مردود مخيف: مخاطر تمكين عناصر الجماعات الإرهابية في المناصب الرسمية بالدول

في ٢٢ مايو ٢٠٢٥ أعلنت وزارة الدفاع السورية دمج فصيل جهادي أجنبي مرتبط مباشرة بتنظيم القاعدة، هو الحزب الإسلامي التركستاني – الذي يقوده مقاتلون من أقلية الإيغور ويدين بالولاء التاريخي لقيادات القاعدة – ضمن تشكيل رسمي جديد داخل الجيش السوري، أُطلق عليه لاحقًا اسم الفرقة ٨٤. وتشير التقارير إلى أن قادة هذه الفرقة يضمون شخصيات تعد جزءًا من البنية القيادية للتنظيم، وتتمثل أهدافهم المعلنة في إقامة دولة إسلامية في آسيا الوسطى، ما يعني أن الولاء العقائدي لا يزال ثابتًا لتنظيم القاعدة رغم تغير الغطاء المؤسسي.

وبعد خمسة أشهر، في ٢٢ و٢٣ أكتوبر ٢٠٢٥، اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة في محيط حارم شمال إدلب بين قوات تابعة للسلطة السورية الجديدة ومجموعة من الإرهابيين الأجانب (فرنسيين) بقيادة الفرنسي السنغالي الأصل عمر ديابي المعروف باسم عمر أومسن. يُصنَّف ديابي دوليًا كمجنِّد للمقاتلين الفرنسيين في صفوف الجماعات الإرهابية منذ عام ٢٠١٣، وقد صدر بحقه أمر توقيف دولي من السلطات الفرنسية عام ٢٠١٦، كما صنّفته واشنطن شخصية إرهابية في العام ذاته. وقد مثلت تلك الاشتباكات محاولة من الحكومة السورية لفرض سيادتها، وانتهت بوقفٍ مؤقت لإطلاق النار وتسليم بعض الأسلحة الثقيلة، دون تفكيك الفصيل أو إعلان القضاء عليه.

الحدثان السابقان يعكسان حجم الخطر المنطلق من الأراضي السورية؛ فالدولة تعلن سعيها لاستعادة الأمن، لكنها عمليًا تفاوض وتدمج وتهادن وتتقاسم المجال المسلح مع عناصر ذات سجل جهادي عابر للحدود. وهنا يبرز التساؤل: هل ما زال الإرهاب متجذرًا في سوريا؟ وهل يُعاد تحويل العنف الجهادي إلى مكونٍ من مكونات بنية الحكم؟ وما حجم المخاطر الأمنية والإقليمية المترتبة على هذا المشهد؟ وإلى أي مدى ما زالت هذه الفصائل متمسكة بعقيدتها السلفية الجهادية رغم ارتدائها زيًّا رسميًا؟

إعادة تموضع:

لم يكن الدمج العسكري طابعَ مصالحةٍ بقدر ما كان إعادة تموضع كما وصفته التقارير الدولية، ومنها قراءة لونغ وور جورنال. فلم تكتفِ السلطات السورية الجديدة بالعفو عن بعض المجموعات المتطرفة، بل منحت بعضها إطارًا نظاميًا داخل الجيش تحت مسمى الفرقة ٨٤. وتضم هذه الفرقة – وفق التقارير – عناصر من الحزب الإسلامي التركستاني، وجيش المهاجرين والأنصار، وكتائب من المقاتلين القوقاز والأواسط آسيويين (أوزبك، شيشان، داغستانيون)، بل وحتى عناصر من غزة والأردن؛ أي مقاتلين ذوي خبرة في القتال الحضري والحدودي، وسجل عملياتي ضد قوات النظام السابق.

النقطة الأخطر أن هذه الكتلة المتطرفة لم يُعاد تأهيلها كجنود وطنيين من البداية، بل تم ضمها كوحدة جاهزة بقدراتها وقيادتها وولاءاتها العابرة للجغرافيا. وبذلك، لم تعد الفرقة ٨٤ مجرد كتيبة دفاع محلي، بل بنية قتالية عابرة للحدود تم نقلها من خانة تنظيم أجنبي مصنّف إرهابيًا إلى خانة قوة تابعة لوزارة الدفاع. هذا التحول منح الإدارة السورية مكاسب سريعة، أهمها:

(*) انتشار عسكري سريع في الشمال والشمال الغربي دون كلفة تدريب طويلة، بعد انهيار وحدات النظام السابقة، فتم دمج فصائل جاهزة أبرزها الفرقة ٨٤ ولواء الغرباء.

(*) الاستفادة من خبرات ميدانية لمقاتلين صمدوا أمام جيوش نظامية، مما سهل قبول النظام الجديد وتمثيله في المحافل الدولية.

(*) منح حوافز للفصائل الأخرى عبر ترقية ثلاثة من قادة الفصائل الميدانيين السابقين إلى رتب عسكرية رسمية داخل الجيش، وهو ما شجع جماعات أخرى على التفاوض بدل المواجهة.

مخاطر أمنية:

تحمل السياسة السورية الجديدة بقيادة الجولاني مخاطر أمنية مركبة، تتمثل في إدماج خلايا أيديولوجية مؤمنة بجهاد عالمي لا يعترف بالحدود الوطنية. فالدمج لا يُنهي المشروع المتطرف، بل يعيد تموضعه تحت راية وطنية ظاهرية.

ويتجلى ذلك في اشتباكات حارم بريف إدلب التي حاول الخطاب الرسمي تصويرها كحادث جنائي (خطف فتاة فرنسية)، بينما كشفت في الواقع من يملك حق العنف المنظَّم داخل سوريا بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم. فـفرقة الغرباء التي استهدفتها القوات النظامية تتكون من جهاديين أوروبيين التفوا حول شخصية كاريزمية هي عمر ديابي، الذي لعب منذ ٢٠١٣ دورًا محوريًا في تجنيد الشباب الفرنسي لصالح الجماعات الجهادية. وقد عكست واقعة حارم سياسة براغماتية مزدوجة:

١. تمثل أول صدام مسلح معلن بين السلطة الجديدة وفصيل أجنبي متطرف، أي انتقال النظام من الصراع مع العدو الخارجي إلى ترتيب البيت الداخلي.

٢. انتهاء الصدام بهدنة مشروطة لا بإبادة المعسكر أو اعتقال قياداته، في رسالة مفادها أن وضع الجهاديين الأجانب قابل للتفاوض وليس للحسم.

وبناءً على ذلك، فإن دمج العناصر الجهادية الأجنبية ضمن وحدات رسمية لا يخلق تهديدًا داخليًا فحسب، بل يؤسس لتحول بنيوي في خريطة المخاطر الإقليمية، على غرار ما حدث في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية عام ٢٠٢١، حين دمجت طالبان مقاتلي القاعدة داخل أجهزتها العسكرية والأمنية، فغدت البلاد مأوى مؤسسيًا للتطرف بواجهة حكم معترف بها بحكم الأمر الواقع.

ويُخشى أن يتكرر النمط ذاته في سوريا، مع اعترافٍ ضمني من بعض القوى الإقليمية، ما يمنح شرعيةً تسمح بتمرير هذا الدمج العسكري المتطرف. وهنا تتجلى الخطورة المزدوجة:

(*)- داخليًا: بتحويل مؤسسات الدولة إلى مظلةٍ تحمي عناصر مؤدلجة تحمل خبرات تفجير وتجسس واتصالات خارجية.

(*)- خارجيًا: بخلق نموذج حكم قابل للاستنساخ في مناطق أخرى تمتلك الحاضنة نفسها (ليبيا، الساحل الإفريقي).

وتشير تقارير غربية إلى أن قادة الفرقة ٨٤ ولواء الغرباء يحتفظون بقنوات اتصال غير مباشرة مع فصائل خارج سوريا، ما يعني أن اندماجهم لا يقطع ارتباطهم بشبكاتهم العابرة للحدود، بل قد يسهل تبادل الخبرات والتمويل عبر غطاء رسمي.

ثبات عقائدي:

تؤكد المصادر المتخصصة أن الخطاب الأيديولوجي لكل من الحزب الإسلامي التركستاني وفرقة الغرباء لم يتبدل. فالأول لا يرى نفسه فصيلًا سوريًا محدود الهدف، بل حركة جهادية سنية تخوض حربًا مفتوحة مع الصين وتتعامل مع سوريا كساحة تدريب، أما الثاني بقيادة ديابي فيوظف دعايته الفرنسية للحفاظ على منفذٍ أوروبي إلى ساحات الجهاد في آسيا والشرق الأوسط.

وعليه، لا يمكن اعتبار هؤلاء مجرد معارضين سابقين أُدمجوا قسرًا في المؤسسة العسكرية، بل شبكات عابرة للحدود ذات مشروع جهادي واضح تُمنح نافذة شرعية داخل جهاز الدولة وتدار معها مساومات أمنية بدل تفكيكها.

وقد سجلت مصادر دبلوماسية منذ يناير ٢٠٢٥ أن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا ضغطت على القيادة السورية المؤقتة لوقف تعيين مقاتلين أجانب ذوي ملفات تطرف في مواقع حساسة داخل الجيش، محذرةً من أن ذلك يقوّض فرص رفع العقوبات والاعتراف السياسي الكامل بالسلطة الجديدة. ومع ذلك، استمر النظام في ضم المتطرفين رغم حاجته للشرعية الدولية، وهو ما يمكن تفسيره بمصلحتين أساسيتين:

1. السيطرة الفورية: إذ تملك تلك النخب المسلحة رأس المال العسكري على الأرض، وأي محاولة لإقصائها بالقوة قد تشعل حربًا أهلية جديدة.

2. ورقة التفاوض الخارجي: فالإبقاء على المقاتلين الأجانب داخل سوريا يمنح النظام أداة ضغط على أوروبا عبر التلويح بخطر عودتهم إلى باريس أو بروكسل.

ومن ثم، بات هؤلاء المتطرفون أوراق ابتزاز جيوسياسي أكثر منهم عبئًا أمنيًا. ويُفسَّر في هذا السياق رفض السلطة تسليم الفرنسيين المتورطين في حادث حارم رغم المطالبات الفرنسية المستمرة.

خاتمة، الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في أن عناصر تحمل فكر القاعدة صارت ضمن تشكيلات نظامية، ولا في أن قادة جهاديين أوروبيين تتم مساومتهم بدل تفكيكهم، بل في نشوء نموذج حكم يمكن وصفه بـالإرهاب المؤسسي؛ دولة متطرفة يعترف بها الخارج تدريجيًا لأنها أسقطت النظام السابق، لكنها في الداخل تعيد تدوير كوادر السلفية الجهادية ضمن ذراعها العسكرية والأمنية.

وعليه، تشهد الساحة السورية اليوم نموذجًا خطيرًا تتخلى فيه الدولة عن احتكار العنف والسلاح، وتتحول من وسيط بين المجتمع الدولي وهذه الشبكات إلى حاضنةٍ لها. فهي لا تعد السوريين بتفكيك التطرف، بل تعد الغرب بإبقائه تحت السيطرة. ومن هنا يُعاد تصنيف الإرهاب من عدو إلى مكوّن قابل للتفاوض، ومن خلايا مطاردة دوليًا إلى شريك أمني محلي قابل للترقية.

فهل يمكن لدولة تشرعن مقاتلين ذوي التزام أيديولوجي جهادي أن تدّعي أنها تكتب نهاية الإرهاب؟ أم أنها تؤسس لشكلٍ مؤسسي جديد يرعاه ويحتضنه؟

أسماء دياب

د. أسماء دياب، المدير التنفيذي للمركز، ورئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب، دكتوراه في القانون الدولي- كلية الحقوق جامعة عين شمس، حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. وحاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة، خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى