ما انعكاسات مظاهرات طلاب الجامعات الأمريكية؟
يطرح استمرار تظاهرات طلاب الجامعات الأمريكية، ونصب مجموعة من الطلاب في بعض الجامعات، منهم جامعة هارفرد وكاليفورنيا وكولومبيا وبنسلفانيا، خيامهم في ساحات هذه الجامعات، منذ الـ 17 من أبريل الماضي، وذلك احتجاجًا على الحرب التي شنها الجيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، مطالبين إدارة الجامعات بمنع أي تعاون مع الشركات التي تدعم الحرب- العديد من التساؤلات، وهي: ما هي العوامل المحفزة والمحركة لهذا التحول، وهي حدود تأثير تظاهرات على مستقبل القضية الفلسطينية، وعلى الانتخابات الأمريكية؟
وعليه، يأتي هذا التحليل لقراءة دلالات تظاهر الطلاب بالجامعات الأمريكية ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة؛ وذلك من خلال محوريين أساسيين الأول يتناول التحولات الجيلية في الشباب الأمريكي من القضية، ومن ثم المحور الثاني، يتطرق إلى التأثير المحتملة لهذا الحراك.
محركات ومؤثرات التحول:
ثمة عوامل تُعد محركة للتحول في موقف شباب الجامعات الأمريكية من الهجوم الإسرائيلي على غزة، ومن السياسات التي تتبعها الإدارة الأمريكية تجاه الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، هم كالتالي:
(*) المادة المرئية: الصورة الواقعية الحية لما حدث وما زال يحدث في غزة، كانت هي الأكثر تأثيرًا في مشاعر وذاكرة الشباب الأمريكي؛ بكاء الآباء والأمهات الثكلى، وجوه الأطفال، ومشاهد هتك وانتزاع الحرية في غزة، حيث أدت كل المؤثرات السابقة تعاطف المجتمع الأمريكي، ولاسيما الشباب منه، وخلقت رأيا عاما مضادًا لما يجب أن يكون عليه الرأي العام الأمريكي لإسرائيل.
(*) تقدم وسائل التواصل الاجتماعي: في مقابل تراجع قوة وسائل الإعلام في تقديم الصورة النمطية المعتادة عن إسرائيل، تم خلق مساحة تحرك خلالها الشباب الأمريكي، لرؤية وتداول واقع ما يحدث في غزة بقوة وثبات، وهذه المساحة كانت تعبيرًا عن اتجاهات وأفكار الشباب وتعاطفهم الإنساني دون تحديد أو توجه مسبق من المؤسسات الإعلامية الرسمية، ربما المدعومة في بعض الأحيان من الجانب الإسرائيلي، بهدف حشد الرأي العام الأمريكي لدعم إسرائيل.
(*) تراجع تأثير المؤسسات الإعلامية: التأثير الإسرائيلي على آليات صناعة الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية واضح للجميع، فمع بداية العدوان على غزة من قبل الجانب الإسرائيلي افترضت إسرائيل، أن لديها القدرة على السيطرة على الرأي العام العالمي، وخاصة الأمريكي كالعادة؛ كما حدث دائما في تحركاتها السابقة تجاه الفلسطينيين، هذه المرة النتائج كانت عكسية، خاصة في صفوف الشباب ليس تجاه القضية فقط أو منها، فقد تحول نظر الشباب باحثا عن أكثر النظريات اختلافا عن الرواية الرسمية في الإعلام، والنتيجة الفراغ الذي خلف مساحة لمواقع التواصل الاجتماعي، ولعل ما يؤكد هذه الفرضية، هو تباين الرأي العام الأمريكي من الحرب في أوكرانيا، وما يحدث في غزة، وتبلور رأي عام مضاد وقوي لما دعمته المؤسسات الإعلامية الأمريكية.
(*) تشابه القضية: من المحركات القوية في التحول نحو الدفاع ومؤازرة القضية الفلسطينية، هو تشابه صياغة القضية الفلسطينية مع العديد من القضايا في التاريخ والواقع الأمريكي، أبرزها الأقليات الإفريقية، وحرب فيتنام وغيرها من القضايا التي أثرت في الرأي العام الأمريكي؛ ومن هنا تبلورت الفكرة وتحولت من مجرد التحرك بدافع إنساني بسبب مشاهد أثارت مشاعر التعاطف مع ما عرضت واقعة المرئيات إلى حراك للدفاع عن قضية عنوانها الحرية ومتنها مناهضة الإمبريالية؛ نظن أنها لن تقف عند مجرد الخروج للتظاهر والاعتصام داخل وخارج حدود الجامعات.
حدود التأثير:
مَن هم المتظاهرون؟ إجابة هذا التساؤل تضع أمامنا حدود واضحة لهذا التأثير؛ خروج معظم المتظاهرين من بين طلاب جامعة هارفرد وكاليفورنيا وكولومبيا وبنسلفانيا وغيرها من الجامعات المرموقة ذات التصنيف المتقدم عالميا، فهذه الجامعات تضم بين أروقتها صفوة الدارسين في المرحلة الجامعية في الولايات الأمريكية، وصانعي السياسات في المستقبل والمؤثرين عليها أيضا، خروج هؤلاء الطلاب للتظاهر تضامنا مع القضية الفلسطينية بالطبع سيحدث تغيرات سياسية تنطلق من تحولات في الصورة النمطية لإسرائيل وفلسطين في العقيدة الفكرية لهؤلاء الشباب، يمكن تحديد أهم ملامح التأثير ( التأثير على المستوى القريب) وسيناريوهاته المستقبلية، وذلك على النحو التالي:
(&) تأثير على المدى القريب: سيدور هذا التأثير في فلك عدة سيناريوهات السيناريو، هي كالتالي:
(-) السيناريو الأول،- وهو أقرب ما سنراه من هذه التأثيرات المحتملة يركز على التغير في اتجاهات الناخبين الشباب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، واحتمالية خسارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لنسبة مرتفعة من الأصوات، وهو السيناريو الأقرب للواقع؛ ومن المُرجح لذلك ما رصدته استطلاعات الرأي الأمريكية في أبريل الجاري من تراجع اهتمام الأمريكيين بالانتخابات إلى أدنى مستوى منذ عام 2008؛ هذا بجانب موقف شباب الجالية العربية من الرئيس جو بايدن لا سيما بعد موافقة مجلس النواب الأمريكي على حزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل ومباركة بايدن لهذه الخطوة، واتهام الرئيس الأمريكي بالتواطئ في ما يحدث في غزة.
(-) السيناريو الثاني،- هو انتهاج الناخبين الأمريكيون ولاسيما الشباب نهج التصويت العقابي ضد الرئيس جو بايدن، الأمر الذي يصب في مصلحة المرشح الجمهوري دونالد ترامب على الرغم من عدائه الواضح للعرب والمسلمين، وتوعده للطلاب من أصول عربية بالحرمان من الجنسية والإبعاد عن الأراضي الأمريكية.
(-) السيناريو الثالث،- هو بحث الناخبون عن المرشح الذي يحسن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية بغض النظر عن يحدث الآن، وبالتالي لا تتأثر نتائج الانتخابات بحراك الشباب وأصواتهم؛ وهو السيناريو الأضعف في تقدرين؛ بسبب ما تعرض له الشباب من تعد على الحريات بالسجن، وهي ظاهرة غير مسبوقة بهذا الشكل.
من ما تقدم نخلص إلى أن الحراك الشبابي الأمريكي، بدافع التضامن مع الأحداث الجارية في غزة، يظل مدعوما بالعديد من المتغيرات سواء التقنية بسبب نقل الواقع عبر المرئيات وخلق مساحات أخرى من التفاعل بمنأى عن الإعلام الرسمي، أو الإيديولوجية دفاعا عن الحرية ومحاربة للإمبريالية، هو ما سيلقي بظلاله مؤثرا على الحياة السياسية الأمريكية ليس الانتخابات الرئاسية المقبلة فقط؛ طلاب وخريجو الجامعات الأمريكية المرموقة اليوم هم صناع سياسات ومتخذي قرار الغد.