تصدير الرعب: دلالات محاولة جماعة الإخوان إحياء حركة حسم؟

بثت حركة حسم التابعة لجماعة الإخوان، فيديو يحمل عبارات تهديد بإعادة مشاهد الفوضى والعنف داخل مصر، مصحوبة بحركات استعراضية لتدريب بعض عناصرها بأسلحة خفيفة ومتوسطة ومضادات دروع.
قبل ٢٤ ساعة من بيان حسم أصدرت جماعة الإخوان المسلمين، بيانًا يحرض على العنف من خلال موقعها الرسمي، قائلًا: إن “حاجة مصر للتغير لم تعد محل شك”. تزامنًا مع ذلك؛ كثفت قناة “وطن” التابعة لجماعة الإخوان بث مقاطع إعلامية، تدعي تعرض قيادات وأعضاء الجماعة للتعذيب والإهمال الطبي في السجون. في سياق متصل؛ تضمن فيديو حركة حسم التهديد باقتحام السجون المصرية، لإطلاق سراح قادة الإخوان مع تأكيد عناصر الحركة، بأن المنطقة دخلت طورًا جديدًا، تتغير فيه موازين القوى، متوعدين باستئناف النشاط.
بناء على ما تقدم؛ نجح جهاز الأمن بالتوصل إلي وجود خلية إرهابية تابعة لجماعة الإخوان تدار من تركيا، الخلية مكونة من عناصر تابعين لحركة حسم الإخوانية، هاربين من أحكام في قضايا ارتكاب عنف، وتم إحباط مخطط، يتضمن القيام بعمليات داخل مصر. فقد أسفرت العملية عن مقتل اثنين من عناصر الحركة، وإصابة ضابط، واستشهاد مواطن برصاص الإرهاب – تواجد مصادفة في محيط تبادل إطلاق النار.
إن إعلان الحركة عن استئناف نشاطها الإرهابي، يحمل عدة دلالات أمنية وسياسية، ويطرح عدد من الأسئلة عن؛ دلالة عودة حركة حسم إلى نشاطها الإرهابي في هذا التوقيت؟، وما تحليل البيان الذي تم بثه بواسطة الحركة؟، وما الجهات المحتملة الداعمة والممولة وفق الواقع السياسي الدولي؟، وما هي احتمالات التخطيط للقيام بعمليات إرهابية في الفترة القادمة؟
دلالات التوقيت:
عودة حركة حسم للإعلان عن استئناف نشاطها في توقيت بدا فيه الأمن الداخلي المصري مستقر، يعكس رغبة جماعة الإخوان في إفساد مقولة “القضاء التام على الإرهاب، من خلال استعراض الجماعة لقدراتها على العودة والنجاة من الاستئصال، خاصة أمام أتباعها من الشباب، الذين كفروا بالجماعة وفضلوا الانزواء والكمون. في سياق متصل؛ فقد تصاعدت معدلات عرض المادة الإعلامية الإخوانية المحرضة والمحفزة على العنف، تزامنًا مع إعلان عودة الحركة، مما يعد إحياء لخطاب المقاومة وترويج المظلومية، بهدف خلق مناخ تعاطف شعبي وتعبئة وجدانية وفكرية، من خلال الإعلان بأن العمل المسلح عاد للرد على القمع والظلم، وهذا الخطاب يظهر واضحا من خلال رصد تعليقات عناصر الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
من جانب أخر؛ فقد حافظ بعض القنوات التابعة للجماعة على إنكار الرواية الأمنية، عن طريق تكذيبها بالكلية والادعاء بفبركة الأمن للواقعة، في توزيع للأدوار وتنسيق إعلامي مدروس ومكرر تستخدمه الجماعة عبر تاريخها، بغرض الحفاظ على خط رجعة بادعاء أن الجماعة ترفض العنف. هذا التكذيب الإخواني -استخدامًا للتقية – يستهدف من جانب كسب تعاطف قاعدة من متابعين تلك القنوات من غير الإخوان، من جانب أخر يستهدف هذا الإعلام مخاطبة أطراف دولية للترويج للمظلومية، وتحريك الجهات الحقوقية الدولية لتدوير هذه المظلومية للطعن في الأمن المصري. لذلك؛ فقد أشار بعض المحللين إلى أن الغرض من توقيت إعلان عود الحركة لنشاطها في ظل التوتر في المحيط الإقليمي المصري وفق السياقات المذكورة، مع تسهيل أطراف إقليمية لتدريب العناصر، وتوفير الدعم اللوجستي وغض الطرف عن تسلل العناصر عبر الحدود،- يرجع إلى توجيه رسائل تهديد غير مباشرة للنظام المصري، عبر وكلاء من قوى خارجية أو دول إقليمية تناصب مصر العداء.
تحليل للمشهد:
تحاول الجماعة من خلال فيديو حركة حسم وعبر قنوات التابعة لها استدعاء مفردات الظلم والانتقام، حيث يقدم الخطاب رواية تبدو متماسكة للمتابع العادي، تُظهر الجماعة كفاعل مقاوم، وتضفي على نشاطها العنيف المحتمل طابع الرد على القمع، وهو خطاب دعائي يهدف إلى استقطاب عناصر جديدة، أو كسب تعاطف مجتمعي، وإن كان محدود. فقد وظفت الجماعة الفيديو لتصوير الدولة، باعتبارها خصمًا غاشمًا، كما تحاول الجماعة من خلال أدواتها مجتمعة، تصوير الدولة، عاجزة عن حماية الأمن رغم القبضة الأمنية، وهذا للدلالة على فشل سياساتها الأمنية. كما تحاول الجماعة توظيف الفيديو لتدوير روايتها حول الانتهاكات الحقوقية، بعد تراجع صلاحية توظيف هذا الخطاب منذ شهور، بهدف خلق بيئة نفسية لتقبل فكرة، مضمونها أن ما قام به التنظيم من أعمال عنف، وما سوف يقوم به، هو شكل من أشكال العدالة البديلة، خاصة في ظل احتفال الدولة المصرية بذكرى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ (التخلص من جماعة الإخوان) وعرض تاريخ الجماعة الدموي.
إن المفاجأة في إعداد وبث الفيديو، يعكس رغبة الحركة في استنزاف تحرك الأجهزة الأمنية، وتشتيت جهودهم في التأهب والانتشار العام. كما أظهرت الصور التي تضمنها الفيديو المذاع، وجو عناصر ملثمة وأسلحة خفيفة، دون الإفصاح عن عمليات محددة، وهو ما يشير إلى أن الرسالة استباقية ودعائية، أكثر منها محاولة التأكيد على قدرات حقيقية خطيرة.
بناء على ما سبق؛ يعكس فيديو حركة حسم، مأزق تنظيم الإخوان في ظل الضربات الأمنية، بل يمثل محاولة من الجماعة للتأكيد على إعادة تموضوعها داخل مشهد سياسي تجاوز الجماعة، ومجتمع رفض وجودها. لذلك الرسالة الموجهة من نشر الفيديو، ليست فقط للمجتمع المصري، بل للخلايا النائمة، وللدولة ولأطراف إقليمية تسعى الجماعة لكسب ودها، وعرض نفسها كورقة ضغط متاحة الاستخدام ضد الدولة المصرية.
أطراف داعمة محتملة:
تسعى بعض الأطراف الدولية والإقليمية استخدام ورقة جماعة الإخوان كورقة ضغط على الدولة المصرية، فقد سعت عدة دول راعية للإسلام السياسي،- إلى إضعاف الدولة المصرية، وذلك لتنفيذ مخططات استخباراتية وسياسية في المنطقة منذ سنوات- أي قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م، فبعض هذه الدول احتضنت ومازالت قيادات الجماعة الهاربين، ومنحتهم تغطية إعلامية ووفرت لهم منابر منحازة ومبررة للعنف. فضلًا عن توفير تلك الدول تسهيلات لوجستية وتسهيل لتحركات عناصر خطرة في التنظيم عبر أراضيها، بهدف إحداث توترات مزمنة في المناخ الأمني المصري، والرغبة في إضعاف النظام دون الدخول في مواجهة مباشرة.
فقد اعتمدت السياسة الاستخباراتية لدول أخرى (إيران) – برغم اختلافها أيديولوجيًا مع جماعة الإخوان- سياسة دعم الجماعة، بهدف ضرب خصومها في الإقليم، كما فعلت في فترات تاريخية مختلفة مع سوريا والعراق. فقد استهدفت سياسة تلك الدول لدعم الإخوان ضرب العمق المصري، بغرض تشتيته وإضعافه بسبب تحالفه مع دول الخليج. كما تقوم بعض هذه الدول باستخدام بلدان مجاورة مضطربة (السودان، ليبيا) مستخدمة سياسة استخباراتية، تعتمد أسلوب التغافل، عن طريق غض الطرف عن انتقال وتدريب عناصر إرهابية عبر حدودها، بغرض إضعاف مصر إقليميًا، واستخدام الجماعة كورقة ضغط في ملفات الحدود أو اللاجئين، أو كرد فعل معادي على دعم النظام المصري لطرف في الصراع الداخلي لتلك الدول.
إضافة لما سبق؛ تشير بعض الأدلة التاريخية على وجود قوى دولية عظمى، تدعم وتسهل حركة بعض العناصر الإرهابية، وهذا لخلق مناخ من عدم استقرار داخل الدولة المصرية، لما تمثله من مركز ثقل فاعل في قضايا الشرق الأوسط، خاصة في ظل سياسات مصر الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية، والداعمة لحق الشعب الفلسطيني في دولته. لذلك؛ توفر بعض الدول الأوروبية، فضلًا عن -باكستان وإندونيسيا- وغيرهما الأرض الخصبة لجماعة الإخوان، وذلك لممارسة نشاطها من خلال المنظمات الدعوية ذات الوجهة الخيرية، تلك المؤسسات يتم من خلالها إعادة تدوير أموال التبرعات، لتمويل أنشطة غير مشروعة تحت غطاء العمل الخيري أو التعليم الديني، كإحدى أدوات غسيل الأموال الإخواني.
بناء عليه؛ تشير القرائن إلى وجود عدة أطراف دولية محتملة تدفعها مصالحها إلى دعم وتمويل العناصر الإرهابية التابعة للإخوان؛ تتلخص في دول ترعى الإسلام السياسي وتوفر بيئة حاضنة، وأجهزة استخباراتية إقليمية تستفيد من زعزعة الأمن داخل مصر، وشبكات مالية دولية تستغل الغطاء الخيري لدعم الإرهاب الإخواني، لاستغلال كورقة ضغط تهدف لإحداث فوضى داخل مصر، برزت افرازاتها تلك السياسات في دعم قافلة الصمود المزعومة من قبل تلك المؤسسات المالية الدولية، فضلًا عن وجود فراغات أمنية في دول الجوار توظف لتمرير عناصر إرهابية إلى العمق المصري.
محاولة للتموضع:
ليس حدثِا عشوائيًا، وهو تزامن فيديو حسم مع تحرك إعلامي إخواني، يوحي برغبة في تهيئة الجمهور المستهدف داخل التنظيم، ورفع معنويات العناصر الساكنة، ومحاولة تجنيد عناصر جديدة. هذا السيناريو غالبًا ما يستخدم كإشارة تفعيل للخلايا النائمة، أو كتجنيد ظهير شعبي معنوي أو حركي. برغم من التطور الأمني والتغير في الخطاب الدعوى، لاتزال بعض البيئات الريفية تشكل حاضنة لعناصر متطرفة خاملة، قد تنشط نسبيًا بفعل تلك التحركات. مع ذلك؛ لن يتخطى طموح تخطيط العناصر الإرهابية عن الإعداد لتفجيرات بدائية أو عمليات ذئاب منفردة.
في سياق متصل؛ التعريف الوظيفي للعناصر الإرهابية المكتشفة (منتمين سابقين لجامعة الأزهر) يشير إلى أن الجماعة تعطي جانب التأصيل الشرعي للعمليات الإرهابية أولوية، لإعطاء التبرير الشرعي للعناصر الإرهابية التابعين لها والعناصر المستهدفين بالتجنيد. كما أن تعيين مؤصل شرعي للحركة من خلفية أزهرية الغرض منه تبرير العنف داخل التنظيم، لإقناع العناصر الشابة المترددة، بأن ما سوف يطلب منهم من عمليات له ما يبرره شرعًا، من خلال إنتاج خطاب شرعي داخل الجماعة، يمثل فتاوى تقدم تأصيل فقهي للأفكار والأحداث – كقتال الطائفة الممتنعة أو القصاص وغيرها. وتشير الدلالة السياسية لاستخدام عناصر جميعها ينتمي للأزهر إلى الرغبة في مخاطبة القاعدة الإسلامية المتعاطفة من السلفين وغيرهم، فاستخدام عناصر أزهرية يضفي نوعًا من القبول والشرعية لدى قواعد إخوانية أو سلفية أو شباب متدين ظاهريًا. كما تتعمد الجماعة استقطاب منتمين للأزهر لإظهار السيطرة باختراق مؤسسة هامة من مؤسسات الدولة، وتحمل مكانة خاصة لدى جموع المصريين.
أخيرًا؛ تكشف محاولات إحياء حركة حسم في توقيت متزامن، مع استنفار إعلامي إخواني يدعي تعذيب سجناء الجماعة،- عن تناغم وتنسيق دقيق بين الأذرع الإعلامية والتنظيمية والحركية للتنظيم، كمشروع مترابط ومتداخل معادي للدولة، يوظف المظلومية كسلاح تعبئة، والعنف كأداة ضغط تهدف في أدناها إلى الإفراج عن السجناء، وفي أقصاها إلى إحداث فوضى داخلية. إن المشهد لا يعكس عودة حركة مسلحة فحسب، بل تجدد وإحياء لأنماط التهديدات التي تواجه الدولة، حيث يتقاطع الإعلام المحرض، والتجنيد النخبوي، والتوظيف الديني لمحاولة إنتاج موجات عنف جديدة. لذلك يقتضي التعامل مع هذه التهديدات تجفيف منابع الخطاب التعبوي المحرض، ودعم الأزهر كحصن ضد التأويلات المتطرفة، جنبًا إلى جنب مع الجهود الأمنية الوقائية.