إسرائيل وإيران وعملية أصفهان

السفير عمرو حلمي

بعثت إسرائيل بهجومها الرمزى الصاروخى المحدود على القاعدة الجوية الإيرانية بالقرب من أصفهان برسالة إلى القيادة الإيرانية تؤكد أنها قادرة لو أرادت على الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية والتى لا تبعد كثيرا عما وصلت إليه الصواريخ الإسرائيلية، وذلك فى تطور لم يكن مستبعدا، إذ لم تكن الحكومة الإسرائيلية تخفى عزمها على «استعادة الردع» مع شواهد قوية كانت توحى باستعدادها للرد على الهجوم الإيرانى الذى شهدناه يوم ١٣ إبريل الجارى، إذ أكد التصريح الذى أدلى به وزير الخارجية البريطانى Cameron عقب مقابلته مع الرئيس الإسرائيلى Herzog أنه من الواضح أن إسرائيل ستقوم بالرد على الهجوم الإيرانى it’s clear Israel will respond to Iran attack.

ويبدو جليا من تلك التطورات أن «قواعد الاشتباك» بين البلدين قد تغيرت تماما، فبعد أن ظل الصدام بين إسرائيل وإيران ينحصر فى مجرد عمليات تخريبية تقوم بها إسرائيل فى الداخل الإيرانى، سواء ضد منشآت أو باستهداف شخصيات متصلة بالبرنامج النووى لإيران أو بتصفية عدد من القيادات العسكرية الإيرانية فى سوريا، وذلك فى مقابل «حرب بالوكالة» يقوم بها حزب الله وحماس، انضم الحوثيون إليهما مؤخرا، جاء الهجوم الإيرانى ضد إسرائيل ليمثل الأول من نوعه الذى يأتى انطلاقا من الأراضى الإيرانية وبواسطة قواتها المسلحة، وذلك ردا على قيام إسرائيل بقصف القنصلية الإيرانية فى دمشق فى تطور نقل الصدام بالفعل من «الحرب فى الظل أو خلال قوات بالوكالة تعمل من خارج إيران وبدعم منها» إلى حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، وهو ما أكده أيضا الهجوم الصاروخى الإسرائيلى المحدود على أصفهان.

وقد كانت الخيارات المطروحة أمام حكومة نتنياهو تتمثل فى إما الامتناع عن شن هجوم داخل الأراضى الإيرانية مع مواصلة الحرب غير المباشرة معها، بما يسمح لإسرائيل بالتركيز على غزة وعودة الرهائن ويمنع نشوب حرب أوسع نطاقًا بكل تكاليفها الاقتصادية والعسكرية والبشرية، أو القيام بضربات محدودة وانتقائية ضد أهداف عسكرية داخل إيران، أو القيام بهجوم سيبرانى واسع نطاق على إيران، وتمثل الخيار الأكثر خطورة فى إقدام إسرائيل على استهداف منشآت البرنامج النووى الإيرانى والذى كان الأقل احتمالا نظرا لاحتياجه إلى دعم ومشاركة أمريكية ليست متاحة فى ظل المواقف المعلنة للإدارة الأمريكية، وقد اختارت إسرائيل فى النهاية القيام بعملية صاروخية خاطفة ضد إحدى القواعد الجوية الإيرانية بالقرب من مدينه أصفهان موطن عدد من المنشآت النووية المهمة التى تحميها أنظمة S-300 للدفاع الجوى والتى لا تبعد سوى ١٢٠ كيلومترا عن منشأة «ناتانز» لتخصيب اليورانيوم فى رسالة، مفادها «أننا اخترنا عدم ضرب مواقعكم النووية هذه المرة، لكن بإمكاننا أن نفعل ذلك إذا أردنا».

وقد حرصت إسرائيل أيضا، بهجومها الصاروخى الرمزى الانتقائى المحدود على إيران، على عدم إثارتها لغضب الحلفاء أو إهدار فرصة بناء تحالف دولى قوى ضد طهران، وذلك على الرغم من احتمال أن تجبر عمليه أصفهان إيران أو أى عمليات ضد التواجد العسكرى فى سوريا أو ضد حزب الله فى لبنان للمزيد من التصعيد مع إسرائيل وتحرك إيران نحو تسريع برنامجها النووى، معتقدة أن امتلاك أسلحة نووية من شأنه أن يردع إسرائيل عن شن هجمات مستقبلية على الأراضى الإيرانية، وإن كانت الردود الصادرة من إيران توحى بمحدودية تأثير عمليه أصفهان التى كما يبدو لم تحقق أى خسائر بشرية أو نوعية تذكر، إلا أن ذلك لا يجب أن يقودنا إلى استنتاجات متسرعة بأن التصعيد بين البلدين قد انتهى تماما.

وفى الاعتقاد أن الجهود الدولية يجب أن تتواصل من أجل الحيلولة دون الدخول فى حلقة مفرغة من التصعيد والتصعيد المضاد بين إسرائيل وإيران، وذلك على الرغم مما يتردد عن أن الضربة الانتقائية الإسرائيلية على إيران كانت مصممة من أجل تجنب حرب إقليمية أوسع، إلا أنه ليس من المؤكد عدم خروج الأمور عن نطاق السيطرة بعد أن تغيرت قواعد الاشتباك بين البلدين، كما أن ذلك لا يجب أن يأتى على حساب ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى وقف العدوان الإسرائيلى على غزة وإلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطينى وحاجته إلى المساعدات الإنسانية العاجلة.

وقد كان سكرتير عام الأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، محقا عندما ذكر أنّ الشرق الأوسط «على شفير» الانزلاق إلى «نزاع إقليمى شامل»، داعيا إلى الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس فى «لحظة الخطر القصوى»، وهو فعليا ما نحتاج إليه أكثر من أى خيارات أو احتمالات أخرى.

*السفير عمرو حلمي عضو مجلس الشيوخ، سفير مصر الأسبق في إيطاليا

نقلاً عن صحيفة المصري اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى