكافل الاجتماعي الذي يتضمنه ركن الزكاة في الإسلام، تنفيذه يكون بمثابة تربية النفس وإعلاء وتيرة السمو الإنساني والروحي لدى المسلم، خاصة وأن آثار الزكاة وقائية علاجية للجوانب الروحية لما قد ينتاب الإنسان من الانزلاق في درك المادية القاتلة والأنانية وحب الذات.