تدابير متشابكة: ما تأثير حوكمة المناخ على إدارة النظام البيئي؟

فوزية صبري- باحث مشارك

يختلف ترتيب القضايا المناخية من دولة إلى أخرى رغم تصاعد تداعيات التغيرات المناخية على كل من الدول المتقدمة والنامية خلال القرن الحالي وفي مختلف المجالات (أمنية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية،….) على  نحو غير مسبوق؛ لذلك أصبح العالم في حاجة ملحة إلى تكاتف الجهود على مختلف المستويات للعمل على حوكمة المناخ؛ لذلك سوف نتناول مفهوم الحوكمة المناخية وتطورها وتحدياتها والتأثيرات على صنع القرار المناخي.

تطور مفهوم حوكمة المناخ:

يشير المفهوم إلى “نوع من الدبلوماسية والآليات والتدابير اللازمة تقوم بها الحكومات المحلية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية وقطاع الأعمال والمجتمع المدني للحد من تداعيات التغيرات المناخية على الأنظمة الاجتماعية (من خلال المنع أو التخفيف أو التكيف).

يمكن إرجاع بداية حوكمة المناخ إلى أوائل السبعينات وبالتحديد خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بالبيئة في ستوكهولم عام ١٩٧٢ بحضور اثنين من رؤساء الدول و113 مندوبًا؛ وترتب عليه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة “يونيب”، وتوقيع العديد من البروتوكولات البيئية يأتي على رأسها “بروتوكول مونتريال” عام 1987ولقد صدقت عليه جميع دول العالم تقريبًا؛ ونتج عنه القضاء على ٩٨٪ من المواد المستنفذة لطبقة الأوزون، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992.

وصدق على الاتفاقية الإطارية ١٩٧ دولة وهدفت للتقليل  إلى أقصى حد ممكن  آثار تغير المناخ؛ والذي ترتب عليه أول تطبيق عملي وملزم لها والمتمثل في اعتماد  برتوكول “كيوتو” في اليابان عام 1997والذي دخل حيز التنفيذ عام 2005 وألزم الدول المصدقة عليه بتخفيض انبعاث الغازات الناتجة عن عملية التصنيع بنسبة 5% من مستواها المسجل عام ١٩٩٠. وفي ديسمبر ٢٠١٥ تم اعتماد “اتفاقية باريس للمناخ” ووقعت عليها ١٩٥ دولة، ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر ٢٠١٦ وقد استهدفت تحديث وتعزيز الالتزامات الواردة ببروتوكول كيوتو الذي رأته الدول المتقدمة على أنه غير عادل ومدمر لاقتصادها، وعليه نستنتج زيادة الوعى العالمي تجاه القضايا المناخية.

تحديات حوكمة المناخ:

تسعى الدول المتقدمة والنامية على السواء لمكافحة الآثار السلبية للتغيرات المناخية ولكن يعترض طريقها العديد من العقبات وتتنوع هذه العقبات بين ما هو سياسي واقتصادي وأمني، على النحو التالي:

أولًا: التحديات السياسية:

(*) ضعف قدرات مؤسسات الدول: تعاني العديد من المؤسسات الوطنية من العجز في صياغة سياسات واستراتيجيات وطنية واضحة ودقيقة لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية بالرغم من إشارتها في خطابات سياسية على تبني استراتيجيات فعالة ودقيقة من أجل حوكمة المناخ، بالإضافة إلى معاناة البعض من سوء البنية التحتية فيها.[7]

(*) “الغسل الأخضر”: تدعى بعض الدول أنها تسعى إلى حوكمة المناخ وتعرض على الدول الأخرى استراتيجيات وسياسات فعالة ومثالية من أجل تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، وبالرغم من ذلك لا تلتزم بتلك الاستراتيجيات والسياسات،[8]وعلى سبيل المثال وليس الحصر إعلان الصين تقليل انبعاثات الكربون إلى أقصى حد ممكن بحلول ٢٠٣٠ وتحقيق الحياد الكربوني بحلول ٢٠٦٠ وبالرغم من ذلك لا تزال الصين الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين التي يزيد استهلاكها  من الفحم بشكل ملحوظ، خلافًا لأهدافها الطموحة لإنتاج الطاقة المتجددة.[9]

(*) اختلاف الآراء حول مستقبل الوقود الأحفوري: حيث انقسمت آراء الدول بين التخلص التام من الوقود الأحفوري و بين التخلص التدريجي حتى الوصول إلى التخلص منه في المستقبل.[10]

ثانيًا تحديات اقتصادية:

(&) ضعف الدعم المالي: تعد الموارد المالية من أهم آليات مكافحة تداعيات التغيرات المناخية، ولكن نقص هذه الموارد يمثل عقبة كبرى أمام حوكمة المناخ، حيث يحتاج  تمويل التكيف مع تبعات تغير المناخ ما بين١٤٠ إلى ٣٠٠ مليار دولار بحلول عام٢٠٣٠[11]. كما تعد الفجوة التمويلية في مجالي التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه كبيرة في الأسواق الصاعدة، ومن المتوقع أن تتراوح بين 1.7 و3.4 تريليونات دولار سنويًا بحلول عام 2030[12]. ويأتي هذا في ظل تعافي اقتصاديات الدول من تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وبالرغم من إسهام 1٠ دول وتكتلات على الترتيب (الصين، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الهند، روسيا، اليابان، إندونيسيا، كندا، إيران) بنسبة٦٨٪ من الانبعاثات العالمية إلا أن  الدول المتقدمة لم تف بوعودها لتقديم 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية منذ عام ٢٠٠٩، حيث أنه في عام ٢٠٢٠ قدمت الدول المتقدمة ٨٣ دولار إلى الدول النامية، مما ترتب عليه تزايد الآثار السلبية لتغير المناخ.[13]

(&) نقص الموارد الطبيعية: يمثل نقص الموارد الطبيعية أحد تحديات حوكمة  المناخ خاصة في الدول التي تعاني من عجز في مواردها الطبيعية كالمياه، حيث سيتراجع اهتمام هذه الدول بقضايا المناخ وسوف يقع على رأس أولوياتها تأمين مواردها المائية، على سبيل المثال وليس الحصر يواجه الأردن عجزًا في مياها، ووفقًا للناطق باسم وزارة الري الأردنية عمر سلامة تبلغ حاجة الأردن من المياه سنويًا مليار وأربعمائة مليون متر مكعب يتوفر منها ٩٥٠ مليون متر مكعب، ويأتي هذا العجز في ظل رفض الأردن إمداد إسرائيل بالطاقة الشمسية مقابل المياه كرد فعل على الحرب في غزة، وهنا يجب الإشارة إلى أن إسرائيل رفضت طلب الاردن بتمديد اتفاقية المياه لمدة ٥ سنوات واكتفت بمدها حتى نوفمبر القادم فقط؛[14]وعليه سوف يبذل الأردن جهوده الحثيثة لتوفير المياه في مقابل تراجع جهوده نحو حوكمة المناخ.

ثالثًا: التحديات الأمنية:

(*) الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية والدولية: تسهم المؤسسات العسكرية والجيوش في زيادة البصمة الكربونية؛ بسبب اعتمادها على الوقود الاحفوري ووفقًا لتقرير صادر عام 2022 عن منظمة علماء من أجل المسؤولية العالمية، ومرصد الصراعات والبيئة، فإن البصمة الكربونية العسكرية تقدر بنحو 5.5% من الانبعاثات العالمية، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الحيوية والمساحات الخضراء على نحو ما يحدث في الحرب الروسية الأوكرانية الآن.[15]

(*) تمدد التنظيمات الإرهابية: حيث تعمل الجماعات الإرهابية على زعزعة الاستقرار وهشاشة النظم السياسية وتدمير بعض مرافق البنية التحتية مما يؤدي إلى انشغال القيادات السياسية بها وإهمال حوكمة المناخ على نحو ما يحدث في منطقة الساحل والصحراء.[16]

التأثيرات على صنع القرار المناخي:

تعد عملية صنع القرار المناخي من أهم خطوات حوكمة المناخ وتتأثر هذه العملية بشفافية المعلومات وحرية تداولها بين الأطراف المحلية والدولية المعنية بمكافحة تداعيات التغيرات المناخية، حيث سيتيح لها ذلك صياغة استراتيجيات دقيقة وواقعية وتمكن الأطراف القائمة عليها من معرفة مسئولياتهم وممارسة أدوارهم بدقة، بالإضافة إلى وجود نظم تكنولوجية قادرة على رصد تلك التأثيرات المناخية بدقة والتنبؤ بمستقبلها وعلاوة على ذلك وجود بنية تحتية قوية قادرة على مواجهة النتائج السلبية للتغيرات المناخية.[17]

وختامًا؛ يمكن إرجاع تصاعد الاهتمام بالحوكمة المناخية إلى اتفاقية باريس٢٠١٦ بالإضافة إلى أنها لا تقتصر على حكومات الدول فقط وإنما يشارك فيها المنظمات سواء كانت دولية أوغير حكومية والمجتمع المدني الذين قد يتمكنوا بفضل تكاتف جهودهم من تحقيق الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة.

توصيات:

  • العمل على توحيد مواقف الدول بشأن طرق التخلص من مصادر تلوث المناخ وبالتحديد الوقود الأحفوري (النفط، الغاز، الفحم).
  • إطلاق حملات توعية فعالة مباشرة وغير مباشرة (عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي) حول مخاطر التغيرات المناخية.
  • تبادل المعلومات والخبرات الفنية المناخية على مختلف المستويات (محلي، إقليمي، عالمي).
  • العمل على توفير بنية تحتية حيوية جيدة قادرة على مواجهة تداعيات التغيرات المناخية.
  • قيام الدول بمحاولات حثيثة لتحقيق التوازن بين توفير الموارد الطبيعية اللازمة لسد احتياجاتها وحوكمة المناخ.
  • بذل محاولات فعالة لإقناع الدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها تجاه الدول النامية.

—————————————————————————

[1] رغدة البهي، المناخ بين الدبلوماسية والحكومة تجارب دولية، مجلة آفاق استراتيجية،العدد٦، ) اغسطس ٢٠٢٢)، ص ١١٠،١٠٩.

[2] Toolkit for young climate activists in the middle East and North Africa Region/Arab states Region, VOLUME III: What is climate governance, unicef, p.9, accessed on 19/9/2024, available at: https://is.gd/yNwGni

[3]ورد في: مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بالبيئة البشرية، 5 – 6 يونيو 1972، الأمم المتحدة،تاريخ الدخول ١٩/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/x3BsYv

[4] سكة السلامة”: قصة معاهدة “كيوتو” للتغير المناخي.. “اللعب مع الكبار” وحلم بمستقبل بلا تلوث، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية،تاريخالنشر١٨/٨/٢٠٢٢، تاريخ الدخول ١٩/٨/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي:

https://is.gd/oQ6V3d

[5]أحمد قنديل، الاتفاقيات العالمية لمواجهة التغير المناخي وحدود فعاليتها، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية،تاريخ النشر١٩/١٠/٢٠٢٢، تاريخ الدخول١٩/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي:https://is.gd/tF4WV4

[6]عمليّات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة،تاريخ الدخول 20/9/2024، متاح على الرابط التالي:  https://is.gd/15XmsQ

[7]إيمان عارف، في قضايا المناخ بروتوكول «كيوتو» كلمة البداية، الأهرام،. نشر في ٢/١١/٢٠٢٢، تاريخ الدخول ٢٠/٩/٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/prHQsu

[8]Encyclopaedia Britannica, Paris AgreementInternational treaty2015, Britannica, 13/9/2024, accessed on 20/972024, available at:https://is.gd/RPvkdg

[9]تغيُّر المناخ.. تحديات تواجه الدول في سبيل مجابهة آثاره، مركز المستقبل للدراسات والأبحاث، نشر في ٨/١٢/٢٠٢٣، شوهد في ٢٠/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/4Aot1C

[10]الغسل الأخضر.. عقبة خطيرة أمام مكافحة تغير المناخ، سكاي نيوز، نشر في ٦/٩/٢٠٢٢، شوهد في ٢٠/٩/٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/7GdPr5

[11] حازم محظوظ، أزمة التغير المناخي وتأثيرها على الدول النامية، الملف المصري، العدد٩٩، مركز الأهرام للدراسات السياسية  والاستراتيجية (نوفمبر٢٠٢٢)، ص٣١.

[12]أحمد قنديل، مستقبل الأحفوري.. بين الاستدامة وأمن الطاقة، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، نشر في ١٣/٨/٢٠٢٤، شوهد في ٢١/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/BcJm4l

[13]سالي عاشور، تمويل المناخ: الموارد المالية والاستثمارات لمواجهة التغيرات المناخية، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ٢٢/١١/٢٠٢٢،  شوهد في ٢٠/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي:

https://is.gd/gMugGH

[14]ويل بيلو، أنشطة مكافحة تغير المناخ: أسباب أهمية المؤسسات المالية،مؤسسة التمويل الدولية، تاريخ الدخول ٢٠/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/4JREio

[15] حازم محظوظ، مرجع سبق ذكره، ص٣١.

[16] شهد أحمد، إشكالية تمويل المناخ الناجم عن الفقر في الدول المتضررة،مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تاريخ النشر١٩/١٠/٢٠٢٤، تاريخ الدخول ٢٠/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/dKNmrs

[17] تقرير تأثيرات التغيرات المناخية المحتملة على السكان في ظل المنطقة العربية، المجلس القومي للسكان، ديسمبر٢٠٢١، ص١٨،١٧،١٦،١٥

[18] ما الخيارات المتاحة إلى الأردن في ظل واقعة المائي، بي بي سي نيوز، تاريخ النشر٧/١٢/٢٠٢٣، تاريخ الدخول ٢٠/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/ZQAHud

[19] إسرائيل تعاقب الأردن بـ«المياه» لمواقفه من حربها على غزة، الشرق الأوسط، نشر في ١٦مايو٢٠٢٤، شوهد في ٢٠/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/W7JXRS

[20]محمود قاسم، فقدان التكيف: التأثيرات المتبادلة بين الصراعات المسلحة وأزمة المناخ، مركز المستقبل للدراسات والأبحاث،نشر في ١٤/١٢/٢٠٢٣، شوهد في٢٠/٩/٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/W3bnWI

[21]تهديدات متعددة.. تأثير التغير المناخي على جغرافيا الإرهاب في الساحل والصحراء، القاهرة الإخبارية، نشر في ٢٨/١٠/٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/ovLcH7

[22] ورد في: شفافية المعلومات وحرية تداولها كآلية لمواجهة التغيرات المناخية، مناخ،نشر في١٨/٦/٢٠٢٣، شوهد في ٢١/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://is.gd/9gdlyq

[23] فريدة بنداري،محاولات إفريقية لتعزيز المعلومات المناخية: عرض كتاب “مخاطر المناخ في أفريقيا التكيف والمرونة”، الأفارقة للدراسات والاستشارات، نشر في١٢/١/٢٠٢٣، شُوهد في ٢١/٩/٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/QjAQIN

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى