المفكر العربي على الشرفاء يكتب..السلطة الدينية في الدول الإسلامية
ما تستهدفه السلطة الدينية في الدول الإسلامية المحافظة بشتى السبل على البقاء على امتيازاتها السياسية والدينية والمعنوية بالرغم من أن الإسلام لم يقر مبدأ السلطة الدينية لأي فئة من المسلمين ولا حتى لرسله أو أنبيائه؛ بل كان تكليف الله لهم بحمل الرسالة وتبليغها للناس دون وصاية أو رقابة على ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية وعلى الله حساب خلقه يوم القيامة.
وكل ما تم ابتداعه من قفل باب الاجتهاد أو بدعة (قانون ازدراء الأديان) من أجل تحقيق مصلحة السلطة الدينية، وشرط إسلام المرء حماية حق الإنسان المطلق في اختيار عقيدته ودينه كما قال سبحانه مخاطبًا رسوله الأمين: (وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعًا أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ) (يونس: 99).
فحرية الاعتقاد مُصانة بالتشريع الإلهي في كتابه وحرمة الاعتداء على الأديان الأخرى محمية بشريعة الله في كتابه المبين، وحساب الناس يوم القيامة على عقائدهم وأعمالهم في الحياة الدنيا عند الله.
ولم يعين الله سبحانه وكيلًا عنه في الحياة الدنيا يراقب عقائد الناس ويحاسبهم على شعائرهم الدينية، فلذلك ابتدع الشياطين مبدأ قانوني أُطلق عليه ازدراء الأديان من أجل أن لا يكتشف دعاة الضلال زيفهم مما يؤثر على مكانتهم المقدسة في المجتمع وينصرف عنهم الناس، ولن يتمكنوا من استغلال عواطف الإنسان لتسخيرهم لخدمتهم والتفاني في تكريمهم بالمال والمد المعنوي في المجتمع ما يحقق الرضى للنفوس المريضة التي تبحث عن التكريم والاحترام والتقديس والتعالي على الناس بالروايات وأحاديث الضلال واحتكار عقول الأميين فليس من مصلحتهم ظهور النور.
ومن يحاول تحرير العقل من الفكر الظلامي لينطلق العقل يتفكر في ملكوت الله ويتبين له الحق من الباطل ويميز بين دعوة الله الناس للخير ودعوة الشيطان للشر، وما القوانين التي يبتدعها أصحاب المصالح للحجر على العقول ومنعها من ممارسة فريضة التفكير لأنها تتنافى مع مصالحهم وتكشف حقيقتهم المزيفة.
ولذلك ابتدعوا قوانين للمحافظة على حجب العقول ومنعوا فريضة إلهية من التدبر في كتاب الله لمعرفة حقيقة دعوة الله للناس من رحمة وعدل وإحسان وحث على العلم والبحث في كل مجالات الأرض والفلك والأمر بالقراءة والتعلم ليحصن الإنسان نفسه من الخرافات والإسرائيليات وعقائد الفرق الفاسدة أعداء االله وكتابه؛ ويتمسكوا بكتاب الله كما أمر سبحانه أنبيائه ورسله وكل خلقه.
لأن المضللين يحتمون بمثل تلك القوانين يخادعون بها الله والمؤمنين، فتبًا لهم فقد تمردوا على شريعة الله التي نزلت في كتابه الكريم وسيلقون يوم القيامة حسابًا عسيرًا.
كما أن استمرار مادة ازدراء الأديان تتعارض كليًا مع ما دعى إليه سيادة الرئيس من حرية التفكير لتصويب الخطاب الديني ليتلاءم مع دعوة الرحمة والسلام والعدل وحرية الاعتقاد التي أرسل الله سبحانه رسوله للناس؛ ليبلغهم بأن رسالة الإسلام تنهى عن الظلم والعدوان والاعتداء على حقوق الإنسان واحترام الأديان وتنشر التعاون والسلام في المجتمعات الإنسانية.
ولكي يستمر الفكر المعادي لحقوق الإنسان ونشره لخطاب الكراهية وتحريضه على قتل الأبرياء والمحتكر للمعرفة والحقيقة حجرًا على العقول مقيدًا لانطلاقة التفكر والتدبر في كتاب الله، الذي منح الحرية المطلقة للتفكر لمعرفة الحق من الباطل وقد أكد ذلك الحق عندما أمر رسوله عليه السلام في خطاب التكليف وهو القرآن الكريم في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ ) (المائدة: 67).
مسؤولية الرسول التبليغ بآيات الله مؤكدًا له في قوله: (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد: 40).
ليوصل الرسول خطابه للناس ليتدبروا في آياته ليتبين لهم مقاصدها لخير الإنسان في كل مكان، وترك الله لهم الحرية في الاستنباط من القرآن ليضعوا القواعد المنظمة لحياة الإنسان في المجتمعات البشرية وفق شرعة الله لتحقيق العدالة واتباعًا لمنهاجه لتحسين العلاقة والمعاملة الطيبة بالحكمة والموعظة الحسنة في العلاقات الاجتماعية، ليتحقق للإنسان الأمن والسلام والعيش الكريم دون خوف من عدوان ودون ظلم من إنسان ودون إجحاف في حق الناس ودون استعلاء على البشر والتكبر على آيات الله؛ بل مودة وتعاون وسلام بين الناس جميعًا.
ولم يكلف الله رسوله بأن يكون وصيًا على عقائد الناس أو محتكرًا لأفكارهم بل منح الله الإنسان مطلق الحرية للتفكر والتدبر كما قال سبحانه مخاطبًا رسوله عليه السلام: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29).
خطاب الله موجه لكل الناس بالتفكر والتدبر في آيات القرآن الكريم لمعرفة الحق من الباطل، وبتلك الآيات التى تبين للناس بأن الله لم يكلف فئة من خلقه لتكون المرجعية الوحيدة لدين الإسلام وتبيان مقاصد آياته بأفكارها، وتحجر على عقول غيرها وتستعبد الناس بمفاهيمها.
بل جعل الله سبحانه التفكر والتدبر في كتابه فريضة هامة يتبارى الناس بالبحث والدراسة للوصول إلى حقيقة دعوة الله لهم بآياته لما يحقق لهم التقدم العلمي والاستفادة من نعم الله في أرضه والتفكر في كونه؛ ليتحقق للناس العيش الكريم والاستقرار والأمن والسلام.