كيف استخدمت الإخوان مفهوم “الولاء والبراء” لتأصيل الشماتة؟
“ليس الموت مناسبة للشماتة ولا لتصفية الحسابات، بل هو مناسبة للعظة والاعتبار، فإن لم تسعفك مكارم الأخلاق على بذل الدعاء للميت والاستغفار له؛ فلتصمت ولتعتبر، ولتتفكر في ذنوبك وما اقترفته يداك وجناه لسانك، ولا تعين نفسك خازنا علي الجنة أو النار؛ فرحمة الله عز وجل وسعت كل شيء”، بهذه العبارات البليغة المعبرة ردت دار الأوقاف المصرية، على حملات الشماتة المقيتة، التي شنتها جماعة الإخوان الإرهابية، منذ ورود خبر وفاة الإعلامي والصحفي القدير وائل الإبراشى.
فلم تكتفي لجان الإخوان الإلكترونية وأبواقها الإعلامية، بمهاجمة وطعن وانتهاك أشخاص وأعراض خصومهم السياسيين وهم علي قيد الحياة، بل وصل الفجر في الخصومة إلي سكب مخزون البذاءات علي كل رموز ثورة 30 يونيو، وخط الدفاع الأول من المثقفين والإعلاميين، حتى بعد وفاتهم، وعينت الجماعة نفسها كعادتها خازن علي الجنة والنار، وأطلقت تصريحات التكفير المعلبة، علي من أصبحوا بين يد المولى، وأطلقوا العبارات البذيئة تهليلا بفرح موت خصومهم كـ (نفوق، هلاك، المقبور، عدو الدين، الطاغية الظالم).
وعلى ما سبق، يطرح هذا التحليل السؤال التالي، هو: ما هي الأدبيات التي أسست عليها الجماعة، وجوب الشماتة في الخصوم؟، وما تأصيل ذلك وفقا لمفهوم الولاء والبراء عند حسن البنا؟
قلوب إخوانية سوداء:
ما تركت جماعة الإخوان الإرهابية فرصة لتنال، من خصومها السياسيين والمدافعين عن الوطن، والمعبرين عن المبادئ السامية لصحيح الإسلام، وأجهزت عليهم باللعن والسب والشماتة، فقال الإخوانى محمد المختار الشنقيطي فرحا لموت الإبراشى وتأصيلا للشماتة فيه، “الفرح بهلاك الظلمة وأعوانهم مسلمين وغير مسلمين، وحمد الله علي ذلك أمرا جائزا فحسب، بل هو واجب شرعي. واستشهد بقول الزمخشري بإيذان وجوب الحمد عند هلاك الظلمة، وأنه من أجل النعم بموجب الآية قال تعالي:” فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين”، ومن العجب الاستشهاد من قبل الجماعة بقول للزمخشري، للتأصيل وتبرير دناءات أفعالهم، في حين أن الزمخشري معتزلي العقيدة، ويطلق علي المعتزلة أفاضل الفئة الناجية، ومن المعلوم أن الإخوان معاديين ومكفرين للمعتزلة، ولكن هم الإخوان لديهم الغاية تبرر كل شيء.
بناء علي هذه الآية أسست الجماعة عبر مواقعها وقنواتها، لوجوب الشماتة في موتي الخصوم، واستدلت استدلالات باطلة بناء عليه، للتأصيل لأتباعهم لفقه الشماتة، فالآية تتحدث عن الظلم بمعني الشرك، فقد جاء الظلم بمعني الشرك في مواضع مختلفة في القرآن، كما أوضح لنا النبي الكريم مفهوم الظلم عندما سأله الصحابة، مستشهدا بالآية الكريمة ” إن الشرك لظلم عظيم” (لقمان:13)،عليه فقد أصدرت الجماعة حكم بالشرك على خصومهم من الأحياء والأموات.
تأسيسا علي ما سبق؛ فقد أخذت الجماعة علي نفسها، أن لا تفوت مناسبة لا تعلن الشماتة في الموتي، علي وجه الخصوص من خصومها، كما فعل الإخواني عمرو فراج وإيمان فريد وغيرهم من شماتة في وفاة الإبراشي، وفعلت من قبل آيات عرابى في الشماتة في وفاة الفنان المصري ممدوح عبد العليم، وشماتة الإخوانية عزة الجرف في وفاة الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، وشماتة الإخواني أحمد المغير في وفاة المفكر السياسي الدكتور رفعت السعيد وغيرهم الكثيرين.
الولاء والبراء وفق أدبيات الجماعة:
تري الجماعة الإرهابية أن الشماتة بالأعداء والخصوم والفرح في مصائبهم، هو من تمام الإيمان تنفيذا لعقيدة الولاء والبراء، ويستشهدوا بالآيات قال تعالي: ” ويشف صدور قوم مؤمنين”، وقوله: ” فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون” هكذا تستدل الجماعة بالآيات الكريمة استدلال باطل بجواز بل وجوب الفرح في الخصوم، مما يؤكد علي تمسكهم بعقيدة التكفير لكل مخالف لهم من جهة، وتوظيف النصوص المقدسة، ولي ذراع المدلول القرآني لخدمة أيديولوجيتهم الفاسدة من جانب آخر.
استكمالا علي ما سبق؛ فقد أسس سيد قطب منظر الجماعة منذ أكثر من 80 عاماً، لعقيدة الولاء والبراء، في أكثر من موضع؛ حيث يقول في كتابه في ظلال القرآن، ” إنه لا يجتمع في قلب واحد، حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه، الذين يدعون إلي كتاب الله ليحكم بينهم، فيتولون ويعرضون..” من هنا حذر أتباع الجماعة من موالاة من يدعون بالأعداء والكفار، قاصدين خصومهم ومن ليسوا علي العقيدة الإخوانية، مستشهد بالآية الكريمة ” لا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء”، وهذا شاهد إضافي علي العقيدة التكفيرية للإخوان.
ويستطرد قطب مؤكدا لأتباعه؛ تنقسم البشرية إلي حزبين: حزب الله وحزب الشيطان…فأما أن يكون الفرد من حزب الله، فهو واقف تحت راية الحق، وإما يكون في حزب الشيطان، فهو واقف تحت راية الباطل، .. وينهي الله عز وجل المؤمن، أن يجعل ناساً هم دونه في الحقيقة والمنهج، موضع ثقة واستشارة، ليؤسس قطب بموجب العبارة الأخيرة لمفاهيم شيطانية، بالإضافة للتكفير، كالاستعلاء بالإيمان في عبارة” ناساً هم دونه في الحقيقة والمنهج” ، فضلا عن التأسيس للعزلة الشعورية، كل هذه المفاهيم وغيرها يشملها مفهوم الولاء والبراء وفقا لقطب.
تأكيدا علي ما سبق؛ فقد أكد من قبل قطب، مؤسس الجماعة حسن البنا علي تلك المفاهيم، المدمرة لعقول وقلوب ووجدان الشباب، فأفرد البنا في رسائله، للتأكيد لأتباعه علي ضرورة التمسك بعقيدة الولاء والبراء، فقال في رسالة التعاليم (أريد بالتجرد أن تخلص لفكرتك مما سواها، من المبادئ والأشخاص، لأنها أسمي الفكر وأجمعها وأعلاها: – مستشهدا بالآيات -” صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة” ” قد كانت لكم أسوة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء”)، فالناس عند البنا أحد ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب، وفي حدود هذه الأصناف توزن الأشخاص، ويكون الولاء والعداء، وفقا لنص الرسائل.
عليه؛ فقد أسس البنا من قبل قطب، لمفهوم الولاء والبراء، وساق لأتباعه عشرات الآيات للتأصيل الفاسد لأفكاره، لاستقطاب أكبر عدد من الشباب، تحت لواء عبارات براقة فاسدة، بدعوي نصرة الإسلام زورا، من هنا نستطيع أن نقرأ ونحلل، كيف يشمت ويهلل أتباع التنظيم الإجرامي في مصائب خصومهم بدم وقلب بارد!، مبررين ومتمسحين بالنصوص، ظلما وعدوانا علي مراد الله من آياته، مؤكدين لأتباعهم أن الفرح في مصائب الغير، من خارج الجماعة تقرب إلي الله.
أخيرا؛ مما سبق يتضح ويتأكد مدي دناءة، كل منتمي أو متعاطف أو متحالف، مع تلك الجماعة التكفيرية، ويهدم ادعاءاتهم عبر منابرهم الإعلامية، بالدفاع عن حقوق الإنسان، والتمسك بالتعددية والتداول السلمي للسلطة، هذا العبارات التي تلعب بها الجماعة علي أوتار مشاعر وعقول البعض، لخداع المغفلين والجهال، لتحقيق أهدافها لهدم الأوطان، فالجماعة وأتباعها أسست علي أدبيات ومنهج، لا يمكن قرأته لعاقل سوى أنها، لا تري أحد من خارجها ولا تعترف بحقوق أحد من غير أتباعها، ولا تراعي حرمة لإنسان ميت أو حي، رحم الله المخلصين الشرفاء من أبناء الوطن في كل وقت وحين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.