مبادرة حياة كريمة في ضوء اليوم العالمي للتضامن الإنساني
د. يسرا شعبان
مدرس القانون بكلية الحقوق – جامعة عين شمس
في إطار اليوم العالمي للتضامن أو التكافل الإنساني نلقي الضوء على أحد أهم تجارب التضامن أو التكافل الاجتماعي التي قدمتها الدولة المصرية في الآونة الأخيرة وتسعى لتصدير هذه التجربة لأفريقيا.
يُعرّف التضامن الدولي في إعلان الألفية، كما قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنه أحد القيم الأساسية للعلاقات الدولية في القرن 21، حيث يستحق الذين يعانون (ومن لم يستفيدون كثيرا من العولمة) المساعدة والعون ممن استفادوا كثيرا منها. وبناء على ذلك، يضحى تعزيز التضامن الدولي، في سياق العولمة وتحدي تزايد التفاوت، أمراً أساسياً، لا غنى عنه. ولذا أعلنت الجمعية العامة يوم 20 ديسمبر من كل عام، بوصفه اليوم الدولي للتضامن الإنساني، إيماناً منها بأن تعزيز ثقافة التضامن وروح المشاركة هو أمر ذو أهمية لمكافحة الفقر. وعزز المجتمع الدولي مفهوم التضامن، من خلال مبادرات من قبيل إنشاء صندوق تضامن عالمي للقضاء على الفقر.
ونذكر من أهداف التنمية المستدامة التي يحققها التضامن: الهدف الأول المعني بالقضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، حيث أن من أهم مقاصد هذا الهدف هو استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية ملائمة على الصعيد الوطني للجميع ووضع حدود دنيا لها، وتحقيق تغطية صحية واسعة للفقراء والضعفاء بحلول عام 2030.
يحقق التضامن أيضاً، الهدف الرابع المعني بضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع، وكذلك الهدف الحادي عشر المعني بجعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة وذلك بقصد ضمان حصول الجميع على مساكن وخدمات أساسية ملائمة وآمنة وميسورة التكلفة، ورفع مستوى الأحياء الفقيرة، بحلول عام 2030، من خلال دعم أقل البلدان نموا، بما في ذلك من خلال المساعدة المالية والتقنية، في إقامة المباني المستدامة والقادرة على الصمود باستخدام المواد المحلية.
نضيف إلى ذلك أن فكرة التضامن تكرس قيم ومبادئ أساسية، أهمها: العدالة. فالعدالة عكس الظلم والجور والتطرف. وتهدف العدالة إلى تحقيق الانصاف والمساواة والتوازن وعدم التعدي وحماية المصالح الفردية والعامة، وبالتالي العدالة هي مفهوم أخلاقي يقوم على الحق والأخلاق، والعقلانية، والقانون، والقانون الطبيعي والإنصاف.
وعلى المستوى المحلي، نرى أن المبادرة الرئاسية حياة كريمة، التي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2019، تعد نموذجاً واقعياً لفكرة التضامن أو التكافل كما قدمها المجتمع الدولي. لأن الرئاسة المصرية اعتبرت مشروع حياة كريمة مشروعاً قومياً.
يهدفُ إلى تحسين ظروف المعيشة والحياة اليومية للمواطن المصري، في إطار من التكامل وتوحيد الجهود بين مؤسسات الدولة الوطنية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني وشركاء التنمية في مصر. كما تهدف هذه المبادرة إلى تقديم حزمة متكاملة من الخدمات، التي تشملُ جوانبَ مختلفة صحية واجتماعية ومعيشية، وهي بمثابةِ مسؤولية ضخمة ستتشاركُ هذه الجهات المختلفة في شرفِ والتزامِ تقديمها إلى المواطن المصري، لا سيما من الفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا.
وتستهدف المبادرة بصفة أساسية: الأسر الأكثر احتياجًا في المجتمعات الريفية، كبار السن، ذوي الاحتياجات الخاصة، النساء المعيلات والمطلقات، الأيتام والأطفال، الشباب العاطل عن العمل، المتطوعين.
ولهذه المبادرة محاور عمل متعددة وهي: سكن كريم: رفع كفاءة المنازل، وبناء أسقف، وبناء مجمعات سكنية في القري الأكثر احتياجًا، ومد وصلات مياه وصرف صحي وغاز وكهرباء داخل المنازل
بنية تحتية: إنشاء مشروعات متناهية الصغر وتفعيل دور التعاونيات الإنتاجية في القرى
خدمات طبية: بناء مستشفيات ووحدات صحية وتجهيزها من معدات وتشغيلها بالكوادر الطبية
خدمات تعليمية: بناء ورفع كفاءة المدارس والحضانات وتجهيزها وتوفير الكوادر التعليمية وإنشاء فصول محو الأمية
تمكين اقتصادي: تدريب وتشغيل من خلال مشروعات متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر وإنشاء مجمعات صناعية وحرفية وتوفير فرص عمل.
تدخلات اجتماعية وتنمية إنسانية: تدخلات اجتماعية تشمل بناء وتأهيل الإنسان وتستهدف الأسرة والطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن ومبادرات توعوية.
تدخلات بيئية: جمع مخلفات القمامة مع بحث سبل تدويرها.
وعلى صعيد آخر، تسعى الدولة المصرية بالتعاون مع جهود الدول الأفريقية إلى تعميم تجربة مبادرة حياة كريمة. فخلال الكوب 27 Cop27 بشرم الشيخ أطلقت مصر المبادرة المصرية “حياة كريمة في إفريقيا”، بغرض تحسين نوعية الحياة لجميع سكان القارة الأفريقية الذين يعيشون في المناطق والمجتمعات الريفية. وكانت المناسبة، لتأكيد دور مصر في تعزيز تنفيذ أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس، ودعم جهود الدول الأفريقية لتنفيذ المساهمات المنوطة بهم، وذلك من خلال دمج العمل المناخي في التنمية الريفية المستدامة.
وبتحقيق أهداف هذه المبادرة في إفريقيا تكون قدمت مصر جزء من استحقاقها ومساهمتها في تنفيذ استراتيجية إفريقيا 2063.