استهداف مدروس: لماذا بدأ الشرع بالسعودية؟

وصل أحمد الشرع إلي المملكة العربية السعودية الأحد 2 فبراير 2025، في أول زيارة له خارج البلاد عقب توليه منصب الرئاسة. وكان في استقباله نائب أمير الرياض محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز. كما التقي الشرع بعدها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعدد من كبار المسئولين في المملكة. وطبقاً لوكالة الأنباء السعودية فإن “الجانبين ناقشا أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين، وفرص تعزيزها في مختلف المجالات، إلى جانب استعراض تطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة بشأنها”. ومن المؤكد أن هذا يتواءم مع أهداف الشرع من خلال زيارته للمملكة، خاصة ما يتعلق بالأمن والاستقرار في سوريا، وآفاق العلاقات بين دمشق والرياض وتعزيز التعاون بينهما، وكذلك بقية العواصم العربية، ودعم الجهود المبذولة لرفع العقوبات عن سوريا. ثم غادر الرئيس السوري والوفد المرافق له الرياض في اليوم الثاني للزيارة، بعد أن وصُفت زيارته لها بأنها “ناجحة” طبقاً للعديد من الساسة والخبراء.

لقد بدأت حالة التحركات الدبلوماسية دولياً وعربياً بشكل نشط في ظل الإدارة السورية الجديدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية بوجه خاص، فقد كانت الزيارات علي مستوي الخارجية بالتبادل بين الجانبين، حيث قام وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بزيارة المملكة في مطلع يناير 2025، كأول وجهة خارجية له بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، كما أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان كان قد قام بزيارة سوريا في نهاية يناير أيضاً. ولا يخفي علي أحد الجهود السعودية المبذولة في الملف السوري لاحتضان دمشق وإعادة دمجها في محيطها العربي مرة أخري عقب سقوط نظام الأسد.

وعليه، من خلال هذا التحليل سنحاول تقديم قراءة لمشهد هذه الزيارة، والتي يتضح أن الجهود السعودية الحثيثة لدعم سوريا ما بعد الأسد، كانت الحافز الأكبر لأن تكون المملكة أولي وجهات الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في أول زيارة له خارج البلاد، نظراً لما تمتلكه المملكة من ثقل استراتيجي هام إقليماً ودولياً، والدعم المرتقب منها لسوريا الجديدة.

احتضان سعودي:

إيماناً من المملكة العربية السعودية بأحقية الشعب السوري في بلاده وأن يحظي فيها بحياة كريمة في أمن واستقرار، جاءت الجهود السعودية في الملف السوري كأبرز الجهود المبذولة عربياً وإقليماً لاحتضان سوريا الجديدة وضمان أمنها وسلامتها، بعيداً عن التدخلات الخارجية وتأثير الفواعل الأخري. وقد كان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، من أوائل القادة الذين هنأوا الشرع بتوليه رئاسة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

وتعمل دمشق والرياض على تعزيز العلاقات بينهما في مرحلة ما بعد الأسد، سيما أن السلطة السورية الحالية أعربت بالفعل عن رغبتها في فتح صفحة جديدة مع المملكة. في إطار الدور الذي يمكن أن تقوم به في معالجة تداعيات النزاع المدمر الذي استمر قرابة 13 سنة، إلى جانب محاولة إحداث توازن مع النفوذ التركي في داخل الأراضي السورية، حتي لا يُترك لها المكان فارغاً هي أو غيرها من الأطراف الإقليمية الأخري، كإمكانية استعادة طهران لنفوذها السابق، وبالتالي سيكون للمملكة دوراً هاماً في دعم التجربة السورية الجديدة، علي الرغم من وجود بعض التحفظات المتعلقة بالعلاقات القديمة التي ربطت عدد من الفصائل السورية المُشكلّة للحكم الجديد، بتنظيمات جهادية مثل تنظيمي القاعدة وداعش.

ويبدو أنه يتم التعويل سورياً علي الدول الخليجية وبخاصة المملكة العربية السعودية في عملية إعادة إعمار البلاد وبنيتها المدمرة، نظراً لأن المملكة تقود جهوداً دبلوماسية رفيعة المستوي لدعم سوريا الجديدة ورفع العقوبات الغربية المفروضة عليها في أسرع وقت، من أجل السعي نحو تحسين الأوضاع في البلاد اقتصادياً واجتماعياً وتوفير وضع أفضل للشعب السوري الذي عاني الويلات طوال السنوات الماضية، لذا شدد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في العديد من الاجتماعات الوزارية والمؤتمرات الصحافية علي “أهمية رفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة علي سوريا”. كما أعلن سابقاً “الترحيب بالخطوات التي اتخذتها الإدارة السورية الجديدة”، مؤكداً “الاستمرار في تقديم أوجه الدعم لسوريا”.

وفي مطلع يناير الماضي، أطلقت المملكة جسراً جوياً إغاثياً إلى سوريا(16 طائرة إغاثية تقريباً)، محملاً بالمواد الغذائية والطبية، من أجل تخفيف معاناة الشعب السوري، وتعزيز الاستقرار في سوريا، كما أطلقت أيضاً جسراً برياً إغاثياً، ووصل إجمالي الشاحنات الإغاثية التي عبرت حتى الآن منفذ نصيب الحدودي السوري ضمن هذا الجسر البري، ما يقرب من (114 شاحنة). وأكدت السعودية أنه “لا يوجد سقف محدد للمساعدات التي ترسلها إلى دمشق عبر جسرين، بري وجوي؛ إذ ستبقى مفتوحة حتى تحقيق أهدافها على الأرض في سوريا باستقرار الوضع الإنساني، وفق توجيهات قيادة البلاد؛ للتخفيف من معاناة المتضررين”.

لماذا وصُفت زيارة الشرع بأنها “ناجحة”؟

مما لاشك فيه أن اختيار الشرع للمملكة العربية السعودية كأولي وجهاته الخارجية هو اختياراً صائباً بالنسة لوجهة نظره، ويعطي إشارات قوية علي رغبة القيادة السورية الجديدة في الانفتاح علي الخليج، خاصة وأن الرياض كما ذكرنا سلفاً تلعب دوراً هاماً في إعادة دمج سوريا ما بعد الأسد في محيطها العربي، لما لها من تأثير واسع علي كافة المستويات، عربياً وإقليمياً ودولياً. كما أن هذه الزيارة ستمهد الطريق للاعتراف الواسع بالإدارة السورية الجديدة، ولا شك أيضاً أن الرياض ستعمل على تمكين القيادة الحالية في دمشق من توحيد الأراضي السورية واستقرارها.

وعلي إثر لقاء الرئيس السوري الانتقالي، بولي العهد السعودي، أكد الأول “التزام المملكة بدعم بناء مستقبل بلاده” وصرّح في بيان علي منصة تليغرام، نقلته عنه صحيفة الشرق الأوسط، قائلاً: “أجرينا اليوم اجتماعاً مطولاً لمسنا وسمعنا من خلاله رغبة حقيقية لدعم سوريا في بناء مستقبلها وحرصاً على دعم إرادة الشعب السوري ووحدة وسلامة أراضيه”، وأضاف “كما تناولنا اليوم خلال الاجتماع نقاشات ومحادثات موسعة في كل المجالات، وعملنا على رفع مستوى التواصل والتعاون في كافة الصُّعد، لا سيما الإنسانية والاقتصادية”، حيث ناقشنا “خططاً مستقبلية موسعة في مجالات الطاقة والتقانة والتعليم والصحة، لنصل معاً إلى شراكة حقيقية، تهدف إلى حفظ السلام والاستقرار في المنطقة كلها وتحسين الواقع الاقتصادي للشعب السوري”.

كما نشرت الخارجية السعودية بياناً قالت فيه ان الأمير محمد والشرع بحثا “مستجدات الأحداث في سوريا والسبل الرامية لدعم أمن واستقرار سوريا الشقيقة”، كما ناقشا “أوجه تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات”.

مستقبل العلاقات السعودية – السورية:

منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتولي الإدارة الجديدة مسئولية البلاد، أي ما يقرب من شهرين، تصاعد خلالهما مستوي التنسيق بين الرياض ودمشق، أملاً في رسم مسار مستقبلي للعلاقات بينهما قائم علي التعاون الثنائي وتعزيز العلاقات والدعم الدائم. ولا شك أن المنفعة بين الجانبين السعودي والسوري ستكون متبادلة، فمن الناحية السياسية، فإن الاستقرار السوري يصب في صالح المملكة، وكذلك المنطقة برمتها، خاصة وأن إيران باتت خارج المشهد، وهو ما يقلل من حدة التوترات، وأن تعود دمشق ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي. وعلي الرغم من عودة العلاقات بين الرياض وطهران في مارس 2023، الإ أنه ما زال هناك بعض الملفات الاستراتيجية الحساسة والتي كان من ضمنها الملف السوري والدعم الإيراني المطلق لنظام الأسد.

ومن الناحية الاقتصادية، فقد صرّح الشرع خلال مقابلة مع قناة العربية السعودية في ديسمبر 2024، إنه يتوقع أن يكون “للمملكة دور كبير جداً في سوريا”، حيث يمكن أن تستفيد من “فرص استثمارية كبرى” بعد سقوط حكم الأسد. وأضاف “بالتأكيد السعودية سيكون لها دور كبير في مستقبل سوريا”. وأن “الحالة التنموية التي نسعى إليها سيكون السعوديون أيضاً شركاء فيها”. بالإضافة إلي السعي لحل مسألة تجارة المخدرات القادمة من سوريا إلى دول الخليج والتي كانت عنصراً مزعزعا للأمن الإقليمي.

وبالنظر إلى التطلعات المستقبلية لسوريا في ظل الإدارة الجديدة، فبحسب الخبراء، فإن النمو الاقتصادي السعودي والاستثمارات السعودية يلعبان دوراً مهماً في هذه الزيارة، خاصة وأن الشرع “ينظر بإعجاب إلى (رؤية السعودية 2030) ويراها مثالاً يُحتذى به لتحقيق التنمية والتطور في سوريا على غرار ما تحقق في السعودية”، لذا فإن الشرع يأمل في مستقبل مثمر بالتعاون مع المملكة، من الناحيتين السياسية والاقتصادية، علاوة على التجربة السعودية في الإصلاح الاقتصادي والإداري ومكافحة الفساد.

وختاماً، يبدو أن المرحلة الانتقالية في سوريا ستشهد دعماً سعودياً علي وجه التحديد بصورة كبيرة، ما من شأنه أن يحفز بعض الأطراف العربية لدعم سوريا الجديدة، من أجل إعادة البناء السياسي والاقتصادي والتنموي الذي يشمل جميع مكونات الشعب السوري من دون إقصاء لأي طرف. وأن تعود سوريا لحاضنتها العربية بسلام بما يعزز أمن واستقرار المنطقة بأكملها.

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى