تقييم استراتيجي.. تداعيات تطورات الأزمة السودانية على الأمن القومي المصري

يشهد السودان نزاعاً مسلحاً ممتداً أدّى إلى تفكك جزئي في بنية الدولة، وانعكس بصورة مباشرة على الأمن الإقليمي، لا سيما الأمن القومي المصري المرتبط جغرافياً واستراتيجياً بالحدود الجنوبية. وتأتي زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني إلى القاهرة في توقيت بالغ الحساسية، بما تمثله من تأكيد سياسي على مركزية الدور المصري في منع سيناريوهات الانهيار أو التقسيم واحتواء تداعيات الصراع.
يخلص هذا العرض إلى الآتي :
- الأزمة تجاوزت الإطار الداخلي السوداني.
- الحل العسكري غير مرجّح.
- المسار التفاوضي دون ضمانات سيؤدي إلى إعادة إنتاج الصراع.
- الأمن القومي المصري بات مرتبطاً مباشرة بما وصل إليه الصراع في السودان.
توصيف الموقف الراهن:
١– المشهد السياسي:
- تعدد مراكز النفوذ داخل السودان.
- غياب سلطة مدنية جامعة.
- تصاعد محاولات فرض أمر واقع ميداني دون غطاء سياسي شامل.
٢– المشهد العسكري:
- حالة اللاحسم المستقر.
- استمرار الاشتباكات دون قدرة أي طرف على إنهاء الصراع.
- تحوّل بعض المناطق إلى مناطق رخوة أمنياً.
٣- المشهد الإنساني:
- أزمة إنسانية ممتدة.
- نزوح داخلي وخارجي واسع.
- ضعف الثقة المجتمعية في مؤسسات الدولة.
دلالات زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني إلى مصر:
(*) دلالات سياسية:
- اعتراف ضمني بثقل مصر كضامن إقليمي للاستقرار.
- رفض واضح لأي مسارات تؤدي إلى تقسيم السودان.
- تعزيز شرعية الدولة الوطنية في مواجهة الكيانات الموازية.
(*) دلالات أمنية:
- إدراك سوداني متزايد لحساسية الحدود المصرية.
- فتح قنوات تنسيق أمني واستخباراتي أعمق.
- توحيد الرؤية حول مخاطر الفراغ الأمني جنوب مصر.
تقدير الموقف الاستراتيجي:
ما يلي تقدير تحليلي استراتيجي مبني على أنماط الصراع وتطوراته، وليس معلومات عملياتية أو ادعاءات قانونية.
١– تقدير نوايا الأطراف:
- استمرار الصراع يخدم أطرافاً مستفيدة من هذه الحرب.
- التفاوض يُستخدم تكتيكياً أكثر منه خياراً استراتيجياً دائماً.
- احتمالات الالتزام الكامل بأي اتفاق دون ضامن إقليمي ضعيفة.
٢- تقدير السيناريوهات المحتملة:
(*) السيناريو الأول (تسوية جزئية هشة):
- وقف إطلاق نار مؤقت.
- انفجار لاحق خلال 6–12 شهراً.
(*) السيناريو الثاني (إطالة أمد الصراع – الأرجح):
- استنزاف الدولة السودانية.
- تصاعد التهديدات العابرة للحدود.
(*) السيناريو الثالث (تسوية شاملة بضمانات – الأقل احتمالاً دون تدخل قوي):
- يتطلب ضامناً إقليمياً مباشراً وآلية تنفيذ صارمة.
التداعيات المباشرة على الأمن القومي المصري
(*) مخاطر مباشرة:
- اختراقات حدودية محتملة.
- تهريب سلاح وعناصر غير نظامية.
- تنامي الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
(*) مخاطر استراتيجية:
- تفكك الدولة السودانية.
- نشوء بؤر عدم استقرار دائمة جنوب مصر.
- استنزاف أمني واقتصادي طويل الأمد.
المراجعة القانونية والسياسية (للتحصين المؤسسي):
(*) قانونياً:
- أي تحرك مصري يندرج ضمن :
- الدفاع الوقائي المشروع.
- حماية الحدود.
- الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة
(*) سياسياً:
- دعم الدولة الوطنية وليس أطراف النزاع.
- رفض الاعتراف بأي كيان موازٍ خارج الإطار الدستوري.
- الالتزام بالحلول السياسية لا العسكرية.
التوصيات التنفيذية:
(-) على المدى القريب:
١- تعزيز الرقابة والسيطرة الأمنية على الحدود الجنوبية.
٢- تكثيف التنسيق الاستخباراتي مع مؤسسات الدولة السودانية.
٣- دعم المسار التفاوضي المشروط بضمانات تنفيذ.
(-) على المدى المتوسط:
١- إطلاق مبادرة إقليمية تقودها مصر للحل الشامل.
٢- ربط أي دعم دولي بإعادة بناء مؤسسات الدولة السودانية.
٣- السعي لعدم تدويل الأزمة بما يهدد الأمن الإقليمي.
(-) على المدى الاستراتيجي:
١- الاستعداد لسيناريو فشل التسوية بخطط احتواء شاملة.
٢- ترسيخ مفهوم أن استقرار السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
في النهاية، يمكن القول إن ما يجري في السودان لم يعد أزمة دولة جوار، بل ملفاً استراتيجياً مصيرياً للأمن القومي المصري، وإدارة هذا الملف تتطلب تحركات شاملة تجمع بين الردع الوقائي والدبلوماسية النشطة والتقدير الاستخباراتي الدقيق، دون الانزلاق إلى مسارات مكلفة أو غير محسوبة.