حدود استفادة جماعة الحوثي من الحرب الإسرائيلية على غزة

عبد الرحمن سعد الدين-باحث مساعد
بينما تقترب الحرب على قطاع غزة من دخول عامها الثاني، تشهد الأحداث تطورًا ملحوظًا؛ نتيجة لاتساع رقعة الصراع ودخول أطراف جديدة قد تغير من خارطة الأزمة ككل. ودخلت جماعة الحوثي على خط ضرب السفن الإسرائيلية، تطورت فيما بعد لتصل إلى شن هجمات عسكرية على السفن المتجهة للكيان عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر. وأكد الحوثيون من قبل أن التعدي على السفن المتجهة لإسرائيل لن يتوقف إلا بانتهاء العدوان على غزة وتوقف الحرب. علاوة على ذلك، تحاول الجماعة اليمنية توجيه ضربات مباشرة في العمق الإسرائيلي، والتي فشلت أغلبها في الوصول للمواقع المستهدفة نتيجة لتصدي الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر.

تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى توضيح مكتسبات وأضرار الحوثيين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حتى الآن، إضافة إلى الإشارة لمستقبل الجماعة بعد الحرب من خلال عدة سيناريوهات.

مكتسبات الجماعة

(*) دعم الموقف الحوثي دوليًا: أدت الهجمات الأخيرة لجماعة الحوثي على الملاحة في البحر الأحمر، إلى سعي دول مثل روسيا والصين للتفاوض مع جماعة الحوثي بشكل مباشر، وذلك لمنع توجيه ضربات حوثية للسفن الروسية والصينية بخليج عدن. وفي المقابل، قد تقدم كل من الصين وروسيا دعمًا دبلوماسيًا لجماعة الحوثي بمجلس الأمن. وعلى الجانب الأخر، من الممكن أن تشهد الفترة القادمة تفاهمات أخرى ينتج عنها تسوية سياسية بين الحوثيين ودول أخري، والذي قد تؤدي بشكل أو بآخر إلى تعزيز الموقف الدولي لجماعة الحوثي ويدعم خطتها للاعتراف بها فيما بعد.

(*) التحول من تابع إلى شريك: طالما كان الحوثيون في حاجة إلى الدعم الإيراني؛ نظرًا للأزمة الداخلية في اليمن، إضافة إلى وجود أطراف دولية عدة ترفض سلطة الأمر الواقع التي فرضتها جماعة الحوثي على شمال البلاد. واستغل الحوثيون الهجمات الأخيرة لتحقيق مكاسب سياسية مختلفة، أهمها إظهار عدم التبعية لإيران وخصوصَا في ظل رغبة الدولة الإيرانية في التهدئة، والتي كانت واضحة في سلوك الفاعلين من غير الدول، المدعومين من إيران في العراق وسوريا.

(*) تغيير الصورة الذهنية للجماعة: كان العدوان الإسرائيلي على غزة فرصة مثالية لجماعة الحوثي؛ لاستعادة الدعم الداخلي والخارجي بعدما كان في أدنى مستوياته، نتيجة للحرب الأهلية الدائرة حتى الآن. وظهر التحول الكبير في الداخل اليمني من خلال المظاهرات الحاشدة الداعمة لفلسطين والمطالبة بالدفاع عن حقوق مواطنيها، والتي جاءت نتيجة لطلب جماعة الحوثي. وعلى الجانب الأخر، استغل الحوثيون العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لتغيير الصورة الذهنية عند المواطن العربي عن جماعة “أنصار الله”، حيث سعت الجماعة إلى إلحاق خسائر اقتصادية فادحة بإسرائيل عن طريق قطع الطريق على السفن البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر، والذي أدى بدوره إلى اعتبارها جماعة مقاومة تسعى لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على الأراضي الفلسطينية من قبل البعض.

خسائر محتملة

وبناء على ما سبق ذكره، تجدر الإشارة إلى أن الحرب الحالية على قطاع غزة ليس لها فقط نتائج إيجابية على جماعة الحوثي، وإنما أيضًا سلبية، وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:

(&) تضرر قدرات الجماعة: أدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ودخول جماعة الحوثي بشكل مباشر عن طريق قطع الملاحة في البحر الأحمر إلى توجيه ضربات إسرائيلية لميناء الحديدة بالعاصمة صنعاء، والذي نتج عنه خسائر فادحة، حيث قتل 9 أشخاص وأصيب 83 في الهجوم الإسرائيلي على الميناء. علاوة على ذلك، بلغت الخسائر المادية دون احتساب الخسائر النفطية حوالي 20 مليون دولار، والذي ألحق بدوره خسائر كبيرة على جماعة الحوثي.

(&) دفع الولايات المتحدة للدخول في الحرب: قد يؤدي توسع رقعة الحرب، التي تدور على عدة جبهات إلى دخول الولايات المتحدة الأمريكية فيها بشكل مباشر فيما بعد؛ لحماية مصالح الحليف الأقرب لأمريكا في الشرق الأوسط وهي إسرائيل، والذي بدوره قد يقلب طاولة الصراع بين ليلة وضحاها، مما يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الشرق الأوسط ككل.

الحوثيين في اليوم التالي 

في ضوء الأزمة الحالية، التي تعصف باليمن بكافة طوائفها يمكن أن تبرز مجموعة من السيناريوهات التي تساهم في عملية التنبؤ بمستقبل جماعة الحوثي، وهي على النحو التالي:

(#) بقاء الوضع كما هو عليه: يأتي ذلك نتيجة لتعقد الصراع في اليمن بشكل كبير، إضافة لرفض جميع الأطراف وخصوصًا جماعة الحوثي أي نوع من التنازل بغرض الوصول إلى تسوية تساهم في حل الأزمة بين كافة الأطراف. علاوة على ذلك، توجد مجموعة من الأزمات الإقليمية على رأسها العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، والتي تستحوذ على انتباه جميع دول الشرق الأوسط على وجه الخصوص، مما يؤدي بدوره إلى تشتيت الانتباه عن الأزمة اليمنية ومحاولات إيجاد حلول فعالة للوصول إلى التسوية.

(#) حلحلة الأزمة وإيجاد تسوية: يعتمد ذلك بشكل كبير على مدى قوة أطراف الصراع في اليمن، إضافة إلى الأطراف الداعمة لها إقليميًا. وقد تضطر جماعة الحوثي إلى قبول التسوية نتيجة لنقص الدعم الخارجي الذي يساهم في الحفاظ على مكتسبات الجماعة، في حال استهلاك قدراتها في الحرب غير المباشرة مع إسرائيل كجزء من جبهة الإسناد.

(#) حل عسكري شامل: يعتمد ذلك بشكل كبير على قدرة الحكومة الشرعية أو الحوثيين على فرض الأمر الواقع، ويعتمد ذلك السيناريو على مدى تطور قدرات الحوثيين، ومدى فاعلية الجهات الداعمة لها في الشرق الأوسط في تعزيز قدرات الجماعة خلال الفترة القادمة. وقد تكون الحرب الحالية على قطاع غزة فرصة مناسبة لجماعة الحوثي لتطوير قدراتها العسكرية واختبار وتطوير صناعة المسيرات على وجه الخصوص، والذي قد يؤدي بدوره إلى اتخاذ قرار الحل العسكري الشامل فيما بعد للسيطرة على مساحات أوسع في الأراضي اليمنية.

وإجمالًا؛ في ضوء الظروف الحالية، من المرجح ان يبقى الوضع في الأراضي اليمنية على ما هو عليه؛ نتيجة لتعدد أطراف الصراع ووجود مجموعة من المشاكل الإقليمية، التي تساهم في تشتيت الانتباه عن الأزمة الداخلية في اليمن، حتى إشعار آخر ينبئ بوجود بوادر تسوية ممكنة لحل الأزمة فيما بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى