دلالات التوقيت.. ماذا تريد طهران من كابول؟

أثارت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلي العاصمة الأفغانية كابول، الأحد 26 يناير الجاري 2025، العديد من التساؤلات حول دلالات هذه الزيارة، سيما أنه منذ استيلاء حركة طالبان علي السلطة في عام 2021، لم يقم أي مسئول إيراني رفيع المستوي بإجراء زيارة إلي أفغانستان، إلي جانب وجود قضايا خلافية قائمة بالفعل بين البلدين أبرزها قضية المياه، والمهاجرون الأفغان في إيران. وخلال السنوات الأخيرة الماضية كانت هنالك بعض الوفود الإيرانية ولكن من مستوى أدنى قد زارت أفغانستان. وطبقاً للتصريحات الإيرانية حول هذه الزيارة، فإنها جاءت لتعزيز العلاقات الثنائية بين طهران وكابول علي المستويين الاقتصادي والسياسي. كما وُصفت كذلك في الأوساط السياسية الأفغانية بأنها زيارة هامة وأنها تضع أساساً للدخول في حوار شامل حول القضايا العالقة بينأفغانستان وإيران اللتين تشتركان في أكثر من ألف كيلومتر من الحدود، ومن المتوقع أن تؤدي إلي فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

وعليه، ما أهمية هذه الزيارة بالنسبة لطهران؟ وما هي الأهداف التي تقف خلف هذه التحركات الهامة في هذا التوقيت؟ في ظل وجود العديد من الملفات الخلافية مع كابول وحكومة طالبان.

توقيت التحرك:

لقد اهمل النظام الإيراني خلال السنوات الثلاث الماضية، ملف التعاون والحوار مع حكومة طالبان، وكانت الزيارات إلإيرانية إلي أفغانستان في تلك الفترة غير مجدية. ولكن في ظل التغيرات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، وغياب فواعل وظهور أخري، خاصة حلفاء إيران، كسقوط النظام السوري، أو انهيار أحد أذرعها كما حدث مع حزب الله اللبناني، وهو الذراع الأقوي والأهم لديها في المنطقة، جميعها متغيرات ربما قادت إلي هذه اللحظة الرسمية في العلاقات بين طهران وكابول، ما أدي إلي إعادة التفكير الإيراني في ملف العلاقات مع أفغانستان.

وفي هذه الزيارة التقي وزير الخارجية الإيراني عراقجي، مع رئيس الوزراء الأفغاني بالوكالة الملا محمد حسن آخوند، وكذلك مع نظيره الأفغاني أمير خان متقي، من أجل بحث سُبل وآليات توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين. وأشاد عراقجي ب”العلاقات الاقتصادية والتجارية الجيدة مع أفغانستان”، معرباً عن أمله في “توسيع العلاقات بما يتوافق مع المصالح الوطنية لكل جانب”. أما نظيره متقي، فقد أعلن عن رغبته في “الدخول في مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية”، حسب ما أفادت وزارة الخارجية الأفغانية في بيان رسمي لها.

ولا شك أيضاً أن تحركات إيران تجاه دول الجوار تأتي في ظل مساعي جادة ومنظمة لتوسيع منافذها في إقليم الشرق الأوسط، في ظل ما تعانيه من عزلة وفي محاولة للالتفاف حول العقوبات الدولية المفروضة عليها. وبالنظر أيضاً لأهمية كابول علي وجه التحديد، بالنسبة لطهران، فرغم الخلافات القائمة بينهما، إلا أن حركة التجارة علي الحدود معها تظل مصدراً هاماً للعملة الصعبة، وكذلك محاولة الاستفادة من الأراضي الأفغانية في وصول طهران إلى دول آسيا الوسطى. كما أن إيران (الشيعية) تسعى أيضاً لتخفيف جبهات المواجهة الخارجية مع الجارة أفغانستان (السنّية) بسبب الاختلاف الأيديولوجي وتداعياته علي العلاقات بين الجانبين.

تعاون قائم:

تُمثل أفغانستان بالنسبة لإيران أهمية اقتصادية وتجارية كبري، حيث تلعب الأولي باعتبارها أحد أهم دول الجوار وتتشارك حدودا|ً طويلة مع الأخيرة، دوراً حيوياً في خريطة الطرق من وإلى إيران، حيث يسمح الموقع الجغرافي لأفغانستان بوصول إيران بشكل أفضل بكثير إلى أسواق وسط وجنوب آسيا، من خلال الطرق البرية والسكك الحديدية. وعلي الجانب الآخر تعتمد أفغانستان على الموانئ الإيرانية في الوصول إلى المياه الإقليمية، وتستخدم ميناء (تشابهار) الإيراني في حركة التجارة مع الهند. ولقد عمل البلدان على تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما بشكل كبير حتى وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العامين الماضيين إلى 5 مليارات دولار.

وفي تصريح صدر مؤخراً عن المتحدث باسم وزارة التجارة والصناعة الأفغانية عبد السلام جواد قائلاً “إن صادرات أفغانستان ارتفعت بنسبة 116% خلال العام الماضي عن العام الأسبق لتصل إلى 54 مليون دولار أمريكي، وأما صادرات إيران إلى أفغانستان فوصلت إلى أكثر من 3 مليارات و143 مليون دولار، بزيادة قدرها 83% مقارنة بالعام السابق”. ومن المتوقع بعد هذه الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، أن تزداد حركة التجارة بين البلدين خلال الفترة المقبلة.

ولكن علي الرغم من العلاقات الاقتصادية الهامة والجيدة بين البلدين خلال الفترة الماضية، إلا أنهما لم تتمكنا من التوصل إلى اتفاق بشأن قضية المياه، وملف اللاجئين، وقد ناقشا خلال السنوات الماضية مشكلة تقاسم المياه أكثر من مرة ولم يتم حلها.

ملفات خلافية:

هناك العديد من الملفات الخلافية بين طهران وكابول وغالبيتها تقع تحت قاسم مشترك ألا وهو الحدود بين البلدين، حيث تتشارك إيران وأفغانستان حدوداً طويلة تمتد على ما يقرب من ألف كيلومتر، وأبرزها ما يلي:

(*) ملف المياه: وقعت خلافات بين طهران وكابول في الفترة الأخيرة بشأن سد تقوم كابول ببناءه على نهر (هريرود) المعروف أيضاً باسم (هري) والذي يتدفق من جبال وسط أفغانستان إلى تركمانستان ويمر على طول حدود إيران مع كلا البلدين. لذا تصرّح طهران بأن “بناء السد يحد من تدفق المياه وقد يشكل انتهاكا للاتفاقات الثنائية”. لذا تعد قضية المياه من أبرز الملفات الخلافية بينهما، لذلك دعا عباس عراقجي خلال زيارته، إلى “احترام هذه الاتفاقات” ، معتبرا أن “قضية المياه تتطلب تعزيز التعاون الثنائي”، حسب ما جاء في بيان وزارة الخارجية الأفغانية. وأكد نظيره الأفغاني، أمير خان متقي أن “سلطات طالبان تتأكد من وصول المياه إلى الجانبين الأفغاني والإيراني”، مشيراً إلى أن “المنطقة بأكملها تعاني الجفاف”.

وفي السنوات الأخيرة، أثارت مساعي حركة طالبان لإستكمال سد (باشدان) بولاية هرات اعتراض الجانب الإيراني. كما يُعتقد أن كابول تستخدم ملف المياه كأداة لممارسة الضغوط السياسية والجيوسياسية على طهران. وفي تصريح للمتحدث باسم الحكومة الأفغانية حمد الله فطرت “إن الحكومة الأفغانية لا تنوي الإضرار بإيران في ملف المياه وتريد حل المشكلة وفق اتفاقية تقاسم المياه بين البلدين”. وعلي الناحية الأخري، تؤكد طهران أن طالبان لا تلتزم بمعاهدة عام 1973، والتي تضمن حصة إيران من المياه، بينما تقول طالبان إن شح الأمطار وتأثر مخزون سد (كجكي)، يجعل توفير الحصة المائية التي تطالب بها إيران أمراً صعباً.

(*) ملف المهاجرون الأفغان: نظراً لطول الحدود بين إيران وأفغانستان، فإن الحركة عبرها تمثل تحدياً أمنياً للأولي، خاصة وأنه منذ استيلاء حركة طالبان علي السلطة في أفغانستان، ازداد تدفق المهاجرين الأفغان إلى إيران بشكل ملحوظ عبر الحدود، ما شكّل عبئاً كبيراً عليها، لذا فهي تسعي إلى مواجهة هذا التدفق، وتحديداً منذ العام الماضي وبدأت بطرد أعداداً كبيرة من اللاجئين الأفغان. وشيّدت جداراً على الحدود، ما أدي إلي توتر العلاقات بين البلدين. كما سبق وأن شهدت الحدود المشتركة بينهما اشتباكات متفرقة نتيجة حول رسم الحدود والإجراءات العسكرية من كلا الجانبين.

وأثناء هذه الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني في كابول، قام نظيره الأفغاني بالدعوة إلي “تحسين معاملة الأفغان في إيران”، حيث يقولون إنهم يتعرضون لمضايقات ويعانون الترحيل القسري والإساءة من قبل السلطات. لذا أكد وزير الخارجية الإيراني أن “بلاده ترحّل بطريقة محترمة الأشخاص الموجودين على أراضيها بشكل غير نظامي”. ويُذكر أنه يعيش في إيران أكثر من ستة ملايين لاجئ أفغاني، وفق الأرقام التي قدمها السفير الإيراني أمير سعيد إيرواني إلى الأمم المتحدة في ديسمبر الماضي.

وختاماً، لا شك أن مساعي إيران لحلحة الملفات الخلافية مع أفغانستان هذه المرة، تبدو مساعي جادة وذات أبعاد هامة، لسياستها في المنطقة، خاصة كما ذكرنا في ظل العديد من المستجدات، وكذلك مع سياسة الرئيس الإصلاحي الجديد وتحركات حكومته، وتراجع دور الحرس الثوري عن المشهد كالمعتاد لا سيما في الملفات الإقليمية.

 

 

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى