كيف تتحايل التنظيمات الإرهابية لجذب تبرعات باسم الزلزال؟
تحرك المجتمع الدولي بكل مكوناته الرسمية وغير الرسمية لنجدة ضحايا الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، وأسفر عن مقتل ما يزيد عن ٣٠ ألف شخص، وبلغ عدد المتضررين بشكل عام حوالي ٢٦ مليون شخص وفق ما أعلنته منظمة الصحة العالمية، مما دفع كل الأطراف الفاعلة في النظام الدولي سواء دول، أو منظمات، أو مؤسسات، أو أفراد بالإسراع لتقديم المساعدات لتخفيف حدة تلك الكارثة الإنسانية.
بناء على ما تقدم؛ أرسلت ملايين الدولارات من المساعدات المالية والعينية لمتضرري الزلزال في الدولتين من الجهات السابق الإشارة لها خلال الأسبوع الماضي، بما يسهم في إنقاذ أعداد كبيرة من المصابين وتعويض المتضررين بما يسهم بشكل كبير في تجاوز الأزمة الإنسانية. من مجمل ما سبق؛ المراقب للازمة السابق الإشارة لها وتداعياتها والتعامل معها، يستطيع تدوين ملاحظتين، هما:
(*) الأولى، تتمثل في تداول فيديوهات استغاثة، تُبث عبر مواقع التواصل من أفراد يدعون عدم وصول المساعدات بشكل كافي خاصة للشعب السوري، وتطلب التأكد على إيصال المساعدات عبر قنوات اتصال موثوق بها أو باليد مباشرة، مما يشير إلي أن بعض قنوات الاتصال ربما غير أمينة علي توصيل المساعدات الإنسانية لأصحاب الشأن.
(*) الملاحظة الثانية، تتمثل في تحذير صادر عن الأمم المتحدة من زيادة أنشطة الاحتيال عبر صفحات تبرع وهمية تنتشر عقب الكوارث الطبيعية، لما وجدته المنظمة من تنامي عدد الصفحات الوهمية التي تجمع تبرعات بالنصب، مستغلة تعاطف الجميع مع الكارثة الإنسانية، واللافت للانتباه غياب التحذير من استغلال بعض الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الداعمة والممولة للإرهاب للكارثة الإنسانية الحالية، التي تهدف إلى استغلال تبرعات الزلزال.
ترتيبا على ما تقدم، من ملاحظات نطرح الأسئلة التالية؛ ما مدي قدرة التنظيمات الإرهابية على الاستيلاء على أموال التبرعات، وآلية ذلك؟، وكيف تعمل الجهات التي أدينت من قبل كممولة للإرهاب في مجال العمل الخيري والمؤسسي؟
احتراف سرقة التبرعات:
بقراءة التاريخ الحديث، نجد أن الجماعات الإرهابية اعتادت واحترفت خداع الأشخاص الذين يسعون بحسن نية للتبرع للمحتاجين، خاصة وقت الأزمات والكوارث، بداية من استغلال جماعة الإخوان للقضية الفلسطينية وجمع التبرعات منذ عهد حسن البنا باسم القضية الفلسطينية عام ١٩٣٦ والاستيلاء عليها لصالح الجماعة، وفقا لشهادة محمود عبد الحليم مؤرخ الجماعة في كتاب “الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ”، ونفس الشهادة أكد عليها علي عشماوي أحد قادة التنظيم الخاص، خمسينيات القرن الماضي في كتاب “التاريخ السري للإخوان المسلمين”، حيث أكد عشماوي تكدس خزائن الإخوان بأموال التبرعات لإنقاذ الأقصى.
في ذات السياق؛ اتبعت الجماعة الإرهابية نفس النهج في فضيحة سرقة التبرعات التي كُشفت عام ٢٠١٩، ونفذها محمود حسين نائب المرشد، وواقعة سرقة أموال التبرعات من قبل قيادات الجماعة التي جمعت باسم “الجامعة العالمية للتجديد” التي كان يشرف عليها القرضاوي عام ٢٠١٥ وغيرها الكثير من الوقائع منذ حسن البنا إلي حينه.
بالإضافة إلى مئات الجمعيات التي أسست وتؤسس كل يوم للغرض نفسه، وهو جمع التبرعات والاستيلاء عليها مثل جمعية “وقف الأمة”، التي تجمع تبرعات باسم المسجد الأقصى، التى أسست لهذا الغرض، حيث سارعت الجمعية التي تعمل لصالح التنظيم، عقب الزلزال تفاعلًا واستغلالًا للأزمة الأخيرة، وقمت بفتح باب التبرع من خلال موقعها الالكتروني، وأطلقت الإعلانات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي للإلحاح على التبرع للضحايا، وأطلق بعض شيوخ الجماعة والشيوخ الذين يعملون في فلكها أمثال د. محمد الصغير ود. محمد سعيد حوي و د. محمد راتب النابلسي، الفتاوي بجواز تعجيل الزكاة لحث المسلمين في كل مكان للتبرع لضحايا الزلزال.
إضافة لما سبق؛ أطلقت أغلب المؤسسات الخيرية وشركات الصرافة التابعة للإخوان -التي تعمل كجزء أساسي من نشاطها لتمويل داعش والقاعدة- الإعلانات عبر صفحات التواصل بشكل مكثف خلال الأسبوع الماضي مثل جمعية “النجاة” الداعمة للتنظيمات الإرهابية بأفغانستان، وجمعية “الدعم والتضامن مع الفقراء” التي يقودها حسن سوسلو، هو أحد داعمي هيئة تحرير الشام، وجمعية “الحكمة والرحمة” المرتبطة بالقاعدة في اليمن، بالإضافة إلى تشجيع بعض شركات الصرافة علي التبرع مثل “الحرم” و”تواصل” و”الخالدي” و”العمقي”، وغيرهم المئات من الجمعيات والمؤسسات والشركات التي تعمل لصالح تمويل التنظيمات الإرهابية بشكل مباشر وغير مباشر.
فقد جمعت هذه الكيانات، وغيرها باسم الزلزال، مبالغ لا يمكن حصرها لكثرتها من جانب، وقدرتها الاحترافية في إقناع المتبرعين باسم الدين، فتشير بعض التقديرات الأولية إلى أن هذه الجماعات جمعت باسم ضحايا الزلزال أضعاف ما جمعته باسم إغاثة اللاجئين السوريين أو باسم إفطار المهجرين في رمضان أو غيرهم من المحتاجين، وبالتالي وفقا للمؤشرات المعلنة على مواقع وصفحات تلك الجمعيات، يمكن القول إن كارثة الزلزال من المرجح أن تكون مبالغ كبيرة، قد تستخدم في تدوير اقتصاديات الجماعات الإرهابية.
آلية رخوة:
علي الرغم من صدور قرارات حاكمة لعملية تهريب الأموال للتنظيمات الإرهابية، من جهات دولية ومحلية تدين أفراد ومؤسسات وشركات صرافة وجمعيات، وخضوع تلك الجهات بالفعل لعقوبات، إلا أن تلك الجهات مازالت تعمل بشكل طبيعي حتى تاريخه، مثل شركة الهرم للصرافة والخالدي للصرافة مقرهم تركيا وسوريا، حيث نشرت بعض التحقيقات التي أجرتها مؤسسات قانونية وأمنية في بعض الدول، على تحويل مبالغ قدرت بالملايين تدخل وتخرج من خلال عملاء بنوك بشكل غير مبرر لا يتوافق وطبيعة وحجم أعمالهم، كما تمرر الأموال من خلال شركات حديثة التأسيس لا يعلم علي وجه الدقة طبيعة نشاطها وتصل إلي الجماعات الإرهابية المختلفة تحت لافتة العمل الخيري، هذا بعيدا عن لجان التحفظ علي أموال التنظيمات الإرهابية في الدول المختلفة.
إضافة لما سبق؛ نجحت التنظيمات الإرهابية في حصد التبرعات من خلال تطبيقات إلكترونية، أصحابها من المتعاطفين والداعمين للتنظيمات الإرهابية أو من أشخاص عاديين حسني النية تحت مسميات مساعدات مختلفة، مما أسهم في بقاء وتزايد أعداد المواليين للجماعات المتطرفة خلال السنوات الفائتة، بل واستمرار نشاط التنظيمات الإرهابية رغم كثافة الضربات الأمنية دوليا ومحليا، ونفس النهج جُمعت به تبرعات باسم ضحايا الزلزال لا يعلم إلى أي جماعات إرهابية ستذهب. في ذات السياق؛ أسهم حصول عناصر تلك التنظيمات على بدل البطالة والإعانات الحكومية بمسمياتها المختلفة في أغلب الدول على استمرار نشاطهم، ففي الأغلب لا تتمكن الحكومات من غربلة عناصر التنظيمات بشكل كامل، فأغلبهم يعيشون في وسط المدنيين وربما يعملون في مؤسسات الحكومية ببعض الدول.
واقع مؤسف:
تقع المناطق التي حدث بها الآثار المدمرة للزلزال في نطاق سيطرة الجماعات الإرهابية سواء هيئة تحرير الشام أو تنظيم داعش في سوريا، بما يشير لعدم إمكانية وصول المساعدات الإنسانية عبر القنوات الشرعية دون الموافقة والسماح من قبل التنظيمات الإرهابية، بما يعني أن تلك التنظيمات ستتحكم وتستفيد بأغلب المساعدات التي ترسل سواء مادية أو عينية (غذاء-مواد طبية-ومواد إعاشة)، فقد سبق استيلاء داعش والقاعدة علي مواد غذائية خاصة باللاجئين وبيعها في السوق السوداء لصالح التنظيم، أما المواد الطبية والمستشفيات المتنقلة سيتم استغلالها لصالح عناصر مصابي داعش الذي صعد من عملياته داخل سوريا في الأشهر القليلة الأخيرة، فقد تمت آخر عملية في 12 فبراير 2022، وأسفرت عن مقتل ١٠ مدنيين وعسكري وقبلها فرار أعضاء من تنظيم داعش فور أحداث الزلزال، حيث تمكن ٢٠ عنصر من الفرار من سجن شمال غرب سوريا.
تأكيدا علي المخاوف السابقة؛ فقد استغل الجانب التركي الجمعيات الخيرية التي تعمل لصالح التنظيمات الإرهابية وحلفائها من قبل في بناء مستوطنات تركية علي طول الشريط الحدودي مع سوريا، بهدف إنشاء منطقة آمنة تخضع بشكل كامل لتركيا تحدث عنها الرئيس التركي من قبل في مناسبات عدة، فمن المرجح أن تكون عملية جمع تبرعات من خلال الوسائط غير الشرعية، تمثل فرصة جديدة للجانب التركي للسيطرة عليها لتنفيذ مطامع سياسية توسعية جديدة، في حين يغلق الجانب التركي المعابر الشرعية أمام المساعدات الإنسانية من الجهات الشرعية المانحة ولا تصل للضحايا المستحقين الحقيقيين.
بناءًا عليه؛ نشطت جمعيات وهيئات الإغاثة التركية الأسبوع الماضي في الإعلان لجمع التبرعات لضحايا الزلزال ودعا لذلك عناصر من جماعة الإخوان، التي من المؤكد أنها ستستفيد من تلك التدفقات المالية في ظل غياب أو تواطؤ الرقابة الرسمية داخل تركيا على الحسابات الخيرية. أخيرا؛ احتمالات استغلال التنظيمات الإرهابية بمسمياتها المختلفة للكارثة الإنسانية التي خلفها الزلزال المدمر شبه مؤكدة، فلن تفوت تلك الجماعات كما اعتادت الفرصة لملئ خزائنها لمواصلة التجنيد البشري أو الإرهاب العملياتي.