كيف ترى “الإخوان” دعوة نقل المقاتلين الأجانب إلي أوكرانيا؟
دخلت الحرب بين روسيا وأوكرانيا أسبوعها الثالث، ومع حدة القتال بين الطرفين أطلق الطرفان الدعوات لفتح باب التطوع أمام المقاتلين الأجانب، لتفعيل منظومة الحرب بالوكالة، ومحاولة تقليل نزيف الخسائر من الجانبين، فجاءت ردود الأفعال علي تلك الدعوات، لتحشد المقاتلين أعداء كلا الطرفين إلي أوكرانيا، فمن جانب حشد الرئيس الشيشاني قديروف جنوده، للقتال في صفوف الجيش الروسي سواء مختار أو مكره، علي الجانب الآخر تعالت الدعوات من جهات وتنظيمات إسلامية، ومنظرين تابعين لجماعة الإخوان المسلمين، للقتال في صفوف الجيش الأوكراني، أو لصالحه ضد روسيا، كجماعات غير نظامية لقتال الجيش الروسي.
قراءة ما سبق، وتحليل أبعاده يطرح عدة تساؤلات تتعلق بالساحة الجهادية؛ يعد أهمها: ما هو التأصيل الشرعي الذي تنظر به الجماعات التكفيرية، وعلي رأسها الأخوان لشرعية القتال في صفوف الجيوش غير المسلمة؟، وما الخلاف في الآراء بين التنظيمات التكفيرية في هذا الشأن؟، وما هو مستقبل هذه المنطقة من أوروبا إذا انتشرت بها الجماعات التكفيرية أو بعض فروعها؟.
امتدادات فقهية:
بقراءة مشهد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، نستطيع تصنيف المجاهدين الذين سيشاركون أو شاركوا فيها، سواء من الشيشان، ومن أفغانستان، ومن سوريا أو أي دولة من الدول، التي يتمركز فيها عناصر من المتطرفين -الذين ينتمون لتنظيمات إرهابية أو يعتنقون فكر تلك الجماعات دون انتماء تنظيمي–إلي مجاهدين سيقاتلون في صفوف الجيش الروسي لتحقيق أهدافه، أو مجاهدين يقاتلون في صفوف الجيش الأوكراني من دول مختلفة، أو أقلية مسلمة تعيش في أوكرانيا تقاتل تحت القيادة الأوكرانية غير المسلمة، وكل فئة من الفئات الثلاث لها مبررها الشرعي الذي يسوقه لها منظريها.
(*) التصنيف الأول؛ العناصر التابعة للمقاتلين الشيشان، الذين يشاركون في الحرب لصالح الروس، تشير الإحصائيات أن ثلث قتلي الجانب الروسي من الشيشان، حيث دعا قاديروف إلي الالتحاق بالحرب كواجب دينى، ينظر لهم وفقا لمفتيهم بوجب القتال ضد الأوكرانيين، باعتبارهم الجانب المدعوم من أمريكا العدو التاريخي للجماعات الأصولية، كما أن قتالهم فيه دحر الجانب اليهودي متمثل في القيادة الأوكرانية، وهذه الحالة أجازها بعض الفقهاء، كاستثناء للقاعدة وهي جواز القتال في صفوف الكفار ضد كفار آخرين، إذا كان في هذا مصلحة للمسلمين، طالما النية تحقيق مصلحة للمسلمين، حيث جاء في السير الكبير:” ولو أن أهل الحرب- مقصود بلاد غير إسلامية- أرسلوا الأسري بخاصة أن يقاتلوا أهل حرب آخرين، وجعلوا الأمير من الأسري، وجعلوا لهم أن يحكموا بحكم الإسلام، ويسلموا لهم الغنائم يخرجونها إلي دار الإسلام، فلا بأس بالقتال…”، بهذا يجد التصنيف الأول الرؤية الفقهية للقتال في صفوف الروس، معتبرين وضعهم وضع الأسري في هذا الرأي.
في حين يري الإخوان حرمة القتال في صفوف الروس، من أي من الجماعات ذات الخلفية الأصولية، قاصدين الشيشان التابعين لقديروف، لأن قتالهم وفقا لقولهم نوع من الارتزاق المحرم، والولاء الصريح لأعداء الدين، ويذكروهم متسائلين كيف تقاتلون في جيش، دمر بلادكم وانتهك حرماتكم قبل سنوات؟، ويستثنون من ذلك المقاتل المكره فلا إثم عليه، وأن قتل في هذه الحرب في صفوف الروس بعث علي نيته، ويبيحوا قتل المسلم الذي يقاتل في صفوف الروس مختار أو مكره، إذا واجهه مقاتلين مسلمين من جانب الأوكرانيين، بموجب فتوى التترس لابن تيمية.
(*) التصنيف الثاني؛ الذي تدعمه وتدعو وتنظر له جماعة الإخوان الإرهابية، دعوة العناصر المتطرفة، من كافة الدول للقتال في صفوف الأوكرانيين، ضد العدو الروسي، حيث تعتبر الجماعة روسيا عدوها الرسمي، فهي تستثمر –الجماعة- العداء التاريخي للجماعات الأصولية للجانب الروسي، لصناعة حالة أشبه بتحالف الجماعات الجهادية ضد الإتحاد السوفيتي، كما حدث سابقا في الشيشان وأفغانستان والبوسنة، لتصفية حسابات الجماعة ضد روسيا، التي ساهمت في القضاء علي الجماعة في بعض دول مثل سوريا، وتؤصل الجماعة لأتباعها بنفس التأصيل الفقهي المذكور للتصنيف الأول، وهو جواز القتال في صفوف الكفار لتحقيق مصلحة للمسلمين، وهذه المصلحة، هي منع تمدد العدو الروسي.
(*) التصنيف الثالث؛ قتال الأقلية المسلمة في أوكرانيا لدفع العدوان عن نفسهم وإخوانهم سواء من نفسهم، أو من خلال أن يستعين بهم قائد غير مسلم، لرد العدوان عن بلاده. فتري الجماعة وتفتي للحالة الأولي، أذن القتال بهذه النية دفع العدوان عن نفسهم فهو واجب ديني، وهو البديهي الذي توظفه الجماعة لمصالحها لخلط الحق بالباطل. أما في الحالة الثانية، فلا يجوز القتال لنصرة فئة كافرة علي فئة كافرة أخرى، وفقا لجمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية)، إلا إذا وجدت مصلحة للمسلمين، وهو ما اعتبرته الإخوان واجب لوجود مصلحة للمسلمين في قتال الروس، وهو ما لم تعتبره “داعش” ولم تأخذ به إلي حينه، وصرح التنظيم بذلك عبر مجلة دابق التابعة له.
منبع التأصيل:
الجدير بالذكر؛ أن التصنيفات الثلاث التي أباحت القتال في صفوف جيوش غير مسلمة أو لصالحها، تأخذ بفتوي التترس لابن تيمية، فالجماعات التكفيرية طورت مفهوم التترس بما جعله يشمل كل الأوضاع السياسية الحالية، التي تبيح لتلك الجماعات جواز قتال المسلمين، إذا تترس بهم العدو غير المسلم، سواء الكافر الأصلي (الغرب)، أو غير الأصلي (الحكام العرب)، مما يبرر جواز قتال كل من المتطرفين الذين تستخدمهم كل من روسيا وأوكرانيا للمسلمين من الجانب الآخر، وذلك علي الرغم من أن فتوي التترس جاءت في الأسري المسلمين، الذين لدي العدو غير المسلم، إذا تترس بهم العدو غير المسلم، أي أخذهم كدروع بشرية، والجماعات التكفيرية أمدت الفتوى لتشمل المقاتلين المسلمين من الجانب الآخر، وحتى المدنيين المسلمين.
ترتيبا علي ما سبق؛ فإن الجماعات التكفيرية عندما تريد وتجد مصلحتها في قتال فئة، أو نصرة فئة، فسوف تجد وتصنع المصوغ الفقهي وفقا لتصوراتها.
مستقبل خطر وواقع مظلم:
وفقا للمؤشرات الحالية متوقع أن تشهد الفترة المقبلة، تجمع ألاف من عناصر جهادية، وبعض أفرع تنظيمات متطرفة في أوكرانيا، لتشعل الصراع بين الطرفين خاصة في ظل تقاعس وتخاذل القوي الدولية، عن القيام بدور فعال لحسم الصراع، والاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية لروسيا في ظل وضع مخيف، حيث أشعلت الدعوات من قبل بعض المؤسسات والتنظيمات الإسلامية للقتال في أوكرانيا، بالإضافة إلى اليمين المتطرف، مما ينذر بنشوب مزيد من الاقتتال، علي كافة الأصعدة السياسية والدينية والطائفية والعرقية.
عليه؛ فالعالم أمام موجة جديدة ممتدة، من صعود نشاط الجماعات الأصولية، بل وتكوين جماعات جديدة تحت رعاية أطراف دولية، لدعم احد طرفي الصراع، وتفعيل ما يعرف بحرب الوكالة، علي عكس ما يري بعض المحللين، خاصة في ظل السماح من قبل روسيا وأوكرانيا، وتشجيع المقاتلين الأجانب للقتال في صفوفهم، مما يسهل تسلل الجماعات المتطرفة للتغلغل وتكوين شبكات مصالح، ربما يصعب تفكيكها بعد انتهاء الحرب.
أخيرا؛ تسعي الأطراف المتصارعة في الأزمة الأوكرانية إلي الدفع بعناصر من خارجها لإنجاز أهدافها، دون إمكانية الرجوع عليها بالمسئولية الدولية لارتكاب جرائم حرب، وتهرباً من المسئولية الدولية والأدبية، ولاستخدام المجاهدين الشيشان، لهدف بث الرعب في نفوس الأوكرانيين من جانب آخر، لتسهيل تحقيق أهدافها، فيما تتوعد المقاتلين الأجانب من الجانب الأوكراني، بأنها لن تعاملهم كأسري حرب وفقا لاتفاقية جنيف، مما يترتب عليه خضوعهم للسجن أو القتل، بمعني أنها لن تطلق سراحهم بعد الحرب، مما سيجعل كل العناصر المشاركة في تلك الحرب أكثر توحش.