التأثير المُزدوج: كيف تنعكس حرب الرسوم الجمركية على مصر؟

منة الحفني-باحثة مساعدة
في ظل التصعيد المتزايد والنزاعات التجارية العالمية الناتجة عن السياسات الحمائية التي اتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخاصة ما يتعلق بالرسوم الجمركية، يشهد العالم حربًا تجارية واسعة النطاق. وقد أدت هذه السياسات إلى سلسلة من الإجراءات المضادة بين الولايات المتحدة ودول العالم، وخاصة الصين، وتسعي الدول التي فُرضت عليها رسوم جمركية بنسبة كبيرة إلي محاولة إيجاد أسواق جديدة سواء لتصريف منتجاتها أو لعمليات التصنيع.
تأثرت مصر برفع الرسوم الجمركية من قبل إدارة ترامب، التي فرضت رسومًا بنسبة %10، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة خلال عام 2024 نحو 8.6 مليار دولار، منها 2.7 مليار دولار قيمة الصادرات المصرية، محققة نموًا سنويًا بلغ .%6.7، في المقابل، بلغت الواردات المصرية من الولايات المتحدة حوالي 6 مليارات دولار، بزيادة نسبتها %36 مقارنة بعام 2023. ويحتل قطاع الملابس الجاهزة مقدمة الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكية، بقيمة تصل إلى 1.2 مليار دولار، ما يمثل نحو %50 من إجمالي الصادرات.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي تأثيرات الحرب التجارية على الاقتصاد المصري وفرص وتحديات سياسات رفع الرسوم الجمركية على التجارة الخارجية المصرية.
تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد المصري
شهد سعر صرف الدولار في مصر تذبذبًا منذ رفع الرسوم الجمركية الأمريكية حول 51 جنيهًا في البنوك المحلية، ويُعزى هذا الارتفاع إلى تزايد الطلب المحلي على العملة الأجنبية، إلى جانب خروج بعض الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، أو ما يُعرف بـ”الأموال الساخنة”، من أذون وسندات الخزانة المصرية حسب تصريحات رئيس مجلس الوزراء د. مصطفى مدبولي في 9 أبريل 2025، وذلك نتيجة مخاوف المستثمرين من تفاقم الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، في ظل حالة من عدم اليقين التي تُخيّم على الأسواق الناشئة، ما دفع العديد منهم إلى تحويل أموالهم نحو ملاذات أخرى. وأسفرت هذه التحركات عن خروج نحو 1.1 مليار دولار من السوق المصرية خلال يومين.
وتزامن ذلك مع إعلان الحكومة المصرية عن نيتها طرح حصص من عدد من الشركات المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية في البورصة، ضمن برنامج الطروحات وفي إطار جهودها لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد. ومن بين هذه الشركات “وطنية” لمحطات الوقود، و”تشيل أوت”، وشركة “صافي” للمياه المعبأة، و”سيلو فودز” للأغذية، إضافة إلى الشركة الوطنية لإنشاء وتعمير الطرق. كما صرّح د. مصطفى مدبولي، بأن الحكومة تعتزم طرح منطقتي “مربع الوزارات” و”وسط البلد” بحلول يونيو المقبل. وتأتي هذه الخطوات في إطار مساعي الدولة لزيادة التدفقات من النقد الأجنبي.
ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يتجه البنك المركزي المصري في اجتماعاته المقبلة لبدء مسار خفض سعر الفائدة بوتيرة أقل من المتوقع.
فرص وتحديات
على الرغم من التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية بصفة عامة، إلا أنها قد تقدم دفعة قوية للتجارة بين مصر والولايات المتحدة من خلال التنافسية التي ستحصل علها السلع المصرية، كما تمثل فرصة لجذب استثمارات أجنبية في المجال الصناعي الموجه للتصدير من الدول التي فُرضت عليها رسوم جمركية عالية، ولكن هذا يعتمد علي السرعة وقدرة مصر علي تنفيذ إصلاحات داخلية عميقة وشاملة، لتعزيز الصادرات وبناء المرونة لمواجهة التحديات الخارجية، كذلك قدرتها على تحسين شروط الاستثمار واللوجستيات للاستفادة من رغبة الدول المتضررة في نقل استثماراتها.
(*) الاستثمارات الأجنبية المباشرة: في خطوة استباقية اتخذتها بعض الشركات الصينية منذ وصول دونالد ترامب إلي البيت الأبيض، وقبل فرضه للرسوم الجمركية بشكل مباشر، قامت العديد من الشركات الصينية بتوقيع عقود للاستثمار في مصر في الآونة الأخيرة خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، في مجالات متعددة أبرزها الأقمشة، المنسوجات، مواد البناء، والبتروكيماويات، حيث ارتفع عدد الشركات الصينية في مصر إلى 2066 شركة صينية، بقيمة استثمارات بلغت 8 مليارات دولار. وقد جذبت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خلال العامين الماضيين 128 مشروع بقيمة 6 مليارات دولار.
وفي إطار سعي مصر لترفيع مستوى الشراكة الإستراتيجية مع فرنسا، وتعزيز التعاون المشترك، وفتح آفاق جديدة استقبلت مصر الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” وكان لهذه الزيارة صدى كبير على كافة الأصعدة، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري إلى 7.7 مليار دولار، فضلًا عن تعزيز الاستثمارات الفرنسية بمصر التي توفر حوالي 50 ألف وظيفة عمل.
(*) قطاع الملابس: يعد قطاع الملابس الجاهزة من أبرز القطاعات التصديرية في مصر، حيث استحوذ على نسبة كبيرة من إجمالي الصادرات خلال العام الجاري. وتصدّرت الولايات المتحدة قائمة الدول المستوردة للملابس الجاهزة المصرية، بقيمة بلغت 193 مليون دولار خلال أول شهرين من عام 2025. وتُعد مصر حاليًا في موقع تنافسي قوي، خاصة بعد أن فرضت الإدارة الأمريكية رسومًا جمركية أعلى على دول منافسة مثل بنجلاديش وماليزيا، مما جعل المنتجات المصرية أكثر جذبًا من حيث السعر.
وفي هذا السياق، أشار رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة إلى أن القطاع يستهدف زيادة صادراته بنسبة تتراوح بين 20% و25% خلال السنوات الخمس المقبلة. ومن أجل دعم هذا التوجه، تخطط مصر لجذب استثمارات أجنبية مباشرة، لا سيما من دول مثل تركيا والصين وفيتنام والهند. كما عملت الدولة على تخصيص مساحة 5.5 مليون متر مربع بمحافظة المنيا لإنشاء منطقة صناعية متخصصة في صناعة الملابس الجاهزة.
(*) الصناعات الهندسية: ذكر رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية شريف الصياد، أن قطاع الصناعات الهندسية له فرصة كبيرة لاختراق السوق الأمريكي، مستندًا إلى أن مصر ستصبح مركزًا لجذب اهتمام الشركات التي تتطلع لنقل مقرات تصنيعها مدفوعة بانخفاض تكاليف الإنتاج وتحسن مناخ الاستثمار.
(*) قطاع الصلب: من المتوقع أن تواجه صناعة الصلب في مصر بعض التحديات، حيث أشار رئيس غرفة الصناعات المعدنية محمد حنفي، بأن الرسوم الجمركية الجديدة دفعت الاتحاد الأوروبي إلى تقليص وارداته من الصلب بنسبة إضافية بلغت 15% بدءًا من الشهر الجاري. وأوضح أن هذا الوضع قد يدفع المنتجين المحليين إلى خفض إنتاجهم، مشيرًا إلى أن القطاع يعمل حاليًا بنسبة 55% فقط من طاقته الإنتاجية للصلب، و90% في قطاع الصفائح المعدنية، وهذا قد يؤثر علي قطاع البناء والتشييد محليًا، فقد يدفع بموجة من التضخم، وارتفاع أسعار مواد البناء وبالتالي تحميل المواطن بأعباء إضافية.
وتراجعت الولايات المتحدة من المركز الرابع (2022) إلى السادس ضمن قائمة الدول المستوردة للصلب المصري. كما انخفض الطلب الأوروبي بشكل ملحوظ، إذ تراجعت الصادرات إلى إسبانيا بنسبة 42%، وإلى إيطاليا بنسبة 43%. وعلى الرغم من تسجيل ارتفاع نسبي في معدلات التصدير خلال الربع الأول من عام 2025، فإن التوقعات لا تزال حذرة، نظرًا لأن هذه الزيادة لم تصل إلى النسبة المرجوّة البالغة 20%.
على الرغم من التأثيرات السلبية على صادرات القطاع إلى كل من الأسواق الأمريكية والأوروبية، فيمكن التخفيف من حدة تلك التأثيرات بتوسيع الأسواق التصديرية وإيجاد بدائل جديدة مثل السعودية والبرازيل، وأيضًا دول شرق آسيا التي تتوسع في البنية التحتية وتحتاج إلى إمدادات الصلب بأسعار مناسبة، وهو ما يمكن أن توفره مصر بسبب انخفاض قيمة عملتها المحلية مما يجعل تكلفة الإنتاج المحلي أقل مقارنة بالمنافسين الدوليين.
في ضوء ما سبق؛ يتضح أن السياسات الحمائية، رغم ما تفرضه من تحديات علي الاقتصاد، إلا أنها تشكل فرصة نحو إعادة تشكيل بنية الاقتصاد المصري، وتعزيز قدرته التنافسية في الأسواق الدولية، حيث تتيح فرصة نحو صناعات واعدة، مثل قطاع الملابس الجاهزة والصناعات الهندسية كما تعمل على جذب استثمارات مباشرة، تسهم في تحسين إمدادات النقد الأجنبي وتوفير المزيد من فرص العمل، لذلك من المهم استثمار تلك الفرص بذكاء، وتنويع الشركاء التجاريين، وتحسين بيئة العمل المحلية لتحقيق نمو اقتصادي مرتفع.