هل تستغل إيران الفراغ الروسي بعد الانسحاب من سوريا؟

نورا فايد- باحثة ببرنامج دراسات الخليج العربي.
جاءت الزيارات الخارجية التي قام بها الرئيس السوري “بشار الأسد” مؤخرًا منذ الثورة السورية عام 2011، والتي استهلها بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة في مارس الماضي وبعد أشهر قليلة إلى الجمهورية الإيرانية؛ لتثير جدلًا على الصعيدين العربي والغربي، خاصة في ظل التطورات الأخيرة الواقعة على الساحة الدولية، كتوطيد الإمارات لعلاقتها مع إسرائيل، والصراع الروسي الأوكراني، ومساعى موسكو لتلقيص عدد جنودها في سوريا، وهو ما يترك الساحة فارغة أمام نظام الملالي، لاستغلال تلك الأحداث.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن إعلان موسكو تخفيض عدد جنودها في سوريا من 65 ألفاً إلى 10 آلاف جندي للمشاركة في الحرب الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير الماضي، سيدفع بطهران للعمل بجدية من أجل التغلغل والتمدد بشكل أكبر داخل الأراضي السورية، من خلال توطين نفسها كزاوية رئيسية للنفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري أيضًا في سوريا، وهذا بدعم ومباركة النظام السوري الحاكم والميليشات المتطرفة الموالية لإيران في سوريا وقوات الحرس الثوري الإيراني المتواجد أيضًا بسوريا.
وعليه، وفي التحركات الروسية الجديدة والدوافع الإيرانية، يمكن طرح عدة أسئلة، لعل أهمها: هل ستسمح إيران بعودة سوريا إلى المحيط العربي خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السوري إلى الإمارات؟، وهل تحل طهران مكان موسكو وتسيطر على دمشق بأكملها؟، وإذ وقع ذلك، فما هو رد فعل المجتمع العربي والدولي؟، هل سيسمح بالتغلغل الإيراني المتنامي في سوريا أم سيتصدي له؟.
ضوء أخضر إيراني:
للإجابة عن تلك التساؤلات، يمكن القول إن زيارة الرئيس السوري “بشار الأسد” في 8 مايو الجاري إلى العاصمة الإيرانية طهران ولقائه بالمرشد الإيراني الأعلى “علي خامنئي” والرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني “إسماعيل قآاني” وعدد من المسئولين الإيرانيين؛ تعد بمثابة ضوء أخضر على تنامي النفوذ الإيراني في سوريا، خاصة أن “الأسد” أشاد خلال تلك الزيارة بالدور الإيراني في عدد من القضايا الإقليمية بسوريا على مدار الأربعة عقود الماضية وكيف ساهمت طهران في ترسيخ الدور السوري في المنطقة والانتصار على الإرهاب، قائلًا، “إن العامل الذي منع إسرائيل من ترسيخ قوتها في المنطقة هو علاقة إيران وسوريا ومقاومتهما”.
ومن الجدير بالذكر، أن الزيارة الرئيس السوري إلى إيران هي الثانية له منذ اندلاع الثورة السورية، إذ كانت السابقة له عام 2019، وكان المنسق لها آنذاك قائد فيلق القدس السابق “قاسم سليماني” الذي اغتيل في غارة أمريكية في بغداد يناير 2020، كما أنها تأتي بعد شهرين فقط من زيارة “الأسد” إلى دولة الإمارات، وهي الزيارة الأولى له إلى دولة عربية منذ 2011، ولأن الرئيس السوري يعد حليف أساسي للنظام الإيراني، فإن زيارته إلى الإمارات لم تكن لتحدث بدون إذن وموافقة الولي الفقيه “خامنئي”.
ورغم ذلك، هناك تكنهات بأن زيارة “بشار الأسد” إلى الإمارات يمكن أن يكون لها مردود إيجابي متمثل في عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، وهو ما يعني تقليص النفوذ الإيراني في الأراضي السورية، وهذا ما لا يسمح بها نظام الملالي بشدة، ولذلك، فإن عدد من المصادر المطلعة كشفت أن زيارة “الأسد” إلى طهران جاءت بأمر من المرشد الأعلى الإيراني، خاصة بعد تلميح الرئيس السوري أن زيارته للإمارات كان الهدف منها إقناعه بالانسحاب من التحالف مع إيران والعودة إلى المحيط العربي.
ومن ناحية، كشفت مصادر أن الوالي الفقيه سمح للرئيس السوري بالتوجه إلى الإمارات في محاولة للحصول على مساعدة اقتصادية لإعادة إعمار بلاده التي تعاني من وضع اقتصادي ومالي متدهور جراء العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد، وذلك سيسهم في تخفيض الدعم المالي الذي تقدمه طهران لـ”الأسد”، إذ أنها تعاني هي الأخرى من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة خاصة منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو 2018، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران أدت لانهيار اقتصادها وعملتها المحلية بجانب تصاعد الاحتجاجات الشعبية داخل البلاد، لارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وفي هذا الإطار، حملت هذه الزيارة عدد من الرسائل، من أهمها، تأكيد “خامنئي” للمجتمع العربي والدولي أن سوريا ستظل تحت الرعاية الإيرانية وأن العلاقة بين البلدين قوية ولا يمكن أن تضعف، قائلًا في تصريحات له، ” العلاقة مع سوريا مصيرية ولا يجب أن ندعها تضعف بل يجب تعزيزها قدر الإمكان”، أما الرسالة الثانية، تتمثل في تلبية الرئيس السوري لدعوة رأس النظام الإيراني، للتأكيد على أن التحالف مع طهران سيظل قويًا وأن سوريا لن تنفصل عن إيران مهما حدث، فضلًا عن طلب “الأسد” من النظام الإيراني القيام بملئ الفراغ الروسي بعد تخفيض موسكو لعدد من جنودها في موسكو.
أهداف استراتيجية:
وفيما يخص سحب موسكو لعدد من قواتها في سوريا، تجدر الإشارة أن النظام الإيراني سيسعى لتحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية داخل الأراضي السورية خاصة أن طهران حاضرة بالفعل داخل سوريا منذ 2011، سواء بشكل ثقافي من خلال المراكز الثقافية الشيعية التي تقوم بنشر الفكر الإيراني الشيعي المتطرف داخل سوريا، أو سياسيًا من خلال دعم نظام الأسد بجميع الأدوات اللازمة لضمان تحقيق طهران لـ “امتدادها الشيعي” بالمنطقة وذلك بالسيطرة على سوريا وضمها إليها، فضلًا عن تواجد الميليشا العسكرية الموالية لنظام الملالي داخل سوريا والتي تقوم بمحاربة الأعداء الخارجين لطهران من خلال أراضي سوريا، تأسيساً على ما سبق يمكن تحديد مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في سوريا خلال الفترة المقبلة، كما يلي:
(&) تغلغل عسكري: ستستغل إيران الانشغال الروسي بالأزمة الأوكرانية وفرضت المجتمع الدولى عقوبات اقتصادية على عدد من الشركات الروسية، وستعيد ترتيب وجودها داخل سوريا خاصة العسكري، وهو ما بدأت فيه إيران بالفعل، إذ كشف مسئول بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في تصريحات صحفية، أن قائد فيلق القدس أبلغهم بمضاعفة وجود القوات الإيرانية داخل سوريا بناء على طلب الرئيس السوري وموافقة «خامنئي» لتغطية سحب روسيا لجزء من قواتها إلى أوكرانيا، وبالفعل بدأ الحرس الثري في تسلم قواعد ومعسكرات كانت تابعة للروس في الأراضي السورية، بل وأرسلت طهران كميات كبيرة من الأسلحة لتأمين تلك القواعد.
(&)مواجهة إسرائيل: ستعمل إيران على تقوية نفوذها العسكري داخل سوريا بتوجيه مزيد من الهجمات والضربات العسكرية على إسرائيل من داخل الأراضي السورية، وهو ما تم التطرق إليه خلال اجتماع «الأسد» بـ«خامنئي» حيث ناقشا الطرفين، التهديدات الإسرائيلية الأخيرة ولاسيما ضد سوريا، وقال الرئيس السوري خلال هذا الاجتماع، “العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا منعت الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، ويجب أن تتعاظم “.
(&) الضغط على أمريكا: سيحاول النظام الإيراني أيضًا استغلال انشغال الولايات المتحدة الأمريكية ودول المجتمع الدولي وخاصة أعضاء الاتفاق النووي بالأزمة الروسية الأوكرانية، باستخدام جميع أدواته من أجل كسب المزيد من المكاسب في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا والتي توقفت جراء الأزمة الأوكرانية ورفض أمريكا حتى الآن رفع العقوبات عن إيران مع استمرار الأخيرة في تطوير برنامجها النووي، وهذا بممارسة نوع من الضغط على واشنطن، والتأكيد على أن طهران تستطيع حشد حلفائه بالمنطقة متي أرادت، فضلًا أن مساعى إيران القادمة ستكون بإجبار النظام السوري على العمل من أجل تحرير الأراضي السورية من أي قوة خارجية محتفظة بقوات داخل سوريا، وهذا ما قاله الرئيس الإيراني «إبراهيم رئيسي» بشكل مباشر وواضح خلال اجتماعه مع «الأسد»، “يجب تحرير جمع الأراضي السورية من المحتلين الأجانب”.
في النهاية يمكن القول، أن إيران ستعزز خلال الفترة المقبلة علاقاتها على كافة المستويات مع النظام السوري، وستركز على تحسين الأوضاع الاقتصادية والتجارية المشتركة بين كلا البلدين اللذان يتعرضان لعقوبات اقتصادية، ورغم ذلك فإن النظام السوري سيكون بحاجة إلى الدعم العربي والخليجي لإعادة إعمار بلده، إذ أن حليفيه الروسي والإيراني يفتقران إلى الموارد اللازمة لإعادة البناء والأعمار، وفي الوقت ذاته لن يتخلي عن الحليف الإيراني، هذا بالإضافة إلى أن تنامي نفوذ طهران داخل سوريا وتوجيه مزيد من الضربات لإسرائيل (الحليف الأساسي لأمريكا) قد يسهم في الضغط على الإدارة الأمريكية بقيادة «جو بايدن» للجلوس على طاولة المفاوضات مع نظام الملالي في القريب العاجل.