هل تتغير رسائل إعلام الإخوان بعد زيارة “أردوغان” للقاهرة؟

أتت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ١٤فبراير الجاري تتويجاً لمحاولات دبلوماسية بذلتها تركيا لتطبيع العلاقات مع مصر، بدأتها منذ ٢٠٢١، لتنهى 11عامًا من القطيعة السياسية و الدبلوماسية بين الرئيسين منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ نتيجة سياسات تركيا في دعم جماعة الإخوان الإرهابية ومعادة النظام المصري، مما يمثل انتصاراً للإرادة المصرية في فرض دبلوماسيتها وسياساتها كممثل شرعي للبلاد، فمنذ ذلك التاريخ وتحاول جماعة الإخوان تقليب الرأي العام تجاه النظام والدولة المصرية مستغلة إقامة عناصرها بتركيا، وتروج الأحلام لإتباعها وحلفائها بعودتها للمشهد السياسي المصري.
بناء عليه؛ في ظل سعي النظام التركي إلى تصفير المشكلات في محيط دولته الإقليمي، بعد انهيار مشروع الإخوان عربيًا وإقليميًا، التزمت تركيا منذ عاميين بإغلاق ملف أنشطة الإخوان الإعلامية المحرضة ضد مصر من أراضيها، مما اضطرت الجماعة لنقل أبواقها الإعلامية إلى لندن، بناءًا عليه تقلصت أنشطة الجماعة إلى الحدود الدنيا من فعاليات (ندوات، مؤتمرات) وتوقف البث الفضائي تحديداً لقنوات الجماعة من داخل الأراضي التركية، ويبقى السؤال؛ ما حدود تأثير نشاط الجماعة التنظيمي والفكري في الفضاء السيبراني في الوضع الراهن؟، وما حدود توزيع الأدوار بين شبكة علاقات الجماعة ومواليها في الفترة القادمة؟، وما انعكاسات التقارب التركي المصري على تحريض الجماعة ضد الدولة المصرية؟
نشاط سيبراني ممتد:
منذ أنهت السلطات المصرية نشاط جماعة الإخوان المسلمين، بموجب حكم قضائي صُنفت الجماعة على أثره كتنظيم إرهابي، بعد ارتكابها أعمال العنف التي قامت بها تزامناً وعقب سقوط حكمها لمصر عام ٢٠١٣، اضطرت “الإخوان” لوقف نشاطها التنظيمي داخل مصر، بفعل الضربات الأمنية، المتعلق بنشاط الأسر الإخوانية والكتائب والمعسكرات التي كانت تُعقد بشكل تنظيمي دوري في فترات سابقة، مستبدلاه بتحركات عنيفة في الفضاء السيبراني، فلم تكتفي الجماعة بترويج أفكارها من خلال منصات ومواقع السوشيال ميديا، وإنما ضخت أموال طائلة من التمويل لصناعة مؤسسات بحثية ومواقع إخبارية، وتمكنت من اختراق مراكز ومؤسسات بحثية دولية غير تابعة لها من خلال بعض عناصرها وحلفائها من تيارات سياسية أخرى، فرضت بذلك رؤيتها وأجندتها الإخوانية المشبوهة علي المناخ الإلكتروني في القضايا المختلفة، فشكلت الجماعة بذلك لوبي إخواني موجه في شتى المجالات.
بناء عليه؛ أدى تغلغل فكر الجماعة إلى قطاعات من الشباب والمراهقين، إلى “إخوانية سائلة”- أي تغيب عنها التمركزات الواضحة في المجتمع ليس المصري فقط وإنما العربي، وصنعت شبكة علاقات وتحالفات ومصالح مع جهات دولية مؤثرة في صناعة القرار، حيث تفرعت خطة عمل الجماعة لفرض رؤيتها الأيديولوجية في اتجاهين كالتالي؛
(*) الاتجاه الأول، السوشيال ميديا: حيث تمكنت الجماعة من صناعة إعلام إلكتروني موجه بشكل تام لنقل رؤيتها والعمل على تحقيق أهداف التنظيم خلال الـ 10 سنوات الماضية، حتى أصبحت الجماعة تمتلك ترسانة من مقدمي المحتوي في مجالات اجتماعية ودينية ورياضية وفنية، والمثير للقلق أن الجماعة نجحت في تكوين قاعدة جماهيرية من المراهقين الذين لم يشاهدوا إرهاب الجماعة على الأرض في التاريخ القريب، وربما لا يدركون بشكل دقيق أدبيات الجماعة ولا خطر أيديولوجيتها.
لقد اتبعت الجماعة منذ 10 سنوات تنفيذاً لمخططها، سياسة غير مباشرة في الترويج الناعم لأفكار التنظيم المتطرفة، والسعي لتحقيق أهدافه التخريبية ضد الدولة المصرية، بحيث تجنبت إلى وقت قريب الحديث عن تاريخ الجماعة ومنظريها ومناسباتها الاحتفالية الخاصة، وانتظرت الفرصة والتعليمات للإعلان عن هويتها المتطرفة بشكل كامل عبر إعلامها الفضائي والالكتروني. لقد وجدت الجماعة الفرصة مواتية تزامناً مع أحداث غزة (طوفان الأقصى)، استغلالاً لتعاطف الجماهير مع الشعب الفلسطيني، وتمجيد البعض لحركة حماس الإخوانية ووصفها بالمقاومة، وعدم القدرة علي الفصل بين حق الشعب الفلسطيني في التمسك بأرضه والترويج لفكر حركة حماس، فتحولت الجماعة إلي سياسة المباشرة في عرض أدبياتها (رسائل حسن البنا، مقولات لسيد قطب) ممزوجة بعرض فيديوهات حماس ضد إسرائيل استغلالاً لهذا المناخ العاطفي، كما قام إعلام الجماعة بالاحتفاء بكل منظري الإرهاب في فترات تاريخية مختلفة، ضمن سياسته الإعلامية الجديدة؛ أمثال (الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن، وسيد قطب وأيمن الظواهري وغيرهم)، والتحدث عن عمليات الاغتيالات باعتبارها بطولات وغيرها من مظاهر الإعلان عن الهوية الإخوانية.
(*) الاتجاه الأخر، مؤشرات البحث: تمكنت الجماعة من فرض رؤيتها تجاه القضايا المختلفة، حيث تصدرت روية الجماعة وأفكارها مؤشرات البحث الإلكتروني في الموضوعات المختلفة، ولم يستطع غير المتخصص التمييز والفصل بين المعلومات الموثوقة والرؤية الإخوانية المشبوه في بعض القضايا، فقد نجحت الجماعة في ضخ ملايين الدولارات على مراكز بحثية ومواقع صحفية إخوانية، تبث محتوى مضلل بكثافة واستمرار رفعت نسبة المحتوي الإخواني إلى ما يقرب من ٥٠٪ من المحتوى البحثي في أغلب الموضوعات، بالإضافة إلى ضخ المزيد من التمويل على دور النشر والإصدارات الإلكترونية التي تنشر فكر الجماعة من الدول المختلفة، مستغلة الإتاحة التي تقدمها دول أخرى للجماعة باعتبارها غير مصنفة إرهابية داخلها.
في ذات السياق؛ اخترقت الجماعة مؤسسات علمية دولية وإقليمية بواسطة شخصيات تدعي الليبرالية أو اليسارية، وما هي إلا أداة ممولة لدوائر المتحالفين مع الجماعة الإرهابية، أمثال “عزمي بشارة” أحد أهم أذرع الجماعة المسئول عن توزيع مصادر التمويل الإعلامي، وهو يدير عدد من مراكز الدراسات حول العالم، مثل المركز العربي للأبحاث والتلفزيون العربي، والذراع الآخر المسئول أيضا عن التمويل الإعلامي المشبوه للإخوان “عزام التميمي” الإخواني المسئول عن قنوات الإخوان (الشرق، الحوار، مكملين، وطن)، حيث يتنافس (التميمي وبشارة) حول مصدر التمويل ويتبادل الجانبيين واتباعهم الاتهامات والفضائح المالية، من الأذرع الإخوانية المؤثرة في هذا الشأن، حيث نجحت في اختراق المؤسسات البحثية الغربية كذلك”مني القزاز” متحدث باسم الإخوان في بريطانيا، وباحثة في جامعة كمبريدج، و”مها عزام” أستاذ ملف الإسلام السياسي في المعهد الملكي للشئون الدولية (لندن).
ترتب على ما سبق، يمكن رصد عدة نتائج خطيرة؛ يعد أهمها: (1)- تبيض سمعة بعض الشخصيات الإرهابية التاريخية، وإظهارها باعتبارها شخصيات مناضلة مضطهدة في بلادها. (2)- تقديم الرؤية الإخوانية المضللة (بالتحريف والاجتزاء) تجاه القضايا المختلفة، وإظهار الجماعة باعتبارها الفصيل المعارض المعتدل في المحيط الإقليمي والدولي، حيث وصلت الجماعة لاختراق عناصرها للعمل في تقديم المحتوي البحثي المكافح للإرهاب والتطرف في بعض المراكز البحثية، وتقديم الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية من خلاله باعتبارهم جماعات مناضلة ضد الفساد في بلادهم، فنجحت الجماعة بذلك في تزيف كم معلوماتي متاح للجميع يسهم في عملية تزيف فكري جمعي متكامل الأركان. (3)- صناعة جيل إخواني الهوى يشكل ترسانة مدافعين ومواليين جدد بمظهر ومفردات عصرية، وإن لم ينتم للإخوان تنظيمياً، فلن يكون رافض لفكر الجماعة ولن يمانع في العمل في فلك تحقيق أهدافها، وهو ما بدى يظهر في الأفق فعلياً بعفل المناخ المتاح.
أدبيات توزيع الأدوار:
أسس حسن البنا مؤسس الجماعة الإرهابية ومرشدها الأول منذ البداية للطريق الذي يجب على الجماعة السير فيه وصولا لتحقيق أهدافها في أستاذية العالم، وهو ما يعرف في رسائل البنا بمراحل الدعوى (التعريف والتكوين والتنفيذ)، حيث قال البنا في الركن السادس من البيعة: “أُريد بالطاعة: امتثال الأمر وإنفاذه تواً في العسر واليسر والمنشط والمكره، وذلك أن مراحل هذه الدعوة ثلاث: التعريف – بنشر الفكرة العامة بين الناس.. وكل شعب الإخوان تشمل هذه المرحلة من حياة الدعوة.. ويتصل بالجماعة فيها كل من أراد من الناس متى رغب في المساهمة في أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها، وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة..”
بناء على الجزء المذكور من الرسالة السابقة للبنا، وجه إمامهم في هذه المرحلة أتباعه بالاستعانة بأشخاص من خارج التنظيم لتحقيق أهداف الجماعة في نشر الدعوى، وهي مرحلة يعود لها عناصر التنظيم في فترات ما بعد المحنة (مرحلة الكمون التنظيمي)، بالتالي من غير المستغرب تجد دوائر التعامل في فلك الجماعة مقسمة إلى ثلاث دوائر؛ أولاً. دائرة المتحالفين والمنتفعين؛ وهي دائرة تتسع بفعل توفر التمويل الضخم لدي الجماعة، وتوزيع الأدوار والوظائف التي تطلبها الجماعة على المنتفعين، فيتحقق طموح البعض في السير في فلك مصالح التنظيم الإرهابي. ثانيا، دائرة المنتمين للجماعة فكرياً؛ وهي دائرة انتمت وجدانياً وفكرياً للتنظيم دون الانتماء التنظيمي، ربما خوفاً من الملاحقة الأمنية وعدم القدرة على الالتزام بمقتضيات العضوية كاملة، هؤلاء شددي الولاء والتطرف لأفكار التنظيم،وتعمل هذه الدائرة في فلك مصالح التنظيم (خلايا نائمة) ربما بدون استفادة تذكر. ثالثا، دائرة المنتمين تنظيمياً إلى التنظيم؛ وهي الدائرة الأصغر للتنظيم، وهم الأعضاء العاملين في التنظيم، المبايعين على السمع والطاعة ويقتصر نشاطهم داخل مصر حالياً على رعاية مصالح الإخوان المسجونين، والحفاظ على البناء الفكري لأعضاء الجماعة في نطاق العلاقات العائلية الإخوانية،أما عن الإخوان التنظيميين خارج مصر يمارسون نشاطهم التنظيمي بشكل معتاد سواء عبر الفضاء الإلكتروني أو فعاليات على الأرض.
تعد الدائرة الثالثة من الإخوان، هي الدائرة الملتزمة بتنفيذ مقتضيات الجزء الأخر من رسالة البنا السابق ذكرها لاستكمال مراحل الدعوة، حيث قال: “التكوين ـ باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد.. وتشمل الكتائب الاخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة وتنظمها رسالة المنهج سابقا وهذه الرسالة الآن، والدعوة فيها خاصة لا يتصل بها إلا من استعد استعدادا حقيقيا لتحمل أعباء جهاد طويل وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة، التنفيذ، والدعوة في هذه المرحلة جهاد بلا هوادة معه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وبلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون ولا يكمل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك، وعلى هذا بايع الصف الأول من الإخوان المسلمين.
الجدير بالذكر؛ أن إعلام الجماعة الفضائي والإلكتروني بدء منذ أكثر من ثلاث أشهر يشرح وينظر في فلك هذه الرسائل للبنا بشكل صريح، فضلاً عن أدبيات أخرى لمنظري التطرف، مما يشير إلى أن الجماعة تحاول الخروج من مرحلة الكمون، أو ربما تحاول إيهام أتباعها بذلك، في طريقها للتذكير بالمرحلتين التاليتين (التكوين، التنفيذ) من مراحل الدعوة كما رسمها البنا لأتباعه.
من مجمل ما تقدم؛ تشير المعطيات أن تأثير التقارب التركي المصري على نشاط الجماعة الإرهابية التنظيمي والفكري، لم يتعدى الإجبار على تغيير أماكن البث الفضائي، فتقويض نشاط الجماعات المتطرفة يتطلب استراتيجية دولية تتوفر بها وحدة المعايير لتحديد مفاهيم التطرف والإرهاب أولاً، ثم تجريم وتقويض الجماعات المتطرفة بشكل مجرد بعيداً عن الحسابات البرجماتية للدول، خاصةً في ظل توافر التمويل وضخه المتدفق في شريان الجماعة الإرهابية، بناء عليه ستظل دوائر المصالح التي تعمل في فلك تحقيق أهداف الجماعة باقية، من جانب أخر؛ لن يتوقف قوافل المنتمين إلي المنظومة الإخواني الضالة مع استمرار إتاحة أدبيات الجماعة في الفضاء السيبراني، وإضفاء الطابع الشرعي عليها بالوسائل التي بينها سابقاً.