ارتباك محتمل: مستقبل القاعدة بعد مقتل “الظواهري”

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء الـ ٢ من أغسطس ٢٠٢٢، عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بضربة صاروخية استهدفت منزله بالعاصمة الأفغانية كابل نفذت السبت الماضي، دون وقوع إصابات من المدنيين أو أي من أفراد أسرته، مما يعلن عن بدأ الإدارة الأمريكية مرحلة ناجحة جديدة من محاربة الإرهاب، ويطرح بعض الأسئلة عن؛ ما هي دلالات استهداف زعيم تنظيم القاعدة في هذا التوقيت؟، وما انعكاسات مقتل الظواهري علي العلاقة بين الإدارة الأمريكية وحركة طالبان؟، وما تداعيات مقتل زعيم القاعدة علي أفرع التنظيم في العالم؟، وما احتمالات اختيار زعيم القاعدة القادم؟.

قراءة المشهد:

استهدف زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري داخل فيلا تقع في حي تابع لشبكة حقاني برعاية أمنية من حركة طالبان الأفغانية، حيث قتل اثنين من مساعدي وزير داخلية طالبان سراج الدين حقاني، يعكس عدة دلالات: أولاً، العلاقة والتحالف القوي بين القاعدة وطالبان الذي لم تنفك عراه في أي مرحلة تاريخية، للحد الذي جعل حركة طالبان تُجازف بعلاقتها مع الإدارة الأمريكية، وتوفر الملاذ الآمن للعدو الأكبر للإدارة الأمريكية، وتصرح وتشجب الحركة استهداف أمريكا للأراضي الأفغانية، ولم تنف أو تنكر معرفتها بوجود الظواهري علي أراضيها.

ثانيا، تُأكد المعلومات لدي الإدارة الأمريكية من تواجد الظواهري في المنزل في هذا التوقيت، رغم عدم ظهور الظواهري منذ شهور مما يدل على وجود اختراق استخباراتي، سواء على مستوي عناصر القاعدة أو في صفوف حركة طالبان، المسئولة عن توفير الحماية الأمنية للظواهري في قلب العاصمة كابول.

ثالثا، حركة طالبان لم تغير سياستها في دعم والتحالف مع الإرهاب، رغم ما تكلفته عبر التاريخ من محاربة أمريكا لها على مدار ٢٠ عام، بسبب إيواء ورعاية زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن. رابعاً، استهداف الإدارة الأمريكية للظواهري بدقة تعكس مجهود استخباراتي دقيق ومكثف. عليه، الإدارة الأمريكية لا تنوي دخول أفغانستان بشكل عسكري مجدداً، بل الاستهداف جاء استكمالاً لتنفيذ إستراتيجيتها في محاربة الإرهاب بالاستهداف عن بعد بصواريخ الهاون أو الطائرات المسيرة، كما حدث في عدة عمليات ناجحة للإدارة الأمريكية، لاستهداف قادة الصف الأول للقاعدة وقادة الصف الأول والثاني لتنظيم الدولة “داعش” في الأشهر الأخيرة.

سيناريوهات محتملة:

بقراءة تاريخية لعلاقة الظواهري بالأنظمة الأمريكية المتعاقبة، يتضح أن مقتل الظواهري سينعكس ربما بالسلب على علاقة أمريكا بحركة طالبان، حيث تصنف الولايات المتحدة الظواهري أحد أهم المخططين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتضعه على رأس قائمة تضم ٢٢ من أهم الإرهابيين المطلوبين للولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ.

بناء عليه؛ استهدفت إدارة جورج بوش الظواهري بضربه صاروخية عام ٢٠٠٦ بالقرب من الحدود الباكستانية مع أفغانستان، قتل حينها أربعة من أعضاء القاعدة ونجا الظواهري، حيث ظهر بعد أسبوعين من الاستهداف في فيديو مسجل يتوعد الإدارة الأمريكية.

مما سبق يلاحظ؛ أن الظواهري كان يحتمي بالدروب الجبلية على الحدود الأفغانية قبل وصول طالبان للحكم في أفغانستان، أما بعد وصول الحركة المتطرفة إلي الحكم وفرت لحليفها التاريخي الملاذ الآمن في قلب العاصمة الأفغانية تحت حماية ورعاية الفرع الأكثر تطرفا داخل الحركة(شبكة حقاني)، حيث تلتزم القاعدة بالولاء والبيعة لطالبان منذ زعيم القاعدة السابق بن لادن وتم تجديد البيعة عدة مرات منذ ذلك الحين.

ترتيبا على ما تقدم؛ حركة طالبان أخلت بالتزاماتها تجاه الإدارة الأمريكية بموجب اتفاق ٢٠٢٠ الذي سلمت بناء عليه الولايات المتحدة السلطة في أفغانستان لحركة طالبان، حيث تعهدت الأخيرة عدم السماح للقاعدة أو أي جماعة متطرفة أخرى العمل في أفغانستان، بناء عليه فقد أخلت الحركة المتطرفة الحاكمة في أفغانستان حاليا بتعهداتها للإدارة الأمريكية بعدم إيواء الإرهابيين. عليه، من المتوقع أن تسير العلاقة بين الولايات المتحدة وطالبان مستقبلا وفقا لأحد سيناريوهين:

(*) السيناريو الأول، من المحتمل أن تغير أمريكا سياستها تجاه حركة طالبان، فتسعي إلى تضيق مجال التعاملات الدولية معها ومحاصرة الحركة اقتصاديا بفرض المزيد من العقوبات عليها، فضلا عن احتمالية إعادة بعض القوات الأمريكية أو الدولية إلي أفغانستان بهدف محاربة الإرهاب بسند شرعي أمام المجتمع الدولي بعد تأكد دعم وإيواء طالبان لقادة الإرهاب في العالم، حيث صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قائلا: “إن طالبان انتهكت علي نحو صارخ اتفاق الدوحة من خلال استضافة أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة وإيوائه”، يأتي هذا في الوقت الذي مازالت حركة طالبان مصنفة تنظيم إرهابي على قوائم الإرهاب في بعض الدول، ولم يتم الاعتراف بها دولياً من أغلب الدول الأوربية.

(*) السيناريو الثاني، أن تبقي الإدارة الأمريكية على سياستها البرجماتية في التعامل مع حركة طالبان، خاصة أن الرئيس الأمريكي لم يدن الحركة أو يوجه لها الاتهام بإيواء الإرهابيين في كلمته التي أعلن فيها مقتل الظواهري، بهدف البقاء على الوضع المضطرب داخل أفغانستان، والتعامل مع محاربة الإرهاب وفق سياسات المصلحة وليس وفق سياسات إرساء القوانين والأعراف الدولية بشكل مجرد إذا أراد.

تداعيات اصطياد الرؤوس:

يري بعض المحللين أن مقتل قيادات الصف الأول للتنظيمات الإرهابية يؤثر على تماسك التنظيم، مما يؤدي إلى تراجع معدل العمليات المؤثرة التي تقوم بها تلك التنظيمات، غير أن هذا التنظير غير دقيق، فمن جانب تلك التنظيمات الإرهابية لن تنتهي ولن يقل تأثيرها في العالم طالما بقيت الأيديولوجية والمنطلقات الفكرية التي تأسست عليها وجندت عناصرها وفقا لها. خاصة، أن تنظيم القاعدة الذي يعد من أقدم التنظيمات الإرهابية في العالم، حيث الظواهري علي وجه الخصوص من رحم تنظيم الجهاد في مصر، وينتمي التنظيم وقائده عقائديا لفكر جماعة الإخوان المسلمين، فينظر لأفكاره وفقا لأدبيات سيد قطب. بناء عليه؛ ربما تتأثر الروح المعنوية لعناصر القاعدة بأفرعها حول العالم ويتراجع معدل التجنيد لفترة، لكن من الصعب أن يتم القضاء عليه، أو حتى تتراجع معدل عمليات أفرعه في العالم، خاصة في الدول التي تعاني اضطرابات وقلائل.

من جانب آخر ربما تسعي بعض المجموعات أو الأفرع التي تنتمي للقاعدة في أفغانستان أو أفريقيا على وجه الخصوص فنشاط حركة الشباب الصومالية على سبيل المثال يؤهله الاستهداف المزيد من القوات والقواعد سواء دولية أو أمريكية أو أنظمة متحالفة مع أمريكا، كرد على مقتل القيادة الأولي في تنظيم القاعدة، لحفظ ماء الوجه لدي اتباع تلك التنظيمات ومحاولة لإثبات القوة والبقاء في الفترة القادمة.

زعيم جديد منتظر:

أعلن تنظيم القاعدة منذ عام ونصف تقريبا عن زعيم جديد سيعيد تشكيل هيكلة التنظيم يدعي سيف العدل المعروف “بسيف الثأر”، وأعلن التنظيم حينها أن الزعيم الجديد سيعيد التنظيم إلي درجة توحش ما كان عليه في عهد بن لادن، لذا من المحتمل أن يتولى سيف العدل قيادة التنظيم خلفا للظواهري، خاصة بعد أن فقد التنظيم خلال العامين السابقين أهم قيادات الصف الأول.

 حيث قتل أبو محمد المصري نائب الظواهري، الذي كان من المفترض أن يخلفه في إيران في حادث إطلاق نار بطهران، واستهدف من قبله حمزة بن لادن في منطقة واقعة على الحدود بين أفغانستان وباكستان.

كما قتل مسئول الأعلام في تنظيم القاعدة حسام عبد الرءوف (المعروف بـ أبو محسن المصري) في عملية غزني في أفغانستان، وقتل أبو محمد السوداني وأبو القاسم الأردني القياديين البارزين فرع القاعدة في سوريا بغارة جوية أمريكية غرب إدلب.

ترتيبا على ما تقدم؛ فقد خسر التنظيم في السنوات القليلة الماضية عدد من قيادات الصف الأول، لذا يأتي سيف العدل أهم الأسماء المرشحة بقوة لقيادة التنظيم خلفا للظواهري وفقا لآليات ترقي القيادات داخل التنظيمات المتطرفة.

أخيرا؛ رغم ما يبدو عليه الوضع الدولي والأمريكي من محاربة التنظيمات الإرهابية، إلا أن مؤشرات القضاء على تلك التنظيمات أو تراجع نشاطها غير مطروحة، فقد باتت التنظيمات الإرهابية أحد الفواعل المؤثرة في المجتمع الدولي، ولن يتم القضاء عليها إلا بتفكيك الأفكار والمنطلقات التي قامت عليه لمنع تجنيد عناصر جديدة فتجفف منابع التجنيد مع الوقت، بالإضافة إلي إدخال تغيرات جذرية في آلية عمل المنظومة الدولية لمنع دعم بعض الدول لتلك التنظيمات.

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى