إلى أين تتجه العلاقات بين مسقط وموسكو؟

تحتفل كل من سلطنة عمان وروسيا الاتحادية هذا العام 2025، بمرور 40 سنة علي تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1985، وعلى ما يبدو أن العام الحالي لن يكون عام الاحتفال بهذا الحدث فقط، بل قد نشهد وجود مسارات أوسع وأرحب في العلاقات بين البلدين، خاصة بعدما بدأ جلالة السلطان العُماني هيثم بن طارق يوم الاثنين 21 أبريل الجاري بأول زيارة له إلى روسيا منذ توليه الحكم في عام 2020، وتأتي هذه الزيارة تلبية لدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلي السلطان هيثم، لزيارة موسكو، وإجراء مباحثات حول العلاقات فيما بينهما، والاتفاقيات ومذكرات التفاهم المُرتقب توقيعها في عدة مجالات مشتركة، وذلك طبقاً لما أفادت به وكالة الأنباء العُمانية، كذلك المباحثات فيما يتعلق بمستجدات الأوضاع في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، سيما الشائك منها، حيث أن مسقط مؤخراً ترعي المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، لما لها من ثقل ودور محوري في رعاية العديد من المفاوضات والوساطات التي تُجري سياسياً وأمنياً في المنطقة.

وعليه، فإن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلي روسيا وهي الأولى من نوعها لسلطان عُماني، تحمل دلالات عدة كبيرة وإيجابية في الأوساط السياسية والدبلوماسية، كما أن اختيار التوقيت الآن له رمزية هامة في ظل تصدر السلطنة المشهد في العديد من القضايا والملفات المعقدة.

تحركات عُمانية مؤثرة:

تُعد هذه الزيارة خُطوة هامة في تاريخ العلاقات بين مسقط وموسكو، ومن المُرجح أن يكون لها مردود إيجابي كبير علي تلك العلاقات والتي هي بطبيعة الحال مستقرة، قائمة علي التعاون المشترك، ولا سيما أن سلطنة عُمان في محيطها، هي صديق وحليف وجار ووسيط موثوق به، ولعل هذا نابع من سياستها الخارجية القائمة علي رؤية عميقة ودائمة مفادها “عُمان كصديق للجميع”، وهذه الرؤية تتبني لغة الحوار والسلام، وثقافة الانفتاح والتسامح كمبادئ توجيهية في معالجة جميع القضايا، من أجل دعم تحقيق الاستقرار والأمن وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية الثقافية الضرورية لمستقبل الجميع ولعالم أفضل. وهي الرؤية التي يتمسك بها أيضاً السلطان هيثم بن طارق، والتي تأسست سابقاً علي الفكر السياسي للسلطان الراحل، قابوس بن سعيد.

وبشكل عام كانت الأدوار التي لعبتها مسقط وما زالت، في محاولات تهدئة الأوضاع المستعرة إقليمياً وعالمياً والوصول إلي حلول سلمية قدر الإمكان، هي التي تُزيد رغبة الأطراف والفواعل الأخرى في التقارب بشكل أكبر معها. وليس هذا فحسب بل دور السلطنة كذلك في نجاح عدد من المفاوضات الهامة، فقد كانت سبباً رئيسياً في تقريب وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية قُبيل المصالحة الكبرى التي تمت بينهما في مارس 2023 بشكل رسمي في الصين، بعدما يقرب من 7 سنوات من انقطاع العلاقات فيما بينهما. كما أن لمسقط جهوداً حثيثة في منع تفاقم الأوضاع في اليمن ومحاولات تهدئتها عبر استضافتها العديد من جولات المفاوضات بين الحكومة اليمنية وتنظيم الحوثي، ومؤخراً  وساطتها في المباحثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران علي أراضيها.

توطيد العلاقات:

ذكرت وكالة الأنباء العُمانية أن هذه زيارة سلطان البلاد إلى موسكو هي “تلبيةً للدعوة التي تلقاها سلطان عُمان هيثم بن طارق من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتأكيداً على عمق العلاقات بين البلدين الصديقين”. وأضافت أنه سيتم خلال الزيارة “بحث أوجه التعاون القائمة بين البلدين في مختلف المجالات وسُبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، إضافة إلى التشاور والتنسيق حيال الموضوعات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية”. إضافة إلى ذلك فإن سفير سلطنة عُمان لدي روسيا، حمود بن سالم آل تويه، صرح قائلاً أن “هذه الزيارة ستكون نقطة انطلاق لعهد جديد من التعاون بين سلطنة عُمان وروسيا، بما يعود بالفائدة على البلدين والشعبين الصديقين”، وأنها ستكون “فرصة سانحة وطيبة لقيادتي البلدين لمناقشة التطورات الإقليمية والدولية الحالية وتبادل وجهات النظر والتعاون في مواجهة التحديات العالمية”.

واستكمالاً لتصريحات السفير حمود بن سالم، فإن الزيارة ستشهد “توقيع 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات، في مقدمتها، اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات للجوازات العادية لمواطني البلدين، وبروتوكول إنشاء اللجنة المشتركة العُمانية- الروسية، بما يخدم المصالح الثنائية وغيرها من مذكرات التفاهم في مجالات أخرى منها، التجارة والدبلوماسية والمناخ والإعلام والأسماك”. هذه الاتفاقيات تأتي في إطار التأكيد علي حجم العلاقات والتبادل المشترك بين عُمان وروسيا، ورغبة كل منها في توطيدها بشكل أعمق، حيث تتمثل أهم الصادرات العُمانية في “المنتجات المعدنية والفوسفور والنيتروجين والبوتاسيو، بينما أهم الواردات الروسية تشمل المنتجات الغذائية والمنتجات الحديدية”. ويُذكر أنه في نهاية العام الماضي 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 133 مليون و108 آلاف ريالاً عمانياً، أي ما يزيد عن (346 مليون دولار).

لقاء مثمر:

كشف الكرملين في وثيقة نشرها قبل المحادثات أن “محادثات القمة الروسية العمانية ستتناول، بالإضافة إلى المحاور الأساسية لتطوير التعاون الثنائي بين البلدين، عدداً الملفات الإقليمية المشتعلة في إقليم الشرق الأوسط، أبرزها القضية الفلسطينية والوضع في سوريا”. وأضاف أنه “من المتوقع أيضاً أن تتطرق المحادثات إلى المفاوضات النووية التي تجري حالياً بين إيران والولايات المتحدة والتي تقوم مسقط بدور الوساطة فيها”.

وفي صباح الثلاثاء 22  أبريل في قصر الكرملين بموسكو، التقي السلطان هيثم بن طارق بالرئيس فلاديمير بوتين، ووجه السلطان كلمة شكر للرئيس الروسي علي هذه الدعوة وحفاوة الاستقبال، كما أكد على أن “تركيز بلاده الآن ينصب حول بناء علاقات متينة وطيبة بين البلدين”. ووفقاً للكرملين فقد التقي السلطان العماني بالعديد من رجال الأعمال الروس صباح اليوم أيضاً، مؤكداً بأن هناك “الكثير من المجالات سواءً في الطاقة أو في الزراعة أو في التجارة، وأن العديد منهم باشر في فتح مكاتب وتبادل الزيارات”. كما أبدى تطلعه إلى أن “تكون هناك استثمارات مشتركة في روسيا، وأن جهاز الاستثمار العماني بدأ بالفعل في التواصل مع عدة جهات”. كما توجه السلطان بالشكر لكافة المسؤولين الروس الذين قاموا بزيارة مسقط في السنوات الثلاث الماضية.

كما تم الإعلان عن أن المجالات التي تمت المباحثات حولها تضمنت اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات، وبروتوكول التعاون الاقتصادي والفني “مشروع إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة”، ومذكرات تفاهم حول مسائل تغير المناخ والتنمية منخفضة الكربون، وفي مجال النقل والعبور، والتعاون في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعاون في مجال الأسماك، وبين غُرفة تجارة وصناعة عُمان ومؤسسة روسكونغرس الروسية، وفي مجال الإعلام وتبادل المعلومات وبين الأكاديمية السُّلطانية للإدارة والأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامّة وبين الأكاديمية الدبلوماسية في سلطنة عُمان والأكاديمية الدبلوماسية الروسية،

وختاماً، فإن العلاقات العُمانية – الروسية هي علاقات جيدة ومستقرة بالفعل والجهود المبذولة الآن من قبل الطرفين هي من أجل الحفاظ عليها وتوطيدها بشكل أكبر، سيما وأن عُمان تٌعد من أهم الفواعل الإقليمية الهامة والموثوق بها، وشريكاً استراتيجيا محورياً علي كافة الأصعدة.

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى