واقع كارثي: خطر “الشتاء” على ساكنى المخيمات في الشرق الأوسط

وصفت بعض وسائل الإعلام، عام 2024، بأنه “عام المخيمات”، وذلك بسبب حالات النزوح التي شهدتها بعض مناطق العالم، وما نتج عنها من تدهور. لقد تسببت تغيرات الطقس وانخفاض درجات الحرارة، وموجات الصقيع التي تنعكس آثارها السلبية على معيشة النازحون واللاجئون داخل مخيماتهم،- في نقص الاحتياجات الضرورية كالمأوي الدافئ والملابس الشتوية ووسائل التدفئة،  بالإضافة إلي المواد الغذائية التي توفر لهم الطاقة والدفء.

تأسيساً علي ما سبق، يطرح هذا التحليل عدد من الأسئلة حول طبيعة التهديدات التي قد تتعرض لها مخيمات النازحين واللاجئين في فصل الشتاء، ومدي قدرة المنظمات الحقوقية لتوفير الاحتياجات الأساسية لهم.

واقع كارثي:

شهد عام 2024 نزوح ولجوء أعداد كبيرة من الأفراد قُدرت بالملايين يقطنون المخيمات هرباً من الأزمات والصراعات داخل بلدانهم كحماية مبدئية ومؤقتة وبحثاً عن ظروف ملائمة للمعيشة. ففي غزة علي سبيل المثال خلفت الحرب الإسرائيلية علي القطاع منذ بدايتها في أكتوبر 2023 حتي الآن كارثة إنسانية تمثلت في نزوح نحو مليوني شخص منذ السابع من أكتوبر 2023 والعيش في خيام تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة. فوفقا للعديد من العائلات الفلسطينية المُقيمة في مخيمات للنزوح داخل قطاع غزة، فإن معظمها قد تعرض للتآكل بفعل أشعة الشمس الحارقة صيفاً وانخفاض درجات الحرارة في الشتاء حتي باتت غير صالحة للإقامة، فاستمرار موجات الصقيع وبرودة الشتاء، أدت إلي اقتلاع مئات الخيام، وغرق عشرات المخيمات جراء كميات الأمطار التي لم تستطع الخيام تحملها ما أدى لغرقها وتشرد أصحابها. فقد شبهت وزارة الصحة الفلسطينية في تصريح لها خيام النازحين، بأنها أشبه ب” ثلاجات موت” إذ هي تتحول في فصل الشتاء إلى ما يشبه الثلاجة، حيث يتسلل الهواء البارد إلى داخلها ويهطل المطر ليتسلل أيضا إليها ليُغرق أمتعة ساكنيها في وقت يفتقرون فيه لأي وسيلة للتدفئة. وفي سوريا، وبالتحديد في شمالها تتجدد معاناة النازحون في الشتاء، إذ يفتقر هؤلاء إلى العديد من أساسيات الحياة الكريمة، فلا يوجد ما يُكفي من الرعاية الصحية، كما أن أغلب المرافق غير مجهزة لتلبية الاحتياجات المتزايدة في هذه الفصل من السنة. كما يتعرض النازحون إلى الضغط النفسي، حيث تشعر الكثير من الأسر بعدم الأمان واليأس من إيجاد حل دائم للوضع مما يسهم في زيادة معدلات الاكتئاب والقلق بينهم . ويشكل الأطفال والنساء النسبة الأكبر من المتضررين في المخيمات السورية، حيث تتعرض الأطفال للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الرئة، إذ لا تتوفر الأغطية المناسبة.

وفي ظل معاناة سكان المخيمات بالشمال السوري من النقص الشديد في وسائل التدفئة يتجه النازحون إلي التدفئة غالباً بطرق خطرة، إذ يضطر البعض إلى إشعال النيران بمواد غير آمنة ما يؤدي أحياناً إلى اندلاع حرائق داخل الخيام.

وفي اليمن،  ازدادت موجات النازحين خلال العام 2024، حيث كشف تقرير حكومي يمني أن الفترة من يناير وحتي نوفمبر 2024 شهدت نزوح أكثر من 16 ألف شخص في محافظة “مأرب” في ظل تخوفهم من الطرد من منازلهم التي يسكونها بالإيجار وكذلك تراجع المساعدات الإنسانية المقدمة لهم وتخوفهم من الاعتقالات التعسفية والملاحقات غير القانونية وتجنيد الأطفال إلي جانب تردي الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، كذلك يعاني سكان مخيمات مدينة ” تعز” اليمنية من خطر الحرائق نتيجة إشعالهم النار للتدفئة بسبب البرد الشديد . وفي ذات السياق ألقت صحيفة ” وول ستريت جورنال ” في نهاية ديسمبر 2024 الضوء علي التداعيات الإنسانية الكارثية التي خلفتها الصراعات في العديد من الدول الأفريقية، حيث تشهد إفريقيا حالياً المزيد من الصراعات وفقاً لبيانات جمعتها جامعة ” أوبسالا” في السويد وحللها معهد ” أبحاث السلام النرويجي ” في أوسلو ، فقد حدد الخبراء  أن هناك 28 صراعاً في 16 من بلدان أفريقيا وهو عدد أكبر من أي منطقة أخري في العالم، فخلال عام 2024 تصاعدت الحرب في السودان، وتزايدت التوترات بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، واستمر المسلحون في منطقة الساحل في الانتشار جنوبًا نحو الدول الساحلية، كل هذا خلف مُعاناة إنسانية من حيث النزوح الجماعي والجوع الشديد والمعاناة من قسوة الشتاء، فعلي سبيل المثال زادت الازمة السودانية من مخيمات النزوح وتفاقمت معاناة النازحين السودانيين يوم تلو الأخر مع استمرار الأزمة السودانية وتدهور الأوضاع بالبلاد، حيث نزح آلاف السودانيين قسراً من بيوتهم وأراضيهم هرباً من خطر الموت منذ بدء الأزمة السودانية وحتي الآن، ويواجهون ظروفاً قاسية في هذه الموجة من الشتاء بل تمتد المعاناة أيضاً إلي اللاجئين السودانيين في كلاً من جنوب السودان وليبيا وتشاد وأثيوبيا ، فضلاً عن معاناة النازحين بالصومال واللاجئين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لاسيما من تشاد وغينيا ومالي وساحل العاج وغيرها ، فكل هذا يدلل علي وجود كارثة حقيقية لابد من مواجهتها والوقوف علي تداعياتها الإنسانية .

قلق دولي:

في تصريح لـ “فيليب لازاريني” المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “الأونروا” عن أوضاع المخيمات بغزة،- قال إن “المياه تتدفق عبر المخيمات المكتظة مما يغمر الخيام المؤقتة”. وفي ضوء ذلك صرحت مسؤولة الطوارئ في الأونـروا “لويزووتريدج ” “أن أكثر من مليوني شخص ما زالوا محاصرين في ظروف مروعة في غزة ومحرومين من احتياجاتهم الأساسية ” ، كذلك حذرت مسؤولة الاتصالات الرئيسية في منظمة اليونيسف في غزة “روزاليا بولين” من صعوبة الوضع في القطاع مع حلول فصل الشتاء، حيث أشارت إلى أن في ظل شعور الأطفال بالبرد والرطوبة لا يزال الكثير منهم يرتدون ملابس الصيف مضيفة إلي أن الأطفال يبحثون بين الأنقاض عن قطع بلاستيكية ليحرقوها للتدفئة ، هذا في ظل انتشار الأمراض في القطاع للانعدام الخدمات الصحية وتعرض المستشفيات للهجوم بشكل مستمر، فكل هذه الأوضاع السيئة والمعاناة التي يعيش فيها سكان قطاع غزة، جعلت مسؤول أممي يصفه بأنه ” المكان الأخطر في العالم لتقديم الدعم الإنساني ” ، وقد توقعت تقارير دولية حصول كوارث صحية في غزة خلال فصل الشتاء خصوصاً المناطق المعرضة للفيضانات أو بالقرب منها نتيجة الهطول الغزير للأمطار علي مخيمات النازحين هناك، وسوء الأوضاع الإنسانية ، كذلك وفي ديسمبر 2024 حذرت منظمة ” أطباء بلا حدود ” من تدهور الأوضاع داخل مناطق إيواء اللاجئين السودانيين بجنوب السودان، خاصة في ظل تزايد أعدادهم نتيجة استمرار أعمال العنف ببلادهم ، فالموارد غير متاحة وهناك نقص بالغذاء والمأوي والمياه والرعاية الصحية ، وقد تطرقت المنظمة إلي الحديث عن الزيادة السريعة والمُقلقة في انتشار مرض ” الكوليرا ” داخل المخيمات مما يُنذر بشتاء مدمر للاجئين السودانيين هناك .

وعلي الرغم من ذلك فالمنظمات الحقوقية لا تستطيع تقديم المساعدات لكافة النازحين بل لعدد قليل منهم لمواجهة قسوة الشتاء كما هو الحال بالنسبة للنازحين في اليمن الذين يواجهون ظروفاً مأساوية داخل الخيام والتي تفتقر للحماية الكافية من البرد والصقيع ويعانون من النقص الحاد في الاحتياجات الأساسية. وأيضاً شهدت ليبيا زيادة ملحوظة بأعداد اللاجئين السودانيين الفارين من ويلات الحرب ببلادهم ، فقبل اقتراب فصل الشتاء دعت المنظمات الحقوقية الليبية حكومتي الشرق والغرب لتوفير ظروف مناسبة تقي النازحين السودانيين من برد الشتاء وإيجاد حلول وتوفير الغطاء ومراكز إيواء لهم تكون مهيأة وملائمة لظروف الشتاء خاصة وأن الظروف المناخية ستتحول في المرحلة التالية إلي قاسية جداً وهذا ما يعني ضرورة تكاتف الجهات الحكومية الليبية والمؤسسات الدولية المعنية بالإغاثة واللجوء من أجل تقديم الدعم الكافي للاجئين السودانيين هناك ، وعلي الرغم من ذلك فإن نقص الإمكانيات اللازمة لدي المؤسسات الليبية سيشكل عائقاً أمام ذلك وسيؤدي إلي عدم القدرة علي تأمين مستلزمات الخدمات الصحية والكهرباء والمياه لمخيمات اللاجئين ، كذلك بدأ اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بتنظيم حركات تطالب باحتياجاتهم وحقوقهم لا سيما تجاه وكالة “أونروا” ، حيث شهدت عدة مخيمات مثل مخيمي “جرمانا وخان دنون” وقفات واعتصامات تطالب بتحسين الخدمات التي تقدمها “أونروا” للاجئين في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها ، فرغم قسوة التحديات التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تبقى لديهم آمال مُعلقة بأن تساعدهم المرحلة الجديدة بسوريا بعد سقوط نظام ” بشار الأسد ” علي الحصول علي حقوقهم وتحسين مخيماتهم التي عانت ويلات الحرب السورية والنزوح .

ختاماً، يمكن القول إن عام 2024 شكل امتداد لبعض الصراعات وتجدد البعض الأخر ما نتج عنه زيادة أعداد النازحين واللاجئين هرباً من ويلات التوترات والصراعات المختلفة داخل بلدانهم، ومع مجيء فصل الشتاء تتزايد معاناة هؤلاء النازحين واللاجئين ما ينذر بأوضاع إنسانية كارثية يمتد آثارها لاسيما خلال العام 2025 فحسب بل قد يمتد لعدة أعوام ، وعلي الرغم من وجود قلق دولي كبير حيال تلك الأزمات الإنسانية وسعي المنظمات الحقوقية للعمل علي توفير الاحتياجات الأساسية لهؤلاء إلا أن نقص الموارد وتدهور الظروف الاقتصادية لبعض الدول يقف عائق أمام التوفير الكامل لتلك الاحتياجات الأساسية لهؤلاء ويًنذر بأوضاع أكثر سوءاً خلال المراحل القادمة.

د. جهاد نصر

رئيس برنامج دراسات الجيوبوليتيك بالمركز- مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية جامعة ٦ أكتوبر، متخصصة في مجال الجيوبوليتيكس، وشئون الأمن الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى