تحركات محسوبة: كيف أصبح البنك الزراعي لاعب مؤثر في تعزيز أهداف التنمية المستدامة؟

تضع الدولة المصرية ثمانية أهداف كُبرى؛ لتحقيق التنمية المستدامة، كخطوة حقيقية نحو إنعاش الوضع الاقتصادي داخل الدولة، وهذه الأهداف لاتستطيع الدولة تنفيذها بمفردها، بل تحتاج إلى مساندة مؤسسات الدولة المختلفة، والبنك الزراعي من أهم النماذج المصرفية التي تُساند الدولة في هذا الهدف، وذلك من خلال الانتشار الجغرافي الكبير وتطبيق المسؤولية المجتمعية بدرجة كبيرة، ومساندة المزارع المصري كما ظهر في برتوكول تعاون البنك مع شركة عمار لتنمية الثروة الحيوانية.
وفي هذا السياق، يتطرق هذا التحليل رصد وقراءة جهود البنك الزراعي في خدمة أهداف التنمية المستدامة، وتأثير هذا الدور على الاقتصاد المصري.
جهود متواصلة:
يواصل البنك الزراعي المصري في تقديم جهود مختلفة تخدم أهداف التنمية المستدامة، وذلك على النحو التالي:
(*) تحسين مستوى المعيشة: يُعتبر هذا الهدف هو الأول في أهداف التنمية المستدامة، وقد عمل البنك الزراعي المصري على خدمة هذا الهدف بشكل كبير، إذ يتوسع البنك في دعم الأسر الأكثر احتياجاً، فقد قام البنك في شهر فبراير الماضي بالمساهمة في تجهيز 250 عروسة، وتوزيع 40 ألف قسيمة مواد غذائية على الأسر المحتاجة في محافظات القناة، وذلك بالتعاون مع مؤسسة حياة كريمة ضمن مبادرة ” يدوم الفرح” التي أطلقتها المؤسسة؛ بهدف تيسير زواج الفتيات؛ تخفيفاً عن الأسر، ومساعدتهم في تحمل تكاليف الزواج المرتفعة، وتتماشى هذه الجهود مع توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تضافر الجهود المختلفة في سبيل تحسين مستوى معيشة المواطنين.
وفي سبيل توفير فرص العمل؛ للقضاء على معدلات البطالة المرتفعة، يقوم البنك الزراعي المصري بتمكين الشباب من خلال العديد من المبادرات مثل مبادرة رواد النيل التي تعمل على توفير الخدمات المالية وغير المالية لرواد الأعمال والشركات الناشئة، فهي تقدم خدمات الدعم المختلفة مثل خدمات تعزيز الابتكار ونشر التوعية عن طريق التدريبات والمنصات الرقمية وخدمات تطوير الأعمال و دعم ريادة الأعمال.
وبالإضافة إلى ذلك يأتي دعم البنك الزراعي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من الأمور المهمة في جهوده نحو تحسين مستوى معيشة المواطنين، إذ أن أكثر من 64% من محفظة البنك الإئتمانية موجهة لتمويل الأنشطة الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، ففي الربع الثالث من عام 2024 ضخ البنك الزراعي المصري نحو 39.8 مليار جنيه؛ لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر كما يوضح الشكل (1).
الشكل (1) يوضح حجم تمويل البنك الزراعي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر في الربع الثالث من عام 2024
(*) العدالة والاندماج الاجتماعي: يُمثل ذلك الهدف الثاني لأهداف التنمية المستدامة، ويُقصد به تحقيق المساواة في الحقوق والفرص، تحقيق العدالة المكانية وسد الفجوات التنموية الجغرافية، تمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا وضمان حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، دعم المشاركة المجتمعية فى التنمية لكافة الفئات، تعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية وتنوعها الثقافي، تعزيز الشمول الرقمي.
ومن جهود البنك الزراعي في الهدف الأول، يتضح أنه يُحقق بعض محاور الهدف الثاني بشكل كبير، وتعزيزاً للشمول الرقمي نجد أن البنك الزراعي شهد تطوراً كبيراً في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي في السنوات الأخيرة، إذ نجح البنك في إطلاق العديد من المنتجات الرقمية المختلفة في قنوات الدفع، حيث انضم لشبكة المدفوعات اللحظية “InstaPay”، كما أطلق محفظة الزراعي الإلكترونية “Agri wallet”، والتي تُعد أحدث خدماته الرقمية، وذلك لتيسير حصول العملاء على أفضل الخدمات المصرفية وتيسير دفع الفواتير وتحويل الأموال بأمان وسهولة عبر الهواتف المحمولة.
وبالإضافة إلى ذلك أعلن البنك الزراعي مؤخراً عن تشغيل نظام بنكي جديد يُسمى ” فينيكال” والذي يُمثل أحدث تكنولوجيا لمنظومة بنكية في العالم، ومن هنا يُمكن القول أن الاتجاه التكنولوجي الكبير للبنك الزراعي المصري يُحقق هدف تعزيز الشمول الرقمي.
(*) اقتصاد تنافسي متنوع: تُساهم جهود البنك الزراعي المصري في جعل الاقتصاد المصري متنافس ومتنوع بشكل كبير من خلال تقديمه أسعار فائدة مُخفضة على العديد من القروض التي يُقدمها، إذ يُقدم البنك الزراعي قروض ميسرة بعائد 5% فقط؛ لدعم المشروع القومي للبتلو، إذ وصل مجموع هذه القروض إلى 25 مليار جنيه، كما أن البنك طرح مبادرة؛ لتسوية الديون المتعثرة، استفاد منها 330 ألف فلاح بإجمالي مديونية تُقدر بحوالي 8 مليار جنيه.
وبالإضافة إلى ذلك قام البنك في نهاية أبريل 2025 بتوقيع بروتوكول تعاون مع شركة العمار لتنمية الثروة الحيوانية ؛ لتمويل صغار المربين في شراء رؤوس الماشية المُحسنة وراثياً بعائد 5% ولمدة 5 سنوات بتوفير التمويل الميسر لصغار المربين والمزارعين لشراء وتغذية رؤوس الجاموس والأبقار الحلاب المحلية بعائد 5 % متناقص ، على أن يسدد المربي قيمة القرض بقسط شهري لا يتجاوز ألف جنيه فقط لمدة 5 سنوات، والمبلغ المتبقي من إجمالي قيمة التمويل علي أقساط سنوية، مع حصول المربي على فترة سماح 12 شهراً مع بداية التمويل تيسيراً على المربين، في حين تلتزم الشركة بتوريد رؤوس الماشية بمتوسط 100 إلى 150 رأس شهرياً، علاوة على تقديم الدعم الفني والبيطري للمربين خلال فترة التمويل.
ومن ناحية أخرى قام البنك بمد قرار الإعفاء من مصاريف إصدار البطاقات الائتمانية حتى 30 يونيو 2025، كما أنه اتاح خلال شهر إبريل الحالي باقة مجانية من المنتجات البنكية، وهو الأمر الذي يدعم الشمول المالي بشكل كبير.
(*) المعرفة والابتكار والبحث العلمي: دعم البنك الزراعي هذا الهدف بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، إذ أنه شارك في مبادرات بالتعاون مع المؤسسات البحثية مثل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا؛ لدعم الابتكار العلمي وتعزيز البحث العلمي في مصر، كما أن البنك يعمل على دعم الابتكار في قطاع الزراعة من خلال دعم تقنيات الزراعة الحديثة مثل الزراعة الدقيقة والري الذكي، بالتعاون مع شركات التكنولوجيا الزراعية، وبالإضافة إلى ذلك ساهم في المبادرات التي تهدف إلى توجيه الأبحاث العلمية؛ لخدمة المجتمع ومواجهة التحديات الاقتصادية.
(*) نظام بيئي متكامل ومستدام: يقوم البنك الزراعي المصري بتحفيز الممارسات الزراعية الصديقة للبيئة بشكل كبير، إذ أنه يقوم بتمويل التحول من الري بالغمر إلى الري الحديث، فضلاً عن استخدام الطاقة الشمسية في الزراعة، إذ يُقدم البنك قروض بفوائد ميسرة للمزارعين؛ لشراء معدات زراعية صديقة للبيئة، كما أنه يعمل على دعم مشروعات الزراعة العضوية والذكية التي ينخفض فيها استهلاك الأسمدة الكيمائية، كما أنه يُشجع المزارعين على جمع المخلفات بدلاً من حرقها، فضلاً عن تمويل مشروعات بيئية مختلفة كما يوضح الشكل(2)، إذ أن البنك يمول مشروع البيوجاز، وتمويل الميكنة الزراعية وتمويل نظم الري بالطاقة الشمسية.
الشكل (2) يوضح تمويلات البنك الزراعي المصري لدعم الاستدامة البيئة
(*) حوكمة مؤسسات الدولة: يُقصد بذلك الهدف الإصلاح الإداري وتحسين كفاءة وفاعلية الاجهزة الحكومية، ترسيخ الشفافية ومحاربة الفساد، ويعمل البنك الزراعي على ذلك من خلال تقديم قروض مدروسة وفقاً لضوابط ومعايير واضحة، مما يُعزز شفافية توزيع الموارد، إذ انخفضت نسبة الديون المتعثرة داخل البنك من 70% في 2020 إلى 3.2% في يناير 2025، ومن ناحية أخرى يخضع البنك الزراعي المصري لرقابة من البنك المركزي المصري والجهات الرقابية المختلفة، مما يُعزز مبدأ المساءلة ويمنع الفساد وسوء الإدارة.
(*) السلام والأمن المصري: دعم البنك الزراعي المصري هذا الهدف من خلال تحقيق الأمن الغذائي والمائي في مصر، فجهود البنك المختلفة في القطاع الزراعي تُحقق ذلك الهدف بشكل كبير، إذ أن تقديم القروض الميسرة للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية، يُعزز إنتاج الغذاء المحلي، فبرتوكول تعاون البنك الزراعي مع شركة العمار؛ لتنمية الثروة الحيوانية، يأتي في إطار حرص البنك لتنمية الثروة الحيوانية، وتحفيز صغار المربين لشراء رؤوس الماشية المحسنة وراثياً، وذلك بهدف دعم جهود الدولة لتنمية الثروة الحيوانية، تنفيذاً لتوجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بضرورة الاعتماد على سلالات جديدة من الماشية ذات إنتاجية عالية من اللحوم والألبان، بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج الحيواني وتقليل الفجوة الغذائية من اللحوم ومنتجات الألبان، وبما يسهم في تحسين مستوى معيشة صغار المزارعين والمربين.
فالبنك الزراعي المصري انتهج سياسات جديدة؛ لتمويل الثروة الحيوانية تقوم على ربط الاقراض بالإنتاج، من خلال تحويل التمويل النقدي لتمويل عيني مرتبط بشراء رؤوس الماشية من الموردين المعتمدين لدى البنك، لضمان الاستفادة من التمويل في الغرض المخصص له، بالإضافة إلى توفير تسهيلات غير مسبوقة للمربين؛ للحصول على التمويل اللازم لشراء رؤوس الماشية، ونفقات التربية، من بينها سعر عائد مخفض 5 % ، وأقساط شهرية بسيطة، وفترة سداد تصل إلى 5 سنوات، بالإضافة إلى فترة سماح 12 شهراً في بداية الإقراض، مؤكداً أن كل هذا التسهيلات الغرض منها دعم صغار المربين وزيادة قطيع الثروة الحيوانية في البلاد، ما يسهم في تقليل الفجوة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من منتجات الألبان واللحوم.
وفي عام 2024 ضخ البنك تمويلات بقيمة 25.6 مليار جنيه؛ لزراعة المحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة، كما شارك البنك في مشروع ” البتلو” حيث تم تمويل 44 ألف مستفيد؛ لتربية وتسمين 510 ألف رأس ماشية بإجمالي تمويل بلغ 8.9 مليار جنيه. هذا فضلاً عن تمويل البنك لأنشطة ما بعد الحصاد مثل النقل والتخزين والتعبئة، مما يحد من الفاقد الغذائي، كما أن البنك يُشارك في تمويل مشروعات قومية؛ لزراعة المحاصيل الأساسية مثل ” مشروع زراعة القمح على مستوى الجمهورية”، مما يُقلل الاعتماد على الاستيراد.
وتحقيقاً للأمن المائي أطلق البنك الزراعي برامج تمويل ميسرة لتحويل أنظمة الري التقليدي إلى أنظمة حديثة، بفترة سماح لمدة سنة و تمويل بدون فوائد وفترة سداد تصل إلى عشر سنوات، وبالإضافة إلى ذلك وقع البنك الزراعي بروتوكول تعاون مع شركة السويدي الوطنية؛ لتمويل شراء أنظمة الري المحوري. أسفرت هذه الشراكة عن تصنيع أكثر من 2000 جهاز ري محوري محليًا بنسبة مكون محلي تصل إلى 70%، مما أدى إلى تقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 60% في بعض المشروعات الزراعية. كما أنه بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، أطلق البنك الزراعي مبادرة لتمويل أنظمة الري بالطاقة الشمسية. تهدف هذه المبادرة إلى تقليل الاعتماد على مضخات الديزل، مما يوفر للمزارعين ما يقدر بـ14 مليار جنيه سنويًا من تكاليف الوقود، ويُقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
(*) تعزيز الريادة المصرية: قام البنك الزراعي المصري بتعزيز الريادة المصرية من خلال تعزيز الشراكات إقليمياً ودولياً، إذ تعاون البنك مع البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية؛ لتوفير تمويلات ميسّرة ودعم تقنيات الري بالطاقة الشمسية، مما ساهم في تقليل التكاليف التشغيلية للمزارعين، كما تشارك البنك مع بنوك تنمية إفريقية وعربية مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الإسلامي للتنمية؛ بهدف تبادل الخبرات والحصول على التمويلات الموجهة؛ لدعم التحول الرقمي وتحديث نظم الزراعة والري.
آثار إيجابية:
يترتب على دعم البنك الزراعي المصري لأهداف التنمية المستدامة، العديد من الآثار الإيجابية، التي تتمثل في الآتي:
(&) تعزيز الأمن الغذائي: إن دعم البنك الزراعي لصغار المزارعين والمشروعات الزراعية يؤدي إلى زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين سلاسل الإمداد الغذائي، الأمر الذي يُقلل من الاعتماد على الاستيراد، ويُقلل من الضغط على العملة الأجنبية ويُحسن الميزان التجاري.
(&) تحقيق التنمية الريفية: يترتب على الاستثمارات الزراعية الكبيرة التي يقوم بها البنك الزراعي خلق فرص عمل في المناطق الريفية، الأمر الذي يُقلل الهجرة من الريف إلى المدن، كما أن هذه الاستثمارات تُساهم في تطوير البنية التحتية الريفية (كالطرق والري والكهرباء)، مما يُعزز النشاط الاقتصادي المحلي.
فالبرتوكول الذي عقده البنك الزراعي في مجال الثروة الحيوانية، يُمثل بداية لعقد شراكات كثيرة مع عدد من الشركات وموردي الثروة الحيوانية في كافة محافظات الجمهورية؛ لدعم وتحفيز صغار المزارعين والمربين على تربية الماشية المحسنة وراثياً والتي تمتاز بإنتاجيتها العالية من الألبان، بهدف تحسين مستوى معيشة سكان الريف وتمكينهم اقتصادياً، خاصة وأن تربية الماشية تمثل المصدر الرئيسي للدخل في الريف، وذلك كما أكد الأستاذ سامي عبد الصادق، القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي المصري.
(&) تحسين الاستدامة البيئية: اتباع البنك الزراعي الأساليب التكنولوجية المتطورة في الزراعة، يُساهم في تقليل الانباعاثات الضارة لهذا القطاع، فالقطاع الزراعي مسئول عن 21 % من الانبعاثات الكربونية، التي تُسبب الاحتباس الحراري، ومن هنا يتضح أن الممارسات الزراعية السليمة التي يُشجع عليها البنك الزراعي ستعمل على تحسين الاستدامة البيئة بشكل كبير.
(&) ارتفاع النمو الاقتصادي: يترتب على المساهمة الفعالة للبنك الزراعي المصري في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، رفع معدلات النمو الاقتصادي في الدولة المصرية، فتنمية القطاعات الاقتصادية، خاصة القطاع الزراعي، يرفع القيمة المضافة في الاقتصاد القومي بشكل كبير، الأمر الذي يعود على رفاهية المواطن.
ختاماً، يُمكن القول إن جهود البنك الزراعي المصري خلال الفترة الأخيرة جسدت الأهداف الثمانية للتنمية المستدامة، وهو الأمر الذي يجعله عنصر فاعل في تحقيقها، ليس فقط من خلال التمويل، بل عبر تبني رؤية تنموية شاملة تضع الانسان والبيئة في صميم أولوياتها، فالتزام البنك بدعم المشروعات الزراعية المستدامة وتمكين المجتمعات الريفية يعكس وعياً مجتمعياً بأهمية القطاع الزراعي كدعامة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي والتنمية البيئية، ومع استمرار هذه الجهود يرسخ البنك الزراعي مكانته كشريك تنموي حقيقي يسهم بفعالية في بناء مستقبل أكثر استدامةً وازهاراً.