التمييز الممنهج.. كيف تفند السياسات الإسرائيلية قانون الحماية؟

فرناس حفظي- باحثة في الشأن العبري

في قلب الصراعات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط، تتكشف قصة غير مرئية خلف جدران الملاجئ والمناطق المحصنة، وفي الوقت الذي يتمتع فيه بعض السكان ببرامج حماية شاملة، يظل الفلسطينيون في الداخل الإسرائيلي، تحت رحمة الإهمال والتهميش.

 تخيلوا للحظة، كيف يمكن لأحدهم أن يسير في شوارع بلدة عربية، في الوقت الذي تتساقط فيه صواريخ من السماء، بينما يعيش جيرانه في مجتمعات يهودية تحت مظلة من الأمان المزعوم. هل يُعقل أن تُحدد قيمة حياة البشر بحسب هويتهم؟ هذه هي أسئلة تتردد بين جدران الملاجئ المُخصصة حصريًّا لليهود، بينما يُترك الفلسطينيون عرضةً للخطر، بلا أدنى اعتبار لحياتهم أو سلامتهم.

تعتبر الملاجئ في إسرائيل هي خط الدفاع الأخير و الحصن والمهرب من الهجمات الصاروخية التي تطلق على دولة الإحتلال، بعد منظومة الدفاع الجوية ، حيث يحتمي بها الإسرائيليون عند سماع  دوي صفارات الإنذار، وهناك فئات مختلفة للملاجئ منها الخاصة والمشتركة والعامة.

ووفقا لصحيفة الجارديان البريطانية عام 2017 يوجد في إسرائيل نحو مليون ملجأ. وقد تم إنشاء الملاجئ مع إعلان قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948، وقد ألزم القانون المدني في إسرائيل في بداية الخمسينيات بإنشاء ملاجئ عامة في جميع المدن، وفي عام 1991 عقب الهجوم الصاروخي العراقي، أصبح المقاولون ملزمين بإنشاء ملاجئ في كل المنازل.

وتنقسم الملاجئ في إسرائيل إلى عدة أنواع رئيسية، مأوى خاص في الأماكن السكنية، ومأوي مشترك، مأوي مزدوج الغرض، ومأوى المؤسسات عامة، بالإضافة إلى ذلك ، هناك ملاجئ عامة مخصصة للاستخدام العام في حالات الطوارئ.

(*) ملجأ خاص: مخصص للاستخدام من قبل العائلة التي تسكن المنزل أو البناية، لذلك فإن صيانتها والحفاظ عليها مسؤولية أصحاب المنزل.

(*) ملجأ مشترك: ملجأ يخدم جميع سكان البناية أو المبنى السكني، ويتحمل السكان جميعا مسؤوليته من حيث الصيانة والحفاظ عليه.

(*) ملجأ مزدوج الغرض: وهو الملجأ الذي يستخدم بشكل روتيني لأغراض مختلفة مثل الكنيس أو النادي وفي حالة الطوارئ يستخدم كمأوى.

(*) الملاجئ العامة: ملاجئ مخصصة للعامة، مثل الملاجئ تحت الأرض أو الملاجئ الموجودة في المحطات المركزية ، ويمكن استخدام بعضها لأغراض أخرى مثل طابق تحت الأرض أسفل مجمع المسارح .

المواصفات:

وتشمل المواد الشائعة المستخدمة في بناء الملاجئ ، حتى تصبح مطابقة لمواصفات الحماية، الخرسانة والفولاذ والألياف الزجاجية ، ويمكن بناء الملاجئ بالخرسانة المسلحة وهى مادة شديدة المتانة أو من كتل خرسانية يتراوح سمكها بين متر ومتر ونصف ، كما يمكن أن تشمل الملاجئ جدرانا من الطوب بسمك حوالي 30 سم ، وفي حالات أخرى   يستخدم الحديد المموج المجلفن ، وتستخدم الخرسانة المسلحة في المناطق السكنية المحمية وهي شائعة في إسرائيل، تبنى هذه المناطق وفقا لمعايير قيادة الجبهة الداخلية وهي مصممة لمقاومة الرصاص والشظايا والصواريخ، كما أنها محكمة الغلق ضد الغاز.

كما يتم تنفيذ نوافذ محصنة تكون مقاومة للشظايا والانفجارات ، كما تزود الملاجئ بأنظمة اتصال للمساعدة في التواصل مع الجهات الخارجية خلال حالات الطوارئ

وتعتمد تكلفة هذه المواد على حجم الملجأ و المتطلبات الخاصة به، هناك أيضا ميزات إضافية للمجأ يمكن إضافتها مثل أنظمة التهوية وتخزين الطعام والماء .

مساحة الملاجئ:

ويشترط القانون الإسرائيلي على ألا تقل مساحة الملجأ الخاص الذي يوجد في المنازل عن خمسة أمتار مربعة، وألا تتجاوز 12،5 مترا مربعا.

ومن المفترض وعلى حسب تعليمات مجلس البلدية الخاص بكل مدينة، أن تتراوح المدة المتاحة للعثور على الملجأ الأقرب والدخول إليه ما بين 10 ثوان إلى 60 ثانية بعد سماع دوي صفارات الإنذار.

ولكن تعكس خارطة انتشار الملاجئ في إسرائيل واقع عنصري و هو يعتبر أحد أهم أشكال التمميز بين السكان خاصة في المناطق التي يسكنها العرب، التي تعتبر مناطق مفتوحة لا يوجد بها أي ملاجئ تحميهم من الصواريخ.

يعيش حوالي نصف المواطنين العرب في إسرائيل، أي نحو 550 ألف شخص، في منازل تفتقر إلى المساحة المحمية القياسية، مقارنة بنحو 26% من السكان بشكل عام.

توصلت دراسة أجرتها جهة رقابية في إسرائيل  إلى أن من بين 71 سلطة محلية عربية، يوجد فقط 11 سلطة لديها ملاجئ عامة، و في الوقت نفسه، يوجد حوالي 130 ألف طالب، ما يعادل ثلث إجمالي الطلاب في المجتمع العربي، يدرسون في مؤسسات تعليمية تفتقر كليًا أو جزئيًا إلى الحماية المناسبة.

كما تشير الإحصائيات إلى أن نحو 29% من المدارس العربية في التعليم الرسمي تفتقر إلى أي شكل من أشكال الحماية، بالمقارنة مع 13% من المدارس الحكومية و12% من المدارس الحكومية الدينية في النظام التعليمي اليهودي.

عدم المساوة في البنية التحتية للدفاع المدني:

ولايقتصر الوضع على المدن العربية في شمال إسرائيل بل أيضا  في الجنوب حيث  تعيش أكثر من 150 ألف مدني في القرى البدوية غير المعترف بها في النقب في أكواخ ومساكن مؤقتة، مما يجعلهم بدون أي شكل من أشكال الحماية،  فهى أماكن  تعتبر مفتوحة، و لا توجد سلطة محلية تتولى أمر توفير الملاجئ بها، مما يدفع هؤلاء السكان إلى اللجوء إلى الأماكن غير الآمنة ، على سبيل المثال، تحت الجسور أو الحفر التي قاموا بحفرها في الأرض،  بل منهم من استخدم أنابيب الصرف الصحي التالفة كملجأ متنقل للحماية .

 الأمر ليس فقط في الجنوب، فالوضع أسوء في الشمال، طمرة وهي مدينة فلسطينية تقع شمال إسرائيل، يبلغ عدد سكانها 37000 نسمة، هي واحدة منها، بينما صفد المدينة اليهودية ذات الحجم المماثل  الذي يبلغ حوالي 42000 نسمة، لديها 138 ملجأ عاما، حتى متسبيه أفيف ، وهي بلدة يهودية صغيرة و قريبة يبلغ عدد سكانها 1100 نسمة فقط بها 13 ملجأ عاما.

وقد أصاب صاروخ إيراني منزلا في هذه المدينة، خلال الهجمات الصاروخية الإيرانية  الأخيرة على إسرائيل، وفي غضون ثوان ، حول الانفجار المنزل الحديث إلى كومة من الأنقاض، مما أسفر عن مقتل أربعة أفراد و إصابة العشرات من جيرانهم.

هذه الحالة تكشف عدم المساواة المنهجية المتأصلة في البنية التحتية للدفاع المدني في إسرائيل ، وفقا لتقرير مراقب الدولة لعام 2018، فإن 60 من أصل 71 بلدية عربية في إسرائيل ليس لديهم ملاجئ عامة.

خيبة أمل إسرائيل:

قال البروفيسور الإسرائيلي ياريف موهار في مقال له بموقع “زمان” ، إن وضع  البدو في النقب، عبر عن خيبة أمل دولة إسرائيل تجاه أجندتها القائمة على العنصرية والتمييز حتى في مجال حق الحياة ، فهناك ازدراء شديد للمواطنين البدو، ولا يتمتعون بالقدرة إلى الوصول إلى المساحات الآمنة و الملاجئ، حيث أن بلدة رهط التي يسكنها حوالي 80 ألف شخص، لا يوجد بها أي ملجأ عام .

فلا يتم تركيب أجهزة إنذار عند إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل ، ولا يتم توزيع معدات حماية ، فهولاء البدو يتعرضوا لخطر كبير جدا ،  ليس هذا فحسب، حيث ذكر موهار أن العديد من النتائج تشير إلى وجود شكوك حول ما إذا كانت هذه المناطق محمية دفاعيا بالقبة الحديدية، لأنها تعتبر مناطق مفتوحة ، مشيرا إلى أن القيادة الإسرائيلية تعتقد أنه “لا يعقل إهدار صاروخ باهظ الثمن لحمايتهم”، لكن موهار يرى أن هؤلاء البدو هم أناس مدنيون  يعيشون مثلهم مثل الاسرائيليين، فيجب حمايتهم.

عنصرية خوارزميات القبة الحديدية:

لا يقتصر الأمر على الضربات الصاروخية المباشرة، بل الأخطر هو سقوط صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية، فهناك مدن عربية في شمال إسرائيل ومنها مجد الكروم تعتبر ثكنات عسكرية ، لوضع بطاريات القبة الحديدية بها ، لأن قيادة الجبهة الداخلية ترى أنها أماكن مفتوحة، وبالتالي تسقط بها الصواريخ ولا يتم اعتراضها، كم ينطبق الأمر على مدينة عكا ، وهو ما يتسبب في إصابة العديد من الفلسطينيين ، وكأنهم يستخدمونهم كدروعا بشرية لحماية المجتمعات اليهودية .

إن العقلية الصهيوينة حولت التكنولوجيا العسكرية ، واستخدمت خوارزميات القبة الحديدية لتحديد المناطق التي يعيش بها العرب في الأراضي المحتلة، لتنفيذ مشروع إبادة ، على غرار الإبادة الجماعية في غزة ولكن بشكل بطئ و إنتقائي.

ويعمل نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، المتمثل في القبة الحديدية من خلال أربعة مراحل،  وتتمثل في رصد الصاروخ وتحديده ثم تقييم خطورته والمرحلة الأخيرة  تشمل استهدافه و سقوطه، فإذا سقط في منطقة مأهولة بالسكان فيتعامل  النظام على التصدي له.

وفي حال غير ذلك يتجاهل النظام الصاروخ ويسمح له السقوط في المناطق المفتوحة، ولكن  نظام القبة الحديدية يصنف الأماكن السكنية التي يقطنها الفلسطنيين المدنيين على أنها أماكن مفتوحة.

لم تتبع إسرائيل آلية القتل المباشر فقط، بل خلقت منظومة الموت المبرمج ، حيث استغلت التكنولوجيا في القضاء على العرب تحت شعار الدفاع عن النفس.

ومن البيانات والأرقام التي وردت  من المصادر الإسرائيلية نفسها، أظهرت الفجوة، وكشفت أن عنصرية الحماية في دولة الاحتلال سواء في الملاجئ أو في نظام القبة الحديدية ، تجعلنا نقف أمام منظومة كاملة لتصنيف الأرواح وفقا للقيمة الاستراتيجية لها.

في الختام، يتضح أن قضية العنصرية في نظام الحماية الإسرائيلي ليست مجرد أرقام وإحصائيات، بل هي إنسانية تعكس معاناة حقيقية يومية يعيشها الفلسطينيون، في ظل الفجوات الصارخة في الحماية، يبقى السؤال المطروح هو: إلى متى ستظل هذه السياسات العنصرية متجذرة في المجتمعات المظلومة.

________________________________________المصادر______________________________________

1/Palestinians in Israel’s north abandoned by authorities as rocket death soar. +972 magazine.

2/ unprotected from Iranians missiles, Palestinians in Israel decry neglect. +972 magazine.

3/ جمعية حقوق المواطن في إسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى