“الحرب في سوريا”: لماذا استهدفت الطائرات الأمريكية “ميليشيات إيران”؟

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، أن سلاح الجو الأمريكي وجه ضربة لمواقع داخل الأراضي السورية، استهدفت “ميليشيات مدعومة من إيران” شرقي سوريا، في أول عمل عسكري تقوم به إدارة بايدن وأن طائراته تمكنت من تدمير 9 مواقع بالكامل بالإضافة إلى إصابة موقعين آخرين جزئياً.

 واستهدفت الضربات الجوية الأمريكية مليشيات مسلحة بينها عناصر يتبعون لفصائل ما يسمى تنطيمي كتائب حزب الله وكتائب “سيد الشهداء” المتحالفة مع حكومة دمشق، والمدعومين من طهران داخل الأراضي السورية. وقد تمت تلك الضربة بناء على توجيهات الرئيس جو بايدن، وجاءت رداً على الهجمات الصاروخية الأخيرة التي استهدفت قوات أمريكية وأخرى تابعة للتحالف في العراق.

تأسيساً على ما سبق، يمكن طرح عدة أسئلة، أهمها: لماذا وجهت الضربة الأمريكية في سوريا بدلاً من العراق؟، وما هي حدود رد الفعل الإيراني على الهجمات الجوية الأمريكية الأخيرة على سوريا؟.

لماذا سوريا بدلاً من العراق؟:

وقد مثلت سوريا ساحة المواجهة لنفوذ إيران الإقليمي. ويرجح اتخاذ أمريكا قراراً بضرب سوريا بدلاً من العراق، لتجنب إحداث مشكلات للحكومة العراقية، وهى شريك رئيسي للولايات المتحدة في الجهود المتواصلة ضد داعش، خاصة بعد أن ذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس إلى أن “الهجمات الأخيرة على المنطقة الخضراء في بغداد نفذتها جماعات مدعومة من إيران”،كما أشار إلى إن “واشنطن لن ترد بقوة لكي لا تخاطر بتصعيد يفيد إيران ويسهم في جهودها لزعزعة استقرار العراق”.

تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن توجيه الضربة الأمريكية في سوريا بدلاً من العراق كانت لتجنب رد الفعل العراقي، بالإضافة إلى احتمالات تأكد الإدارة الأمريكية عدم قدرة الجيش السوري على الرد بشكل مباشر على الهجوم. هذا بالإضافة إلى أن استهداف منشاة في سوريا، جنبت الولايات المتحدة إثارة التوترات التي كانت ستحدث لو تم تنفيذ ضربة مباشرة على إيران، التي تسعى إدارة بايدن لإقناعها بالعودة إلى الاتفاق النووي.

رد فعل إيران:

ومن جهتها، نددت طهران بالهجمات الجوية الأمريكية الأخيرة على سوريا، ووصفتها بأنها “عدوان غير قانوني” وانتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي. فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، إن “الغارة الأمريكية انتهاك صارخ لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، وستؤدي إلى تشديد الصراع العسكري وتفاقم عدم الاستقرار في المنطقة”.

وبالتالي قد يكون وفقا لما تضمنه رد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية- الوجود العسكري الإيراني في سوريا، هو إحدى أدوات إيران لترسيخ سيطرتها على النظام السوري، لضمان مصالحها في المنطقة وإحداث توترات لخصومها سواء من الدول العربية أو إسرائيل أو تزويد “حزب الله” وغيره من الميليشيات بالأسلحة، هذا بالإضافة إلى حرصها على وجود موطئ قدم لها في البحر المتوسط. كما إن تقليص الوجود الإيراني في سوريا هدفاً أميركياً، حيث تعتبره الولايات المتحدة شرطاً أساسياً لدعم جهود إعادة إعمار سوريا.

تأثير الضربة على المفاوضات مع إيران:

ربما تكون الرسائل حول الضربة أكثر أهمية من الضربة نفسها، فقد تؤثر تلك الضربات الجوية الأمريكية على الجهود الأمريكية الرامية إلى إقناع إيران بالتفاوض على عودة الجانبين إلى الامتثال بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

لكن في الوقت الذي تستكشف فيه إدارة بايدن طرقاً لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، فإن الضربات ترسل أيضا رسالة إلى طهران مفادها أنه “لمجرد أننا على استعداد للجلوس والتحدث لا يعني ذلك أنه يمكن لوكلاء طهران في جميع أنحاء المنطقة فعل ما يريدون”، حيث قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن الضربة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية كانت “بتوجيه من الرئيس بايدن”، ووصفت العملية بأنها “رد عسكري متناسب” اتُخذ “مع إجراءات دبلوماسية”، منها مشاورات مع شركاء في التحالف.

كما أن الضربة كانت تهدف إلى معاقبة الميليشيات ولكن ليس لتصعيد التوترات مع إيران، التي تسعى الولايات المتحدة معها لاستئناف المحادثات بشأن الاتفاق النووي الذي تخلى عنه الرئيس السابق دونالد ترامب، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.

ووفقاً لموقع روسيا اليوم، قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، إن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية استكملت إنتاج نسبة 20 بالمائة من اليورانيوم المخصب وتواصل تركيب أجهزة الطرد المركزي IR2M وIR6 وفقاً لقانون البرلمان، كما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال، عن دبلوماسيين تأكيدها أن رفض إيران لم يقض على الآمال في إجراء مفاوضات مباشرة خلال الأشهر المقبلة.

انتهاك جديد من قبل طهران:

لقد أعلنت إيران عن تركيب أجهزة طرد جديدة بمنشأة فوردو في انتهاك جديد للاتفاق النووي، وفى وقت سابق قال مسؤول إيراني رفيع، إن إيران ترفض اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً من مجموعة 5+1 ولا تفاوض قبل عودة واشنطن للاتفاق النووي، وأن على الولايات المتحدة الأمريكية أن ترفع العقوبات قبل أن تتحدث عن مقترحات بالتفاوض حول الاتفاق النووي.

كما أنه لا يمكن لواشنطن أن تعود لطاولة الاتفاق النووي قبل تعويض خسائر المرحلة السابقة، وأن على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعرف ما ينبغي فعله إذا أرادت العودة للاتفاق النووي وهذا لا يحتاج تفاوضًا، وعلى واشنطن الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي دون مقترحات ووساطات، وأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض عقوبات على 800 كيان وفرد إيراني وعلى إدارة جو بايدن رفعها قبل أي خطوة.

وقد أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية رسمياً رفضها مقترحاً أوروبياً لعقد اجتماع غير رسمي مع دول 4+1 بمشاركة الولايات المتحدة، موضحة أنه بناء على المواقف الأخيرة وإجراءات الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فإن طهران تعتبر الوقت غير مناسب لعقد الاجتماع غير الرسمي الذي اقترحه منسق السياسة الخارجية الأوروبية جوزيف بوريل.

كما أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أنه لم يطرأ أي تغيير على مواقف وسلوك الولايات المتحدة وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ولم تتخلى علن سياسة الضغوط القصوى التي بدأتها ترامب، موضحة أن إدارة جو بايدن لم تعلن عن تعهدها بتنفيذ كافة التزاماتها في الاتفاق النووي والقرار 2231. وقد أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن إيران سترد على الأفعال بالأفعال وستتجاوب بما يتناسب مع رفع العقوبات، موضحة أن طهران ستعود إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي في حال رفع العقوبات، مؤكدة أنها ستواصل مشاوراتها الوثيقة مع الدول الأعضاء الحالية في الاتفاق النووي، وكذلك مع السيد جوزيف بوريل كمنسق للجنة المشتركة في الاتفاق، سواء بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف.

وأخيراً أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن طهران سترد على الأعمال والسلوكيات العدائية من قبل واشنطن بنفس الشكل والطريقة، ويبدو أن التصعيد من الجانبين بدأ في أشده وهو ما نراه خلال الفترة المقبلة.

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى