الاستفادة المتبادلة: محددات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي

ياسمين ياسر-باحثة مساعدة
شهدت العلاقات المصرية الأوروبية تطورًا ملحوظًا منذ مارس 2024، حيث أعلنت مصر والاتحاد الأوروبي الاتفاق على رفع مستوى العلاقات بينهما إلى “شراكة استراتيجية شاملة”، تضم محاور تعاون متعددة في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية والعسكرية والأمنية، خصوصًا في ظل ما تشهده المنطقة من تعقيدات وتوترات أمنية، وهدفت الشراكة إلى تعزيز التعاون في العديد من المجالات، إضافة إلى قضايا الهجرة غير النظامية والأمن في المنطقة.
وقد عملت الإدارة المصرية على تأمين المصالح والأهداف الوطنية في مختلف الدوائر والارتكاز على التنوع والتوازن في العلاقات مع مختلف دول العالم للحفاظ على مصالحها الوطنية، وقد رسم الرئيس السيسي سياسة خارجية عنوانها الندية والاحترام المتبادل والشراكة وعدم التدخل في الشئون الداخلية، موضحًا أن سياسية مصر الخارجية ستتحدد وفقًا لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون وتحقيق مصالح مصر[1].
وقد جنت مصر خلال العقد الماضي بقيادة الرئيس السيسي ثمار سياستها الخارجية الجديدة، من خلال العمل والتحرك الدبلوماسي بشقيه الثنائي ومتعدد الأطراف، مع إيلاء الاهتمام بالدبلوماسية الاقتصادية والتنموية والبيئية ودبلوماسية المناخ.
وتحاول الورقة التالية تسليط الضوء على تطور العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي والزيارات رفيعة المستوى وأهمية ترفيع العلاقات بين الجانبين تزامنًا مع زيارة الرئيس الفرنسي للقاهرة في 7 أبريل الجاري.
تطور العلاقات بين المصرية الأوروبية
شهدت العلاقات بين مصر ودول الاتحاد الاوروبي نقلة نوعية كبيرة على كافة المستويات منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر 2014، وذلك انطلاقًا من إدراك الاتحاد لأهمية دور مصر وثقلها السياسي وموقعها الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط[2].
ويمكن رصد تطور العلاقات المصرية الأوروبية على النحو التالي:
(*) التعاون الاقتصادي والدبلوماسي: بلغ عدد السفارات والقنصليات المصرية في الاتحاد الأوروبي 34 سفارة وقنصلية في عام 2022. ووقعت مصر والاتحاد الأوروبي 17 اتفاقية تعاون بين عامي 2014 و2022، من بينها 5 اتفاقيات في مجال الطاقة. وشارك الاتحاد الأوروبي في تطوير 10 مشاريع طاقة متجددة في مصر في ذات الفترة.
(*) التبادل العلمي والثقافي: وقعت مصر والاتحاد الأوروبي عدد من اتفاقيات في مجال التعليم وبرامج التبادل الثقافي خلال الفترة الماضية، وبلغ عدد الطلاب المصريين الذين يدرسون في أوروبا 15 ألف طالب في 2022[3].
(*) زيادة التبادل التجاري: وقعت مصر اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي والعديد من دوله الأعضاء، مما ساهم في تعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين. تشمل هذه الاتفاقيات اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الأوروبي، واتفاقية التجارة الحرة بين مصر[4].
يعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لمصر حيث يستحوذ على 27% من حجم تجارة مصر الخارجية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي 32.6 مليار يورو (35.7 مليار دولار) في عام 2023، بزيادة قدرها 60.8% عن عام 2014.
وبلغت قيمة تصدير السلع المصرية إلى أوروبا 10.3 مليار دولار في عام 2022، وتجاوزت صادرات الغاز المصري إلى أوروبا 1.5 مليار متر مكعب في عام 2022.
كما حققت مصر تقدمًا ملحوظًا في تحسين ميزانها التجاري خلال الربع الأول من عام 2024، حيث انخفض العجز التجاري غير البترولي بنسبة 22.9% ليصل إلى 6.4 مليار دولار، مقارنة بـ 8.3 مليار دولار في نفس الفترة من العام السابق. وبلغت الاستثمارات الأوروبية في مصر 67 مليار يورو في عام 2022.
(*) تعزيز آليات التعاون: استمرارًا لجهود تعزيز العلاقات بين مصر ومؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى جانب العلاقات الثنائية بين مصر والدول الأوروبية زارت مسئولة السياسات الخارجية والأمنية بالاتحاد كايا كالاس القاهرة في 23 مارس 2025 وأشار وزير الخارجية والهجرة د. بدر عبد العاطي إلى تطلع الجانبين لتفعيل المحور السياسي في الشراكة الاستراتيجية الشاملة خلال العام الجاري.
وتتعدد آليات التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي ويأتي في مقدمتها مجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي الذي عقد اجتماعه العاشر في يناير 2024.
كما استضافت مدينة شرم الشيخ أول قمة عربية أوروبية في فبراير 2019، واستضافت القاهرة القمة الأولى من فعاليات آلية التعاون مع اليونان وقبرص في عام 2014؛ فضلًا عن اختيار القاهرة مقرًا لمنظمة منتدى غاز شرق المتوسط بعد توقيع مصر على اتفاقية تأسيس المنتدى في عام 2019 بمشاركة اليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا.
واتخذت مصر خطوة مهمة في مسيرة الحفاظ على العلاقات من خلال وثيقة أولويات الشراكة التي توجه التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي حتى عام 2027، فجاء اعتمادها في شهر يونيو 2022 من قبل وزير الخارجية آنذاك سامح شكري ونائب رئيس المفوضية الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية حينها “جوزيب بوريل”، خلال أعمال الدورة التاسعة لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي، الذي عُقد في لوكسمبورج برئاسة شكري وبوريل.
وانعقدت العديد من اللجان المشتركة وجولات المشاورات والمباحثات بين مصر والعديد من دول ومؤسسات الاتحاد، وانعقد مؤتمر الاستثمار الأوروبي الأول في مصر نهاية يونيو 2024 وهو أولى ثمار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجانبين في مارس 2024 والتي تضمنت توفير حزم للدعم المالي وتعزيز الاستثمارات والتعاون الاقتصادي بين الجانبين.
وتعتبر وثيقة أولويات المشاركة بمثابة إطار للتعاون بين الجانبين خلال الفترة من 2021 إلى 2027 وقد تضمنت التأكيد على أهمية استمرار التعاون بين الجانبين للمساهمة في حل النزاعات وبناء السلام وتعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي، ولمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية في المتوسط والشرق الأوسط وإفريقيا.
وتهدف الوثيقة إلى معالجة التحديات المشتركة التي تواجه الاتحاد الأوروبي ومصر، وتعزيز المصالح المشتركة، وضمان الاستقرار على المدى الطويل والتنمية المستدامة على جانبي البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز التعاون وتحقيق الإمكانات غير المستغلة للعلاقات .
(*) تعزيز الأمن في حوض المتوسط: هدفت الشراكة الاستراتيجية إلى تعزيز الأمن في حوض البحر المتوسط عبر دعم منتدى غاز شرق المتوسط كمنظمة إقليمية، وعليه ستصبح منظمة غاز الشرق الأوسط إحدى الأدوات المهمة للسياسة الخارجية المصرية لتحقيق الأمن في المنطقة، في ظل الضبابية وحالة عدم الاستقرار التي تعانيها دول شرق المتوسط، كما واجهت المنظمة عددًا من التحديات الحقيقية التي تتعلق بعملها كمنظمة إقليمية لدول شرق المتوسط، وأشار عدد من المراقبين لضرورة توسيع عضوية المنظمة لتشمل باقي دول المنطقة مثل: سوريا وليبيا وربما تركيا لاحقًا.
أهمية ترفيع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي
تحمل ترقية العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي أهمية كبرى في عدة مجالات؛ فعلى المستوى الاقتصادي يمكن أن يسهم في نمو اقتصادي مستدام وشامل، مع تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار، حيث بلغ التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي 32.6 مليار يورو في عام 2023، يمثل ذلك نحو 27% من تجارة مصر الخارجية.
كما يمكن أن يساعد في دعم الاقتصاد المصري، الذي يعاني من أزمة نقد أجنبي. يمكن أن يعزز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، مما يساهم في تعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ويمكن أن يعزز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي، ومحاصرة أزمة الهجرة غير النظامية، التي تواجه الدول الأوروبية حيث استضافت مصر أكثر من 9 ملايين مهاجر ولاجئ في دول الأزمات في إفريقيا والعالم العربي،. كما يمكن أن يساهم ترفيع العلاقات في تعزز التعاون في مجالات أخرى، مثل التعليم والثقافة والصحة[6].
كما تدعم الشراكة تطوير آليات اتخاذ القرار وحل المنازعات في إطار منظمة غاز شرق المتوسط التي تتمثل في معالجة الظروف الحالية لسوق الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي وأسعار الغاز العالمية، وسيتوقف نجاح المنظمة إلى حد كبير على تطور الأوضاع السياسية والجيوبوليتيكية في شرق المتوسط، ولمواجهة هذا التحدي الخطير يقترح عدد من الخبراء ضرورة أن ترتقي المنظمة الوليدة من كونها تجمع طاقوى إلى أن تصبح تجمع أمني لمنطقة شرق المتوسط، على غرار ما حدث من تطور للجماعة الأوروبية للفحم والصلب، والتي تحولت لاحقًا إلى ما يعرف بالاتحاد الأوروبي[7].
في النهاية، تشكل هذه المجالات أساسًا لتعزيز العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، مما يسهم في تحقيق استقرار وتعاون أكبر في المنطقة، ويمكن القول إن الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي تعتبر شراكة اقتصادية وتجارية مهمة، تهدف إلى تعزيز التعاون في العديد من المجالات، وتعزيز التنمية الاقتصادية في مصر، كما تعتبر مصر بوابة رئيسية للاتحاد الأوروبي لدخول الأسواق الإفريقية والشرق الأوسطية. كما أن هناك تعاون واعد بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، خاصة في مجال الطاقة المتجددة، إلى جانب التعاون السياسي والأمني في حلحلة الأزمات الإقليمية.