حدود التواجد الروسي في القارة الإفريقية


محمد صلاح الدين-باحث مساعد في الشئون الإفريقية

إن طموح موسكو المتزايد لوضع نفسها كحليف للدول الإفريقية وإثارة المشاعر المعادية للغرب قد يجعل من القارة الإفريقية نقطة اشتعال في المنافسة الاستراتيجية العالمية بين روسيا والغرب، إذ أن الدعم الروسي للحكومات غير المنتخبة، بما في ذلك دعمها لسلسلة من الانقلابات في السنوات الأخيرة، يهدد بتقويض التطلعات الديمقراطية في أفريقيا. وفي الوقت نفسه، أدى انخراط الشركات العسكرية الروسية  الخاصة إلى إشعال فتيل الصراع، وتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، وتحفيز العسكرة المتزايدة للحكم من خلال استراتيجية روسيا للتدخل من خلال وسطاء منخفضي التكلفة، بما في ذلك الشركات العسكرية الخاصة والحلفاء السياسيين المحليين.

وتعتمد روسيا في  خطابها على ما يسمى بـ”دبلوماسية الذاكرة” التي تستغل المشاعر المتبقية المناهضة للاستعمار، كما تستخدم حملات التضليل لتشويه سمعة القوى الموالية للغرب وتقدم نفسها كشريك أفضل وأكثر ودًا، ولكن على حد تعبير العديد من الخبراء فإن السياسة الخارجية للعديد من الدول  الإفريقية تتسم بالتخبط  أقرب منها إلى الرشادة والنضج وأن استبدال روسيا بالغرب يعد خطوة غير رشيدة اتخذتها الدول الإفريقية، حيث في الآونة الاخيرة بدأ النفوذ الروسي في القارة يتنامي بشكل ملحوظ بترحيب ومباركة إفريقية، على الرغم من أن  روسيا بدأت تنتهج نفس السياسات التي انتهجها الغرب في القارة علي رأسهم فرنسا سواء بأحكام القبضة من خلال إقحام الدول الإفريقية في فخ الديون أو نشر اللغة والهيمنة الثقافية وغيرها من الأساليب التي كشفها الزمان مرأى العين والبصر.

ويقول الفيلسوف الإسباني جورج سانتيانا: «الذين لا يقرأون التاريخ محكوم عليهم أن يكرروه»، والوضع المتقلب الحالي يستدعي في ورقتنا تلك إلقاء نظرة متأنية على حدود التواجد  الروسي الحالي في القارة، لتقييم كيفية تطورها وكيفية معالجتها بشكل أفضل والأسباب التي تؤدي إلي تمدد النفوذ الروسي أو انحساره بجانب تناول أدوات روسيا في تحقيق أهدافها والتي تتنوع بشكل كبير والتي كان آخرها الفيلق الإفريقي الذي تنامي في الآونة الأخيرة في عدة دول مثل بوركينافاسو ومالي وإفريقيا الوسطي والنيجر والذي بلا شك سيكون له دوره الفاعل مستقبلا كأهم أدوات موسكو في القارة الأفريقية وأخيرا تداعيات التواجد الروسي في القارة .

البحث عن داعم جديد

يعتقد الكثيرون أن الغضب الشعبي المتزايد تجاه الوجود الفرنسي في المنطقة يعود بشكل أساسي إلى إهمال العلاقات الاقتصادية  فحصة بلدان غرب إفريقيا في تجارة فرنسا الخارجية تقل عن 2%، واستثمارات فرنسا في تلك البلدان لا تتجاوز 1% من إجمالي تدفقاتها الخارجية.

ومع تزايد الاتهامات الموجهة لفرنسا بالضغط على البلدان الإفريقية اقتصاديًا، نلاحظ أن هذا النهج يسرع من وتيرة المطالب بإنهاء الوجود الفرنسي في المنطقة، وتلزم اتفاقية الفرنك الإفريقي الدول المتعاملة بها بوضع 50% من احتياطيها النقدي في البنوك الفرنسية، بالإضافة إلى طباعة العملة داخل فرنسا، مما يجلب عوائد بقيمة مليارات الدولارات سنويًا لفرنسا، لذا فإنها تمكنت على مر السنين من تأمين وجودها في بلدان المنطقة من خلال اتفاقيات ملزمة حققت لها عائدات ضخمة من خلال نهب الموارد الطبيعية.

وفي المقابل، لا تزال الدول الإفريقية تعاني من أزمات لا حصر لها، في حين تحتفظ فرنسا منذ فترة طويلة بأدواتها الاستعمارية التي تسببت في إرهاق اقتصادي وسياسي واجتماعي كبير في دول المنطقة واستمرت الدول الإفريقية في قبول هذا الوضع ودفع الضرائب الاستعمارية بأشكال مختلفة، بما في ذلك وضع نصف احتياطياتها النقدية وجزء كبير من مواردها الطبيعية تحت النفوذ الفرنسي. ولكن الأمور تغيرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث رفضت عدة دول إفريقية النهج الفرنسي القديم واتجهت نحو ما يسمى “مسار الاستقلال الحقيقي”.

ومع ذلك، انتقلت عدة دول إلى الاستقلال عن فرنسا والغرب، وفي الوقت نفسه بدأت تخضع للنفوذ الروسي الجديد في إفريقيا. وهنا بدأت التدخلات الروسية في ظل الفراغ الذي تركه الغرب بعد الانسحاب.

خريطة التواجد الروسي في القارة

تأسست أبرز الشركات العسكرية الخاصة الروسية من رحم  الجماعات التي نشأت في سوريا في عام 2013 وفي شبه جزيرة القرم بعد عام 2014، وعلى الرغم من أنها غير قانونية من الناحية الفنية بموجب القانون الروسي، أنكرت الحكومة أي صلة بها بوصفها شركات خاصة، كما إنها لا تكلف الخزانة الروسية أي تكاليف، قبل تمرد فاجنر يونيو 2023- وهو أمر مهم خاصة في ظل نقص بعض الموارد التي تعاني منها روسيا في حربها المكلفة مع أوكرانيا – وعلى الرغم من أنه لا يتم الإبلاغ عن أي خسائر في الأرواح علنًا فإن نشاطات هذه الجماعات مرتبطة على نطاق واسع بانتهاكات حقوق الإنسان، كما أنها تعمل على نشر معلومات مضللة والزيادة من تفاقم الصراعات الأهلية القائمة.

وقدمت فاجنر في الغالب المساعدة الأمنية للحكومات المحلية، وتقدم القوات والأسلحة والتدريب والاستشارات السياسية، وفي المقابل تستفيد من الوصول إلى الصناعات المحلية والموارد الطبيعية. وبدأت عمليات فاجنر الإفريقية الأولى في السودان في عام 2017، وسرعان ما توسعت المجموعة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى ومدغشقر في عام 2018، وليبيا وموزمبيق في عام 2019، ومالي في عام 2020. ونتناول  ذلك تفصيلًا كالآتي:

(*) السودان: في أكتوبر 2017، كثفت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على النظام السوداني بقيادة عمر البشير وبعد ذلك بفترة قصيرة، زار البشير سوتشي ليلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث طلب الحماية من التدخلات العدوانية للولايات المتحدة. وبمقابل دعم عسكري إضافي، وافق البشير على استضافة قاعدة بحرية روسية في بورتسودان ومنح امتيازات تعدينية هامة، خاصة في مجال استخراج الذهب.

ومنذ ذلك الحين، زاد وجود  فاجنر في السودان من خلال أنشطة التعدين وتدريب القوات السودانية، ومع ذلك، كان نظام البشير ينفي وجود مجموعة فاجنر وشركاتها في السودان. كما أصبح السودان مركزًا استراتيجيًا مهمًا لروسيا ومحطة لشاحنات إمداد فاجنر المتجهة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى. وتوطدت علاقات فاجنر مع ميليشيا الدعم السريع بعد الإطاحة بنظام البشير، واستمرت في أنشطتها في التدريب والتعدين.

وفي مايو 2022، تم اتهام مجموعة فاجنر بالضلوع في هجمات شرسة على مناجم الذهب في المنطقة الحدودية بين السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى.

(*) مدغشقر: على الرغم من أن الكرملين يعتبر مدغشقر شريكًا تعاونيًا رفيع المستوى، إلا أنه لا يبدو أن لديها الكثير لتقدمه من الناحية الجيوسياسية في امتيازات التعدين الأخرى للشركات الروسية. وبالتالي، فإن وجود روسيا في مدغشقر غير متوقع على نطاق واسع، وخلال انتخابات مايو 2019 قدمت روسيا الدعم لستة مرشحين مختلفين، ولكن لم يفز أي منهم. وفي المراحل الأخيرة من الحملة، قرر الكرملين تغيير استراتيجيته ودعم الفائز المتوقع والنهائي، أندري راجولينا. ويمكن اعتبار هذا فشلاً ذريعًا ولكن هناك جانبًا رئيسيًا يوضح كيف تحاول روسيا تشكيل الرأي العام في جميع أنحاء القارة وعلى الرغم من أن المستشارين السياسيين والخبراء التسويقيين لم يكونوا سوى جزء من الخطة، إلا أن روسيا تمكنت من إنتاج وتوزيع أكبر صحيفة مبيعًا على مستوى البلاد بأكثر من مليوني نسخة شهريًا. وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن له أي تأثير كبير على المدى القصير، لكنه يمكن أن يكون رصيدًا مهمًا لتشكيل الرأي العام على المدى الطويل

(*) جمهورية إفريقيا الوسطى: توسعت روسيا بسرعة في جمهورية إفريقيا الوسطى في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت أقرب حليف للرئيس فوستين آركانج تواديرا. في بلد يعاني من الانقلابات والتمردات والصراعات الطائفية، وظل في حالة صراع لأكثر من عشرين عامًا، وعلى الرغم من أن الحكومة تسيطر على العاصمة بانجي، إلا أنها كانت غائبة تمامًا عن المناطق الأخرى، حيث سيطر المتمردون والجماعات المسلحة على السلطة. بسبب عجز قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عن توسيع نفوذها.

وفي 2017 طلب تواديرا المساعدة من روسيا لتأمين الأسلحة وتدريب الجيش الوطني، بعد أن وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الاستثناء من حظر الأسلحة المفروض على البلاد.

واليوم يساند المستشارون الروس، الحكومة في الأمور العسكرية والسياسية والاقتصادية، ومع ذلك، أنكر تواديرا مرارًا وتكرارًا توقيع عقد مع المجموعة، وأن ليس لدى فاجنر مكتب أو متحدث رسمي في جمهورية إفريقيا الوسطى، والذين قُدر وجودهم بحوالي 1200 إلى 2000 فرد، ويتجولون في مركبات عسكرية مموهة في بانجي وبدلاً من القضاء على الجماعات المسلحة، يرتكب المتعاقدون انتهاكات تؤدي إلى زيادة العنف وتشجيع حرب العصابات ضد القوات الحكومية.

وفي الآونة الأخيرة أعلن السفير الروسي لدى جمهورية إفريقيا الوسطى ألكسندر بيكانتوف البحث عن موقع لقاعدة عسكرية روسية في البلاد، وأن الحكومة قد خصصت قطعة أرض في منطقة بيرينجو لإقامة القاعدة الروسية، التي يمكنها استيعاب ما يصل إلى 10 آلاف عسكري.

(*) النيجر: يشير محللون إلى تواجد ملحوظ لفاجنر في النيجر، إذ أثارت محاولة قوات فاجنر الحضور في عدة دول في غرب إفريقيا تساؤلات حول دورها المحتمل في الانقلاب على الرئيس النيجري محمد بازوم الذي رفض المشاركة في القمة الإفريقية – الروسية الثانية التي عقدت في سانت بطرسبرج يوليو 2023، حيث إن بازوم يُعتبر واحدًا من الشركاء الأوفياء لفرنسا في منطقة الساحل والصحراء والتي انهالت عليها خسارة حلفائها في إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو، وسط توسع روسي في المنطقة وبعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي، والتي يقدر عددها بـ 3 آلاف جندي، استقروا في القواعد المنتشرة في النيجر.

(*) بوركينا فاسو: تتهم قوى غربية بوركينا فاسو بـالاستعانة بـقوات فاجنر، وتنفي واجادوجو ذلك على الرغم من إقرارها بالتقارب مع موسكو التي نفت رسميًاً ذلك، وعدّتها مزاعم غربية. كما نفي وزير الخارجية الروسي ذلك معتبرًا بأن تلك الاتهامات هي اتهامات غربية لا صحة لها، ولكن ما لا يمكن إنكاره هو التدخل الروسي الملحوظ في بوركينا فاسو، حيث نجد أن هناك صلة شديدة بين التدخل الروسي في بوركينا فاسو أو توثيق العلاقة بين موسكو وواجادوجو والانسحاب الغربي. وفي الآونة الاخيرة أعلنت بوركينا فاسو أن لديها نية بإدخال اللغة الروسية كلغة للتعليم بدلًا من الفرنسية مما يثير الإحباط بعد أمل الانسحاب الأجنبي من الأراضي الإفريقية.

هذا بجانب الدعم السياسي الذي قدمته روسيا للحكومات في كل من الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وكينيا وجنوب إفريقيا.

أدوات تعزيز النفوذ

تتعدد أدوات روسيا في تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية والتي أثبتت فاعليتها الحقيقية وأول هذه الادوات هي استغلال موسكو للأخطاء التاريخية للغرب، والتي لا تزال تتكرر حتى اليوم في إفريقيا بل والسعي لتضخيمها من خلال  وسائل الإعلام الناطقة بالفرنسية واللغات المحلية والتعاون مع بعض وسائل الإعلام المحلية، والتذكير بالإرث الاستعماري للغرب، ودور روسيا السابق باعتبارها “الوريث” الشرعي للاتحاد السوفيتي الذي ساهم في مد يد العون للدول المستعمَرة.

بجانب  أن تجربة روسيا أو الاتحاد السوفيتي سابقًا في النضال من أجل إنهاء الاستعمار في القارة والمساعدة في استقلال الدول الإفريقية تمنح موسكو ثقة هائلة في كسب ود الزعماء الأفارقة وترسيخ فكرة أن روسيا صديق قديم للدول الإفريقية، وانطلاقًا من ذلك يمكن لروسيا أن تعزز علاقاتها أكثر بمختلف الشركاء الأفارقة والذي بدأ في التزايد في الآونة الاخيرة.

وثاني هذه الادوات هي التوجيه الإعلامي والذي تنامت حدته بتصوير روسيا كشريك استراتيجي مهم للدول الإفريقية فيما صور الغرب كمصاص دماء امتص خيرات الشعوب الإفريقية الضعيفة، وبالإضافة إلى ذلك، ونظرًاً لتأثير ارتفاع أسعار الحبوب على الدول الأفريقية في الآونة الاخيرة، تسعى روسيا جاهدة لاستخدام الحبوب كأداة اقتصادية لجذب الشركاء الأفارقة، على سبيل المثال، في يوليو 2023، أعلن بوتين في قمة روسيا-إفريقيا الثانية أن روسيا مستعدة لتوريد “25,000 إلى 50,000 طن من الحبوب إلى عدة دول إفريقية: (بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا)، كما أكد أن الحبوب ستسلم مجانًاً.

وثالث تلك الأدوات تتمثل في المساعدة الأمنية، وبعد مقتل يفجيني بريجوجين، مؤسس مجموعة فاجنر في أغسطس 2023، خضعت مجموعة فاجنر لعملية إعادة تنظيم وتحول ففي أوائل عام 2024، أعلنت  صحيفة فيدوموستي الروسية استبدال مجموعة فاجنر في إفريقيا بالفيلق الإفريقي الذي سيعمل في القارة نيابةً عن مجموعة فاجنر.

وستعمل المجموعة الجديدة أي الفيلق الإفريقي في المقام الأول في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وسيكون مقرها الرئيسي في ليبيا، حيث تهدف إلى تعزيز أهداف موسكو في القارة الإفريقية بجانب السعي وراء مصالح جيوسياسية واسعة النطاق في مواجهة الدول الغربية، وبلا شك يعتبر الفيلق الإفريقي أهم أدوات موسكو في تحقيق أهدافها في القارة الإفريقية، كما أنه سيضم عشرات الآلاف من المقاتلين (50000 في بعض التقديرات)، معظمهم من مجموعة فاجنر السابقة وغيرها من الوكالات الأمنية الخاصة ذات الخبرة في القارة الإفريقية.

وهذا الفيلق سيتم  تمويله حكوميًا كما أنه سيخضع لرقابة صارمة من قبل وزارة الدفاع الروسية ووفقًاً لمجلة نيوزويك الأمريكية، سيحصل أعضاء الفيلق على راتب شهري لا يقل عن 280 ألف روبل (حوالي 3100 دولار أمريكي)، وهو أعلى من الراتب الذي كان يتقاضاه أعضاء مجموعة فاجنر سابقًاً.

ويتمركز الفيلق الإفريقي في بلدان جنوب الصحراء الكبرى مثل بوركينا فاسو والنيجر ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى علي الرغم من إنكار حكومات تلك الدول، وتشترك هذه الدول مع روسيا في العداء المتزايد تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي وفرنسا القوة الاستعمارية السابقة، لذلك فإن للفيلق الأفريقي ثلاثة أهداف رئيسية. أولها: تأمين مصالح روسيا في الخارج، وبالتالي تعزيز سيطرتها على القواعد العسكرية والموانئ الأجنبية، وتطوير الموارد المعدنية. فعلى سبيل المثال، بدأت موسكو السيطرة على مناجم الذهب في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى منذ عدة سنوات من خلال مجموعة فاجنر ومن المؤكد الآن أن يتولى الفيلق الأفريقي هذا الدور

وثاني تلك الأهداف، تقديم الفيلق الإفريقي خدمات أمنية وتدريباات للقوات الحكومية الإفريقية، على سبيل المثال، وصل 100 خبير عسكري روسي إلى بوركينا فاسو في وقت سابق من هذا العام لحماية النقيب إبراهيم تراوري من محاولات الاغتيال، وكان تراوري قد وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 2022، وكثف التعاون العسكري مع روسيا ضد الجماعات المسلحة المحلية التي تحاول الإطاحة به.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر الفيلق الإفريقي على تدفق المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، وقد أثبت هذا الأمر في الماضي أنه وسيلة فعالة للتأثير على السياسة الأوروبية، وخاصة الانتخابات، فقد ذكرت صحيفة التليجراف البريطانية أن روسيا لديها خطط سرية لإنشاء قوة شرطة حدودية قوامها 15,000 فرد للسيطرة على طرق الهجرة. ويمكن لهذه القوة أن تؤثر على الانتخابات الأوروبية، لا سيما من خلال تقييد تدفق الأشخاص خاصة في الأوقات الحرجة

لذا فإن  إنشاء الفيلق الإفريقي هو جزء من استراتيجية أوسع نطاقًاً لتحدي النفوذ الغربي في السياسة العالمية، وتعد المنطقة التي تضم البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أحد السيناريوهات الجيوسياسية الرئيسية التي سيحدث فيها هذا الصراع، حيث إنها مركزية في القضايا العسكرية وتدفقات نقل الطاقة وطرق التجارة.

وسيواصل الفيلق الإفريقي العديد من عمليات مجموعة فاجنر، ولكن في علاقة تبعية مباشرة بالقيادة العسكرية الروسية، مما يجعله أكثر انسجامًا مع أهداف السياسة الخارجية الروسية

خلاصة القول؛ أصبحت القارة الإفريقية محط صراع جيوسياسي عالمي وذلك لأهميتها سواء على مستوى الموقع الجغرافي أو الموارد المهمة وهذا جعلها مطمعًا للكثير من الدول والتي تسعى للهيمنة السياسية والاقتصادية بما فيها روسيا والتي كثفت جهودها خلال الآونة الأخيرة في عدة دول من خلال فاجنر وبعدها الفيلق الإفريقي والذي يعد أهم أدوات موسكو في تحقيق أهدافها في القارة الإفريقية، لذا فعلى الدول الإفريقية أن تعي خطورة تواجد مثل هذه المجموعات على أراضيها فمثل هذه القوى ما هي إلا أداة لخنق الدول الإفريقية وانتهاك سيادتها وأن تعي ضرورة تعزيز التعاون الإفريقي الإفريقي كأهم وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي والازدهار في ظل وجود دول إفريقية ذات موارد اقتصادية هائلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى