المفكر على الشرفاء يكتب عن علاقة النفس في تفسير النص

 لقد خلق الله النفس المطمئنة الطاهرة المستيقنة بإيمانها بالله والتسليم الكامل بقدرته والرضى بكل أقداره وطاعته واتباع دعوته للإيمان به إلهاً واحداً لا شريك له المتصرف في كونه خالق السماوات والأرض، له الملك وهو على كل شيء قدير.

 ويدعو الله تعالى، الناس للتعامل بينهم بالمحبة والسلام والرحمة والخير، والتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، كما يأمرهم باتباع الرسول والايمان بكل ما بلغه عن ربه من آيات القرآن المجيد وأن يكون تفسير نصوصها متوافقاً مع مقاصد الآيات لمنفعة الإنسان ومصلحته؛ فتحقق له الأمن والحياة الطيبة، والتمتع بنعمة الله بالطمأنينة والسكينة والسلام والتمسك بتشريعاته، وتطبيق منهاجه، ليحمي الله له كافة حقوقه ويرزقه من نعمته ويحقق له وعد الله في الدنيا ويوم القيامة في قوله سبحانه: «مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ» (النحل: 97).

النفس المطمئنة:

إن دعوة النفس المطمئنة للناس في تفسير النص القرآني كقوله سبحانه: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ» (البقرة: 148)، ودعوته سبحانه للناس جميعًا: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة : 2) تستنبط من الآيات القرآنية مقاصد الخير والرحمة والإحسان والعدل والتعاون الذي تدعو إليه الآيات القرآنية لكل ما ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة.

كما يوضح الله سبحانه للناس مفهوم البر والتزاماته لكي يتبعوا تعليماته ويطبّقوا مبادئ الإسلام وتشريعاته ليجزيهم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة، حيث يقول سبحانه في شرح معنى البر ما يلي: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177).

إن كل تلك المبادئ التي تضمنتها الآية الكريمة تؤسّس لمجتمعات يعيش فيها الناس حياة كريمة، ينتشر فيها السلام والتعاون والأمان.

أما النفس الأمّارة بالسوء الشقية البائسة القاسية المكتئبة الحاقدة الكارهة للحياة الحسودة القلقة من الحاضر والمتوجّسة من المسقبل، يدفعها روح الانتقام من أفراد المجتمع الذي تعيش فيه. فقدت أحلامها وضاعت أوهامها في الارتقاء لحياة طيبة تتمرغ في الرفاهية،فوجدت نفسها فاقدة كل شيء، فانقلبت على كل شيء في المجتمع، وتوارت خلف أنانيتها بعد ما ضاع أمنها وفقدت سكينتها. فإن تلك النفس سيكون تفسيرها للنص بما يتوافق مع ما تكنّه من مشاعر الانتقام والكراهيةللمجتمع الذي لم يساعدها في تحقيق أحلامها.

إن تلك النفس قد أصبحت مستعدة لتقبل فتاوى مرضى النفوس والحاقدين على الناس مقتنعين بأن دعوتهم لقتل الناس؛ لكي يشهدوا أن لا إله إلا الله واجبار الناس على اتباع عقيدتهم أو مذهبهم، هي وسيلتهم لتحقيق أحلامهم التي فقدوها في الدنيا ويسعون جاهدين بعقيدة فاسدة باتباع فتاوي السلفيين والمتطرفين في سفك دماء الأبرياء بزعم أنهم أوصياء على رسالة الإسلام وفتاويهم بأن سيجازيهم الله مافقدوه في الحياة الدنيا، فيعوضهم بحور عين وجنات النعيم، بعدد مايقتلون من الأبرياء، ويدمرون الأوطان، ويستبيحون حقوق الإنسان؛ لتتحقق لهم أوهامهم في الآخرة، ويجزيهم الله جنات النعيم ويحققوا انتقامهم من الناس الذين يستمتعون بما أفاء الله عليهم من رزق ونعيم في الدنيا.

النفس الأمارة بالسوء:

هكذا تعيش النفس الأمارة بالسوء التي اتبعت الشيطان واستدرجهم شيوخ الدين الذين هجروا القرآن واتخذوا ما يسوَّل لهم الشيطان مرجعية للدخول في دين الإسلام وفي الآخرة سوف تتبخر أحلامهم حين يُسألون وهم في الجحيم كما بين القرآن قول الله سبحانه: (أَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ (106) رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡهَا فَإِنۡ عُدۡنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ (107)) (المؤمنون: (105- 107).

لقد وجدوا ضالتهم في الروايات التي تناقلتها الألسن على مدى أربعة عشر قرنًا منسوبة زوراً وبهتاناً للرسول؛ لتصبح لديها المصداقية وتتوافق مع النفوس الأمّارة بالسوء، تؤلف تشريعات لقتل الأبرياء وتدمير المدن وحرق بيوت العبادة وهدمها وتشريد الناس من أوطانهم مستمتعين بقطع رقاب الرجال والنساء والأطفال، معتقدين في ذلك بماألَّفه الأشرار وأتباع الشيطان من روايات آمنوا بها وصدقوها؛ لتكون مرجعيتهم الإسلامية بدلاً من آيات الرحمن في الذكر الحكيم، تسوقهم في الحياة الدنيا لعيش الضنك والبؤس والشقاء، وإلى ونار الجحيم يوم الحساب، يوم ما حذَّر الله الإنسان بقوله: (وَكُلَّ إنسان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) (الإسراء: 13)، حيث يخرج سجل حافل لكل إنسان جُمعت فيه كل أعماله في حياته الدنيا من أعمال الطاعة والعبادة، واتباع كتاب الله وآياته،والوفاء بعهد الله، وتطبيق شريعته ومنهاجه في كتابه المبين؛ ليلقى خير الجزاء لأعماله، وسيجد الظالم الذي لم يتبع آيات القرآن الكريم، ولم يطع الله فيما أمره، فسيجد له يوم القيامة سجلاً فيه أعمال الإنسان الذي خالف أوامر الله، ومقاصد آياته، واتبع هواه وضل عن طريق الحق، واتبع طريق الباطل، وبغى وتجبر وتكبر فسيلقى جزاءه في الآخرة نار الجحيم خسر الدنيا والآخرة،عندما صدق الأوهام حين هجر القرآن والتفكر في مقاصده، وصدق الشيطان حين أغواه واستدرج غرائزه لمخالفة التشريع الإلهي، ويوم الحساب سيتبرأ الشيطان منه كما ذكر القرآن وبيَّن موقف الشيطان يوم الحساب بقوله: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (ابراهيم: 22).

انتشار العقيدة الفاسدة:

لقد اقتنع بتلك العقيدة الفاسدة عشرات الآلاف من الشباب، بما توافق مع نفوسهم من أحقاد على المجتمعات التي يعيشون فيها وما واجهوه من حرمان وفقر في حياتهم، مهيئين للانتقام بما ملئت به أنفسهم الشريرة من حب سفك الدماء والاستمتاع بقطع رؤوس الأبرياء طالما آمنوا وصدقوا الروايات وأئمة الفرق الشيطانية من شيوخ الدين والمفسرين، ومن أطلقوا عليهم العلماء بأن جزاءهم عند الله يوم القيامة جنات النعيم، وأوهموهم بأن مالم يتحقق لهم من أحلامهم في الحياة الدنيا سيعوضهم الله خيرامما كانوا يأملون. ليحققوا بتلك الفتاوي الشريرة الشيطانية ما تتفاعل به النفس الأمارة بالسوء، متبعة إغواء الشيطان متجانسة مع أية رواية ترضي أمانيها الزائفة، وتتجاوب مع مشاعرها التي تبحث عن مبررات سفك الدماء، وتأويل الآيات بما يخدم قناعاتها الشريرة.

التحول في النفس البشرية:

هناك نموذج على النفس الأمارة بالسوء، هو نموذج (سيد قطب) وغيره من الذين فشلوا في حياتهم، كيف كانت آراؤه قبل السجن، حيث انطبعت طبيعة الحياة المطمئنة على نفسيته، والتي توافقت كتاباته مع حالته النفسية في المرحلة الأولى من حياته الثقافية؟

ثم كيف تحولت كتاباته أثناء احتجازه في السجن والتحقيق معه، وما عايشه من الضغط النفسي للسعي إلى الانتقام من المجتمع بتكفيره لأفراده ومحاربتهم، ودعوته إلى الانتقام منهم، ودعوته إلى سفك دماء أفراده المجتمع.

تأثير التفاسير:

 لقد أفرزت كل التفاسير السابقة من أصحاب النفوس المريضة فِرق القتل الذين تحولت نفوسهم للقسوة والوحشية في القتل والتدمير دون هدف، اللهم إلا إرضاء نفوسهم الخاوية التي تلبّسها الشيطان بفعل فتاوى وتفاسير علماء الظلام أمثال القاعدة، وداعش والتكفيريين والإخوان، وكثير من الضالين عن طريق الله المستقيم.

ويقول: إن الذين آمنوا واتبعوا كل التفسيرات التي ناقضت التشريع الإلهي في الدعوة للرحمة والعدل والإحسان وحرية الإنسان في اختيار عقيدته والمحبة والسلام والتكافل الاجتماعي، والتعاون بين الناس وحق الدفاع عن النفس والجنوح للسلام، لحقن الدماء حين أوّلوا بعض آيات سورة التوبة إلى دعوة لقتال الناس جميعاً حتى يقولوا لا إله إلا الله.

مهمة الرسول:

لقد حدد الله لرسوله مَهَّمته في دعوته الناس للدخول في دين الاسلام وبيَّن له أسلوب مخاطبة الناس في شرح مقاصد دعوة رسالة الاسلام بقوله سبحانه: (ادْعُ إلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125)، وقول الله سبحانه مخاطباً رسوله ﷺ: (أَفَأنَتُ تْكِرُه الَّنا َس َحَّتٰىَ يُكوُنواُ مْؤِمِنيَن» (يونس: 99)، وقوله سبحانه: (رَبُّكُم أَعلَمُ بِكُم إِن يَشَأ يَرحَمكُم أَو إِن يَشَأ يُعَذِّبكُم وَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم وَكيلًا) (الإسراء : 54).

وقوله سبحانه في الحكم الإلهي القاطع الذي لا يشوبه التشكيك؛ مخاطباً رسوله ﷺ: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ..) (الكهف : 29).

حرية العقيدة:

فالإنسان الحق المطلق في اختيار دينه وعقيدته ومذهبه سيتم حسابه من الخالق سبحانه يوم القيامة تطبيقاً للقاعدة الإلهية في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (الحج: 17).

فبمقتضى تلك الآيات الحاكمة فليس من حق أي رسول أو نبي أو أيٍّ كانَ أن يكفِّر إنساناً، أو يجعل نفسَه وصياً على دين الإنسان وعقيدته، أو يحكم عليه مسبقًا نيابة عن الله بأنه سيلقي به في النار، أو يعذبه عذاباً أليماً أو يهدده بأساطير عذاب القبر وما سيلقاه في مواجهة الثعبان الأقرع لزرع الخوف في نفسه والابتزاز والتخويف؛ ليستسلم المتلقي لما يعرض عليه من افتراءات الرويات، ثم يصدقها خوفا مما يتهدده بعد الموت.

الأوصياء على عقائد الناس:

فمن كلف الذين جعلوا أنفسهم أوصياء على عقائد الناس والتفتيش عن نواياهم التي لا يعلمها إلا الله؟! فليتوقف العبث باسم الإسلام، وليخشَ الذين يتجاوزون حدود الله في أحكامه وتشريعاته ويحاربون آياته ويزوّرون رسالته ويشوهون الإسلام بارتكابهم العصيان والجرائم ضد الإنسان.

لقد توعد الله سبحانه، المفترين عليه الكذب بقوله: (قُل إِنَّ الَّذينَ يَفتَرونَ عَلَى اللَّـهِ الكَذِبَ لا يُفلِحونَ (69) مَتاعٌ فِي الدُّنيا ثُمَّ إِلَينا مَرجِعُهُم ثُمَّ نُذيقُهُمُ العَذابَ الشَّديدَ بِما كانوا يَكفُرونَ (70)) (يونس: ٦٩- ٧٠).

المفكر على محمد الشرفاء

مفكر وكاتب عربي مشغول بهموم أمته.. لديه رؤية ومشروع استراتيجي لإعادة بناء النظام العربي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.. وينفذ مشروع عربي لنشر الفكر التنويري العقلاني وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام.. الكاتب قدم للمكتبة العربية عدداً من المؤلفات التي تدور في معظمها حول أزمة الخطاب الديني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى