عبدالسلام فاروق يكتب: عامان على الحرب.. هل انتهت فعلاً؟

بعد عامين من الحرب الإسرائيلية علي غزة التي خلفت أكثر من 79,220 شهيداً وتدمير مئات الآلاف من المنازل، يطفو على السطح سؤال مصيري: هل انتهت الحرب فعلاً؟ مع توقيع اتفاق شرم الشيخ التاريخي في أكتوبر 2025، قد يبدو أن الصراع قد وصل إلى نهايته، لكن التحليل الاستراتيجي المتعمق يظهر أن المشهد أكثر تعقيداً من مجرد توقيع اتفاق. فالحرب ذات الأبعاد المتعددة لم تتوقف، بل تحولت من مواجهة عسكرية تقليدية إلى صراع وجودي أكثر تشابكاً، تتداخل فيه العسكري مع السياسي والنفسي والاقتصادي في مشهد إقليمي ودولي متغير.
1-المشهد العسكري: من المواجهة المباشرة إلى حرب الاستنزاف
تطورات جديدة: اتفاق شرم الشيخ
شهد المشهد العسكري تطوراً مهماً مع توقيع اتفاق شرم الشيخ في أكتوبر 2025، الذي يمثل خطوة تاريخية نحو إنهاء الحرب وفقاً لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد أعلن القيادي في حركة حماس خليل الحية أن “الحرب انتهت بشكل تام” بعد أن تلقت الحركة “ضمانات من الإخوة الوسطاء ومن الإدارة الأمريكية”.
بنود الاتفاق الجديد:
· وقف شامل لإطلاق النار: بدء تنفيذ الاتفاق خلال 72 ساعة من الموافقة
· تبادل الأسرى: تطلق حماس الرهائن الإسرائيليين الأحياء والرفات، مقابل إطلاق إسرائيل لأسرى فلسطينيين
· انسحاب إسرائيلي تدريجي من محيط قطاع غزة
· إدخال المساعدات: ما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات يومياً إلى غزة
· إعادة تشغيل معبر رفح في الاتجاهين وفق اتفاق يناير 2025
استمرار التحديات العسكرية:
رغم هذا الاتفاق، تشير التحليلات العسكرية إلى أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية الرئيسية بعد عامين من الحرب، حيث لم تتمكن من تدمير القوى العسكرية لحماس بشكل كامل، ولا من تفكيك البنى التحتية للمقاومة بشكل حاسم. وقد تحول نمط القتال من مواجهات شبه تقليدية إلى حرب عصابات لا مركزية تعتمد على عمليات نوعية وهجمات كر وفر داخل أحياء مدمرة وأنفاق معقدة.
2-المشهد السياسي: استراتيجيات متقاطعة وأجندات متناقضة
تواجه الحكومة الإسرائيلية انقسامات حادة حول الاتفاق، حيث أعلن الوزير اليميني المتطرف إيتمار بن غفير معارضته للاتفاق وتهديده بإسقاط الحكومة، قائلاً: “لا أستطيع التصويت لصالح اتفاق يطلق سراح هؤلاء الإرهابيين القتلة”. وهذا يعكس الاستقطاب السياسي الإسرائيلي الذي قد يهدد استقرار الاتفاق.
من جهتها، تمكنت حركة المقاومة من تحقيق مكاسب دبلوماسية من خلال هذا الاتفاق، حيث أكد خليل الحية أن الاتفاق يشمل “إنهاء الحرب والعدوان والبدء بتنفيذ وقف دائم لإطلاق النار.. وانسحاب قوات الاحتلال ودخول المساعدات وفتح معبر رفح في الاتجاهين”. لكن الحركة تواجه أيضاً تحديات، حيث رفضت بشكل قاطع خطة ترامب لتشكيل “مجلس السلام” الذي يهدف إلى الإشراف المؤقت على إدارة قطاع غزة.
الدور الأمريكي والإقليمي:
لعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دوراً محورياً في الوساطة، معتبراً الاتفاق “صفقة عظيمة لإسرائيل، وللعرب، وللمسلمين، وللعالم أجمع”. كما أكد أن عدداً من الزعماء والقادة الدوليين سيحضرون مراسم توقيع الاتفاق النهائي.
أما على المستوى الإقليمي، فقد كشفت مصادر عن قيام مصر وقطر والسعودية والأردن بإدخال تعديلات على المبادرة الأمريكية لوقف الحرب، تتضمن “انسحاباً إسرائيلياً تدريجياً وكاملاً من القطاع، ونشر قوّات دولية على حدوده، وإدارة فلسطينية تكنوقراط للقطاع”.
2-المشهد الاقتصادي: تكاليف باهظة وتبعات طويلة الأمد
رغم المرونة النسبية للاقتصاد الإسرائيلي، تشير التقديرات إلى أن إسرائيل تكبدت خسائر اقتصادية فادحة، مع توقع استمرار التداعيات لسنوات قادمة. والأخطر هو العزلة الدولية المتزايدة التي تهدد البنية الاقتصادية الإسرائيلية المعتمدة على الصادرات والشركات الدولية.
أما في غزة، فالصورة أكثر قتامة، حيث دُمر الاقتصاد شبه كلياً، لكن الاتفاق الجديد يفتح آفاقاً لإعادة الإعمار، حيث أشار ترامب إلى أنه “سيتم بناء غزة من جديد، وهناك دول ثرية أبدت استعدادها للمشاركة في عملية الإعمار”. كما تم الاتفاق على “إدخال ما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات يومياً إلى غزة، تشمل مواد غذائية وطبية ووقوداً وغازاً، بإشراف وكالات الأمم المتحدة”.
3-المشهد الإقليمي: تحالفات متغيرة وأدوار جديدة
يشير عدد من المراقبين إلى أن اتفاق شرم الشيخ سيكون له تداعياته على معادلات الشرق الأوسط بأسره، حيث يمس مختلف القوى الإقليمية وميزان التوازنات بشكل مباشر أو غير مباشر. في إيران، مثلاً، يُنظر إلى الاتفاق من زاويتين متضادتين: بين من يرى في بقاء حماس في موقع التفاوض بعد حرب طويلة “انتصاراً استراتيجياً للحركة ومحور المقاومة”، وبين من يرى أن المقاومة “باتت عبئاً يقيّد الدولة الإيرانية في زمن الحصار والضغوط الدولية”.
أدوار فاعلة جديدة:
في هذا المشهد، برزت أدوار إقليمية جديدة، حيث لوحظ انخراط متزايد لقطر في الشأن الفلسطيني، بينما حافظت مصر على دور الوساطة التاريخي، كما يتجلى في استضافة مدينة شرم الشيخ لتوقيع الاتفاق. كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعم الاتفاق بقوة.
4-المشهد الإنساني: معاناة متعددة الأبعاد
رغم الاتفاق، تظل المعاناة الإنسانية في غزة كارثة حقيقية، حيث تشير تقديرات المنظمات الإنسانية إلى أن أكثر من 80% من سكان غزة نزحوا عن منازلهم، فيما يواجه مئات الآلاف خطر المجاعة، وسط انهيار كامل في الخدمات الصحية والتعليمية. ويصف الدكتور أيمن عبد الوهاب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية المشهد بالقول: “ما يحدث ليس حرباً بين طرفين متكافئين، بل هو عملية تدمير شامل وتهجير جماعي”.
يتضمن الاتفاق آلية لمعالجة الأزمة الإنسانية، حيث تنص الوثيقة على “تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة إلى جانب ممثلين عن حماس وإسرائيل، لمتابعة التنفيذ وضمان الالتزام بالبنود المتفق عليها”. كما سيتم “إطلاق برنامج لإزالة الركام وتوسيع المخيمات المؤقتة لاستيعاب النازحين”.
السلام الهش والصراع المتواصل:
في الحاصل الأخير يمكننا القول إن الحرب لم تنتهِ فعلاً، بل دخلت مرحلة جديدة أكثر تعقيداً. فالاتفاق رغم أهميته التاريخية، يظل هشاً وعرضة للانكسار في أي لحظة، خاصة في ظل: الانقسامات السياسية الإسرائيلية التي تهدد استقرار الاتفاق ، بالإضافة إلي رفض حماس لبعض بنود المرحلة الانتقالية مثل مجلس السلام بقيادة ترامب، وكذلك استمرار الخلافات الجوهرية حول قضايا الحل النهائي، والاستقطاب الإقليمي وتضارب المصالح.
بالتالي فإن المعركة الحقيقية انتقلت من ساحة القتال العسكرية إلى ساحات جديدة أكثر تعقيداً: ساحة المفاوضات حول صيغة الحكم في غزة، وساحة إعادة الإعمار والتنافس على موارده، وساحة الصراع السياسي والدبلوماسي الإقليمي والدولي.
في هذا المشهد المتشابك، يبدو أن الحرب الباردة بين المشروعين الصهيوني والفلسطيني ستستمر، وإن اتخذت أشكالاً جديدة، حيث تتحول المعركة من مواجهة الصواريخ إلى صراع الإرادات وحرب البقاء التي ستحددها قدرة كل طرف على تحمل كلفة الاستمرار في ظل توازن قوى مختل وإقليم متحول.
فالحرب التي بدأت بالصواريخ ستستمر بالوسائل الأخرى، وستظل إرادة الشعوب هي المحك الحقيقي الذي سيفصل في النهاية بين مشروع يبحث عن الحياة وآخر يتجه نحو المجهول.
abdelsalamearouk@yahoo.com