الأمن القومي العربي
لقد تناولت كثير من البيانات العربية والصحف في مختلف الدول العربية منذ أكثر من ثلاثين عاما مصطلحا جديدا على الساحة العربية السياسية، وهو ما يعرف باسم الأمن القومي العربي، ولا أعلم ماذا يعني هذا الشعار، وعلى أي أساس استندت تلك المقولة، وما هي المقومات الموضوعية التي يمكن أن يؤسس عليها مفهوم الأمن القومي العربي، وفي رأيي المتواضع وحسب فهمي المحدود هو ما تعنيه قضية الأمن لأية مجموعة من الأقوام ومن الدول بالرغم من اختلاف توجهاتهم أو دياناتهم أو لغاتهم، أن هناك مصلحة معينة مدركين أهميتها وآثارها على مجتمعاتهم سواء كان ذلك من الناحية السياسية أو الاقتصادية ويستشعرون بما يمكن أن يهدد تلك المصالح ويعلمون مدى الآثار السلبية على شعوبهم فيما لو تأثرت تلك المصلحة المشتركة والأخطار التي تترتب عليها في كافة المجالات الحياتية، عندئذ يتجهون جميعا برؤية واحدة وعقيدة مشتركة للبحث عن منظومة أمنية يهيئون لها كافة الإمكانيات المتاحة لدى كل منهم ويوفرون لها المناخ المناسب ويجمعون كل القدرات المادية لبناء منظومة أمنية وفق استراتيجية واحدة تحمي أمن الجميع دون استثناء، حيث أن رابط المصلحة المشتركة يفرض على تلك المنظومة العمل نحو حماية أمن دول المنظومة لما وصلوا إليه من قناعة موضوعية بأن انهيار أي منها يهدد البقية ويتمثل ذلك بكل الوضوح في منظومة الحلف الأطلسي، حيث لا ينتمي عضو فيه للآخر سواء من حيث اللغة أو الثقافة أو التاريخ المشترك، بل ارتبطوا بمصلحة الأمن المشترك بالإضافة إلى تحقيق مصالح اقتصادية مشتركة تستفيد منها شعوبهم وينتج عنها تكتل اقتصادي قادر على مواجهة العولمة.
وأنني أتساءل هل هذه الصورة بكل أبعادها ووضوحها والتزاماتها موجودة على الساحة العربية؟! .. أريد هنا قبل أن أبدأ في الإجابة على السؤال أن أترك الأحداث تجيب، فهي أكثر قدرة على تأكيد الصورة لأنها أحداث مادية حدثت في زمن معين لا يمكن تزويره أو تبديله وعلى سبيل المثال:
أولا: في أعقاب الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 – 1937)، والتي توقفت اثر النداء الذي وجهه إلى عرب فلسطين، ملوك ورؤساء ست دول عربية هي: مصر وسوريا والعراق والسعودية واليمن ولبنان، يطلبون فيه وقف العمليات العسكرية، معتمدين على النوايا الحسنة للدولة المنتدبة (بريطانيا) – انعقد في (بلودان – سوريا) في شهر أغسطس 1937، أول مؤتمر عربي رفيع المستوى لاتخاذ القرارات الواجب اتخاذها للمحافظة على حقوق عرب فلسطين، وحمايتهم من الأطماع الصهيونية التي كانت تحظى بالدعم الكامل من قبل دولة الانتداب، وإنني اعتبر نداء الدول العربية والطلب من الثورة الفلسطينية وقف العمليات العسكرية ضد القوة الغازية، هو بداية غياب الرؤية المميزة لطبيعة الأخطار التي تهدد الأمة العربية وبداية للعد التنازلي لمتطلبات الوعود الغربية لما يحقق مصلحة إسرائيل، فأين كان الأمن القومي العربي؟ لو كان هناك إدراك ووعي من القيادات العربية لخطورة تمدد السرطان الإسرائيلي لاتخذ الجميع خطوات جدية من منطلق الأمن العربي بدعم الثورة الفلسطينية بالعدة والعتاد ولكن للأسف لم يحدث، وما حدث على العكس طلبوا منهم وقف العمليات العسكرية تماما كما يطلبون اليوم من الانتفاضة بأن تتوقف عن العنف، حتى يبدأ حوار السلام بالرغم من مرور أكثر من ستين عاما على مؤتمر بلودان وكأننا لم نتعلم دروس الماضي ولم تمر علينا أحداث وصمت العرب بالانهزامية والاستسلام، وأطلقت إسرائيل مصطلح العنف على الانتفاضة لصرف الأنظار عن جرائمها التي ترتكب كل يوم ضد العزل الأبرياء، وتتبنى أجهزة العالم كله ذلك المصطلح بما فيه أجهزة الإعلام في العالم العربي تردد كالببغاوات مالا يتفق مع منطق ولا عقل ولا فكر، جرائم حرب وأعمال وحشية تتعارض مع أبسط القوانين الدولية، وما يسمى بحقوق الإنسان حيث تستتر إسرائيل بجرائمها خلف تلك الصورة ليصبح القاتل هو المقتول والقتيل هو المجرم، منطق معكوس يؤيده موقف عربي مهزوم.
ثانيا: أين كان الأمن القومي العربي عندما قامت ثلاث دول بعدوانها على جمهورية مصر العربية تتزعمها بريطانيا وتساندها فرنسا وإسرائيل حينما اسـتباحت الأجـواء المصـرية وأسـقطت عشرات الآلاف مـن القنابل لتخلف وراءها آلاف الضحايا، علمـا بأن بعض الطائرات الحربية كانت تنطلق من بعض القواعد العربية وتركت مصر وحدها تواجه ببسالة شعبها قوى البغي والعدوان وانتصرت إرادة الشعب وانكفأت بريطانيا العظمى داخل حدودها وانهارت إمبراطوريتها.
ثالثا: أصبحت مصر في الستينات بما تملكه من قدرات عسكرية تشكل تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل، عندها كالعادة وضعت إسرائيل كل الاحتمالات ومدى خطورة القوى العسكرية النامية على أمنها ومدى آثارها السلبية على توسعها حيث سعت إسرائيل مع حلفائها لإعداد ترتيبات معينة وتخطيط محكم لاستدراج مصر في مكان وزمان حددته إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في استدراج القوات المصرية في سيناء، حيث حدثت المذبحة في 5/يونيه/1967 كي لا تقوم قائمة لمصر وما تمثله من مركز الحركة والقوة للدول العربية، واتضح أن القيادة المصرية لم تكن قد اتخذت قرار الحرب واضعة القوات المصرية في صحراء سيناء دون حماية جوية كاملة ودون استعداد حقيقي للهجوم على إسرائيل ودون أن تدرك بأنها تعرض أمن مصر للخطر وأن الجيش المصري سيكون وحده في أتون النار وستتحمل مصر وحدها الآثار المدمرة للهزيمة ، واستغلت إسرائيل تلك الفرصة بأن تشن حربا مفاجأة بدأت بتجريد الجيش المصري من غطائه الجوي بتدمير طائراته عندما بدأ الهجوم الجوي الإسرائيلي الساعة التاسعة صباحا يوم 5/يونيو/1967، وأن يصبح الجيش المصري صيدا سهلا في صحراء سيناء يتساقط الآلاف دون أن تتاح لهم فرصة الدفاع عن النفس، ذلك ما حدث، فأين كانت الدول العربية، وماذا كان موقفها، لقد تباينت المواقف منها، موقف شامت وسعيد بما آلت إليه الأمور في مصر، ومنها المتعاطف الذي لا يملك من أمره شيئا ، ومنها الذي يتظاهر بالحزن والأسى، ونتج عن ذلك احتلال سيناء وتعطل الملاحة في قناة السويس ولم تدرك حينها الدول العربية أن أمن مصر من أمنها ، وأمن سوريا بعد احتلال الجولان، والأردن بعدما سقطت الضفة الغربية تحت سيطرة الصهاينة، وما سوف يترتب من نتائج سلبية ستؤثر عليهم، لم يكن ذلك المفهوم واردا بل لم يكن موجودا على الإطلاق فأين يكمن الأمن العربي في مثل تلك الأحداث.
رابعا: استطاعت مصر أن تعيد حشد قواتها وتعيد بناء قدراتها العسكرية بأسلوب علمي مدروس واتخذت قرار العبور، وكان الله معها فتحقق انتصار كالمعجزة، ولكن هل كانت الدول العربية تقف خلف مصر تدعمها بالمال والسلاح قبل بداية المعركة، كلا فقد حاربت مصر تساندها سوريا في معركة الشرف الذي أعاد للامة العربية بعضا من هيبتها، وتجاوب معها زعيم في أقصى الخليج وهو الشيخ/ زايد بن سلطان آل نهيان – رئيس دولة الامارات العربية المتحدة – الذي حتمت عليـه مروءته وشهامته أن يتخذ موقفا كان له تأثير مباشر في تغيير مجرى الأحداث ، وكان قرار وقف ضخ البترول ووقف إمداداته عن حلفاء إسرائيل، مرعبا وقويا له صوت الزلزال وما يمكن أن تؤول إليه حضارة الغرب في حال إذا ما طال أمد وقف ضخ البترول، وما يترتب على ذلك من تعطيل كثير من العناصر الأساسية والمؤسسات التي تعتمد على البترول ومنتجاته وما سينتج عن ذلك من فوضى وارتباك في أمريكا وأوربا، ذلك الموقف لم يكن وليد تخطيط مسبق ولكن رؤية بعيدة المدى بأهمية مصر وأن انتصارها سيشكل دعما قويا لدولة الامارات العربية المتحدة وللدول العربية كافة، ذلك هو الزعيم الوحيد في العالم العربي، الذي اعتبر أن أمن مصر هو من أمن دولة الامارات العربية المتحدة، ولذلك كان رد الفعل صادقا وقويا لم يحسب لأي كان اعتبارات خاصة إلا اعتبارا واحدا هو إيمانه وقناعته بأن مصر تشكل لديه رصيدا ضخما لمواجهة ما يخبؤه المستقبل، ودورا يمكن لها أن تقفه مع دولة الامارات إذا وقع المحظور، واستجابة لنداء شقيق وهو يعبر بنا طريق الأمل والنصر، ولم يكن الأمن العربي موجودا في تلك اللحظات غير موقف المروءة والشهامة التي يتجلى في أروع صفات الرجولة وفي المواقف الشجاعة، كان صوت زايد يهز بكل قوة الاقتصاد الدولي ليعيدوا حساباتهم وكان تأثيره على نتائج حرب أكتوبر مباشرا ومؤثرا في الضغط الأمريكي على إسرائيل لوقف إطلاق النار بعدما احتلت منطقة الدفرسوار في الضفة الغربية والحصار الذي حدث للجيش الثاني من قبل القوات الإسرائيلية.
خامسا: قامت إسرائيل بغزو لبنان سنة 1982 واستباحت سيادته وأرضه ودمرت وقتلت الآلاف وأهلكت الأخضر واليابس والجميع فاغر فاه يتفرج دون إحساس أو شعور بأن ما يحدث في لبنان يشكل خطرا على بقية الدول العربية، ولم يكن الوعي حاضرا ولم يكن الإدراك موجودا، فانفردت إسرائيل بشعب لبنان القليل العدد القوي بإيمانه قاوم الاحتلال بمفرده وانتصرت إرادة شعبه، فأين موقف الأمن القومي العربي؟ وما هي الخطوات العملية التي اتخذتها الدول العربية لمساندة لبنان في حربة ضد قوى العدوان، لا شيء غير التمنيات والبيانات تستنكر وتحتج وتترجى الأمم المتحدة على استحياء تطالبها بإدراج الغزو الإسرائيلي ضمن أجندتها للمناقشة، وكانت حينها أجهزة الإعلام العربية المرئية والمقروءة والمسموعة تتحدث عن الألعاب الأولمبية المقامة في أسبانيا وكأن أمر الغزو بعيد عن اهتمامهم فأين كان البعد الأمني للامة العربية وكيف لم يدرج الغزو الإسرائيلي في حسابه.
سادسا: حرب لبنان واقتتال أبنائه وما حدث فيه من تخريب ودمار ومجازر ارتكبها من لا ضمير لهم واستمرت المذبحة أكثر من عشر سنوات دون أن تقوم الدول العربية باتخاذ إجراءات حاسمة لوقف القتال، أين كان الأمن العربي، ما هي الإجراءات الحاسمة التي تم اتخاذها ليتم إطفاء نار الفتنة حتى لا تنتشر نيرانها وتأتي على الأخضر واليابس، لقد كانت الدول العربية ترى وتسمع ما يحدث في لبنان وما سيؤدي إلى انهيار النظام في لبنان وما سيترتب على ذلك من أخطار على لبنان، لم تكن الرؤية العربية مدركة بأن ما يهدد أمن لبنان يهدد بقية الدول العربية، ولذلك السبب لم يكن رد الفعل مساويا لأهمية لبنان بالنسبة لهم، وواجه الشعب اللبناني الكارثة بصبر واستسلام للقدر ولم يكن موضوع أمن لبنان يقلق القيادات العربية ولا تعيره شأنا هاما بحيث تتحرك بسرعة لإخماد نار الفتنة ولذلك غاب مفهوم الأمن القومي العربي عن الساحة.
سابعا: الحرب العراقية الإيرانية وما شكلته من استنزاف للقدرات العربية والإسلامية، أكثر من ثمان سنوات والدم العراقي ينزف والمال العربي يحترق في أتون المعركة، ولم يكن الأمن القومي العربي يهمه ماذا يحدث وضاعت قدرات اقتصادية وسالت دماء بريئة لمئات الآلاف، فأين كان الأمن العربي حينذاك، وكأن الجميع ينتظر من يفوز في ذلك الصراع فالمطلوب أن يجهز كل منهما على الآخر ليصفو الجو لإسرائيل تمرح وتسرح في الوطن العربي تفعل ما تريد.
ثامنا: كما تم التخطيط لاستدراج القوات المصرية في سيناء، تم بنفس الأسلوب دون وعي أو إدراك من القيادات العربية لتدارك ما يخبئه المستقبل من أخطار تهدد مصالح الأمة العربية مجتمعة حينما استدرج جيش العراق أثناء غزو الكويت، وكيف تم ترتيب أسبابه وتحدد مسبقا في المخطط الشيطاني للولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل هدف رئيسي يتحقق به تدمير القوة العسكرية العراقية وعلى الأخص القواعد الصاروخية التي يصل مداها إلى عمق إسرائيل وتم تدمير المفاعل الذري العراقي عام 1981، وما تمثله من أخطار أكيدة على إسرائيل وتؤثر على توازن القوى العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، فالمطلوب أن تبقى إسرائيل وحدها صاحبة القوة الوحيدة واليد الطولي لحماية مصالح المستعمر الجديد فأين الأمن القومي؟ وأين حركته التي كان يجب أن تلتف بسرعة قياسية في التدخل العاقل والحاسم في حسم المشكلة والضغط على العراق بكل القوة للانسحاب من الكويت جار وشقيق بل كما يبدو أن اتفق الجميع على أن تستمر فصول المسرحية ليستمتع الجميع بكل صور المأساة وآثارها المدمرة على الشعب العراقي واقتصاده وعلى فلسفة التضامن العربي الذي تشتت من جراء تلك المحنة التي ستتعاقب على المسرح العربي. فأين الأمن العربي من هذه الكارثة؟ وأين الرؤية والوعي المسؤول لاستشراف المستقبل وما يمكن أن تؤول إليه الأمور بما وصلت إليه الآن بأن يظل شعب العراق ينهار اقتصاده ويتساقط عشرات الآلاف من أطفاله وتستباح سيادته ويوضع تحت الوصاية، وكان ذلك الأمر لا يعني الدول العربية، ألم يتصور أي من الدول العربية بأن ما يحدث للعراق يمكن أن يحدث في مكان آخر وقد حدث فعلا حصار ظالم لشعب بأكمله في ليبيا دون أية مبررات قانونية أو أسباب منطقية، اللهم إلا استمرار ضرب القدرات العربية وتحطيم معنويات أبنائه حتى يستسلم ويرضخ ليقبل بكل املاءات إسرائيل، ألم تتصور الدول العربية طالما سمحت لقوى الهيمنة بوضع العراق تحت الوصاية الدولية، يمكن أن توضع أي دولة في العالم العربي تحت الوصاية وكما يقال (إذا سمح للذئب بدخول مزرعة الغنم سيأتي عليها واحدا تلو الآخر).
تاسعا: واختتم سرد الأحداث بالطامة الكبرى وما يحدث في فلسطين المغتصبة من سقوط الشهداء كل ما أشرقت شمس تنهمر دموع الأرامل حزنا على فراق عزيز، وكلما غربت تدك إسرائيل دون مقاومة بكل أسلحتها الثقيلة منازل الأبرياء دون وازع أو ضمير والعالم العربي يستمتع كل يوم بمشاهد قوافل الشهداء يحملها الآلاف إلى مثواها الأخير لا حول لهم ولا قوة والصمت العربي يترجمه الغرب بعدم المبالاة، طالما أن من يدعون بالأشقاء لا يأبهون بما يحدث غير اللهم بعض الاستنكار في حالة اجتماع القمم العربية، وإذا بنا نعيش في عصر يتحمل فيه الضحية مسئولية العنف ويبقى القاتل المدجج بالسلاح يبحث عن الأمن وتردد مقولته كل دول العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لوقف العنف الفلسطيني وتطالب الدول العربية بالضغط على أبناء القتيل لأنهم تسببوا في ذلك ويحملونهم المسئولية، انه منطق الظالم الذي لا يجد له من يقف أمامه، يقابله منطق الضعف والانهزام والإحباط الذي يعيشه المواطن العربي.
ومن هنا أتساءل.. ماذا يعني مصطلح الأمن القومي العربي؟ .. هل ندرك معناه؟ .. وهل نعرف متطلباته؟.. هل نحن فعلا أمة واحدة تربطنا مصالح واضحة ومحددة؟.. هل نحن ندرك أن أي خطر يهدد أحدنا؟.. هو الخطر الذي يهدد الجميع؟.. هـل وظفنا قدراتنا الاقتصادية لخدمة مصالحنا المشتركة؟.. والتي بالتالي تتطلب إيجاد منظومة أمنية تدافع عن مصالحنا المشتركة وتحمي دولنا مما يهددنا من أخطار.. هل يكفي أننا نتحدث اللغة العربية فقط، سبيلا لتكتلنا، خمسون عاما أو أكثر لم تستطع لغتنا الجميلة أن تبعث فينا العزيمة والإرادة، بل حتى لغتنا العربية بدأت تترنح تحت وطأة حركة التغيير والتطور.
إن القيادات العربية اليوم مدعوة إلى التفكير بعمق وموضوعية ورؤية جديدة تميز بين الشعار والعمل .. رؤية تدرك بأن الزمن أغلى شيء في عمر الأمم ولابد من استغلال الوقت كي لا تفوت الفرصة ويقع المحظور، فدول العالم في سباق محموم وتنافس رهيب وصراع اقتصادي بدأ يأخذ أشكال تكتلات اقتصادية دولية وتكتلات شركات عالمية لتكون لها القدرة على المنافسة وعلى البقاء في تأمين الحد الأدنى لشعوبها من عناصر الحياة والمدنية، فأين الأمة العربية من ذلك ، ولديها كنوز وخيرات وثروات لم تستثمر وتوظف في خدمة أبناء الأمة العربية. ولذا فإن القيادات العربية يجب أن تدرك أن الأخطار تحيط بها من كل جانب وأن وقوع إحدى الدول العربية تحت سيطرة العدوان لا يعني بأن بقية الدول العربية ستكون في مأمن، وأن سياسة العولمة ستجر على شعوب الأمة العربية مآسي وكوارث إذا لم يتحدد مفهوم جديد وروابط عميقة لأهمية العلاقات العربية والتزام واضح بين الدول العربية لبناء قاعدة جديدة تؤسس عليها مفاهيم جديدة أساسها العلاقات الاقتصادية لربط مصالح الشعوب العربية لتصل عندئذ إلى الشعور بمسئولية الأمن المشترك من أجل البقاء، عندها ستدرك القيادات العربية أهمية إيجاد منظومة أمنية تحمي مصالحها مما يهددها من قوانين وإجراءات قد تصل بعض الأحيان إلى فرض وصاية على أهم ثرواتها وهو البترول حيث تستطيع القوة المتحكمة اقتصاديا في العالم أن تفرض أوامرها على الدول المنتجة للبترول سعرا محددا أو تفرض مقاطعة على الدول التي لا تنصاع لقرارات أمريكا، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على خطط التنمية وما يعقبها من مشاكل اجتماعية تؤثر على الجبهة الداخلية للدول العربية، لتكن وقفة يتم فيها تحكيم العقل والرؤية والحكمة لإعادة النظر في مسيرة التضامن العربي الذي أصبح مجرد شعار خال من أية أسس واليات تدعم التمنيات وتحول قرارات مؤتمرات القمة إلى إجراءات عملية يكون لها نتائج مؤثرة على سير الأحداث.
ولذا فإن الأمر أصبح من الخطورة بحيث يتطلب أن تقوم الجامعة العربية فورا بإعداد استراتيجية العمل العربي المشترك لوضع أسس علمية مدروسة تستوعب مطالب الجماهير العربية على امتداد الوطن العربي من مشرقة إلى مغربه التي أدركت بوعي لا تنقصه الرؤية بأن الأمن العربي هو القاعدة الأساسية الركيزة الأولى الذي يجب أن ينطلق على أساسها التضامن العربي وتحدد به أسلوب العلاقات العربية وهو السياج الوحيد الذي سيحمي مستقبل الدول العربية ويحفظ لها سيادتها ويحمي ثرواتها ويجعل دول العالم تحترم قراراتها، وان ما ذكرته آنفا من أحداث مأساوية مرت على الأمة العربية كان من أهم أسباب التردي والهزائم المتلاحقة هو عدم وضوح الرؤية في عقيدة تؤمن بها كل الأنظمة العربية بأن وحدة المصير يحتم على الدول العربية؟ لا ملجأ لامتنا إلا من خلال تشكيل منظومة أمنية تهيئ لها كل أسباب النجاح من تنظيم وإعداد وتنسيق لتستطيع حماية حقوق الأمة العربية ومواجهة التحديات.
ومن أجل الوصول إلى ذلك الهدف الاستراتيجي يتطلب ما يلي:
أولا: إعادة صياغة ميثاق الجامعة العربية بحيث يتضمن بكل الوضوح ما يلي:
(1) احترام خصوصيات كل دولة عربية فلكل منها طبيعة وثقافة وعادات على امتداد التاريخ يجري في عروق أبنائها جيلا بعد جيل.
(2) تلتزم الوسائل الإعلامية لكافة الدول العربية بميثاق شرف يستهدف عدم التعريض بأية دولة شقيقة بالنقد أو بالتشهير لأي سبب من الأسباب.
(3) تلتزم الدول العربية وتؤمن بعقيدة راسخة بأن أمن أي دولة عربية هو من أمنها وكل ما يهدد أي دولة شقيقة سواء كان حصارا أو أي عمل مادي يمس أمن أي دولة يعتبر مساسا بأمن الدول العربية جميعا.
(4) تكلف القيادات العربية أمين عام الجامعة العربية باتخاذ الإجراءات التالية فورا:
أ – دعوة وزارة الدفاع ورؤساء الأركان لإعداد استراتيجية لإنشاء حلف دفاعي يضع في اعتباره المسئولية الأولى عن حماية كل قطر عربي عندما يتعرض أي منه للتهديد على أن تعرض هذه الاستراتيجية في أول اجتماع قمة عربي لإقرارها واعتماد الآليات التنفيذية لها وتأمين الالتزامات المالية.
ب – تكليف وزراء الخارجية لتقييم العلاقات العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية على أساس مواقفها من مصالح الأمة العربية وكيفية وضع أسس مشتركة تجعل الولايات المتحدة تحترم إرادة الأمة العربية وحقوقها على أساس المعامـلة بالمثـل واتخاذ ما يتطلب من وسائل لبناء علاقة متوازنة تحترم كل الأطراف حقوق الطرف الآخر.
ج- دعوة وزراء الاقتصاد والمالية والنفط لإعداد خطة اقتصادية لبناء علاقة استراتيجية مع أوروبا وصولا بها إلى خلق شركات عملاقة مشتركة يتحقق بها مردود اقتصادي لصالح أوروبا والعالم العربي وأن العلاقات التاريخية بين العالم العربي وأوروبا وقربها الجغرافي من الوطن العربي يحتم علينا إعادة النظر في تعميق العلاقات الاقتصادية لتكون أوروبا الشريك الاستراتيجي للعالم العربي في القرن الواحد والعشرون.
د – إن انهيار الاتحاد السوفيتي ترتب عليه تأثير خطير في الموازين الدولية مما أدى إلى تحكم القطب الواحد ومن يتحكم في إدارته كالعدو الصهيوني الذي يرضع كل يوم من تعاليم التلمود ليوظف العالم كله في خدمة مصالحه وتحقيق أهدافه ولكم وقف الاتحاد السوفيتي مواقف تدعم الحق العربي وتساعده أيضا في تأمين احتياجاته من السلاح، فلقد كان الصديق عند الشدة واليوم فان روسيا الاتحادية تنظر بكل الترحاب إلى الاستثمارات العربية وما يمكن أن يؤدي تزاوج القدرات المالية العربية والإمكانيات العلمية في روسيا من تحقيق مصالح مشتركة كما تضيف للامة العربية رصيدا قويا يعينها في أوقات الضرورة.
تلك أمنيات وخواطر صادقة مخلصة علها تصل إلى عقول أذن الله لها أن تعي ما يخبئه لنا المستقبل وقلوب تستوعب مشاعر أبناء الشعب العربي وتتعايش معهم ودعائي للبارئ أن تدرك قيادات الأمة العربية بأن الزمن ليس في صالحنا وأن النوايا العدوانية المبيتة تم تنفيذها وفق مخططات تعتمد أساسا على التشتيت العربي وعلى صراع الدول العربية بين بعضها على أدوارها شبه إقليمية كانت أم دولية وقدرات مالية مكدسة في وول ستريت، في نيويورك أكبر مركز مالي عالمي للصهاينة، وقرارات عربية مضي عليها أكثر من خمسين عاما تنتظر التنفيذ، وكان الله في عون امتنا.