المفكر العربي علي محمد الشرفاء يكتب.. “الذين ضلَّ سعيهم في الدنيا”

آياتُ القرآن وضع الله فيها للناس أسرارَ السعادة والرحمة والسلام والإحسان، وتحريم الظلم، ودعوةً إلى العلم والمعرفة، وتوجيهاً للإنسان ليستنبط من الآيات القرآنية خارطةَ الطريق لحياةٍ سعيدة له ولأسرته.
وضع الله سبحانه فيها مشروعاً بخطوطٍ عريضةٍ واضحةٍ تحدد مسار حياته وفق اختياره، بآيتين لا ثالث لهما، وهما قوله تعالى: ﴿فمن اتَّبع هداي فلا يضل ولا يشقى﴾ والثانية: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً﴾
وعرّف اللهُ الإنسانَ طريقَ الهدى وطريقَ الضلال؛ فمن طبَّق شرعَ الله ومنهاجه فقد هداه الله، فلن يضل طريقَ السعادة والسلام.
ومن اتبع أولياءَ الشيطان فقد ضلَّ طريقَ الحق واختار حياةَ الشقاء، وكلُّ ذلك مرسومٌ في خارطة طريق الحياة التي تضمَّنتها الآيات القرآنية.
وما دام الناس قد هجروا القرآن، فإنهم يواجهون تهمةَ الرسول وشكواه لرب العالمين التي نطق بها لسانُه عن ربه، عليه الصلاة والسلام: ﴿وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً﴾ [الفرقان: 30].
وهذا الاتهام أمرَ اللهُ رسوله أن يُحذِّر الناس من هجر القرآن، ومنذ تلك اللحظة التي اشتكى فيها الرسولُ إلى الله، أطلعه اللهُ على نبأ ما سيصنعه قومه بعد وفاته، فقال سبحانه محذِّراً الناس، مستبعداً الرسولَ عن المنتمين تحت شعار الإسلام فقط؛ فالرسول لم يعد منهم ولا ينتمي إليهم، وهجرُ القرآن أصبح حقيقةً منذ وفاة الرسول إلى اليوم، فلا يمتون بصلةٍ إليه كما أكَّد القرآن في مخاطبته لرسوله بقوله: ﴿إن الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً لستَ منهم في شيءٍ إنما أمرُهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون﴾ [الأنعام: 159].
وهذه الحالة التي ينتمي تحتها الناس تُظهر ما آل إليه المسلمون من تفرّقٍ وتشتيتٍ في فرقٍ وطوائف وأحزابٍ وحركاتٍ وجماعاتٍ بمسمياتٍ مختلفةٍ وعقائدَ متطرفةٍ وجماعاتٍ متسلفة، يظنون أنهم اتبعوا رسول الله فيما بلّغهم عن ربهم، فقد وصفهم الله جميعاً بقوله: ﴿هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضلَّ سعيهم في الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً * ذلك جزاؤهم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً﴾ [الكهف: 103–106].
فإلى متى سيظل الذين يعتقدون أنهم مسلمون لا يطبقون شرع الله ومنهاجه، وقد أعرضوا عن آيات الله؟
ومن يُعرض عن آيات الله ويتخذ روايات أتباع الشيطان في عبادته، فقد كفر بالله، وسيلقى حسابه يوم القيامة عند الله، فلن يجد يومها من يعينه، لا شفيعاً ولا قريباً، وسيكون سجلُّه وحده هو الذي يحدد مصيره: جنةٌ أم نارُ الجحيم.