“لقاء الأربعاء” يناقش سيناريوهات مواجهة مخطط “التهجير”

كتابة: زياد مصطفى/ تصوير: فريدة حمدي
عقد مركز رع للدراسات الاستراتيجية في 19 فبراير 2025 حلقة نقاشية بعنوان “مستقبل غزة.. الرافضون لرؤية ترامب عن التهجير” ضمن سلسلة “لقاء الأربعاء”. وأدار النقاش د. أبوالفضل الإسناوي المدير الأكاديمي لمركز رع للدراسات الاستراتيجية بحضور خبير الشئون الإسرائيلية د. سعيد عكاشة ووكيل لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ المصري د. سماء سليمان وأستاذ العلاقات الدولية د. أسامة شعث كمتحدثين رئيسيين، ومشاركة المنسق الأكاديمي لمركز رع والباحث الأول في شئون الأمن الإقليمي أ. ضياء نوح.
وأشار د. أبو الفضل الإسناوي في بداية النقاش إلى المواقف الرافضة لخطة ترامب من منظور الشارع الغزي والفلسطيني والداخل الإسرائيلى والموقف العربي.

وبدأ د. سعيد عكاشة حديثه حول رؤية الداخل الإسرائيلى لخطة التهجير، وأكد أن هجوم السابع من أكتوبر كان صدمة للشعب الإسرائيلي الذي كان 33% منه قبل الحرب مع “حل الدولتين”، إلا أنه اعتبر هجوم السابع من أكتوبر امتدادًا لـ”العداء للسامية” وأن الهدف الفلسطيني ليس إقامة الدولة وإنما القضاء على اليهود، وبالتالي نشطت هذه الحرب الذاكرة الجمعية وأصبح هناك رأي عام معبأ ضد أي حلول سياسية مع الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن استطلاعًا للرأي أظهر تأييد 52% من الشعب الإسرائيلي للتهجير القسري للفلسطينيين وهذا الاتجاه ظل قائمًا في الحركة الصهيونية وبعد إقامة الدولة وكان آرئيل شارون أبرز مؤيدي هذا الاتجاه، إلى أن ظهر اتجاه آخر من المؤمنين بـ”التهجير الطوعي” وهو ما أصبح أكثر قبولًا عند الشعب الإسرائيلي، وهو ما يمثل الأكبر على القضية الفلسطينية عبر التضييق على الفلسطينيين في قطاع غزة.

ولفت د. سعيد عكاشة إلى سوء الأوضاع الإنسانية في غزة في ظل الأزمة البيئية الناجمة عن الحرب وتدمير البنية التحتية الصحية ونقص المياه والطعام، مشيرًا إلى تقديرات الأمم المتحدة بأن الأطفال الذين ولدوا أثناء الحرب معرضين للوفاة بسبب التلوث البيئى، وكانت رؤية ترامب ترتكز على المخاطر البيئة واستمرار التضييق والحصار ستؤدي لزيادة أعداد الضحايا دون وجود قتال، مشيرًا إلى خروج أعداد كبيرة من القطاع قبل الحرب.
وقال خبير الشئون الإسرائيلية إن نتنياهو اعترف بالحديث مع ترامب قبل وصوله إلى السلطة عن خطة “التهجير الطوعي” وذلك خلال لقائهما في سبتمبر 2024 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن هناك اتصالات جرت بحوالى 42 دولة من إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية لاستقبال أعداد من الفلسطينيين تتراوح بين 10 و30 ألفًا.

وأكد “عكاشة” أن المعضلة تكمن في تغيير (اتجاه) المجتمع الإسرائيلي والذي قد يمثل ورقة الضغط الرئيسية على حكومة نتنياهو، مشيرًا إلى أن إسرائيل لا تستجيب للضغوط الخارجية وأن الضغط الوحيد الفاعل هو ضغط الرأي العام الإسرائيلي الذي يستطيع تغيير تلك المعادلة، واقترح عكاشة المبادرة بـ”هجوم السلام” تجاه المجتمع الإسرائيلي وليس الحكومة، مستشهدًا بتحرك الرئيس الراحل محمد أنور السادات خلال زيارته لإسرائيل وخطبته للكنيست والتي أحدثت صدمة في الأوساط السياسية والشعبية الإسرائيلية رغم وجود حكومة يمينية أنذاك إلا أنها لم تستطع الوقوف المظاهرات العارمة التي طالبت حينها بانتهاز الفرصة وعقد سلام مع مصر، وأشار خبير الشئون الإسرائيلية إلى أن الخطر القادم يتمثل في إقامة دولة فلسطينية خارج حدود فلسطين التاريخية وقد تكون مناطق التوغل التركي في الشمال السوري، مشيرًا إلى تفاهمات محتملة يسعى ترامب لإقرارها مع الجانب التركي استغلالًا لموقف أنقرة الحالي في الشرق الأوسط، ولقاء ترامب والرئيس التركي أردوغان في سبتمبر 2024 والاتفاق على إقامة الدولة في تلك المنطقة، حسب عكاشة.

وفي طرحها حول المشهد الحالي للصراع في المنطقة وصفت د. سماء سليمان المشهد الحالي بـ”التجمد والإفلاس”، ورأت أن مشهد السابع من أكتوبر وحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وما تلاه من حشد عسكري غربي في المنطقة موجه لمصر بالأساس، أشارت الخبيرة في شئون الأمن القومي أن كل القوى الإقليمية تعمل في فلك المصالح الأمريكية وأن مشهد التصعيد جاء في إطار توزيع الأدواروأن أدوات إدارة المشهد استنفذت أدوارها لأن الولايات المتحدة تعتبر منطقة الشرق الأوسط هي منطقة نفوذ تقليدي لن تتخلى عنها في إطار الصراع مع روسيا والصين على تشكيل النظام الدولي.

وأكدت د. سماء سليمان أن مصر عبرت عن رفضها لخطة ترامب للتهجير والرفض القاطع من القيادة السياسية والجيش والشعب للتنازل عن أراض بسيناء، فضلًا عن طرح رؤية لإعادة الإعمار مع بقاء الغزيين في القطاع، وهو ما توازى مع طرح الجانب الآخر لفكرة “التهجير الطوعي”، مبرزًا أن الوقت الراهن هو صراع أفكار وهو ما يستوجب مواجهة هذه الأفكار بالفكرة المصرية والعربية، ويجب أن يكون الموقف العربى ثابت وواضح ضد خطة التهجير، لأن تنفيذه سينقل الأزمة للمنطقة ولن تستطيع دولها أن تحافظ على حدودها القائمة وربما تؤثر في مرحلة مقبلة على شكل ووجود إسرائيل وإيران وتركيا وقد تظهر دول جديدة بحدود جديدة.

وحول تساؤل رئيسة وحدة دراسات مصر أ. رضوى محمد عن تأثير الضغوط الاقتصادية على الموقف العربي، أكدت وكيلة لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ المصري أن هناك مخاوف حول استمرار الموقف العربى الموحد في ظل محاولات لتفتيت ذلك الموقف عن طريق المساومات الغير معلنة والدبلوماسية السرية، مشيرة في الوقت ذاته أن أهم موقف عربي حاليًا هو الموقف السعودى بسبب المقدرات التي تمتلكها المملكة والتعويل الأمريكي على دور الرياض، وأكدت أن القضية الفلسطينية لن تموت وأن الفلسطينيين الذين تحملوا المعاناة على مدار الحرب وبقوا في العراء لن يتركوا أرضهم، وأشارت إلى أن استقبال أي دولة للفلسطينيين وفق الخطة الإسرائيلية سيكون بداية مرحلة من عدم الاستقرار مع صعوبة إدماجهم في مجتمعات اللجوء أو التوطين والتهديدات المحتملة للإسرائيليين في تلك الدول.
وفي سياق طرحها بضرورة تحريك المشهد فكريًا ذكرت د. سماء أهمية وجود حركات فكرية جديدة في العالم العربي تعالج التهديدات التي تواجه الدولة الوطنية العربية بهويتها وحدودها القائمة باعتبارها حركات المقاومة الحقيقية وأن يكون لها دور فعال في رفض خطة التهجير وأن بقاء الفلسطينيين في أرضهم ضمان لأمن واستقرار دول المنطقة.

وردًا على سؤال د. محمد أبو سريع مستشار المركز عن كيفية الاستفادة من الصين والقوى الدولية في حل الصراع في المنطقة، أشارت د. سماء سمليمان إلى أن الصين ليس لها دور واضح وأن الصين مثل أى دولة تحتكم لمصالحها ولديها الكثير من التحديات الإقليمية، وفي المقابل يعتبر اليمين في أوروبا فاعل محتمل في الصراع لصالح إحباط مخطط التهجير نظرًا لمواقفه الرافضة للهجرة وتعدد الأجناس.
واستعرض د. أسامة شعث المشهد في غزة مبرزًا تمسك المواطن الفلسطيني بالبقاء في وطنه رغم حرب الإبادة التي يواجهها، موضحًا أنه مثل أي غيره من مواطني الدول العربية قد ينزح عن وطنه خلال الحرب إلى أن تستقر الأوضاع إلى حد ما في بلده حتى يعود مرة أخرى على غرار ما حدث في سوريا والسودان، وفي معرض حديثه عن الشأن الفلسطيني، أشار شعث إلى أن نسبة المتعلمين في الشعب الفلسطيني بلغت 97%، وفي غزة أوضح أن عدد السكان (قبل الحرب) بلغ 2.3 مليون نسمة غالبيتهم من الشباب.

وذكر الخبير السياسي الفلسطيني أن من أهم مشاكل غزة هي النظام الداخلي للقطاع وارتباطاته الأيديولوجية الإسلامية أولًا، وارتباطه ببعض القوى الإقليمية ثانيًا، وأن نحو 300 ألف فلسطيني اضطروا للهجرة من القطاع قبل الحرب نتيجة للقهر المجتمعي وقمع المعارضين لسياسات الحكم والإدارة ومن بينهم أبناء حماس وفتح والفصائل الأخرى، موضحًا في الوقت ذاته أن ذلك لا يعني التشكيك في وطنية حركة حماس ورغبة في النضال من أجل القضية، وهي رغبة كل أبناء فلسطين دون تعريض المدنيين للخطر.
وحذر د. أسامة شعث من خطورة الوضع الحالي في القطاع في إطار الضغط لتنفيذ سيناريو التهجير، مشيرًا لغياب المقومات الأساسية للحياة في القطاع وعدم وجود أفق سياسي، مشيرًا إلى أن نحو 300 ألف نسمة من أبناء محافظتي غزة والشمال عادوا لمناطقهم خلال الأيام الأخيرة في ضوء ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار بينما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصفهم عادوا لخيامهم في الجنوب بعدما وجدوا بيوتهم مدمرة، بينما ينتظر نحو 300 ألف آخرين في المناطق الجنوبية لحين إنهاء الحرب ووقف القتال.

وحث شعث حركة حماس على الإصغاء لمصالح الشعب، وأشار إلى أن الكل الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي دون أن يعني ذلك إطلاق العنان للمغامرات غير المحسوبة لصالح قوة إقليمية، مؤكدًا أن لعبة المحاور أفسدت القضية الفلسطينية.
وأشاد شعث بالجهود المصرية لوقف الحرب ودعم صمود اشعب الفلسطيني، لافتًا إلى أن الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة تلقى قبولًا شعبيًا فلسطينيًا في ظل التلاحم بين الشعبين الشقيقين مع وجود أكثر من 150 ألف فلسطيني يحمل الجنسية المصرية. وأشار شعث إلى أهمية الوقف الشامل للحرب وعودة السلطة الوطنية لقطاع غزة وسرعة إعادة الإعمار مع وجود مسار سياسي مستقبلي للقضية الفلسطينية.

كما أشار إلى أهمية تشكيل حكومة تكنوقراط (محل إجماع فصائلي) بعيدة عن الحسابات الحزبية والفصائلية، بشكل مؤقت، حتى يخرج الشعب الفلسطينى من حالة الصدمة التي ظل فيها حتى الآن، وتنطلق أولويات عمل تلك الحكومة من عدة مسارات؛ أولها وأهمها إعادة الأعمار، ومن ثم إعادة تأهيل حياة مدنية اجتماعية من خلال تجديد المؤسسات وسرعة استيعاب الكوادر، ومن ثم الدخول فى مسار سياسى وإعادة تجديد الشرعيات الفلسطينية.
وفي إطار مداخلته حول فرص وتحديات صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، قال المنسق الأكاديمى لمركز رع أ. ضياء نوح إن هناك مجموعة من القنابل الموقوتة التي تعترض طريق استكمال وقف إطلاق النار في الساحة السياسية الفلسطينية والإسرائيلية وكذلك المواقف العربية والإقليمية، منوهًا أن حل الأزمة الحالية يتطلب جهد دبلوماسي شاق بالدرجة الأولي ولا يحتمل استئنافًا للقتال. مؤكدًا أنه لن يكون هناك حل يُفرض من الخارج يضمن مصالح الفلسطينيين دون وجود وحدة فلسطينية.

وأوضح “نوح” أن المواقف الإقليمية والعربية تختلف أولوياتها من دولة إلى أخرى كما تختلف أيضًا مصادر التهديد، وأشار إلى أن وجود مجموعة من الأزمات مرتبطة بفكرة الضغط بسيناريوهات التهجير، وأن الإصرار على تنفيذ خطة التهجير سواء القسرى أو “الطوعي” سوف يجرالمنطقة إلى فكرة امتداد الصراع إلى مناطق أخرى، وأكد الباحث بشئون الأمن الإقليمي أن الدورين العربي والإقليمي ينقسمان حول مقاربات التعامل مع القضية الفلسطينية ويجب أن يكون هناك إجماع عربي حول حل مجموعة من القضايا وعلى رأسها مكافحة التطرف والإرهاب وملء مساحات الفراغ في بلدان الأزمات واحتواء أدوار الفواعل الإقليميين بشكل أو بآخر، وهو ما يتطلب بروز دور الدبلوماسية غير الرسمية في دعم صناع القرار في مصر والدول العربية.
وفي إطار التعقيب على مداخلة كبير باحثي مركز رع د. حسام البقيعي حول إصلاح السلطة الفلسطينية وما يمكن أن يقدمه الفلسطينيون بعد فشل جميع الاتفاقيات والمبادرات، وتساؤل نائب مدير المركز للتخطيط الاستراتيجي د. أشرف الدبش عن ما قدمته الجماعات أصحاب التوجهات الإسلامية و”إفرازات الإخوان المسلمين” للعالم العربى قال د. سعيد عكاشة إن السلطة الفلسطينية يجب أن تبقى في الحكم، مع إعادة اختيار كوادر قادرة على قيادة الدولة الفلسطينية لأنها السلطة الوحيدة المعترف بها دوليًا وأن حماس غير قادرة على حكم قطاع غزة، وأشار “عكاشة” إلى أن دور جماعات الإسلام السياسي أدى لظهور الدول الفاشلة في العالم العربي مضيفًا أن ورقة “السلام العربي” لم تعد في يد الفلسطينيين، وإذا أرادت المنطقة السلام فيجب حل الدولتين واعتراف كل دولة منها بالأخرى. كما أشار إلى أن السلام الشعبي يفكك إسرائيل من الداخل.

ومن جانبه اعتبر د. أسامة شعث أن السلطة تحتاج إلى تجديد دماء وتطوير ولكنها كيان من وزارات ومؤسسات وليست أفراد، وأن الاحتلال هو من يعيق إصلاح الخدمات المدنية. أوضح أن حل المشهد السياسي الحالي في فلسطين يكمن في “جر حماس للانتخابات”، مؤكدًا أن حماس لن يكون لها دور سياسي مستقبلي فى القضية الفلسطينية (عبر الانتخابات).

وردًا على تساؤل أ. عمرو النجار حول كيفية تفعيل الحياة السياسية في مواجهة خطة التهجير، أشارت د. سماء سليمان إلى أنه يجب أن يتغير التفكير في الشارع العربي وتبني خيار الدولة الوطنية عن طريق الأحزاب السياسية لإعلاء صوت الشعوب العربية وتعزيز التحرك الرسمي في هذا الفترة، وليكون الموقف العربى ذو مصداقية كبرى في مواجهة تلك القضايا معتبرة أن “حركات المقاومة” (الحالية) تأسست ضد الدولة الوطنية العربية.


حضر اللقاء كل من الخبيرين بالشئون الإفريقية د. محمود صلاح ود. جيهان عبدالرحمن ورئيسة برنامج دراسات الجيوبوليتيك د. جهاد نصر ورئيسة برنامج دراسات الخليج العربي أ. سارة أمين والباحثة في الشأن الأمريكي أ. ديانا محسن والباحث بوحدة دراسات مصر أ. زياد مصطفى.
