هشتاجات الحرب: كيف تناولت ” السوشيال ميديا” الأزمة الأوكرانية؟

د. أماني محمود-خبيرة شئون الإعلام الجديد.

منذ أن بدأت بوادر الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تلوح في الأفق، على خلفية الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، ظهرت حالة من القلق والخوف والترقب على مواقع التواصل الاجتماعي في العديد من الدول العربية، نتيجة تزايد احتمالات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما حدث بالفعل عندما قامت القوات الروسية بالهجوم على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي، فما هي أبرز الهشتاجات التي ارتبطت بهذه الأزمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما سنحاول استعراضه في هذا التحليل.

هشتاجات متصدرة:

 تفاعل رواد وسائل التواصل الاجتماعي مع الأخبار المتداولة حول الأزمة الروسية الأوكرانية قبل وقوع الحرب فعليا؛فبينما استبعد البعض فكرة اندلاع الحربلاعتقادهم أن “روسيا ليست غبية لهذا الحد لكي تدخل نفسها بحرب استنزافية،رأى آخرون أن “أمريكا والاتحاد الأوروبي يسعون لتوريط أوكرانيا بالدعم الإعلامي وإذا حصل الغزو فسوف يتخلون عنها”.

ومن ذلك، ما نشره أحد رواد مواقع التواصل “كان عليك زيلينسكي أن تعمل على إرضاء المواطن واطلاعه بدورك كرئيس يعمل ليل نهار لإيقاف الحرب لطالما الانتصار مستحيلاً أو ليس هدفكم ولا هدف مواطنيكم،،، أنتم في ورطة صنعها لكم حلفائكم الذين تركوكم تواجهون الموت والدمار وأي دعم لكم فيريدوا به مزيداً من الدمار والضحايا وليس دعم يصنع لكم الانتصار المستحيل بنظرهم”.

 ونشر أخر: “الشعب الاوكراني ثاني أفقر الشعوب الأوروبية … سواء كان الحكم قبل 2014 تحت مظلة روسيا وبعدها تحت مظلة أمريكا والناتو لم يغير شيء من حالتهم الاقتصادية، وكان على أوكرانيا أن توازن في العلاقات بين أمريكا وروسيا للحفاظ على أمن شعبها …لا أن تستفز جارتها وهي دولة عظمى بالتصريح بالرغبة بامتلاك سلاح نووي والانضمام للناتو مدفوعة من الناتو وزيادة نشاط الحركة القومية النازية داخل اوكرانيا كلها ادت الى استفزاز روسيا وغزوها لأوكرانيا…لأن الخاسر في الاخير هو الشعب الاوكراني… العلاقات الدولية تحتاج الي رجل دولة سياسي لا إلى كوميدي مهرج”.

 ومن ضمن ما نشر أيضا: “أن القيادة الأوكرانية تدرك أنها لنتستطيع مجابهة الروس لكن جعلت من بلدها وشعبها بيدق لمعاقبة روسيا اقتصاديا والغرض اضعافها لأنها باتت خطر على امريكا إن من مشاكل الزمان عقول بعض الناس التي تفكر بطريقه غريبة… لو أراد الاتحاد الأوروبي ضم اوكرانيا إليه لفعل ذلك دون تصريح منك او طلب … تعرضون شعوبكم إلى الخطر من أجل أكذوبة”، واعتبر البعض أن الحرب إن حصلت “ستغير موازين القوى في العالم لتصبح الصين الدولة العظمى وبعدها روسيا”.

وتفاعل مغردون سوريون مع القضية بشكل واسع، وذلك بسبب الدور الروسي الكبير في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد. إذ اعتبر كثير منهم أن التجربة الأوكرانية ستكون “بطريقة ما مشابهة لما مر به السوريون على مدى أكثر من عقد وفي اليوم التالي، شهدت هذه المواقع تفاعلا واسعا مع خطورة المشهد.

وكان من أبرز الهشتاجات الأكثر تداولا في معظم الدول العربية منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، هشتاج: #الحرب_الروسية_الأوكرانية، ثم العنوان #الحرب_العالمية_الثالثة، وذلك نتيجة زيادة مخاوف عدد كبير من المتابعين من أنتؤدي هذه الحرب في حال تطورها إلى ما وصفه ناشطون بحرب كبرى، ورأي بعض المغردين تقديم نصيحة إلى أطراف الحرب، بأن عليهم أن يستفيدوا من “المنطقة العربية التي شهدت صراعا وقتالا منذ آلاف السنين على الأقل”.

ما بين المزاح والانزعاج:

غالباً ما يتعاملرواد مواقع التواصل مع الأزمات بمنطلق متباين، ما بين خفة الدم والانزعاج؛ نتيجة ما يمكن أن تؤول إليه تلك الأزمات والأحداث، فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعيموجات من المزاح، بعد دخول القوتالروسية إلى الأراضي الأوكرانية، وارتبط المزاح بقدوم الفتيات الأوكرانيات إلى العالم العربي، كلاجئين فارين من آثار الحرب، وانتظار الشباب لهن، حتى يتثنى لهم فرصة الزواج من أوكرانيات، واصفين إياهن بـ “الجميلات.

بالمقابل خرجت موجات عالية من السخط والضجر، من قبل بعض النشطاء والكُتّاب والمشاهير، رافعين شعار «الحرب ليست مادة للسخرية»، وأبدوا اعتراضهم على استخدام الحرب في السخرية والضحك، في حين أن هناك شعبًا كاملًا يعاني من تأثير حرب، وتفكك أسري، وسقوط قتلى، مؤكدين أن ذلك شيء «مؤسف» ولا يجوز الحديث عنه بهذا الشكل.

ومن تلك التعليقات الساخطة على الحرب، ما كتبته إحدى الناشطات: «أبوخ حاجه ممكن تشوفها وأنت تقرأ أخبار الحرب وكمية الخراب اللي ناس هتشوفها وزيادة في الأسعار هتوصل لنا حتى واحنا مش طرف أصلا هو تريند بنات أوكرانيا والله يا جماعه الموضوع مش مضحك بجد»، كما سجلت أخرى، تحمل جنسية فلسطينية، اعتراضها «شي محزن جدًا انه البلد الي داقت ولسا عم تدوق كل ما تحمله الحرب من بشاعة ووجع وتهجير هي نفسها الي يطلع منها نكت على الوضع المشابه المتوقع يصير ببلد تاني.. معقول نقلب الموضوع ليصير محوره بنات أوكرانيا و”التغريبة الأوكرانية هاها”؟ الحرب لعنة وما يصير نشوفها غير هيك”.

تباينات وانقسامات:

مع دخول الحرب لأيامها الأولى، ظهرت عدة منشورات عربية على مواقع التواصل الاجتماعي تشيد وتمجد شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. منشورات تساند مواقف الرجل الذي أدخل العالم في غضون أيام قليلة في خضم أزمة سياسية وعسكرية وجيوسياسية حادة، تجاوزت في تداعياتها الحدود الجغرافية لروسيا وأوكرانيا، حيث دفعت بعض الخبراء إلى الحديث عن احتمال نشوب أولى الحروب العالمية في القرن الحادي والعشرين، يعتقد أن “جانب من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وحتى من عامة الناس في العالم العربي معجبون بالرئيس الروسي من منطلق إعجابهم بالقوة التي يمثلها”، ويضيف خبير: بأن “الشعب العربي والشباب على وجه الخصوص لديه اليوم معرفة ودرجة اطلاع واسعة على ما يحدث حوله بفضل الثورات التكنولوجية الحديثة، ويبني مواقفه بشكل منطقي وليس من فراغ. كما أن هناك عموما إعجاب في العالم العربي بالشخصيات القوية والكاريزماتية حتى المثيرة للجدل منها كالرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون مثلا”.

ويبدو أيضا أن: موقف الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” من القضية الفلسطينية ومساندة إسرائيل، فسره البعض بأنه السبب وراء الدعم الذي يلقاه بوتين لدى جانب من الرأي العام العربي لمواقفه المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية المساندة بدون هوادة لإسرائيل، فضلا عن أن روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفياتي كثيرا ما كانوا يشكلون دعما للعرب في قضاياهم المصيرية كالقضية الفلسطينية أو الحرب على العراق أو العدوان الثلاثي ضد مصر في 1956″، كما أعادت مشاهد القوات الروسية المتجهة صوب أوكرانيا ذكريات عديدة لمغردين عربعبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في الدول التي شهدت حروبا في السنوات الأخيرة مثل سوريا والعراق واليمن.

وقد انقسم مغردون بين مؤيد للموقف الروسي الذي “يدافع عن سيادة دولته”، وآراء معارضة للتوغل الروسي، والذي وصفه كثيرون بـ”غير القانوني” وأنه يشكل “انتصارا للديكتاتوريات” حول العالم، فكتب أحدهم:”بمعزل عن الجغرافيا والتوازنات الدولية والحسابات المختلفة، الجانب الأيدلوجي هو الأهم برأيي في الحرب كل انتصار للبوتينية أو تقدم يعني في المستوى ذاته انتصارا للديكتاتوريات هذا عمل جبان من روسيا”، بينما كتب آخر: “لا نعتقد ان روسيا بهذا الضعف والسذاجة كي تتكبد خسائر فادحة وكل ما يجري هو بسبب القيادة الاوكرانية التي لم تتخذ الحياد بين روسيا وامريكا والغرب لحفظ سلامة شعبها واراضيه ونتمنى السلامة للجميع وان تنتهي هذه الكارثة التي يصنعها السياسيين ويذهب ضحيتها الشعوب”.

آراء وتفاعلات:

مع دخول الحرب ليومها الثالث، استمرت تعليقات المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أكثر ما آثار مخاوف المغردين، هو اتخاذ بوتين بقرار وضع قوة الردع النووية في حالة تأهب،فكان من أبرز ردودأفعال المغردين: “بوتين أعطى أوامر لوزير الدفاع وقائد الجيوش الحربية بوضع قوة الردع النووية في تأهب وهذا يدل على أن بوتين بدا يفقد البوصلة، أوكرانيا قلبت جميع توقعات وحتى امريكا نفسها اعترفت بأنها لم تتوقع صمود الدفاعات الأوكرانية بهذا الشكل.

لكن ظهرت العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث عن صمود اوكرانيا أمام روسيا ووقوف الشعب الأوكراني بجانب الجيش وتوثيق ذلك بالصور والفيديوهات، وظهرت تغريدات مثل: “فعلا طلع وأكفاء ووقفة الشعب معهم رفعت من معنوياتهم”، وذكر أخر: “قلنا من أول يوم ..أوكرانيا ليست سوريا..أوكرانيا دولة صناعية مصدرة للسلاح صاحبة تكنولوجيا تضاهي الروس”، لكن رد أحدهم عليه: “يا سيد بالمختصر الروسي لن يدخل المدن بل سيحاصرها وبعد فترة سيفتح ممرات امنة للمدنيين للخروج منها ووقتها سيبقى العسكريين وسيقوم باستهدافهم وذلك للتخفيف من قتل المدنيين”.

وظهرت تعليقات أخرى كثيرة، تتمنى أن تنتهي هذه الحرب مع ذكر أنها لو استمرت سوف يتضرر العالم بأكمله ومن تلك التعليقات من ابتهل إلى الله بالدعاء:” يا رب ارزقنا السلام في جميع انحاء العالم لا نريد مزيدا من الضحايا”، فقد كتب بعض الرواد:”بوتن سيعود لبلاده شاء ام ابى وغصبا عنه سيعود ولكن هو يلعب على كسب اوراق وهى اسقاط الحكومة الموالية للغرب وتغييرها بحكومة موالية لروسيا والورقة الثانية هي إخلاء أوكرانيا من سلاحها وجعلها بدون سلاح للدفاع عن نفسها وتكون مجرد ارض فاصلة بينه وبين اوروبا اما في حالة احتلاله اوكرانيا بالكامل سيواجه اوروبا وجها لوجه وهذا ما لا يريده بوتن ولهذا سوف يعود مجبرا يجر ازيال الهزيمة وعدم وجود مكاسب له وينتظر العقوبات الاوربية والعالمية والعزلة الدولية بجانب عودة بن لادن جديد صناعة امريكية اوربية مشتركة ومع الوقت ستضعف روسيا يوما بعد يوم وهذا ما تعمل عليه الولايات المتحدة وعندها يكون العالم كله تحت قيادة القطب الواحد وهى أمريكا وينتهي عالم القطبين.

استنتاجات ومشاهدات:

من خلال ما تم رصده من تعليقات المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، تبين أن أهم استنتاجات المغردين حول الحرب الروسية الأوكرانية، هو “التمييز الأوروبي”، خاصة ضد العرب والأفارقة، ومن أبرز شواهد هذا التمييز:

(*) توثيق التمييز الغربي: حيث وثقت حسابات عدة على وسائل التواصل الاجتماعي عمليات التمييز التي تعرض لها عرب وأفارقة على الحدود مع بولندا، حيث لم يسمح لهم بعبور الحدود والحصول على مأو، فكتبت: التمييز ضد “الغريب” لا ينتهي.. حتى خلال المعارك فالحرب الدائرة في أوكرانيا لم تغير شيئا من نهج حكومات الدول المجاورة المناهضة للهجرة والمهاجرين، بل على العكس، وكأن تلك الحرب كانت فرصة لتكريس رفضهم لاستقبال “المختلف”.

كما ضجت خلال الأيام القليلة الماضية حسابات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي بمدى التمييز الذي يتعرض له “العرب وذوي البشرة السمراء” على حدود الدول المجاورة لأوكرانيا، تلك الدول لم تتكبد حتى عناء شرح موقفها من الحاصل على الحدود، بولندا مثلا اشترطت على مواطني البلدان الثالثة (خارج الاتحاد الأوروبي) الاتصال بسفاراتهم في أوكرانيا لتأمين خروجهم، كما عليهم أن يكونوا حاملين لوثائق سفر ولإقامات سارية في أوكرانيا، قبل أن يُسمح لهم الدخول إلى البلاد لمدة 15 يوما فقط قبل أن يعودوا لبلدانهم الأصلية.

حساب آخر على تويتر نقل شهادة لشخص أفريقي مقيم في أوكرانيا وكان يسعى للهرب إلى بولندا، قال فيها:”إنه لا يسمح لأحد بعبور الحاجز (إلى بولندا)، سوى الأوكرانيين. حتى لو كانت امرأة سوداء مع أطفالها، لن يسمح لها بالمرور” وهناك العديد من النماذج الأخرى.

 (*) تمييز الإعلام الغربي: فقد وقع كذلك عدد من المراسلين والصحفيين التابعين لوسائل إعلامية دولية في فخ التمييز، مع وصفهم الأوكرانيين بأنهم “بيض ومتحضرين”، في مقارنة غير مباشرة مع المهاجرين الذين “اعتادت” تلك الدول على استقبالهم، إذ قالوا: “هؤلاء لاجئين بيض البشرة وشقر، ينتمون لنفس الحضارة، ربما من أجل ذلك تسهل بولندا دخولهم إلى أراضيها”. “معظمهم مسيحيون، يملكون حسابات على إنستغرام ونتفليكس”. “إنهم متحضرون”….، وهذا بعضا مما تفوه به صحفيون تابعون لمؤسسات إعلامية غربية ضخمة، كانوا يتحدثون عن تسهيل بولندا دخول اللاجئين الأوكرانيين إلى أراضيها، في حين تُفرض تقييدات معينة على غير الأوكرانيين.

(*) التمييز الرسمي: ظهر ذلك من خلال عدة تصريحات، منها تصريح منسوب لرئيس وزراء بلغاريا، قال “سنرحب باللاجئين الأوكرانيين، فهؤلاء أوروبيون أذكياء ومتعلمون، ولا يملكون ماضيا غامضا كأن يكونوا إرهابيين”.

بالنهاية يمكن القول أن تعليقات المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، عكست العديد من الآراء والانطباعات الشخصيةحول الحرب الروسية – الأوكرانية، وبالوقت ذاته، نقلت مشاهد حية من ساحات الأحداث، وأظهرتأشياء لم يكن لترصدها وسائل الإعلام، لتظل الهشتاجات والتعليقات ذات الأهمية في رصد بعضا من الجوانب المخفية عن الأحداث.

ولا يسعنا إلا نقل ما تداوله الكثيرون من مقولة “محمود درويش”: “ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل، لاأعلم من باع الوطن ولكنني رأيت من دفع الثمن.

 

زر الذهاب إلى الأعلى